ارشاد الطالب الی التعلیق علی المکاسب المجلد 1

اشارة

سرشناسه : تبریزی، جواد، 1305 - 1385.

عنوان قراردادی : المکاسب.شرح

عنوان و نام پديدآور : ارشاد الطالب الی التعلیق علی المکاسب / تالیف جواد التبریزی.

مشخصات نشر : قم : دارالصدیقه الشهیده ، 14ق. - = 13 -

مشخصات ظاهری : ج.

شابک : دوره، چاپ چهارم 964-8438-20-X : ؛ 20000 ریال : ج. 1، چاپ چهارم 964-8438-19-6 :

يادداشت : عربی.

يادداشت : فهرستنویسی بر اساس جلد دوم.

يادداشت : کتاب حاضر شرحی برکتاب "المکاسب" تالیف انصاری است.

يادداشت : ج. 1 (چاپ چهارم: 1425 ق.= 1383).

يادداشت : ج. 2 و 3 (چاپ چهارم: 1384).

یادداشت : کتابنامه.

موضوع : انصاری، مرتضی بن محمدامین، 1214-1281ق . المکاسب -- نقدو تفسیر

موضوع : معاملات (فقه)

شناسه افزوده : انصاری، مرتضی بن محمدامین، 1214-1281ق . المکاسب . شرح

رده بندی کنگره : BP190/1 ی/الف8م702128 1300

رده بندی دیویی : 297/372

شماره کتابشناسی ملی :

[المقدمة]

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ

الحمد للّه الذي أنزل القرآن هُدىً لِلنّٰاسِ وَ بَيِّنٰاتٍ مِنَ الْهُدىٰ وَ الْفُرْقٰانِ، و هدانا الى التفقه في أحكام الدين و صلى اللّه على خير خلقه و أفضل بريته المبعوث رحمة للعالمين و الناسخ بشريعته السمحاء شرائع الأولين و على آله الطيبين الطاهرين الهداة المهديين. و اللعنة على أعدائهم من الأولين و الآخرين الى قيام يوم الدين.

و بعد فيقول المعترف بقصور باعه الراجي رحمة ربه جواد بن على التبريزي أن من نعم اللّه سبحانه على أن فقهني في الدين و اجتمع الى ابحاثى الفقهية فريق من أرباب الفضل و رواد العلم الذين أخذوا على عاتقهم حفظ معالم الدين و نشر أحكامه و قد ابدوا رغبتهم الى ضبط محاضراتى التي كان محورها كتاب المكاسب تأليف المحقق البارع وحيد عصره و فريد دهره سماحة آية اللّه العظمى و حجته الكبرى الشيخ مرتضى الأنصاري تغمده اللّه برحمته و

أسكنه بحبوحة جنته الذي نزلت عند نظره انظار الفحول و أعاظم العلماء الأبرار ذوي الحظ الوافر في حفظ آثار المتقدمين و حاز قصب السبق في إحياء علوم الدين و إرشاد المؤمنين الى ما فيه خير الدارين.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 4

فنزلت عند رغبتهم و أجبت مسؤولهم فجمعت محاضراتى في هذا المؤلف المتواضع و سميته (إرشاد الطالب الى التعليق على المكاسب) ليكون تذكرة.

و اللّه تبارك و تعالى أسأل و إياه أرجو أن يجعله ذخرا ليوم فاقتي يوم لا ينفع فيه مال و لا بنون و أن يتقبله بقبوله الحسن انه قريب مجيب و بالإجابة جدير و إياه أستعين فإنه نعم المولى و نعم النصير.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 5

[في المكاسب]

اشارة

قوله (ره) في المكاسب (1)

______________________________

(1) عنوان الكتاب بالمكاسب أولى من عنوانه بالمتاجر، و ذلك، فإن التجارة مصدر ثان لتجر أو اسم مصدر، و معناها البيع و الشراء بغرض الربح، فيطلق التاجر على من تكون حرفته البيع و الشراء و تحصيل الربح بهما، و كيف كان فلا تعم التجارة ما إذا لم يكن البيع أو الشراء بقصد الربح، فضلا عن الأعمال التي يكون الشخص أجيرا عليها، و يقع البحث في الكتاب عن حكم تحصيل المال بها.

و هذا بخلاف المكاسب، فإنه جمع مكسب: بمعنى ما يطلب به المال، فيعم مثل تلك الأعمال.

لا يقال: قد وقع البحث في الكتاب عن حرمة بعض الأعمال و حلها مع عدم تعارف كسب المال بها، كالبحث عن حرمة الغيبة و سب المؤمن، و كما يقال ان البحث فيها استطرادي، كذلك يمكن ان يكون المهم في المقام البحث في الأعيان المحرم و المحلل بيعها و شراؤها، و

ذكر غيرها للاستطراد، فلا موجب لعنوان الكتاب بالمكاسب.

فإنه يقال: قد ذكرنا أن عنوان الكتاب بالمكاسب أولى لا أنه متعين، مع أن الالتزام بكون المقصود بالبحث تلك الأعيان فقط غير سديد، و الا لكان ذكرها في شرائط العوضين من كتاب البيع أولى من إفرادها و البحث فيها قبل كتاب البيع و هذا بخلاف ما لو كان المقصود بيان المكاسب المحرمة و تمييزها عن المحللة منها

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 6

[و ينبغي أولا التيمن بذكر بعض الاخبار]

قوله (ره) و ينبغي أولا التيمن بذكر بعض الاخبار (1).

______________________________

سواء كان الكسب بالأعيان أو المنافع و الأعمال، حيث أن إفرادها و البحث فيها مستقلا أنسب.

(1) كان المناسب التيمن قبل الاخبار بالكتاب المجيد المستفاد منه بعض الضوابط للكسب الحرام، كقوله سبحانه:

لٰا تَأْكُلُوا أَمْوٰالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبٰاطِلِ إِلّٰا أَنْ تَكُونَ تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ مِنْكُمْ «1».

فنقول الأكل في الآية بمعنى وضع اليد و التملك، لا الأكل الخارجي، حيث أن إضافته إلى الأموال موجبة لهذا الظهور، سواء كانت الإضافة إلى عنوان المال أو الى مثل الدار و الثوب من مصاديقه، فإذا قيل أكل زيد دار فلان أو ماله فظاهره وضع يده عليهما و تملكهما.

و الحاصل أن النهى عن الأكل في الآية من قبيل النهى عن المعاملة، و ظهوره فيها هو الإرشاد إلى فسادها، كما أن ظهور النهى المتعلق بالأفعال الخارجية هو تحريمها تكليفا، و ليس المراد أنه لا يمكن النهى عن المعاملة تكليفا، سواء كانت المعاملة بمعناها المصدري أو الاسم المصدري، فإن إمكان النهي عنها كذلك، بل وقوعه في الشرع كحرمة البيع وقت النداء أو حرمة بيع الخمر بمعنى كون بيعها مبغوضا للشارع من الواضحات، كيف و قد وقع الكلام في أن النهى عن معاملة تكليفا

هل يقتضي فسادها أم لا.

بل المراد ان حمل النهى عن معاملة على التكليف يحتاج إلى قرينة، و مع عدم القرينة ظاهره الإرشاد إلى فسادها اى عدم إمضاء الشارع، فمثلا ملاك النهى عن البيع يوم الجمعة- و هو ادراك صلاتها و عدم تفويتها- قرينة على الحكم التكليفي و اللعن الوارد على بايع الخمر و مشتريها قرينة عليها، كما أن قوله عليه السلام ثمن الخمر سحت دليل على فساد المعاملة عليها، حيث ان مع صحتها لا يكون الثمن سحتا.

______________________________

(1) سورة النساء 4: الاية: 29

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 7

..........

______________________________

و على الجملة (فتارة) تكون المعاملة محرمة تكليفا فقط كالبيع وقت النداء، و (أخرى) تكون محرمة وضعا فقط كبيع الميتة على ما سيأتي، و (ثالثة) تكون محرمة وضعا و تكليفا كبيع الخمر، و الآية المباركة دالة على أن أكل أموال الناس و تملكها بالباطل فاسد، و المراد بالتملك بالباطل المحكوم بفساده هو التملك بالباطل و لو ببناء العقلاء.

و الحاصل أن وضع اليد على مال الغير بالنحو الباطل- و لو في اعتبار العقلاء- فاسد عند الشارع أيضا، و ليس المتعلق للنهى هو خصوص التملك بالباطل في اعتبار الشرع، حيث لا معنى للنهى عنه لانه من اللغو الواضح، و ايضا خطاب النهى عن وضع اليد على مال الغير و تملكه بالباطل كسائر الخطابات من قبيل القضية الحقيقية، و الموضوع فيه مطلق التملك بالباطل لا خصوص بعض أنواع التملك، كالقهر على المالك، أو القمار، فمفاد الآية أنه لا يكون وضع اليد على مال الغير مع انطباق عنوان الأكل بالباطل عليه موجبا للملك شرعا، سواء كان سنخ ذلك الوضع في زمان صدور الآية أم لم يكن.

و ما عن السيد

الخوئي أطال اللّه بقاءه من كون الآية ناظرة الى ما كان مرسوما في ذلك الزمان من أنحاء التملك و الحكم عليها بأن كلها باطلة إلا التجارة عن تراض فيه ما لا يخفى.

أما (أولا) فلما ذكرنا من أن متعلق النهى هو التملك بالباطل لا التملك مطلقا، و لا خصوص بعض ما كان مرسوما في ذلك الزمان.

و اما (ثانيا) فلان التجارة عن تراض غير داخل في متعلق النهى حتى مع عدم ذكر الاستثناء، فيكون استثناؤها منقطعا لا متصلا.

و أما (ثالثا) فلان الموجب لأكل مال الغير شرعا لا ينحصر بالبيع و الشراء، فضلا عما إذا كانا بقصد الربح، كما هو ظاهر التجارة، كيف و موجبات التملك كثيرة كالإجارة و الصلح و المزارعة و المساقاة و المضاربة و الوكالة و القرض الى غير ذلك، و الالتزام بالتخصيص و رفع اليد عن الحصر في هذه الموارد الكثيرة بعيد جدا

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 8

قوله (ره) روى في الوسائل و الحدائق (1).

قوله (ره) فقال جميع المعايش (2)

______________________________

(1) لا يخفى أن الاخبار العامة المذكورة في الكتاب كلها ضعيفة سندا فلا يمكن الاعتماد عليها، نعم لا بأس بها لتأييد الحكم بعد استفادته من غيرها.

أما رواية تحف العقول- و ان قيل بان الكتاب من الكتب المعتبرة و أن مؤلفه شيخ صدوق كما عن صاحب الوسائل (ره)- فلا ريب في أنها باعتبار إرسالها ضعيفة فإن غاية الأمر ان يكون كتاب تحف العقول مثل بحار المجلسي أو وسائل الحر العاملي قدس سرهما، و مؤلفه كمؤلفهما.

و من الظاهر أن مجرد اعتبار كتاب لا يقتضي قبول كل ما فيه، كما أن جلالة المؤلف لا تقتضي قبول كل رواياته و الغمض عن رواتها الواقعة

في اسناد تلك الروايات الى الامام عليه السلام.

و الحاصل أنه لا يكفي في العمل بالرواية العدالة أو الوثاقة في خصوص الراوي الناقل لنا حتى مع اعتبار الكتاب، بمعنى عدم وقوع الدس فيه، بل لا بد من إحراز حال جميع رواتها.

و دعوى أن مؤلف تحف العقول قد حذف الأسانيد في غالب روايات كتابه للاختصار لا للإبهام لم يعلم لها شاهد، بل على تقديره ايضا لا يمكن العمل بها، فإنه لا بد في العمل بالرواية من إحراز حال جميع رواتها كما مر، حيث من المحتمل اعتقاد المؤلف صدورها عن الامام عليه السلام لأمر غير تام عندنا، لا حذفها لكون رواتها ثقات أو عدولا.

فالمتحصل أن حذف المؤلف سند الرواية مع الاحتمال المزبور لا يكون توثيقا أو تعديلا لرواتها كما لا يخفى، و مثلها دعوى انجبار ضعفها بعمل المشهور، و ذلك فان بعض الأحكام المذكورة فيها لم يعهد الإفتاء به من فقيه فضلا عن جل أصحابنا، و نحوهما دعوى وجود القرائن في الرواية الكاشفة عن صدق مضمونها كما عن السيد اليزدي (ره)، و لعل الصحيح هو العكس كما هو مقتضى اضطراب متنها، و اشتباه.

المراد و عدم كون العمل معهودا لبعض ظاهرها كما سنشير اليه.

(2) المعايش جمع المعيشة بمعنى ما يعيش به الإنسان مثلا و يتحفظ به على

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 9

قوله (ره) فأول هذه الجهات الأربع الولاية (1) قوله (ره) مما لا يجوز (2) قوله (ره) فكل مأمور به (3) قوله (ره) فكل أمر يكون فيه الفساد (4)

______________________________

حياته، و كان منها المال المكتسب الذي يصرفه في حوائجه، و يكون قوله مما يكون لهم فيه المكاسب بيانا للمعايش بمعنى أن المعايش التي يكون فيها

كسب المال اربع جهات، و يمكن كونه بيانا للمعاملة اى المعاملات التي يراد بها المال أربعة أقسام.

(1) لم يعلم وجه كون الولاية هو الأول و الأخير هي الإجارات، كما لم يعلم الوجه في افراد الإجارات و السكوت عن مثل المزارعة و المساقاة و المضاربة و الوكالة و غيرها، اللهم الا ان يكون التعبير بالأول كلفظة ثم لمجرد العطف و الترتيب في الذكر، و لكن يبقى في البين وجه السكوت عن غير الإجارة.

(لا يقال): الوجه في عدم ذكرها دخولها في الصناعات و التجارات، (فإنه يقال):

التجارة معناها البيع و الشراء بقصد الربح كما مر، فلا يدخل فيها مطلق البيع و الشراء فضلا عن غيرهما، و لو دخلت المزارعة و غيرها في الصناعات لكانت الإجارة أيضا داخلة فيها، فإنه لا فرق بين تسليم الأرض للعامل فيها بالمزارعة و بين إجارتها كما لا يخفى.

(2) يتعلق بالتفسير بإشرابه معنى التمييز اى تفسير وجوه الحلال من التجارات و تمييزها عما لا يجوز للبائع بيعه و للمشتري شراؤه.

(3) ظاهر الرواية أن الموجب لحلية البيع أحد أمرين، (الأول) أن تكون في المبيع مصلحة ضرورية للعباد (الثاني) ما يكون فيه جهة صلاح مقصودة لهم، حيث أن الأول ظاهر قوله فكل مأمور به إلخ، و الثاني ظاهر قوله و كل شي ء يكون لهم فيه الصلاح من جهة من الجهات.

(4) لم يظهر الفرق بين هذا و بين المعطوف على ذلك فيما بعد من قوله أو

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 10

..........

______________________________

يكون فيه وجه من وجوه الفساد، الا أن يقال الفرق هو أن المفروض في الأول كل أمر يكون فيه الفساد المحض، و في الثاني كل شي ء يكون فيه جهة الفساد و لو

مع الصلاح أيضا، و هذا الفرق مقتضى عطف الثاني على الأول بلفظه أو، و فيه ان مجرد اشتمال شي ء على جهة فساد لا يوجب بطلان المعاوضة فيما إذا كانت معها جهة الصلاح ايضا، و قد مر في بيان ضابط صحة البيع و حليته أن الاشتمال على جهة صلاح كاف في حل بيع الشي ء و شرائه.

نعم لا بد من كون جهة الصلاح من المنفعة المقصودة للعقلاء لظهور الصلاح في الشي ء في ذلك، و الا فلا يوجد شي ء خال عن مصلحة ما الا نادرا.

و الحاصل أن الملاك الثاني لفساد البيع غير صحيح، فإنه يصح بيع ما فيه الفساد فيما إذا كانت فيه جهة صلاح مقصودة ايضا، و مع عدم جهة صلاح مقصودة محللة يدخل الشي ء فيما فيه الفساد المحض، بل الموجب لبطلان البيع على ما يأتي خلو الشي ء عن الجهة المقصودة للعقلاء المحللة شرعا، سواء كانت فيه مفسدة أم لم تكن، و هذا الضابط لبطلان البيع لا يستفاد لا من المعطوف، و لا من المعطوف عليه، و لا من الأمثلة الواردة في الحديث، بل في بعضها لا يكون فساد إلا في نفس البيع لا في العوضين، كما في البيع الربوي، فان المتجانسين لا فساد فيهما أصلا، بل الفساد في نفس البيع بالزيادة، و الفساد أو الحرمة في هذا القسم تابع للدليل الدال على ثبوت المنع، بخلاف ما إذا لم يكن في الشي ء المنفعة المحللة المقصودة، أو كانت فيه المفسدة الخالصة، فإن الحكم بالفساد فيهما لا يحتاج الى دليل آخر، كما يأتي تفصيل ذلك ان شاء اللّه تعالى.

ثم انه قد ذكر في الحديث ان في جلود السباع جهة الفساد فلا يصح بيعها، و لعل هذا لا عامل به،

و بهذا يظهر حال ما تقدم من أن ضعف الحديث منجبر بعمل الأصحاب، و مثله المنع عن بيع ما لا يجوز نكاحه فلاحظ.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 11

قوله (ره) يلي أمره (1) قوله (ره) أو يوجر نفسه (2) قوله (ره) من غير ان يكون (3) قوله (ره) أو قرابته (4) قوله (ره) أو وكيله في إجارته (5) قوله (ره) نظير الحمال (6) قوله (ره) و الخنازير و الميتة (7) قوله (ره) فيه أو له أو شي ء منه (8)

______________________________

(1) معطوف على يملك أي إجارته ما يملكه أو يلي أمره، الأول كما في إجارته عبده، الثاني إجارته من يكون له عليه ولاية، و دابته و ثوبه معطوفان على نفسه في قوله فإجارة الإنسان نفسه.

(2) لعله من قبيل الخبر يعنى تفسير الإجارات ان يؤجر نفسه أو داره و نظيره قوله فلا بأس ان يكون أجيرا أي اما تفسير الإجارات فلا بأس أن يكون أجيرا إلخ.

(3) يعتبر ان لا يكون في إجارة نفسه أو مملوكه أو من يلي أمره في جهة من المنافع المحللة داخلا في عنوان الظلمة بأن يعد من أعوان الجائر و عما له، و الا فلا تجوز.

(4) لا ولاية له على غير ولده من أقرباؤه، فيكون عطف القرابة على ولده بلا وجه، الا ان يحمل على صورة الوصاية أو الوكالة، و لكنهما لا تختصان بالقريب.

(5) عطف على نفسه يعنى لا بأس بان يوجر نفسه أو وكيله في إجارته، و المراد بالوكيل الوكيل في العمل، و المراد بضمير الجمع في قوله لأنهم وكلاء الأجير العاملون الذين يكونون وكلاء في العمل عن الذي يؤجرهم من نفسه لا من عند السلطان حتى يكون هو و

هم داخلين تحت عنوان الظلمة.

(6) مثال للموجر الذي يوجر نفسه أو وكيله من عنده لا من عند السلطان.

(7) و لعل الخنازير و الميتة معطوفتان على هدم المساجد، فيكون اجارة نفسه في الخنازير و الميتة باعتبار العمل المناسب لهما.

(8) لعل المراد بالأول كونه أجيرا في نفس العمل المحرم بان يوجده، و المراد بالثاني كونه أجيرا لعمل يكون ذلك مقدمة للمحرم، بان يكون غرض الأجير

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 12

قوله الا لمنفعة من استأجرته (1) قوله (ره) و العمل به و فيه (2) قوله (ره) و في الفقه المنسوب الى مولانا الرضا- عليه السلام (3) قوله (ره) فحرام ضار للجسم (4) قوله (ره) و عن دعائم الإسلام (5)

______________________________

وصول المستأجر بما فعله الى الفعل المحرم، و المراد بالثالث فعل الجزء من المركب المحرم، و المراد من الرابع الإجارة لعمل يكون ذلك مقدمة للجزء من المركب المحرم، ثم ان حرمة الإجارة في غير الفرض الأول مختصة بما إذا قصد بمتعلقها التوصل الى الحرام، و الا فلا وجه للحرمة فضلا عن فسادها.

(1) ظاهره الاستثناء من قوله كل أمر منهي عنه، و لا يبعد ان يكون الصحيح استأجره بدل استأجرته و (التاء) زائدة يعنى كالذي يستأجر الأجير ليحمل الميتة و ينحيها عن أذاه و أذى غيره.

(2) لعل المراد بالأول تمام العمل و بالثاني بعضه.

(3) لم يرد في الرواية ما انحصر المدرك فيه بها، و لو كان واردا لما أمكن الاعتماد عليها حيث لم يثبت ان الكتاب المزبور للإمام عليه السلام، و مجرد دعوى السيد الفاضل الثقة المحدث القاضي أمير حسين رحمة اللّه عليه أنه اطمئن من القرائن بذلك بعد ما أخذه من القميين الذين جاءوا به

الى مكة لا يكون طريقا معتبرا لنا خصوصا مع قوة احتمال ان الكتاب المزبور كان لوالد الصدوق (ره) و وقع الوهم باعتبار التعبير في الكتاب عن المؤلف (ره) بعلي بن موسى، و يؤيد ذلك توافق عباراته غالبا مع عبارات رسالته الى ولده و لتفصيل الكلام محل آخر.

(4) يعنى فحرام بيعه و شراؤه و سائر المعاملة عليه، و ارتكابه ضار للجسم، و قلنا ان المراد بالحرام حرمة بيعه حتى لا يلزم التكرار اللغو كما لا يخفى.

(5) الأمر في الرواية المزبورة كما مر في الفقه الرضوي، و لا يخفى أن ما في دعائم الإسلام على تقدير اعتبار مؤلفه رواية مرسلة حيث ان المؤلف و هو نعمان بن

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 13

قوله (ره) في النبوي المشهور (1)

[أنواع الاكتساب]

قوله (ره) مع إمكان التمثيل (2)

______________________________

محمد بن منصور قاضى مصر المالكي أولا كان في أيام الدولة الإسماعيلية، فلا يمكن روايته عن الصادق عليه السلام بلا واسطة، و الواسطة مجهولة لنا، نعم ذكر في الكتاب أنه حذف الأسانيد للاختصار، و لكن قد تقدم عدم نفع مثل هذه الدعوى، و لا تدخل الرواية معها في موضوع دليل الاعتبار، حتى فيما إذا صرح المؤلف بأن الرواية كانت صحيحة، و ذلك فإن الصحة في كلام القدماء لا يدل على توثيق الراوي، و انما يدل على اعتبارها عند من وصفها بها.

(1) النبوي ضعيف سندا و لكنه صحيح مضمونا، و ذلك فإنه إذا تعلقت الحرمة بعين في خطاب الشرع فظاهره تحريم جميع الأفعال المقصودة منها فيكون أخذ العوض عليها من أكل المال بالباطل، حيث مع التحريم المزبور لا منفعة محللة لها، و هذا بخلاف ما إذا تعلقت الحرمة بفعل خاص من

العين مع بقاء سائر الأفعال المقصودة منها على الحل، كما إذا ورد في الخطاب حرمة أكل التراب فإنه مع بقاء سائر منافعه على الحل لا بأس بالمعاوضة عليه، كما هو كذلك في البلاد التي اراضيها رمل و التراب فيها عزيز.

(2) لا يخفى أن المستحب هو نفس الرعي أو الزراعة لا الاكتساب بهما كما هو مورد الكلام و لو اشتغل أحد بالرعي لنفسه أو لغيره تبرعا فعل المندوب، و كذا الحال في الزراعة بل في الصناعة الواجبة أيضا، حيث ان المطلوب فيها فعل ما يتوقف عليه نظام المسلمين و لو كان بنحو التبرع، و ربما يقال المستحب كالاكتساب للتوسعة على العيال و رفع حوائج الناس، و الواجب كالاكتساب الذي توقف عليه الإنفاق الواجب، و فيه ان الكلام في المقام ليس في الكسب بمعناه المصدري بل في الأعيان أو الأعمال التي يكون كسب المال بها، و أن كسبه بأي منهما حرام أو حلال، و في المذكور نفس الاكتساب مستحب، أو واجب من غير ملاحظة عين خاصة أو عمل خاص كما لا يخفى.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 14

[أنواع المكاسب المحرمة]

اشارة

قوله (ره) بقصد ترتب الأثر المحرم (1) قوله (ره) الا من حيث التشريع (2)

[النوع الأول الاكتساب بالأعيان النجسة عدا ما استثني]

[يحرم المعاوضة على بول]

قوله (ره) يحرم المعاوضة على بول (3)

______________________________

(1) لا يخفى أن حقيقة بيع الخمر و شرائه هو تمليكه للآخر بعوض و تملك العوض من الآخر، و إذا فرض الدليل على حرمة بيعه و شرائه زائدا على الفساد كما هو مقتضى اللعن الوارد على بايعه و مشتريه يكون نفس إنشاء التمليك أو التملك محرما، و على ذلك فتقييد متعلق النهى بما إذا كان قاصدا لترتيب الأثر المحرم بلا وجه، بل لو كان مشتريه مثلا قاصدا شربه بعد تملكه فهو أمر آخر داخل في التجري و لا يرتبط بحرمة نفس البيع و الشراء.

(2) لا يكون التشريع الا بالالتزام بحكم شرعي من غير إحرازه بوجه معتبر، و مجرد بيع الخمر مثلا مع فرض فساده لا يكون تشريعا، حيث ان المتبايعين لا يلتزمان بصحته شرعا حتى يكون البناء المزبور تشريعا، بل غايته إقدامهما على البيع مع علمهما ببطلانه، نظير بيع الغاصب لنفسه، و الحاصل أنهما يلتزمان بالملكية في بنائهما و لا ينسبانها الى الشرع حتى يكون تشريعا.

(3) استدل على بطلان بيع الأبوال النجسة بوجوه ثلاثة: الأول حرمة شربها فيدخل فيما تقدم من أن المنهي عنه باعتبار أكله أو شربه لا يجوز بيعه و شراؤه، و الثاني نجاستها و قد ذكر في حديث تحف العقول عدم جواز بيع أقسام النجس، و الوجهان ضعيفان على ما مر، و الثالث عدم الغرض المحلل للعقلاء في الأبوال النجسة حتى يكون لها المالية المعبر عنها بالقيمة.

أقول الصحيح في عدم جواز بيعها هو هذا الوجه، و بهذا يظهر عدم الفرق بينها و بين الأبوال الطاهرة، لانتفاء المالية فيهما فعلا، و ما يظهر

من المصنف (ره) من الميل الى جواز بيع أبوال ما يؤكل لحمها بناء على جواز شرب أبوالها اختيارا لا يمكن المساعدة عليه، فان شربها ما لم يكن بحيث يبذل باعتباره المال لا يصحح البيع، بل يكون تملك المال بإزائها من أكله بالباطل المحكوم بالفساد في ظاهر

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 15

قوله (ره) عدا بعض افراده كبول الإبل الجلالة (1)

______________________________

الاية المباركة، و ذكر السيد الخوئي أطال اللّه بقاءه أنه لا دليل على حرمته بيع الأبوال النجسة وضعا، فضلا عن حرمته تكليفا، و ذلك فان الآية المباركة ناظرة إلى أسباب تملك مال الغير التي كانت متعارفة زمان الجاهلية، من بيع الحصاة و القمار و نحوهما و ان تلك الأسباب كلها باطلة، إلا التجارة عن تراض، و أما أنه يعتبر في التجارة عن تراض المالية في المبيع فليست الآية في مقام بيان مثل تلك الجهة، بل يكفي في صحة البيع تعلق غرض المشترى بالمبيع حتى لا يكون بذله المال بإزائه سفيها، ثم ذكر أن هذا ايضا لا يعتبر، فإنه لا دليل على بطلان البيع السفهى، بل الدليل دل على بطلان بيع السفيه، و فيه أن عنوان أكل مال الغير بالباطل كسائر العناوين التي تعلق بها الحكم الشرعي في خطابات الشارع في كون مدلولها ثبوت الحكم لعنوان الموضوع بنحو القضية الحقيقية، فإن حمل الخطاب على ثبوت الحكم لعنوان بنحو القضية الخارجية أو على أخذ العنوان مشيرا الى عنوان آخر يكون هو الموضوع في الحقيقة يحتاج إلى قرينة.

و الحاصل ان ظاهر الآية هو أن عنوان تملك مال الغير بالباطل في اعتبار العقلاء فيما إذا تحقق يكون محكوما بالفساد شرعا، و صدق العنوان على تملك المال

بإزاء بول الحمار مثلا فضلا عن الأبوال النجسة كبول الكلب لا يحتاج إلى تأمل، و معه لا يحصل فيه عنوان البيع حتى يحكم بحله، فضلا عن عنوان التجارة عن تراض.

(1) الاستثناء راجع الى عدم النفع المحلل، و لكنه غير صحيح، و ذلك فان بول الإبل الجلالة أو الموطوئة بناء على نجاسته كما هو الصحيح يجرى فيه ما جرى في سائر الأبوال النجسة حتى الوجه الثالث، حيث أن تصوير جواز التداوي بالبول المزبور- في مورد الانحصار به و عدم التمكن من بول الإبل الآخر- لا يوجب كونه من المنفعة المحللة التي توجب المالية، ثم ان ظاهر كلام المصنف (ره)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 16

قوله (ره) فالظاهر جواز بيعها (1) قوله (ره) و بالجملة فالانتفاع بالشي ء حال الضرورة (2)

______________________________

أيضا نجاسة البول المزبور كما هو مقتضى التعرض له في بيع الأبوال النجسة، نعم زعم عدم جريان الوجه الثالث فيه.

(1) قد ذكرنا أن مجرد جواز شرب شي ء أو أكله لا يوجب جواز بيعه و أخذ المال بعوضه، كما أن مجرد عدم جواز أكل شي ء أو شربه لا يوجب بطلان بيعه، بل لا بد من كون الشرب أو الأكل منفعة مقصودة للعقلاء بحيث يبذلون العوض له بلحاظهما و لا يعتبر في المنفعة المقصودة عدم اختصاصهما بحال و عمومهما لجميع الأحوال فلاحظ الأثر الظاهر للثوب السميك المنسوج من الصوف و الوبر حيث ان ذلك الأثر مقصود في حال البرد لا مطلقا، و من ذلك القبيل الأدوية و العقاقير المتعارفة لأن المنفعة المقصودة منها مختصة بحال المرض لا مطلقا، و لو فرض عدم جواز استعمالها في غير حال المرض، فهذا النحو من تحريم الأكل و الشرب لا يوجب

بطلان بيعها و شرائها، بل الموجب له هو ما إذا كان التحريم راجعا إلى المنفعة المقصودة كما ذكرنا.

و مما ذكرنا يظهر أنه لو كانت المنفعة المقصودة من الشي ء منحصرة بالانتفاع به في خصوص حالة الاضطرار الرافع للتكليف كفت في جواز بيعه و شرائه، كما في المظلة التي يستعملها الطيار عند الاضطرار الى الهبوط لاحتراق الطائرة و نحوه، و من هذا القبيل الأدوية أو العقاقير المصنوعة لاستعمالها حالة الاضطرار إليها، مع كونها نجسة أو فيها ما لا يجوز اكله حتى طبا في غير تلك الحالة، و على ذلك فلو كانت هناك رواية دالة على أن حرمة أكل شي ء أو شربه حال الاختيار موجبة لفساد بيعه، فلا بد من رفع اليد عن عمومها في مثل العقاقير و الأدوية، فإنه لا يمكن الالتزام ببطلان المعاملات الجارية عليها و يكون كسائر الموارد التي يرفع فيها اليد عن العمومات بالسيرة الجارية على خلافها في بعض إفرادها.

(2) حاصل ما يذكره في الفرق بين الأدوية التي لا يجوز استعمالها حال الصحة

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 17

لا كتحريم شحوم غير مأكول اللحم (1) و الجواب عنه مع ضعفه (2) اما لجواز شربه اختيارا (3)

______________________________

و بين مثل الأبوال الطاهرة التي لا يجوز شربها اختيارا ان الحرمة في الأول ثابتة لاستعمالها بعنوان أنها ضارة للجسم، و يتبدل هذا العنوان حال المرض، فيكون استعمالها صلاحا للجسم، و هذا بخلاف الأبوال، فإن حرمة شربها بعنوان أنها من الخبائث، و ليس انتفاء الحرمة عن شربها حال التداوي أو غيره لتبدل عنوان الخبيث بالطيب، بل باعتبار الاضطرار الى المحرم، فلا يوجب جواز البيع في الأدوية لثبوت المالية لها قياس الأبوال الطاهرة عليها حتى فيما

إذا استعملت للتداوي.

(1) في كون المحرم علينا خصوص أكلها لا سائر الانتفاعات من الإسراج بها و نحوه، فيكون الفرق بين الشحوم و اللحوم بأن حرمة الأكل في الأول لا توجب فساد البيع، بخلاف حرمة أكل الثاني، حيث ان اللحوم منفعتها المقصودة منحصرة بالأكل.

(2) الجواب عنه مبتدأ و خبره لزوم تخصيص الأكثر، بمعنى أن الأخذ بظاهر النبوي المذكور يلازم تخصيص الأكثر، مع أنه ضعيف سندا و دلالة، و قوله لقصورها تعليل لضعفه في جهة دلالته، و لكن تعليل ضعف دلالته به من قبيل أخذ المدعي دليلا عليه كما لا يخفى.

(3) تقدم أن صحة البيع في شي ء لا تدور مدار جواز شربه، بل اللازم كون شربه من المنفعة المقصودة منه بحيث يخرج أخذ المال بإزائه من أكله بالباطل.

و الظاهر أن الشرب حتى في بول الإبل ليس كذلك، و اما حكم الشرب اختيارا و بلا حاجة إليه فمقتضى موثقة عمار «1» عدم الجواز في بول الإبل و غيره، قال: «سئل أبو عبد اللّه (ع) عن بول البقر يشربه الرجل؟ قال: ان كان محتاجا اليه يتداوى به

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجزء (17) الباب: (59) من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث: (1)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 18

..........

______________________________

يشربه و كذلك أبوال الإبل و الغنم» حيث ان ظاهر التعليق على الشرط انتفاء الجواز مع عدم الحاجة، و به يرفع اليد عن إطلاق نفى البأس في مثل رواية أبي البختري «1» عن جعفر عن أبيه أن النبي (ص) قال: «لا بأس ببول ما أكل لحمه» نعم في رواية الجعفري «2» قال: «سمعت أبا الحسن موسى (ع) يقول: أبوال الإبل خير من ألبانها، و يجعل اللّه الشفاء في ألبانها» و مقتضى

الحكم بكون أبوالها خيرا من ألبانها هو جواز شربه حتى اختيارا، و بلا ضرورة، و بعد وقوع المعارضة بينها و بين المفهوم يرجع الى أصالة الحلية، و دعوى ان الرواية ناظرة إلى بيان حكم طبي لا شرعي يدفعها أن حمل كلام الشارع على بيان مجرد الحكم الطبي خلاف الظاهر، و العمدة في عدم إمكان رفع اليد بها عن المفهوم ضعفها سندا، فان في سندها بكر بن صالح و هو ضعيف، بل و لا يبعد مع فرض المعارضة الرجوع الى عموم حرمة الخبائث فإن الأبوال منها حتى من المأكول لحمه.

اللهم الا ان يقال لم يعلم شمول الخبائث للابوال الطاهرة، حيث من المحتمل كون معناها الرجس المعبر عنه بالفارسية ب (پليد) فتختص بالنجسة منها أضف الى ذلك انه يمكن القول بعدم المفهوم للشرط الوارد في الموثقة، فإن اختصاص حرمة فعل بصورة عدم الحاجة اليه و حله معها غير معهود في الشرع، و الشرط فيها باعتبار أنه لا يكون للإنسان داع الى شرب مثل البول من غير حاجة إليه كالتداوى به ثم ان جواز شرب البول مطلقا أو مع الحاجة الى التداوي به يختص بأبوال ما يؤكل لحمه، و أما الأبوال النجسة فلا يجوز شربها الا مع الاضطرار الرافع للتكليف، و لا يجوز بمجرد الحاجة، و على الجملة الأمر فيها كما في سائر المحرمات.

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجزء (17) الباب: (59) من أبواب الأطعمة المباحة الحديث: (2)

(2) وسائل الشيعة الجزء (17) الباب: (59) من أبواب الأطعمة المباحة الحديث: (3)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 19

كما يدل عليه رواية سماعة (1)

[يحرم بيع العذرة]

يحرم بيع العذرة (2)

______________________________

(1) لا دلالة لرواية سماعة «1» على عدم جواز الشرب مع عدم الحاجة

حيث ان الراوي فرض في سؤاله شربه عند الحاجة لا أنه (ع) أخذه في الجواب قيدا للجواز كما لا يخفى.

(2) المنسوب إلى الشهرة عدم جواز بيع العذرة مما لا يؤكل لحمه، و يستدل عليه برواية يعقوب بن شعيب عن ابى عبد اللّه (ع) قال: «ثمن العذرة من السحت» «2» و في سندها على بن مسكين، و لذلك لا يمكن الاعتماد عليها، مع أنها معارضة برواية محمد بن مضارب عن أبى عبد اللّه (ع) قال: «لا بأس ببيع العذرة» «3» و قد جمع الطوسي (قده) بينهما بحمل الاولى على عذرة الإنسان، و الثانية على عذرة البهائم، و ذكر المصنف (ره) في تقريب الجمع المزبور أن الرواية الأولى نص في عذرة الإنسان و ظاهرة في غيرها، بعكس الثانية، فيطرح ظاهر كل منهما بنص الأخرى، و أيد التقريب بموثقة سماعة قال: «سأل رجل أبا عبد اللّه (ع) و أنا حاضر، فقال: انى رجل أبيع العذرة فما تقول؟ قال: حرام بيعها و ثمنها، و قال: لا بأس ببيع العذرة» «4» باعتبار أن الجمع بين الحكم بعدم الجواز و الجواز في كلام واحد للمخاطب الواحد دليل على أن الموضوع لعدم الجواز غير الموضوع للجواز، فتكون هذه الموثقة قرينة على أن تعارض الروايتين الأولتين ليس باعتبار العلم بعدم ثبوت الحكمين معا، بل باعتبار دلالتهما، فلا يصح فيهما الرجوع الى المرجحات السندية أو الخارجية، كما لا يصح القول بأن الحكم بعد فقد الترجيح هو التخيير بين المتعارضين، أو التساقط، لا طرح ظهور كل منهما

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجزء (17) الباب: (59) من أبواب الأطعمة المباحة، الحديث: (7)

(2) وسائل الشيعة: الجزء (12) الباب: (40) من أبواب ما يكتسب به، الحديث: (1)

(3) وسائل الشيعة:

الجزء (12) الباب: (40) من أبواب ما يكتسب به، الحديث: (2)

(4) وسائل الشيعة: الجزء (12) الباب: (40) من أبواب ما يكتسب به، الحديث: (3)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 20

حمل خبر المنع على التقية (1)

______________________________

كما عليه جمع الطوسي (قده).

أقول: لا يصح جعل الموثقة قرينة على ما ذكر، إذ يحتمل كونها من قبيل الجمع في الرواية، بأن سمع الراوي الحكمين في مجلسين و جمع بينهما في النقل، بل يمكن ايضا كون المخاطب في أحدهما غير المخاطب في الآخر، فتكون الموثقة من الروايتين المتعارضتين، و يؤيد ذلك تكرار (قال) و عطفه على الأول و الإتيان بالاسم الظاهر بدل الضمير، حيث أنه لو كان كلاما واحدا لكان الأنسب أن يقول:

(لا بأس ببيعها)، نعم كونها من الجمع في المروي محتمل ايضا، و لكن اختلاف صدرها و ذيلها يوجب إجمالها، هذا (أولا).

و (ثانيا) أن المتيقن في الإرادة من الخارج لا يوجب أن يكون أحد الدليلين نصا في ذلك المتيقن و ظاهرا في غيره ليجمع بينهما بالأخذ بذلك المتيقن، و طرح الظاهر، كما إذا ورد مثلا الأمر بإكرام العلماء في خطاب، و النهى عنه في خطاب آخر، فان حمل الأول على العادل، و الثاني على الفاسق، بدعوى كون ذلك متيقنا بالإرادة منهما لا يوجب كون الحمل من الجمع العرفي، و مثل الجمع المزبور حمل حرمة البيع و الثمن على الفساد، و حمل نفى البأس على الجواز تكليفا، و ذلك فإنه ليس بأولى من حمل حرمة البيع و تحصيل الثمن على التكليف فقط، و الأخذ بظاهر نفى البأس و هو الإرشاد إلى صحة البيع.

(1) لا يخفى أن الحكم بجواز بيع العذرة لا يحتاج إلى الرواية، فإن وجود المنفعة المقصودة

للعقلاء في شي ء بحيث يبذلون بإزائه المال كاف في نفوذ بيعه، و المعاملة عليه، و قد تقدم أيضا أن مجرد نجاسة شي ء لا يوجب فساد بيعه، و لذا يتعين القول بالجواز، مع أن الترجيح للخبر الدال عليه، لان معظم العامة على المنع.

و ما ذكره المصنف (ره) من أن رواية الجواز لا يجوز الأخذ بها من وجوه لا يمكن المساعدة عليه، فان مراده بالوجوه يمكن أن يكون ضعف الرواية سندا بمحمد بن

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 21

[يحرم المعاوضة على الدم]

يحرم المعاوضة على الدم (1)

______________________________

مضارب، و مخالفتها لفتوى المشهور بالمنع، و كذا مخالفتها للروايات العامة، حيث ذكر في بعضها عدم جواز بيع وجوه النجس، و لكن ضعف السند مشترك بين الرواية الدالة على الجواز و الدالة على المنع، و لم يعلم أن فتوى المشهور بالمنع هل كان لخلل في رواية الجواز غير المعارضة المزبورة، و غير ضعف سندها و خلافها للاحتياط كما أن الروايات العامة لا تصلح للاعتماد عليها كما مر، و على الجملة لا فرق بين الأرواث الطاهرة و النجسة في أن المنفعة المحللة المقصودة كالتسميد بها و استعمالها وقودا كافية في الحكم بجواز الاكتساب بها.

(1) الأظهر جواز المعاوضة عليه فيما إذا فرضت له منفعة محللة، كما في يومنا هذا بالإضافة إلى دم الإنسان، فإنه يستعمل في المعالجة بتزريقه لإنسان آخر يحتاج اليه. و الإجماع التعبدي في المقام غير حاصل، لاحتمال أن المدرك على تقدير الاتفاق بعض الروايات المتقدمة التي علم حالها، و نقل الإجماع لا يزيد على محصله، و كذا الحال في غير دم الإنسان من الدماء النجسة المستعملة للتسميد في المزارع و البساتين و أما مرفوعة أبي يحيى الواسطي «1» الدالة

على عدم جواز بيع الدم، فلضعف سندها لا يمكن الاعتماد عليها، قال: «مر أمير المؤمنين (ع) بالقصابين فنهاهم عن بيع سبعة أشياء من الشاة نهاهم عن بيع الدم و الغدد و آذان الفؤاد و الطحال و الكبد.»

و ما ذكره المصنف (ره) و تبعه السيد الخوئي دام بقاؤه- من كون الرواية ناظرة إلى بيع الدم للأكل، و حرمة البيع في هذا الفرض لا تحتاج الى دليل خاص، فإنها على القاعدة- لا يمكن المساعدة عليه، لإطلاق النهي في الرواية (أولا) و (ثانيا) أن قصد المشترى و علم البائع باستعمال المبيع في المحرم لا يزيد عن بيع العنب مع علم البائع باستعماله المشترى في التخمير، و قد التزموا فيه بالجواز.

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجزء (16) الباب (31) من أبواب الأطعمة المحرمة، الحديث: (2)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 22

[حرمة بيع المني]

و الظاهر أن حكمهم (1)

[يحرم المعاوضة على الميتة]

يحرم المعاوضة على الميتة (2)

______________________________

(1) أى أن الحكم بأن الولد في الحيوانات تابع للام متفرع على أن منى الحيوان لا يكون قابلا لصيرورته ملكا لأحد، و لو كان قابلا له لكان الولد- كالزرع في ملك الغير- ملكا لصاحب الفحل، و على ذلك فلو قيل بأن المنى قابل للتملك كما في منى الإنسان حيث أن الولد فيه تابع للفحل و يكون ملكا لمالك الفحل، فلا بد في الحكم بعدم جواز بيع المنى الواقع في الرحم من التشبث بنجاسته، و لكن هذا التشبث ايضا غير صحيح، و ذلك فإن المني الخارج من الباطن الى الباطن كالدم الموجود في الباطن لا دليل على نجاسته. و علل في الغنية عدم جواز بيع هذا القسم بالجهالة أو عدم القدرة على التسليم ايضا كما في المني الموجود في صلب الفحل المعبر عنه بالعسيب في مقابل الملاقيح المراد بها الواقع في الرحم. و المراد بالجهالة عدم العلم بتكون الولد منه، و يؤيد المنع في العسيب النبوي «أن رسول اللّه (ص)، نهى عن خصال تسعة: عن مهر البغي و عن عسيب الدابة يعني كسب الفحل» «1».

أقول: و لكن الأظهر جوازه، فإن المني الموجود في صلب الفحل- نظير البذر الذي لا يعلم حاله من جهة نموه و عدمه- قابل للبيع، و يكون تسليمه بإرساله للضرب، و الرواية المزبورة ضعيفة سندا، بل و دلالة، فإن ظاهر كسب الفحل إجارته للضرب، و بما أن إجارته لذلك جائزة- كما هو مدلول بعض الروايات المعتبرة- فلا بد من حمل النهى على الكراهة، و في صحيحة معاوية بن عمار عن ابى عبد اللّه (ع) قال: «قلت له: أجر التيوس، قال: ان كانت العرب لتعاير

به و لا بأس» «2» و بهذا يظهر الحال في بيع الملاقيح يعني المني المستقر في رحم الام فيما إذا كان المنى تابعا للفحل، و كان البيع قبل فساده أو استحالته الى الدم.

(2) ذكر (ره) في وجه عدم جواز بيع الميتة وجوها: (الأول)- الاخبار العامة المتقدمة كحديث تحف العقول حيث ذكر فيه عدم جواز بيع النجس و ما نهى عن

______________________________

(1) وسائل الشيعة، الجزء (12) الباب: (5) من أبواب ما يكتسب به، الحديث: (13)

(2) وسائل الشيعة، الجزء (12) الباب: (12) من أبواب ما يكتسب به، الحديث: (2)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 23

..........

______________________________

الانتفاع به (الثاني) أنه لا يجوز الانتفاع بالميتة مطلقا سواء كان الانتفاع بما هو مشروط بالطهارة كالأكل أو الشرب أو اللبس في الصلاة أو كان من غيره من سائر الانتفاعات، كما يظهر ذلك من الاخبار التي ذكر فيها أن الميتة لا ينتفع بها، و إذا كان الانتفاع ممنوعا فتدخل فيما لا نفع فيه، فيكون أخذ الثمن في مقابلها من اكله بالباطل (الثالث) رواية السكوني حيث عد فيها من السحت ثمن الميتة. و لكن يظهر من بعض الروايات جواز بيع الميتة، كرواية الصيقل قال: «كتبوا الى الرجل:

جعلنا اللّه فداك، انا قوم نعمل السيوف ليست لنا معيشة و لا تجارة غيرها، و نحن مضطرون إليها، و انما علاجنا جلود الميتة و البغال و الحمير الأهلية لا يجوز في أعمالنا غيرها، فيحل لنا عملها و شراؤها و بيعها و مسها بأيدينا و ثيابنا و نحن نصلي في ثيابنا، و نحن محتاجون الى جوابك في هذه المسألة يا سيدنا لضرورتنا؟ فكتب: اجعل ثوبا للصلاة.» «1» و ناقش (ره) في دلالتها على جواز بيع الميتة

بما أشار إليه بقوله «و يمكن أن يقال ان مورد السؤال.» و حاصله أنه لم يفرض في الرواية تعلق البيع بجلود الميتة أو غلاف السيوف مستقلا أو في ضمن بيع السيوف حتى يكون نفى البأس المستفاد من التقرير دليلا على جواز بيع الميتة، بل غايته دلالتها على جواز الانتفاع بالميتة بجعلها غمدا للسيف الذي يباع بشرط الغمد.

أقول: مورد السؤال في الرواية شراء الجلود و بيعها و مس تلك الجلود بأيديهم و ثيابهم، حيث أن الصيقل أو ولده لم يكن شغلهم شراء السيوف و بيعها، بل عملها و بيعها، كما أنه لا معنى للسؤال عن مس السيوف بأيديهم و ثيابهم و ترك السؤال عن مس الجلود كما لا يخفى، و ناقش (ره) (ثانيا) بأن دلالة الرواية على جواز بيع الميتة و شرائها بالتقرير و لا اعتبار به، فإنه غير ظاهر في الرضا خصوصا في المكاتبات المحتملة للتقية.

______________________________

(1) وسائل الشيعة: الجزء (12) الباب (38) من أبواب ما يكتسب به، الحديث (4)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 24

و لكن الإنصاف أنه إذا قلنا بجواز الانتفاع (1)

______________________________

و فيه أن مورد السؤال- كما ذكرنا- استعمال الجلود و بيعها و شراؤها و مسها بالأيدي و الثياب و الصلاة في تلك الثياب، و نهى الامام (ع) في الجواب عن الصلاة فيها و السكوت عن الباقي ظاهر في جواز غيرها، و هذا إطلاق مقامي، لا ترك للتعرض لما يكون في ذهن السامع و إقراره على اعتقاده، كما هو المراد بالتقرير.

و ربما نوقش في الرواية بوجه ثالث و هو أن المفروض فيها الاضطرار الى الاستعمال، و الكلام في المقام في الاختيار، و فيه أن الاضطرار المفروض فيها بمعنى الحاجة، لا الاضطرار

الرافع للتكليف، مع أن الاضطرار إلى المعاملة الفاسدة لا يصححها، و بعبارة أخرى عدم جواز بيع الميتة وضعي لا تكليفي، و الاضطرار أو الإكراه يكون رافعا للتكليف لا موجبا لصحة المعاملة.

و الصحيح في الجواب ان الرواية في سندها ضعف لجهالة الصيقل و ولده فلا يمكن الاعتماد عليها (لا يقال): (راوي المكاتبة محمد بن عيسى لا الصيقل و أولاده، و الا لكان هكذا قالوا كتبنا الى الرجل، و الحاصل أن ضمير الفاعل في قال يرجع الى محمد بن عيسى فلا يضر باعتبارها جهالة الصيقل و أولاده، (فإنه يقال) نعم راوي المكاتبة محمد بن عيسى الا أن نقل القضية الراجعة إلى الغير و منها المكاتبة (تارة) يكون بشهود الناقل و حضوره تلك الواقعة و في مثل ذلك لا يضر جهالة ذلك الغير باعتبار الرواية، و (أخرى) يكون نقلها بحسب حكاية نفس ذلك الغير، و في مثل ذلك تكون جهالة ذلك الغير موجبة لسقوط النقل عن الاعتبار. و رواية محمد بن عيسى من قبيل الثاني، كما هو مقتضى كلمة عن الداخلة على ابى القاسم الصيقل و ولده في سندها، و الا لكان المتعين أن ينقل الطوسي (ره) الرواية هكذا: (محمد بن الحسن الصفار عن محمد بن عيسى، قال: ان أبا القاسم الصيقل و ولده كتبوا الى الرجل).

(1) ثم ذكر (ره) أنه لا بأس ببيع الميتة على تقدير الالتزام بجواز الانتفاع بها، كما هو الحال في الانتفاع بجلودها في غير ما هو مشروط بالطهارة، فإن حديث

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 25

و مما ذكرنا يظهر قوة جواز بيع الميتة (1)

______________________________

تحف العقول لا ينافي جواز البيع في الفرض، لأن النهي عن بيع أقسام النجس معلل فيه

بعدم جواز الانتفاع، فلا يشمل النجس الذي يجوز الانتفاع به، و كذا الحال في رواية دعائم الإسلام، حيث أنها لا تشمل ما يجوز الانتفاع به. و الإجماع على عدم جواز بيع النجس في فرض عدم جواز الانتفاع، كما يظهر ذلك مما ذكروه في جواز بيع الزيت النجس للاستصباح، و في جواز بيع العبد الكافر و كلب الصيد و نحوه.

(أقول): لم يذكر (ره) وجه رفع يده عن ظاهر رواية السكوني الدالة على بطلان بيع الميتة، كما هو مقتضى كون ثمنها سحتا.

(1) الأظهر عدم جواز بيع الميتة مطلقا حتى مع جواز الانتفاع بها، أما جواز الانتفاع، فلان المنع و ان كان ظاهر بعض الروايات، الا أنه لا بد من رفع اليد عن ظهورها بحملها على كراهة الانتفاع، بقرينة ورود الترخيص في البعض الآخر من الروايات، و في صحيحة على بن المغيرة قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: الميتة ينتفع منها بشي ء؟ فقال: لا.» «1» و موثقة سماعة، قال: «سألته، عن جلود السباع أ ينتفع بها؟ فقال: إذا رميت و سميت فانتفع بجلده، و اما الميتة فلا» «2» و صحيحة الكاهلي، قال: «سأل رجل أبا عبد اللّه عليه السلام و أنا عنده، عن قطع أليات الغنم؟

فقال: لا بأس بقطعها إذا كنت تصلح بها مالك، ثم قال: ان في كتاب على عليه السلام أن ما قطع منها ميت لا ينتفع به» «3» الى غير ذلك، و ربما يحمل النهى فيها على الكراهة بشهادة رواية ابن إدريس عن جامع البزنطي صاحب الرضا عليه السلام قال:

«سألته، عن الرجل يكون له الغنم يقطع من ألياتها و هي أحياء، أ يصلح أن ينتفع بما

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجزء (17) الباب: (34) من

أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث: (1)

(2) وسائل الشيعة الجزء (17) الباب: (34) من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث: (4)

(3) وسائل الشيعة الجزء (16) الباب: (30) من أبواب الذبائح- الحديث: (1)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 26

..........

______________________________

قطع؟ قال: نعم يذيبها و يسرج بها و لا يأكلها و لا يبيعها» «1» و رواها أيضا في قرب الاسناد عن عبد اللّه بن الحسن عن جده عن على بن جعفر عن أخيه عليه السلام.

و لكن مثل هذه الرواية لا تصلح لرفع اليد بها عن ظاهر ما تقدم، فان طريق ابن إدريس إلى جامع البزنطي غير معلوم لنا، و في سند قرب الاسناد عبد اللّه بن الحسن العلوي و لم يثبت حاله، كما لا تصلح لذلك رواية الصيقل المتقدمة، لضعفها على ما تقدم، و ان كانت دلالتها على جواز الانتفاع بل على جواز البيع تامة، كما لا تصلح لرفع اليد عن ظهور ما تقدم رواية أبي بصير، قال: «سألت أبا عبد اللّه (ع) عن الصلاة في الفراء؟ فقال: كان على بن الحسين (ع) رجلا صردا فلا تدفئه فراء الحجاز، لان دباغها بالقرظ، فكان يبعث الى العراق فيؤتى مما قبلكم بالفرو فيلبسه، فإذا حضرت الصلاة ألقاه و القى القميص الذي يليه، فكان يسأل عن ذلك، فيقول:

ان أهل العراق يستحلون لباس الجلود الميتة، و يزعمون أن دباغه ذكاته» «2».

و الوجه في عدم صلاحها ضعف سندها (أولا)، و عدم ظهور جهة إلقاء الفرو المزبور (ثانيا)، فان الفرو المفروض باعتبار أخذه من بلد الإسلام محكوم بالتذكية، و الاحتياط لا يجري في أمثال المقام مما يعلم صحة العمل حتى مع النجاسة الواقعية أو لبس الميتة، كما هو مقتضى حديث لا تعاد، فلا يصح ما

قيل من أن الإلقاء كان للاحتياط، كما أن التعليل و الاستمرار على العمل لا يناسبان القول بأنه عليه السلام كان عالما بعلم الإمامة أن الفرو المزبور من الميتة، بل العمدة في الحمل على الكراهة صحيحة على بن جعفر عن أخيه عليه السلام قال: «سألته عن الماشية تكون لرجل، فيموت بعضها أ يصلح له بيع جلودها و دباغها و يلبسها؟ قال: لا، و ان

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجزء (16) الباب: (30) من أبواب الذبائح- الحديث: (4)

(2) التهذيب الجزء (2) الباب (11) ما يجوز الصلاة فيه من اللباس، الحديث: (4)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 27

..........

______________________________

لبسها فلا يصلى فيها» «1»، فإنها ظاهرة في جواز لبسها في غير الصلاة، و أن قوله عليه السلام و ان لبسها استثناء عن النهى، و الا لكان التعبير هكذا: (و لا يلبسها و لا يصلى فيها) ليستفاد منه حرمة اللبس و المانعية للصلاة معا، و مثلها موثقة سماعة، قال: «سألته عن جلد الميتة المملوح و هو الكيمخت؟ فرخص فيه، و قال: ان لم تمسه فهو أفضل» «2» حيث يحمل الترخيص على الانتفاع باللبس و نحوه لا ما يعم البيع بقرينة النهي عن بيع الميتة في الصحيحة المتقدمة.

و يؤيد جواز الانتفاع الروايات المتقدمة التي كان في سندها ضعف، و أما المنع عن بيع الميتة فمضافا إلى صحيحة على بن جعفر المتقدمة يقتضيه ما ورد في كون ثمن الميتة سحتا «3» و لكن في السند ضعفا، لأن السكوني و ان كان لا بأس به على ما ذكره الشيخ في العدة من أن الأصحاب قد عملوا برواياته، الا أن الراوي عنه- و هو النوفلي- فيه كلام، و لكن ليس هو على نقل

الصدوق في الخصال راويا عن السكوني، الا أن في السند موسى بن عمرو، و ليس عندي توثيق له.

و الحاصل أن الرواية مؤيدة و العمدة في المنع الصحيحة، و هي لا تشمل الأجزاء التي لا تحلها الحياة، و لا الميتة من الحيوان الذي لا يكون له دم، بل لو تم الإطلاق لما تحله الحياة، لرفع اليد عنه بمثل حسنة حريز، قال: «قال أبو عبد اللّه عليه السلام لزرارة و محمد بن مسلم: اللبن و اللبأ و البيضة و الشعر و الصوف و القرن و الناب و الحافر و كل شي ء يفصل من الشاة و الدابة فهو ذكى، و ان أخذته منه بعد أن يموت فاغسله و صل فيه» «4» حيث أن ظاهرها أن مثل المذكورات محكومة بالذكاة، فيجوز أكلها أو لبسها في الصلاة، الى غير ذلك من أحكام التذكية التي

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجزء (16) الباب: (34) من أبواب الأطعمة المحرمة الحديث: (6)

(2) وسائل الشيعة الجزء (16) الباب: (34) من أبواب الأطعمة المحرمة الحديث: (8)

(3) وسائل الشيعة الجزء (12) الباب: (5) من أبواب ما يكتسب به، الحديث: (5)

(4) وسائل الشيعة الجزء (16) الباب (33) من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث (3)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 28

لم يجز بيعه ايضا (1) مع أن المروي عن أمير المؤمنين عليه السلام (2)

______________________________

منها جواز البيع.

(1) بل الأظهر جواز بيع المذكى المشتبه من غير حاجة الى دليل خاص عليه، و الوجه في ذلك أن الانتفاع من الميتة بسائر الانتفاعات غير المشروطة بالطهارة و التذكية جائز كما تقدم، سواء كانت الميتة مشتبهة أو ممتازة، كما أنه لا بأس بمثل هذه الانتفاعات من المذكى المشتبه بالميتة قطعا، و هذه المنفعة

المحللة توجب المالية، غاية الأمر أنه يرفع اليد عن ذلك في الميتة بقيام الدليل على المنع عن بيعها، و أما في ناحية المذكى المشتبه فلم يقم دليل على المنع، فيحكم بصحة بيعه أخذا بالإطلاق في مثل أحل اللّه البيع، و على ذلك فيقع البيع في الفرع المفروض على المذكى، و يسلم البائع كلا المشتبهين إلى المشتري ليقبض ما يصح بيعه من غير فرق بين إسلام المشترى و كفره. و لعل ذكر المستحل في الصحيحتين باعتبار أن المسلم لا يقدم غالبا على شراء المذكى بداعي الانتفاع بمثل تلك الانتفاعات و هذا بخلاف المستحل فإنه يشتريه، و علم البائع بأن المشتري المستحل يستعمله في الأكل لا يضر بجواز البيع، كما يأتي في مسألة بيع العنب ممن يعلم أنه يعمله خمرا.

(2) رواه في المستدرك عن الجعفريات، أخبرنا محمد، حدثني موسى، قال: «حدثني أبى عن أبيه عن جده جعفر بن محمد عن أبيه عن على عليه السلام أنه سئل عن شاة مسلوخة و أخرى مذبوحة عن عمى على الراعي أو على صاحبها، فلا يدرى التذكية من الميتة، قال: يرمى بها جميعا الى الكلاب» و ظاهرها عدم جواز الانتفاع بالميتة أصلا، فتكون من الروايات المحمولة على الكراهة.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 29

فافهم (1) و يمكن حملها على صورة قصد البائع (2) و في مستطرفات السرائر (3)

______________________________

(1) لعله إشارة الى أن التفصيل بين المشتبهات و ان كان خلاف ما ذكره (ره) في الأصول من أنها لا تجري في أطراف العلم الإجمالي، سواء كانت موافقة لمقتضى العلم الإجمالي بالتكليف- كما في المقام- أو مخالفة له، باعتبار أن شمولها لاطرافه يوجب التناقض في مدلول دليلها، الا أن القائل بجواز

ارتكاب بعض أطراف العلم تخييرا يلتزم بالتفصيل المزبور، فالإشكال عليه بجريان استصحاب عدم التذكية في كل منهما مبنى على ذلك المسلك.

نعم لقائل أن يقول: ان موضوع عدم جواز البيع هي الميتة، لا غير المذكى، و استصحاب عدم التذكية لا يثبت عنوان الميتة، فلا بأس باستصحاب عدم كون المبيع ميتة، بناء على عدم تساقط الأصلين المتنافيين معا، للعلم بالتكليف، بل يجري أحدهما تخييرا، و الحاصل أن مقتضى الأصل جواز بيع أحدهما.

نعم القول بجواز ارتكاب بعض الأطراف في نفسه ضعيف، و توضيحه موكول الى محله.

(2) لا يخفى عدم الموجب لذلك، فإنه لم يفرض في قوله عليه السلام:

(إذا اختلط الذكي بالميت) في صحيحة الحلبي اختلاط جميع أجزاء الحيوان أو اشتباه أحد الحيوانين بالاخر، ليقال: ان المراد منه قصد بيع الأجزاء التي لا تحلها الحياة بل الكلام المزبور يعم ما إذا كان هناك مقدار من اللحم أو الشحم بعضه مذكى و بعضه ميتة و قد اختلطا كما لا يخفى.

(3) لم يظهر وجه ذكر الرواية في اشتباه المذكى بالميتة. و لعل هذا الكلام كان بعد التعرض لرواية الصيقل و قبل قوله: (و لكن الإنصاف أنه إذا قلنا بجواز

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 30

مع أنها معارضة بما دل (1) لوجود المقتضى و عدم المانع (2)

[يحرم التكسب بالكلب الهراش و الخنزير البريين]

يحرم التكسب بالكلب الهراش و الخنزير البريين (3)

______________________________

الانتفاع) حيث أنه ربما يقع الوهم بأن رواية البزنطي- مثل رواية الصيقل- منافية للأدلة المانعة عن بيع الميتة،

(1) و رواه الكليني عن الحسين بن محمد عن معلى بن محمد عن الحسن بن على، قال: «سألت أبا الحسن عليه السلام، فقلت: جعلت فداك: ان أهل الجبل تثقل عندهم أليات الغنم فيقطعونها؟ قال: هي حرام، قلت

فنصطبح بها؟ قال: أ ما تعلم أنه يصيب اليد و الثوب و هو حرام» «1» و لا يخفى أن هذه الرواية لا تصلح لمعارضة ما دل على جواز الانتفاع بالميتة، و منه رواية جامع البزنطي، و ذلك فان ظاهر قوله عليه السلام: (و هي حرام) حرمة أكل الاليات المقطوعة، و لذا أعاد السائل السؤال عن سائر الانتفاعات، و مقتضى قوله عليه السلام في الجواب ثانيا: (أ ما تعلم) كون النهى عن الانتفاعات المزبورة إرشاديا لئلا يبتلى الشخص المستعمل تلك الاليات بنجاسة البدن و الثوب، و الا فلا يكون اصابة اليد أو مس الميتة و لو عمدا حراما تكليفا، بل على تقدير كون المنع عن الانتفاع تكليفا، يحمل على الكراهة جمعا، كما تقدم. و كون المراد بالحرام هي الكراهة ككون المراد بالوجوب الاستحباب غير عزيز في الروايات.

(2) لا يخفى أن المانع ما عد فيه ثمن الميتة من السحت، و لا عذر لمثل المصنف (ره) الذي لا يلاحظ سند الروايات في الإغماض عنها، فإن الإطلاق فيه يعم ميتة ما لا نفس له، الا أن يعتذر بعدم عمل المشهور بهذا الإطلاق.

(3) يشهد لذلك مثل صحيحة محمد بن مسلم و عبد الرحمن بن ابى عبد اللّه

______________________________

(1) وسائل الشيعة: الجزء (16) الباب (32) من أبواب الأطعمة المحرمة، الحديث (1)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 31

..........

______________________________

معا عن ابى عبد اللّه عليه السلام قال: «ثمن الكلب الذي لا يصيد سحت» «1» فإن الرواية لو لم تكن ظاهرة في خصوص الكلب الهراش فلا ريب في أنها تعمه، بل في ثبوت المالية لكلب الهراش الموجبة لخروج أخذ العوض عليه عن عنوان الأكل بالباطل تأمل. نعم لا ريب في جواز التكسب

به بمثل من يكون خبرته في جمع تلك الكلاب و قتلها تحصيلا لراحة الناس، و التكسب بهذا النحو خارج عن مدلول الرواية، و ليس لدينا إجماع تعبدي يمنع عن ذلك، و أما الخنزير فيستفاد فساد بيعه من مثل صحيحة على بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليه السلام قال: «سألته عن رجلين نصرانيين باع أحدهما خمرا أو خنزيرا إلى أجل، فأسلما قبل أن يقبضا الثمن، هل يحل له ثمنه بعد الإسلام؟ قال: انما له الثمن فلا بأس أن يأخذه» «2» حيث أن ظاهر السؤال ارتكاز فساد بيع المسلم الخمر أو الخنزير، و انما سأل عن أخذ الثمن باعتبار فرض البيع حال الكفر، و ظاهر الجواب ايضا أن عدم وقوع البيع حال الإسلام و حدوث ملك الثمن حال الكفر موجب لعدم البأس بأخذه. و في مرسلة ابن ابى عمير عن الرضا عليه السلام قال: «سألته عن نصراني أسلم و عنده خمر أو خنزير، و عليه دين هل يبيع خمرة أو خنازيره و يقضى دينه؟ قال: لا» «3» نعم في حسنة محمد بن مسلم عن ابى جعفر عليه السلام «في رجل كان له على رجل دراهم، فباع خمرا و خنازير و هو ينظر فقضاه، فقال: لا بأس به أما للمقتضي فحلال، و أما للبائع فحرام» «4» و لكن لا بد من حملها على بيع الكافر من مثله، بقرينة ذكر الخمر المحكوم بيعه بالبطلان جزما، فيما إذا كان بايعه مسلما.

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجزء (12) الباب: (14) من أبواب ما يكتسب به- الحديث: (3)

(2) وسائل الشيعة الجزء (12) الباب: (61) من أبواب ما يكتسب به- الحديث: (1)

(3) وسائل الشيعة الجزء (12) الباب: (57) من أبواب ما يكتسب به-

الحديث: (1)

(4) وسائل الشيعة الجزء (14) الباب: (60) من أبواب ما يكتسب به- الحديث: (2)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 32

..........

______________________________

و الحاصل أنه لا يمكن الأخذ بإطلاق الرواية حتى تقع المعارضة بينها و بين ما تقدم، و مثلها صحيحة زرارة عن ابى عبد اللّه عليه السلام «في الرجل يكون لي عليه الدراهم، فيبيع بها خمرا أو خنزيرا، ثم يقضى منها؟ قال: لا بأس به، أو قال خذها» «1». و على الجملة فلا بأس بالانتفاع بمثل جلد الخنزير و شعره كما هو مقتضى أصالة الحل، و لكن لا يجوز بيعه، كما تقدم نظير ذلك في الميتة، و ربما يقال أن جواز الانتفاع بمثل جلده بل جواز بيعه مقتضى بعض الروايات: (منها) رواية سليمان الإسكاف قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن شعر الخنزير يخرز به؟ قال: لا بأس به، و لكن يغسل يده إذا أراد أن يصلى» «2» و رواية برد الإسكاف، قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن شعر الخنزير يعمل به؟ قال: خذ منه فاغسله بالماء حتى يذهب ثلث الماء و يبقى ثلثاه، ثم اجعله في فخارة جديدة ليلة باردة، فإن جمد فلا تعمل به، و ان لم يجمد فليس له دسم فاعمل به، و اغسل يدك إذا مسسته عند كل صلاة، قلت و وضوء؟ قال: لا اغسل يدك كما تمس الكلب» «3» و نحوها غيرها.

و لكن لا يخفى عدم الدلالة فيها على جواز البيع أصلا، فإن العمل بشعر الخنزير حتى فيما إذا كان بنحو الصنعة يمكن وقوعه بنحو الإجارة، بأن يكون الشخص أجيرا للخرازة أو صنع الحمائل من شعر الخنزير، و لا ينحصر الكسب به بالبيع، و بما

أن الروايات المشار إليها واردة في حكم العمل بشعر الخنزير، لا الكسب به، فلا يمكن دعوى إطلاقها و شمولها لبيع المصنوع من شعر الخنزير كما لا يخفى.

و هذا مع الإغماض عن ضعفها سندا بل دلالة أيضا، فإنه لو جاز الانتفاع بشعر الخنزير،

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجزء (12) الباب: (60) من أبواب ما يكتسب به- الحديث: (3)

(2) وسائل الشيعة الجزء (2) الباب: (13) من أبواب النجاسات- الحديث: (3)

(3) وسائل الشيعة الجزء (12) الباب: (58) من أبواب ما يكتسب به، الحديث: (2)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 33

[و كل مسكر مائع و الفقاع]

و كل مسكر مائع و الفقاع (1)

______________________________

فلا يفرق بين كون الشعر دسما أولا، و لا أظن الالتزام بالتفصيل من أحد، و ربما يقال باستفادة جواز الانتفاع من صحيحة زرارة عن ابى عبد اللّه عليه السلام، قال: «سألته عن الحبل يكون من شعر الخنزير يستسقى به الماء من البئر هل يتوضأ من ذلك الماء؟

قال: لا بأس» «1». و غير خفي أن الحكم بجواز الوضوء لا يلازم الحكم بجواز استعمال شعر الخنزير كالاستسقاء به من البئر، فإنه يمكن أن يكون الوضوء بالماء المزبور جائزا مع حرمة إخراج ماء البئر بذلك الحبل، كما هو الحال في الاستسقاء بحبل الغير، فإنه يجوز الوضوء من ذلك الماء مع أنه لا يمكن الالتزام بجواز إخراج الماء به بلا اذن مالكه، و بعبارة أخرى لا يستلزم جواز الانتفاع بالوضوء من الماء المزبور على تقدير الاستسقاء جواز استعمال نفس ذلك الشعر أو الاستسقاء به، كما لا يخفى.

(1) بلا خلاف معروف أو منقول، و قد نزل الفقاع- بل كل مسكر- منزلة الخمر في بعض الروايات المعتبرة، و مقتضى هذا التنزيل ترتيب جميع آثار الخمر، و في

صحيحة على بن يقطين عن ابى الحسن الماضي عليه السلام- قال: «ان اللّه عز و جل لم يحرم الخمر لاسمها، و لكن حرمها لعاقبتها، فما كان عاقبته عاقبة الخمر فهو خمر» «2».

و في موثقة ابن فضال، قال: «كتبت الى أبى الحسن عليه السلام أسأله عن الفقاع؟ فقال: هو الخمر و فيه حد شارب الخمر» «3» و قريب منهما غيرهما، و كيف كان فيستفاد من بعض الروايات حرمة المعاملة على المسكر تكليفا و وضعا، ففي موثقة زيد بن على عن آبائه عليهم السلام، قال: «لعن رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله الخمر

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجزء (1) الباب: (14) من أبواب الماء المطلق، الحديث: (2)

(2) وسائل الشيعة الجزء (17) الباب: (19) من أبواب الأشربة المحرمة، الحديث (1)

(3) وسائل الشيعة الجزء (17) الباب: (27) من أبواب الأشربة المحرمة الحديث: (2)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 34

..........

______________________________

و عاصرها و معتصرها و بائعها و مشتريها و ساقيها و آكل ثمنها و شاربها و حاملها و المحمولة إليه» «1» حيث أنها دالة على حرمة بيعها تكليفا، كما هو ظاهر لعن بائعها و مشتريها، و فساده وضعا كما هو مقتضى لعن آكل ثمنها، و في مقابلها صحيحة جميل التي رواها ابن ابى عمير و على بن حديد جميعا عنه قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام يكون لي على الرجل الدراهم، فيعطيني بها خمرا؟ فقال: خذها ثم أفسدها، قال على: و أجعلها خلا» «2».

و ظاهرها جواز أخذ الخمر و معاوضتها بالدراهم، و قد حملها المصنف (ره) على أحد أمرين: (الأول) إبراء المديون عما عليه من الدراهم و أخذ الخمر مجانا و الانتفاع بها بعد ذلك بجعلها خلا.

(و الثاني)- أخذ الخمر أمانة بأن ثبت الحق فيها لمعطيها، ثم يجعلها الأخذ خلا و يتملك ذلك الخل عن مالكه المديون وكالة أو تقاصا، و لكن كلا الأمرين طرح لظهورها في مقام المعارضة كما لا يخفى.

و ذكر السيد الخوئي طال بقاؤه أن هذه الرواية عامة من جهة بايع الخمر، أي أنها بإطلاقها تشمل كونه مسلما أو كافرا، و خاصة من جهة المعاملة، حيث أنها بقصد التخليل. و في مقابل ذلك ما يدل على أنه لا يجوز للمسلم بيع الخمر سواء كان بقصد التخليل أو غيره، و هذا خاص من جهة البائع و عام من جهة المعاملة، فتقع المعارضة بينهما في البائع المسلم فيما إذا كان بيعه للتخليل، و بعد تساقطهما يرجع الى إطلاق قوله عليه السلام: (ثمن الخمر سحت)، و الرواية المزبورة رواية يونس في مجوسي باع خمرا أو خنازير الى أن قال: «أسلم رجل و له خمر أو خنازير، ثم مات و هي في ملكه- الى ان ذكر- و ليس له أي للمسلم أن يبيعه و هو حي و لا يمسكه» «3» و نحوها

______________________________

(1) وسائل الشيعة، الجزء (12) الباب: (55) من أبواب ما يكتسب به، الحديث: (3)

(2) وسائل الشيعة، الجزء (17) الباب: (31) من أبواب الأشربة المحرمة: الحديث: (6)

(3) وسائل الشيعة، الجزء (12) الباب: (57) من أبواب ما يكتسب به، الحديث: (1)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 35

..........

______________________________

مرسلة ابن ابى عمير أو أبي نجران «1» و فيه أن رواية يونس ضعيفة سندا. نعم مرسلة ابن ابى عمير لا بأس بها على شهادة الشيخ (ره) في العدة من أنه لا يرسل و لا يروى إلا عن ثقة، حيث أن هذا الكلام

منه (ره) توثيق عام لمشايخ ابن ابى عمير لا يرفع اليد عنه الا في موارد علم فيها نقله عن غير الثقة، و ليس لنا علم- و لو إجمالا- بإرساله عن غير الثقة حتى يمنع هذا العلم عن الأخذ بمرسلاته، نعم بالإضافة إلى رواياته المسندة فروايته فيها عن غير الثقة معلوم إجمالا، و لكن هذا العلم ينحل بالظفر بأشخاص نحتمل انحصار غير الثقة من مشايخه بهم، و لكن سيأتي عدم تمامية ذلك و أنه لا اعتبار لمرسلاته.

و مع الإغماض عن السند فلا يتم ما ذكر، لظهور صحيحة دراج في جواز شراء الخمر مطلقا، سواء كان بقصد التخليل أو لغاية أخرى، و الأمر بجعل الخمر خلا حكم آخر في الرواية، و ليس قيدا لجواز شرائها، فإنه فرق بين قوله: (خذها و اجعلها خلا) كما في الرواية، و بين قوله (خذها إذا جعلتها خلا)، حيث إن الأول كنظائره من الأمر بتغسيل الميت و الصلاة عليه لا يوجب تقييدا في الحكم الأول، و على ذلك فظاهر الصحيحة جواز شراء الخمر وضعا و تكليفا، فتكون منافية لما دل على حرمة بيعها و فساده، و الترجيح مع الاخبار الدالة على المنع تكليفا و وضعا، لموافقتها للكتاب العزيز الدال على لزوم الاجتناب عن الخمر، باعتبار كونه رجسا، فان لزوم الاجتناب يعم بيعها و شراءها كما لا يخفى.

و ذكر الإيرواني (ره) أن تفسير الإفساد بجعل الخمر خلا من ابن ابى عمير لا من الامام عليه السلام، و لا عبرة بفهم ابن ابى عمير فيما إذا كان ظاهر كلامه

______________________________

(1) وسائل الشيعة، الجزء (12) الباب: (57) من أبواب ما يكتسب به، الحديث: (2)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 36

..........

______________________________

عليه السلام غيره،

و ظاهر إفساد الخمر جعلها بحيث لا يرغب فيها حسما لمادة الفساد، فلا دلالة في الرواية على تجويزه عليه السلام أخذ الخمر بدلا عن الدراهم، ليكون ذلك منافيا لما تقدم من المنع عن بيعها وضعا و تكليفا.

أقول لا ينبغي الريب في عدم وجوب اهراق الخمر و جواز جعلها خلا، و يشهد لذلك غير واحد من الروايات كموثقة زرارة قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل يأخذ الخمر فيجعلها خلا؟ قال لا بأس» «1» و كيف كان فلا يجب إتلاف الخمر بإهراقها، بل يجوز إفسادها بجعلها خلا، و لو لم يكن ظاهر إفسادها هو التخليل كما فسره به على بن حديد، فلا أقل من حمله على ما يعمه جمعا بينها و بين مثل الموثقة مما دل على جواز أخذها و تخليلها، كما أن ظاهر قوله عليه السلام: خذها في الجواب عن السؤال عن أخذها بدل الدراهم- هو تجويز المبادلة، و الا لكان اللازم أن يقول عليه السلام خذها و لك ما عليه من الدراهم.

ثم لا يخفى أن تقييد المسكر بالمائع- في كلام المصنف (ره) ليس باعتبار أنه لا بأس ببيع المسكر الجامد، باعتبار أن الكلام في المقام في عدم جواز بيع النجاسات، و المسكر الجامد بالأصالة- باعتبار عدم نجاسته- خارج عن موضوع البحث، و داخل فيما يأتي مما يحرم التكسب به باعتبار حرمة الانتفاع.

(تنبيه)

لا يخفى أن ما ورد- من أن كل مسكر خمر حكما أو موضوعا- لا يوجب الحكم بحرمة بيع ما يعرف في زماننا هذا بالاسبيرتو (الكل صنعتي) بل المائع المزبور محكوم بالطهارة للأصل- و بجواز البيع باعتبار المنفعة المقصودة المحللة

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجزء (17) الباب: (31) من أبواب الأشربة المحرمة- الحديث:

(3)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 37

[يحرم المعاوضة على الأعيان المتنجسة]

يحرم المعاوضة على الأعيان المتنجسة (1)

______________________________

فيه، و ليس مسكرا بالفعل لتعمه تلك الروايات، و علاجه بالماء أو غيره لتصبح مسكرا غير محرز و على تقديره فلا يضر، لظهورها في أن الموضوع للنجاسة و الحرمة هو ما يكون مسكرا بالفعل و معدا للإسكار فلاحظ.

(1) لو لم تكن للمتنجس منفعة محللة مقصودة، كما إذا كانت منفعته المقصودة الأكل أو الشرب، فحرمتهما مع عدم إمكان تطهيره توجب كون أخذ المال في مقابله من أكله بالباطل. و العجب من المصنف (ره) أنه لم يتعرض لهذا الاستدلال، بل ذكر في وجه بطلان بيعه روايات تقدم عدم صحة الاعتماد عليها، بل مع الإغماض عما تقدم، فلا يمكن الاستدلال بها على حكم المقام، فإنه لم تتعلق الحرمة في خطاب الشرع بنفس المتنجس حتى يعمه قوله: (إذا حرم اللّه شيئا حرم ثمنه) أو قوله في رواية دعائم الإسلام: (ما كان محرما أصله لم يجز بيعه و شراؤه) بل حرمة شرب المتنجس أو أكله مستفادة مما ورد في أبواب مختلفة، كالنهي الوارد عن شرب الماء و المضاف المتنجسين، و كالأمر الوارد بإهراق المرق المتنجس و غسل لحمه، و غير ذلك مما هو إرشاد الى عدم جواز تناول المتنجس.

(لا يقال) يكفي في تعلق النهى بنفس المتنجس مثل قوله سبحانه يُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبٰاتِ وَ يُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبٰائِثَ «1» (فإنه يقال) لم يعلم أن المراد بالخبائث الأعيان ليدعى شمولها للأعيان المتنجسة أيضا، بل الظاهر أن المراد بها الأعمال القبيحة و ذوات المفاسد، كما ان المراد بالطيبات خلافها. و هذا مقتضى وصف النبي الأمي بأنه يحل لهم الطيبات و يحرم عليهم الخبائث، حيث أن التعرض في مقام توصيفه

لتحليله بعض المأكول و المشروب و تحريمه بعضهما الأخر دون سائر ما جاء به من الأحكام غير مناسب، و لو لم يكن ما ذكرنا ظاهرا فلا أقل من الاحتمال. كيف؟ و قد

______________________________

(1) سورة الأعراف (7) الاية (156)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 38

قيل بعدم جواز بيع المسوخ من أجل نجاستها (1)

[المستثنى من الأعيان النجسة]
[يجوز بيع المملوك الكافر]

يجوز بيع المملوك الكافر (2)

______________________________

ذكر الخبائث في قوله سبحانه نَجَّيْنٰاهُ مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِي كٰانَتْ تَعْمَلُ الْخَبٰائِثَ «1» و المراد به الفعل القبيح بلا شبهة.

و على الجملة لم يثبت أن الخبيث نفس المتنجس، بل هو أكله و شربه، هذا كله بالإضافة الى ما لا يقبل التطهير. و اما ما يقبل التطهير كالحليب المتنجس يعمل جبنا و يطهر ذلك الجبن بالغسل، فلا بأس ببيعه، و لا يكون مجرد تنجسه مانعا عنه، لان المتنجس لا يزيد على الأعيان النجسة التي ذكرنا صحة بيعها مع المنفعة المقصودة المحللة لها.

(1) قال في المبسوط لا يجوز بيع الأعيان النجسة كالكلب و الخنزير و جميع المسوخ، و في الخلاف لا يجوز بيع القرد للإجماع على أنه مسخ نجس، و ذكر في أطعمة الكتاب أن المسوخ كلها نجسة انتهى. و لكن الأظهر طهارتها فإنها مقتضى الأخبار المعتبرة الموجبة لحمل ما ورد في ترك سؤر المسوخ على التنزه، و عليه فلو قيل بعدم جواز بيعها يكون محل التعرض له القسم الثاني مما يجوز بيعه باعتبار عدم المنفعة المحللة المقصودة فيه.

(2) يجوز بيع الكافر بلا خلاف ظاهر، بل ادعى الإجماع على الجواز، و ليس الإجماع بعيدا، و يمكن تحصيله بالتتبع في الموارد المناسبة لمسألة جواز بيع العبد الكافر من جواز استرقاق الكفار و لو بأسرهم، حيث أن الكافر يملك بالاسترقاق

و جواز البيع من آثار الملك، و من جواز شراء بعض الكفار من بعضهم كما فيما إذا باع الكافر الحربي ولده، فيجوز للمسلم شراؤه، و من ان العبد إذا أسلم على مولاه الكافر يباع عليه، فإنه يستفاد من المذكور في تلك المسألة أنه يجوز للكافر بيع عبده قبل إسلامه، و يجبر على البيع بعد إسلامه، و من جواز عتق العبد الكافر

______________________________

(1) سورة الأنبياء (21) الاية (74)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 39

عدا ما يظهر من بعض الأساطين (1) و ان كان عن فطرة على اشكال (2) ثم ذكر المحارب الذي لا تقبل توبته (3)

______________________________

الموقوف على تملك العبد أولا بالشراء أو غيره، و من تجويزهم بيع المرتد، و من حكمهم بخيار الفسخ للمشتري فيما إذا ظهر كفر العبد المشترى على ظاهر الإسلام، حيث أنه لو لم يصح بيع الكافر لكان البيع باطلا لا خياريا الى غير ذلك.

(1) كأن مراد بعض الأساطين أن المرتد الفطري لا يسقط عنه القتل، و لكن إذا تاب يحكم بإسلامه أى يجرى عليه أحكام الإسلام. و من تلك الأحكام طهارته، فيجوز بيعه، و أما إذا لم نقل بقبول توبته اى بعدم جريان أحكام الإسلام عليه فلا يجوز بيعه حتى بعد توبته، لكونه نجسا كسائر الكفار.

(2) اى على اشكال في رهنه، و وجه الاشكال- على ما في جامع المقاصد- هو أن جواز بيع المرتد يوجب جواز رهنه بطريق أولى، باعتبار أن البيع من العقود اللازمة، فجوازه يوجب جواز العقد الجائز، و من أن المقصود بالبيع مجرد ملك العين. و هذا يحصل في المرتد ايضا، بخلاف الرهن، فإنها الوثيقة على الدين و المرتد في معرض القتل، اما مطلقا، كما في

الفطري، أو مع عدم توبته، كما في الملي، فلا يحصل الوثوق المعتبر في حقيقة الرهن.

(3) المراد بالمحارب المحكوم بالقتل من شهر السلاح على الناس لاخافتهم في المصر أو خارجه، سواء كان مسلما أو كافرا حرا أو عبدا، و إذا تاب هذا المحارب و أظهر الندم على فعله قبل القدرة عليه، سقط عنه الحد. و أما إظهاره الندم بعد القدرة عليه، فلا يوجب سقوط الحد، كما يفصح عن ذلك قوله سبحانه إِلَّا الَّذِينَ تٰابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ، فَاعْلَمُوا أَنَّ اللّٰهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ «1».

ثم إذا كان المحارب عبدا يجوز بيعه، و لا يكون الحكم عليه بالقتل موجبا

______________________________

(1) سورة المائدة (5) الاية (34)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 40

[يجوز المعاوضة على غير كلب الهراش]

من غير ظاهر إطلاق المقنعة و النهاية (1)

______________________________

لسقوطه عن الملك و المالية رأسا، حيث أن له منفعة مقصودة و أقلها عتقه في كفارة و نحوها، فيكون نظير العبد المرتد الفطري كما لا يخفى.

(1) اى ان بيع كلب الصيد من غير السلوقي جائز إلا في ظاهر الكتابين، فان المستفاد منهما عدم جواز بيع غير الكلب السلوقي، و هذا بإطلاقه يعم كلب الصيد غير السلوقي، ثم ان الإطلاقات الدالة على بطلان بيع الكلب و كون ثمنه سحتا تامة، و لا بد في رفع اليد عنها من ثبوت الحجة على تقييدها. و الصحيح ثبوتها بالإضافة إلى كلب الصيد سلوقيا كان أو غيره، كصحيحة عبد الرحمن بن ابى عبد اللّه و محمد ابن مسلم معا عن ابى عبد اللّه (ع)، قال: «ثمن الكلب الذي لا يصيد سحت» «1» فان مقتضى التقييد بالذي لا يصيد جواز بيع كلب الصيد، و بمثلها يرفع اليد عن إطلاق مثل صحيحة إبراهيم

بن ابى البلاد، قال: «قلت لأبي الحسن الأول (ع): جعلت فداك ان رجلا من مواليك عنده جوار مغنيات قيمتهن أربعة عشر الف دينار، و قد جعل لك ثلثها، فقال لا حاجة لي فيها ان ثمن الكلب و المغنية سحت» «2» و نحوها غيرها.

(لا يقال): ان ما دل على جواز بيع كلب الصيد منصرف إلى السلوقي، (فإنه يقال): لا موجب لتوهم الانصراف الا غلبة الاصطياد به خارجا، و الغلبة ممنوعة أولا، و لا توجب الانصراف ثانيا، بل الموجب له كثرة الاستعمال و غلبته، بحيث توجب أنس الأذهان من المطلق به.

و ذكر المصنف (ره) أنه على تقدير الانصراف بغلبة الوجود، فلا تتم دعوى الانصراف في مثل قوله (ع) في الصحيحة «ثمن الكلب الذي لا يصيد أو ليس بكلب الصيد» مما يكون الموضوع للفساد هو الكلب الذي يصح سلب مبدأ الاصطياد عنه، فإنه لا يصح سلب المبدأ عن كلب الصيد، و لو كان من غير السلوقي، و هذا بخلاف

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجزء (12) الباب: (14) من أبواب ما يكتسب به- الحديث: (3)

(2) وسائل الشيعة الجزء (12) الباب: (16) من أبواب ما يكتسب به- الحديث: (4)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 41

و يؤيد بما عن المنتهى (1)

______________________________

ما يكون فيه الموضوع لصحة بيعه هو الكلب الموصوف بالاصطياد به أو المضاف الى عنوان الصيد، فان توهم الانصراف فيهما باعتبار غلبة الوجود ممكن.

و لكن لا يخفى ما فيه، فإنه لا فرق بين إثبات المبدأ و الوصف و بين نفيهما، و ذلك فإنه لو كان الوصف أو المبدأ في طرف الإثبات منصرفا الى نوعه الغالب يكون في نفيه ايضا كذلك، بمعنى أنه يكون المسلوب ذلك النوع الخاص، و الحاصل

أنه يصح نفى كلب الصيد عن غير السلوقي إذا كان في طرف إثباته منصرفا إلى السلوقي.

(1) ذكر في المنتهى ما حاصله أن الموجود في كلام المفيد و الشيخ (رحمهما اللّه) جواز بيع الكلب السلوقي، و مرادهما بالسلوقي مطلق كلب الصيد، و ذلك فان غالب كلاب السلوق و هي قرية في اليمن صيود، و بهذا الاعتبار ينسب كلب الصيد الى تلك القرية، و يطلق على كلب الصيد أنه سلوقى، و يحتمل أن يكون مراد المنتهى أن المذكور في كلام المفيد و الشيخ و ان كان مطلق السلوقي، الا أن مرادهما الصيود منه لا مطلق كلاب تلك القرية، و أطلق في العبارة و لم يقيد السلوقي بالصيود باعتبار التغليب، حيث أن أكثر كلاب تلك القرية معلمة، و هذا الاحتمال في عبارة المنتهى ضعيف، و لذا ذكر المصنف (ره) أن الأظهر في عبارته هو الأول، و الوجه في ضعفه أن الأنسب- على ذلك الاحتمال- أن يكون التفريع على التعليل هكذا، فأطلق المنسوب إليها و لم يقيد بالصيود، مع أن التفريع الموجود هكذا، فنسب الكلب إليها أي نسب كلب الصيد إليها. و بعبارة أخرى عبر عن مطلق كلب الصيد بالكلب السلوقي.

ثم ان مقتضى الإطلاقات عدم جواز بيع الصغار من الكلاب التي لا تصلح فعلا للصيد و تصلح له بعد كبرها و تعليمها، و الوجه في ذلك ظهور الوصف في الروايات المقيدة في الصالح للصيد فعلا و اما الصالح بالإمكان و معلقا على الكبر

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 42

و ظاهر الفقرة الأخيرة (1) لكون المنقول مضمون الرواية (2) بل ظهور الاتفاق (3)

______________________________

و التعليم، فباق في الإطلاقات المانعة و القاضية بأن ثمن الكلب سحت.

(1) المراد بالفقرة

الأولى (قوله لا بأس بشراء الكلب الصائد و الحارس للماشية و الزرع) كما أن المراد بالفقرة الأخيرة (قوله لا خير في الكلب فيما عدا الصيود و الحارس) فان كان مراد ابن الجنيد من الحارس في هذه الفقرة الأخيرة عين ما ذكره في الفقرة الأولى فلازم ذلك اختصاص جواز البيع بالحارس للماشية و الزرع، و عدم شموله الحارس لغيرهما، و ان كان مراده معناه المطلق، فيعم الجواز جميع أقسام الحارس.

(2) يريد بيان قصور دلالة المرسلة. و تقريره أن المروي على تقدير كونه منقولا باللفظ أو بما يرادفه أو ترجمته و لو بلغة اخرى يكون النقل مع ثقة الناقل حجة، لأن احتمال الاشتباه في الترجمة أو الإتيان بغير المرادف مدفوع بسيرة العقلاء الجارية في الاعتناء باخبار الثقات حتى في مثل هذه الموارد، بخلاف ما إذا كان المنقول مضمون الكلام و حاصله، فإنه لا يخلو من إظهار الرأي في كلام الغير، و لذا لو كان المخبر بالمضمون ثقة كمال الثقة لم يكن اعتبار قوله الا من باب حجية الرأي، و نقل الشيخ (ره) في المقام من هذا القبيل، فان قوله (ره) (أنه روى ذلك) لا يحتمل كونه متن الرواية، و على ذلك يكون فتوى المشهور بالجواز جائزة لقصور المرسلة في جهة دلالتها ايضا حيث يظهر من افتائهم أن تلك الرواية كانت ظاهرة في الجواز، و هذا بعد إحراز أن مستند حكمهم تلك الرواية بعينها.

(3) يعنى قصور سند المرسلة و دلالتها منجبر بالإجماع الظاهر من قول الشيخ (ره) في كتاب الإجارة و هو أن أحدا لم يفرق بين بيع هذه الكلاب و إجارتها مع ملاحظة الاتفاق على صحة إجارتها، و الظاهر من قول العلامة (ره) في التذكرة من

إرشاد

الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 43

..........

______________________________

انه يجوز بيع هذه الكلاب عندنا، و الظاهر من الكلام المحكي عن الشهيد (ره) في الحواشي حيث ذكر فيها أن أحدا لم يفرق بين الكلاب الأربعة.

أقول قد ظهر مما ذكرنا الى هنا أن مقتضى الأدلة الالتزام بعدم جواز بيع غير الكلب الصالح فعلا للصيد و ما تقدم من مرسلة الشيخ (ره) لا يزيد على سائر المرسلات التي لا يمكن الاعتماد عليها.

(لا يقال) لا يمكن التمسك في إثبات بطلان بيع الكلب مطلقا بمثل صحيحة إبراهيم بن ابى البلاد، لعدم الإطلاق فيها باعتبار عدم ورودها في مقام بيان حكم بيع الكلب، بل في مقام تحقير الجارية المغنية و تسوية ثمنها مع ثمن الكلب، و كذا لا يمكن التمسك برواية السكوني عن ابى عبد اللّه (ع) قال: «السحت ثمن الميتة و ثمن الكلب و ثمن الخمر و مهر البغي و الرشوة في الحكم و أجر الكاهن» «1» و الوجه في ذلك عدم الإطلاق لها ايضا باعتبار أنها لم ترد في بيان الحكم لثمن الكلب حتى يؤخذ بإطلاقه، بل في مقام تعداد السحت نظير ما ورد في تعداد الحرام من الكذب و الغيبة و التهمة و الربا و غير ذلك، أو في تعداد الواجب من أنها الصلاة و الصوم و الحج و الزكاة الى غير ذلك.

و الحاصل انه كما لا دلالة فيما ورد في تعداد الحرام على كون الربا مثلا بإطلاقه حراما أو أن الحرام قسم خاص منه و لا دلالة فيما ورد في تعداد الواجب على وجوب الحج بإطلاقه أو أن له شرطا، و لذا لا يمكن التمسك عند الشك في جزئية شي ء أو شرطيته للصلاة مثلا بالإطلاق المزبور في

نفى جزئية ذلك المشكوك فيه أو شرطيته، كذلك لا دلالة فيما ورد في تعداد السحت، على أن السحت ثمن مطلق الكلب أو ثمن كلب خاص. و على ذلك فلا يصح الحكم ببطلان بيع كلب الزرع أو الماشية أو الحارس أخذا بالإطلاقات المزبورة، و ايضا لا يمكن الحكم بفساد بيعها أخذا

______________________________

(1) وسائل الشيعة، الجزء (12) الباب: (5) من أبواب ما يكتسب به- الحديث: (5)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 44

..........

______________________________

بمفهوم الوصف في مثل صحيحة عبد الرحمن و محمد بن مسلم معا، و ذلك فان المراد بالذي يصيد ليس هو خصوص الكلب المعلم للصيد حتى يكون المراد بالذي لا يصيد غير المعلم للصيد، بل المراد به معناه اللغوي و هو الذي يأخذ الحيوان الممتنع، سواء كان مأكول اللحم أولا، حتى إذا كان الأخذ المزبور من الكلب بمقتضى طبعه الذي من السباع، فالكلب الذي لا يصيد هو ما يكون مهملا و عاطلا عن مقتضى طبعه بالمرة بحيث لا يأخذ الحيوان الممتنع، و الحاصل أن الكلاب الأربعة كلها من كلاب الصيد و يصح بيعها كما هو مقتضى وجوب الوفاء بالعقود و إطلاق دليل حل البيع، و الفاسد بيعه هو الكلب الهراش العاطل عن مقتضى طبعه بالمرة و الساقط عن درجة كونه سبعا.

(فإنه يقال): لا بد من الحكم ببطلان بيع كلب الماشية أو الزرع أو الحارس و نحوها بمقتضى الإطلاق فيما ورد في كون ثمن الكلب سحتا و بمقتضى التقييد فيما ورد من عموم جواز بيع الكلب الذي لا يصيد، و ذلك فان الخطاب الدال على الحكم لموضوع يحمل على كون المتكلم به في مقام البيان من جهة القيود المحتملة للحكم و موضوعه الا مع القرينة

على الخلاف، و من القرينة على الخلاف ما إذا تعلق الوجوب أو الحرمة بأفعال مختلفة ثم ورد خطاب آخر في تعداد تلك الواجبات و المحرمات المبينة في الخطابات السابقة: و أما إذا كان بيان وجوبها أو حرمتها بذلك الخطاب الجامع فلا بأس بالأخذ بالإطلاق فيه في ناحية الحكم و موضوعه.

مثلا إذا ورد في الخطاب أن من الحرام الرشا في الحكم و الغيبة و الكذب و الغناء حمل على كونه بيانا لحرمة تلك الأفعال، فيؤخذ بالإطلاق في ناحية الحرمة و متعلقها، لما تقدم من أن الأصل في الخطاب الدال على الحكم و موضوعه صدوره في مقام بيان ذلك الحكم من جهة متعلق الحكم، فيؤخذ بإطلاقه من

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 45

بأن الدية لو لم تدل (1)

______________________________

سائر الجهات، كما إذا كان متعلق الحكم في الخطاب من الأمور التي لا يعرفها العرف كالعبادات، مثل ما ورد في بناء الإسلام على الخمس: (الصلاة و الزكاة و الصوم و الحج و الولاية) حيث أن عدم معرفة العرف بتلك العبادات قرينة على أنها ليست في مقام بيانها من جهة اجزائها و شرائطها، بل في مقام بيان اهميتها بالإضافة إلى سائر الوظائف و الواجبات، و لذا يمكن التمسك في إثبات كون الأهم كل الفرائض اليومية بلا فرق بين صلاة و اخرى بإطلاق المتعلق من هذه الجهة كما لا يخفى.

و الحاصل أنه لا قرينة على أن مثل رواية السكوني الواردة في أن ثمن الميتة أو الخمر أو الكلب و غيرها من السحت في مقام تعداد ما ثبت كونه سحتا بالخطابات الأخرى لنحتاج في تعيين ما هو السحت سعة و ضيقا إلى ملاحظة تلك الخطابات، بل الظاهر أن الرواية

في مقام بيان أن المذكورات محكومة بكونها سحتا، فيؤخذ بالإطلاق في ناحية الخمر و الكلب و الميتة و غيرها، كما أن صحيحة إبراهيم بن ابى البلاد ورودها في مقام الجواب عن سؤال ثمن الجارية المغنية لا ينافي كونها في مقام بيان حكم ثمن الكلب ايضا، و ايضا ليس المراد بالصيد في مثل قوله الكلب الذي لا يصيد أو يصيد مطلق صيد الحيوان، فإنه لا يقع البيع و الشراء خارجا على الكلاب المهملة الساقطة عن مقتضى طبعها بالمرة ليحتاج في المنع عن بيعها في الروايات المتعددة إلى التقييد المزبور، بل المراد بالذي يصيد هو الصالح لإرساله للصيد فعلا، نظير ما يقال عن الحيوان الصالح فعلا للركوب أنه يركب، و في مثل هذا يحتاج المنع عن بيع غيره الى التقييد فلاحظ.

(1) الصحيح أنه لا دلالة لتعيين الدية على المالية و لا على عدمها و ذلك لثبوت الدية في قتل العبد مع كونه مالا و في الحر مع عدم كونه ملكا أو مالا، نعم في الماليات مقتضى قاعدة الإتلاف ضمان القيمة في مورد لم تثبت فيه الدية، هذا مع أن في ثبوت الدية في غير السلوقي تأملا، لضعف الرواية الدالة عليها و أما الدالة

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 46

و أما كلام ابن زهرة فهو مختل (1)

______________________________

على أن دية السلوقي أربعون درهما فرواية معتبرة «1».

(1) و بيانه ان المصنف (ره) قد صحح فيما تقدم كلام ابن زهرة بحمل الكلب المعلم للصيد فيه على المثال و وجه التصحيح أن ابن زهرة ذكر في وجه عدم جواز بيع النجس عدم جواز الانتفاع به و استثنى عن حرمة بيعه شيئين (أحدهما)- الكلب المعلم للصيد و (ثانيهما) الزيت،

و قال بورود الترخيص في الانتفاع بالزيت المتنجس للاستصباح، و بما أن الانتفاع بكلب الماشية و نحوها ككلب الصيد جائز، فيكون مقتضى ذلك جواز بيعهما ايضا، فيحمل الكلب المعلم للصيد في كلامه على المثال، و يذكر المصنف فعلا أن التصحيح غير مفيد، و كلام ابن زهرة مختل على كل حال أى سواء حمل الكلب المعلم للصيد فيه على المثال أو لا، فإنه إذا لم يحمل على المثال فيرد عليه أنه لا وجه لتخصيص جواز البيع بكلب الصيد مع جريان وجه الجواز عنده في كلب الماشية و غيرها أيضا، و أن حمل على المثال بما يجوز بيعه من الكلاب فلا وجه لإهمال العبد الكافر و الاقتصار في الاستثناء على كلب الصيد و الزيت المتنجس.

اللهم إلا أن يدفع هذا الخلل بحمل كلب الصيد في كلامه على المثال لمطلق النجس الذي يجوز الانتفاع به، بحيث يعم العبد الكافر ايضا و يكون ذكر الزيت بعد ذلك لورود النص الخاص في جواز الانتفاع به.

أقول: يمكن أن يكون ذكر كلب الصيد للمثال للكلاب الأربعة، و إهماله العبد الكافر لعدم قوله (ره) بنجاسته، فلا بد من ملاحظة ما ذكره في مسألة نجاسة الكافر.

و المتحصل في المقام أنه لا يجوز بيع غير كلب الصيد من سائر الكلاب أخذا بالإطلاق السابق و بمقتضى التقييد في مثل صحيحة عبد الرحمن المتقدمة نعم لا بأس

______________________________

(1) وسائل الشيعة- الجزء (19) الباب: (19) من أبواب ديات النفس- الحديث: (4)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 47

[الأقوى جواز المعاوضة على العصير العنبي]

الأقوى جواز المعاوضة على العصير العنبي (1)

______________________________

بإجارتها اوهبتها الى غير ذلك من المعاملات التي لا تندرج في عنوان البيع كما هو مقتضى عموم الوفاء بالعقود و نفوذ الصلح و

الهبة أو نحوها كما لا يخفى، بقي في المقام أمر و هو انه ليس المراد بالصيود و الذي يصيد تلبس الكلب فعلا بالصيد بان يكون حال البيع مرسلا الى الصيد للقطع بعدم اعتبار هذا التلبس في جواز بيعه بل المراد هو الصالح للاستعمال في الصيد في مقابل مالا يصيد، و المراد بكلب الصيد اما الكلب الذي يستعمل فعلا في الصيد بحيث يكون شغله الفعلي هو الصيد نظير كلب الماشية أو الزرع حيث يكون ظاهرهما ما شغله حراسة الزرع أو الماشية، فيكون الصيود أو الذي يصيد أعم مطلقا من كلب الصيد، و يكون المراد بكلب الصيد عين المراد من الصيود، و بينهما تساو، و على كل فموضوع عدم الجواز في صحيحة عبد الرحمن هو الكلب الذي لا يصيد إى لا يصلح لاستعماله في الصيد.

و أما الصالح له فيجوز بيعه، سواء كان مع صلاحه له حارسا للزرع و نحوه أيضا أو لا، و الذي لا يجوز بيعه من كلب الماشية أو الزرع أو الحائط ما لا يكون صالحا فعلا لاستعماله في الصيد، و ايضا الكلاب القابلة للصيد، بعد كبرها و تعليمها، باعتبار أن عدم فعلية الصلاح فيها داخلة في المطلقات القاضية بأن ثمن الكلب سحت، بل يصح أن يقال إنها لا تصيد، فيعمها قوله (ع): «ثمن الكلب الذي لا يصيد سحت» و احتمال- كون المراد بالصيود معنى يعم ما له الاستعداد للصيد و لو لم يكن فعلا صالحا له- ضعيف: و على تقدير الإغماض يكون معنى الصيود أو الذي يصيد أو لا يصيد مجملا مرددا بين الأقل و الأكثر، فيرجع في غير الصالح فعلا إلى إطلاق ما دل على كون ثمن الكلب سحتا».

(1) لا يخفى أنه لا

يحكم بنجاسة العصير العنبي بنشيشه أو غليانه، سواء كان ذلك بالنار أو بالشمس أو بنفسه، و انما يحكم بنجاسته، فيما إذا صار خمرا، و الحكم بالطهارة مقتضى الأصل في الأشياء، و لكن المنسوب الى المشهور نجاسته بنشيشه

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 48

..........

______________________________

أو غليانه، و ذلك لصحيحتين: (الأولى) صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج عن ابى- عبد اللّه (ع) قال: قال رسول اللّه (ص): «الخمر من خمسة: العصير من الكرم، و النقيع من الزبيب، و البتع من العصل، و المرز من الشعير، و النبيذ من التمر» «1».

و فيه أنه ليس مفادها أن عصير الكرم بإطلاقه خمر، بل أن الخمر المحكوم بالنجاسة و حرمة الشرب و عدم جواز بيعها تحصل منه كحصولها من الأربعة الباقية، و لذا لا يمكن الالتزام بدلالتها على كون عصير العنب خمرا حتى مع عدم غليانه، و كذا الحال في الزبيب و أنه خمر فيما إذا القى في الماء حتى يدخل الماء في جوفه و يصير نقيعا.

و الحاصل أن مفاد الرواية أن المأخوذ من غير الخمسة لا يكون خمرا و لا يختص الخمر بالمأخوذ من بعض هذه الخمسة، كما كان عليه فتاوى العامة على ما قيل (الثانية) صحيحة معاوية بن عمار قال: «سألت أبا عبد اللّه (ع) عن الرجل من أهل المعرفة يأتيني بالبختج، و يقول قد طبخ على الثلث و أنا أعرفه أنه يشربه على النصف أ فأشربه بقوله و هو يشربه على النصف؟ قال خمر لا تشربه» «2» حيث أن الحكم بكون العصير خمرا مقتضاه ثبوت جميع أحكامها له و منها نجاستها و عدم جواز بيعها و فيه أولا أن الموجود في رواية الكليني (فقال لا تشربه)

بلا ذكر لفظ خمر بل الظاهر أن نسخ التهذيب كانت مختلفة و كانت الزيادة في بعضها و لذا نقل في الوسائل الرواية عن الكافي أولا، ثم قال و رواه الشيخ (ره) بلا تعرض منه لزيادة لفظ خمر في رواية التهذيب:

و الحاصل أنه لم تثبت لفظة خمر في رواية الشيخ (ره)، بل على تقديره يكون خلو رواية الكافي موجبا لعدم ثبوته لا لترجيح رواية الكافي، و كون رواياته أضبط حتى يقال لا دليل على الترجيح، بعد كون كل منهما خبر عدل يدخل في دليل اعتبار

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجزء (17) الباب: (1) من أبواب الأشربة المحرمة- الحديث: (1)

(2) وسائل الشيعة الجزء (17) الباب: (7) من أبواب الأشربة المحرمة- الحديث: (4)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 49

وجب عليه غرامة الثلثين (1)

______________________________

خبر العدل لو لا الآخر، بل باعتبار أن عدم اللفظ في أحد النقلين في المقام ليس من اختلافهما بالأقل و الأكثر في النقل حتى يؤخذ بالثاني، و يقال أن راوي الأقل لا ينفى الزائد فإن الظاهر في مثل المقام مما يوجب وجود للفظ في أحدهما اختلاف المضمون أن الراوي بلا زيادة ينفى وجودها.

أضف الى ذلك أنه على تقدير ثبوت لفظ الخمر في النقلين لا يصح الحكم بنجاسة العصير قبل ذهاب ثلثيه، و ذلك فان قوله خمر لا تشربه ليس بيانا للحكم الواقعي للعصير، بل الحكم الواقعي له كان معلوما لدى السائل، و إنما سأل الإمام عليه السلام عن الشبهة الموضوعية و اعتبار اخبار ذي اليد فيها.

و الحاصل ان الرواية غير ناظرة إلى بيان الحكم الواقعي للعصير بعد غليانه حتى يؤخذ بإطلاق التنزيل و كونه خمرا، بل هي ناظرة إلى بيان الحكم الظاهري، و أنه

عند الجهل بحال العصير لا يعتنى باخبار ذي اليد الذي لا يعتقد حل العصير بذهاب ثلثيه. و من الظاهر أن الحكم الظاهري تابع للحكم الواقعي، فإن كان التنزيل في خطاب الحكم الواقعي من جميع الجهات، كان الحكم الظاهري أيضا كذلك، و لو كان من جهة حرمة شربه فقط، فلا يمكن كون الحكم الظاهري تنزيلا مطلقا، فلا بد من ملاحظة خطاب الحكم الواقعي لا التمسك بإطلاق خطاب الحكم الظاهري فتدبر.

(1) بل الأصح ضمان تفاوت قيمتي العصير بلحاظ قبل غليانه و بعده، و ذلك فإن الأوصاف- و منها غليان العصير و عدمه، و ان لم يكن بالنسبة إليها ضمان المعاوضة بمعنى انه لا يقع بعض الثمن في مقابل وصف المبيع و بهذا- يفترق الوصف عن جزء المبيع، إلا أنها تدخل في ضمان اليد أو الإتلاف، و بعبارة أخرى كما أن تلف الشي ء، أو بعضه في يده أو إتلافهما على الآخر يوجب ضمان المثل أو القيمة، كذلك النقص في الأوصاف.

و قد اعترف المصنف (ره) بان غليان العصير في يد الغاصب ليس من تلف العين كانقلاب

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 50

مثل قوله (ع) و إن غلى فلا يحل بيعه (1)

______________________________

الخل خمرا حتى يكون ضامنا لأصل المال، و عليه يكون التالف هو وصف عدم الغليان، فيرجع الى التفاوت بين القيمتين لا إلى غرامة الثلثين و أجرة إذهابهما.

(1) كما في رواية أبي كهمس قال: «سأل رجل أبا عبد اللّه (ع) عن العصير، فقال: لي كرم و أنا أعصره كل سنة و أجعله في الدنان و أبيعه قبل أن يغلي؟ قال:

لا بأس به، و إن غلا فلا يحل بيعه، ثم قال: هو ذا نحن نبيع تمرنا ممن

نعلم أنه يصنعه خمرا، «1» و هذه لضعف سندها بعدم ثبوت توثيق لأبي كهمس لا يمكن الاعتماد عليها، مع أن ظاهرها بقرينة ما في ذيلها من قوله (ع): (نحن نبيع تمرنا ممن نعلم أنه يصنعه خمرا) ان جهة سؤال الراوي انما هو بيع العصير ممن يجعله خمرا.

و المذكور في الجواب التفصيل بين بيعه قبل غليانه و بيعه بعده بالجواز في الأول و عدم الجواز في الثاني، و مقتضى قوله: (فلا يحل) عدم الجواز حتى مع إعلام الحال للمشتري، و دعوى المصنف (ره)- أنها لا تشمل ما إذا كان البيع بقصد التطهير مع إعلام المشتري بالحال- لا يمكن المساعدة عليها.

و بهذا يظهر الحال في رواية أبي بصير قال: «سألت أبا عبد اللّه (ع) عن ثمن العصير قبل أن يغلي لمن يبتاعه ليطبخه أو يجعله خمرا! قال: إذا بعته قبل أن يكون خمرا و هو حلال، فلا بأس» «2» مع أن في سندها قاسم بن محمد الجوهري عن على ابن أبي حمزة و الظاهر أنه البطائني، و ذكر السيد الخوئي طال بقاه ان أبا بصير في نظير الرواية مردد بين ابن البختري و بين ليث المرادي و كلاهما كوفي و لم يكن في الكوفة في ذلك الزمان عنب كثير حتى يباع عصيرة ممن يجعله خمرا أو يطبخه دبسا، فالظاهر أن مراد السائل هو عصير التمر و لا ريب في جواز بيعه حتى بعد غليانه و قبل كونه خمرا فالرواية أجنبية عن المقام.

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجزء (12) الباب: (59) من أبواب ما يكتسب به، الحديث: (6- 2)

(2) وسائل الشيعة الجزء (12) الباب: (59) من أبواب ما يكتسب به، الحديث: (6- 2)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص:

51

..........

______________________________

أقول لا يخفى ما فيه (أولا)- كون الراوي كوفيا بحسب الأصل لا يدل على أن سؤاله راجع الى ما يكون في بلده. و (ثانيا) أنه لا علم لنا بحال الكوفة في ذلك الزمان من قلة العنب أو كثرته فيها. و (ثالثا) أن تقييد الجواب بقوله: (و هو حلال) ظاهر في اعتبار عدم الغليان، و إلا كان تأكيدا و إطلاق العصير ينصرف الى عصير العنب. و يظهر ذلك بمراجعة ما ورد في حكم العصير. و أما مرسلة محمد بن الهيثم عن أبى عبد اللّه (ع)، قال: «سألته عن العصير يطبخ بالنار حتى يغلى من ساعته أ يشربه صاحبه؟ قال: إذا تغير عن حاله و غلى فلا خير فيه حتى يذهب ثلثاه، و يبقى ثلثه» «1» فمع ضعفها بالإرسال و غيره ظاهرها السؤال عن شرب العصير، و ظاهر الجواب بنفي الخير غايته عدم جواز الشرب لا عدم جواز بيعه، فلا نظر في الرواية إلى المعاملة على العصير أصلا.

و الحاصل أن مقتضى القاعدة جواز بيع العصير بعد غليانه أخذا بمقتضى إطلاق حلية البيع و نفوذه حتى فيما إذا قيل باعتبار حديث تحف العقول الوارد فيه النهى عن بيع وجوه النجس، أو باعتبار النبوي الدال على أن تحريم الشي ء يلازم حرمة ثمنه و فساد بيعه، و ذلك فإن النجاسة في العصير أو الحرمة طارئة ترتفع بذهاب الثلثين، و هذه النجاسة المعبر عنها بقبول الشي ء للطهارة غير داخلة في مدلول الحديث كسائر الأعيان المتنجسة القابلة لها، كما أن مثل الحرمة المزبورة غير داخلة في مدلول النبوي، و لذا يصح بيع ما يحرم في حال خاص كحال الإحرام، و الحاصل أن ظاهر النبوي هو ان النهى عن شي ء مطلقا بحيث

يعم جميع أحواله يلازم فساد بيعه.

ثم إنه لا بأس بالإشارة في المقام الى حكم العصير العنبي و الزبيبي و التمري بعد الغليان من حيث الحل و الحرمة، فنقول لا ينبغي الريب في حرمة شرب العصير

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجزء (17) الباب: (2) من أبواب الأشربة المحرمة الحديث: (7)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 52

..........

______________________________

العنبي بعد غليانه سواء كان غليانه بالنار أو بنفسه أو بغير ذلك، بل لا أعرف خلافا في ذلك. و الأظهر حله حتى فيما إذا كان غليانه بنفسه بذهاب ثلثيه، سواء كان الذهاب بالشمس أو بالهواء أو بالنار (لا يقال) العصير إذا غلى بنفسه يصير خمرا و مسكرا فينحصر حله بانقلابه خلا (فإنه يقال): مجرد غليانه بنفسه لا يوجب كونه خمرا، و لو فرض بقاء العصير بعد غليانه بنفسه أو بغيره على حاله حتى صار مسكرا فهو خارج عن مفروض الكلام.

و كيف كان فيشهد لما ذكرنا مثل صحيحة حماد بن عثمان عن ابى عبد اللّه (ع)، قال: «لا يحرم العصير حتى يغلى» «1» و في معتبرته الأخرى عنه (ع) قال: «سألته عن شرب العصير، فقال: تشرب ما لم يغل و إذا غلى فلا تشربه، قلت: و أي شي ء الغليان؟ قال: القلب» «2» و في صحيحة عبد اللّه بن سنان عن ابى عبد اللّه (ع): «كل عصير أصابته النار فهو حرام حتى يذهب ثلثاه و يبقى ثلثه» «3» و المراد بإصابة النار الغليان بقرينة ما سبق و في موثقة ذريح، قال: «سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول:

إذا نش العصير أو غلى حرم» «4» و المراد بالغليان فيها هو القلب بالنار و بالنشيش ما لا يكون فيه القلب عادة كالغليان بنفسه،

فيكون حاصل الموثقة أنه إذا غلى العصير بنفسه أو كان غليانه بالنار بنحو القلب فقد حرم، و يقتضي ذلك عطف الغليان على النشيش مع ملاحظة ان ما دل على اعتبار القلب ظاهره المورد الذي يمكن فيه و هو

______________________________

(1) الوسائل الجزء (17) الباب: (3) من أبواب الأشربة المحرمة- الحديث: (1- 3- 4)

(2) الوسائل الجزء (17) الباب: (3) من أبواب الأشربة المحرمة، الحديث: (1- 3- 4)

(3) الوسائل الجزء (17) الباب: (2) من أبواب الأشربة المحرمة، الحديث: (1)

(4) الوسائل الجزء (17) الباب (3) من أبواب الأشربة المحرمة، الحديث: (1- 3- 4)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 53

..........

______________________________

الغليان بالنار.

و ما قيل من أن المراد بالنشيش هو الصوت الحاصل قبل الغليان غير ثابت، بل ظاهره هو الصوت الحاصل عند غليان الشي ء بنفسه. و يؤيد ذلك ما في موثقة عمار من قوله (ع): «فإذا كان أيام الصيف و خشيت أن ينش.» «1» و ذكرنا انه إذا ذهب ثلثا العصير بعد غليانه يصير حلالا، سواء كان الذهاب بالنار أو بغيرها، و يقتضي ذلك قوله (ع) في صحيحة عبد اللّه بن سنان المتقدمة: (حتى يذهب ثلثاه و يبقى ثلثه) فإنه ليس في البين ما يقتضي تقييد الذهاب بكونه بالنار، نعم في صحيحته الأخرى قال: «ذكر أبو عبد اللّه (ع) أن العصير إذا طبخ حتى يذهب ثلثاه و يبقى ثلثه فهو حلال» «2» و لكن بما أن ذهاب الثلثين يكون بالطبخ غالبا فلا يمنع ذلك عن الأخذ بإطلاق صحيحته الاولى، كما هو الحال في جميع القيود الغالبية التي لا توجب رفع اليد عن المطلقات.

و لا يخفى ان المراد بالعصير في هذه الروايات العصير العنبي فلا يشمل العصير الزبيبي فضلا عن

التمري، و الوجه في ذلك (أولا) أن العصير يطلق على ما يخرج من الشي ء إى على الماء المتكون في داخل الشي ء بعد إخراجه، فلا يشمل المخرج من الزبيب و التمر مما لا يتكون في داخلهما، و لذا ذكر في صحيحة عبد الرحمن ابن الحجاج في أقسام الخمر العصير من الكرم و النقيع من الزبيب و النبيذ من التمر، «3» و ثانيا أن حمله على العموم غير ممكن حيث لا يصح لأحد الالتزام بحرمة كل عصير حتى مثل عصير الجزر و البطيخ بالغليان، و حمله- على خصوص الثلاثة أي عصير العنب و الزبيب و التمر بلا قرينة- غير ممكن، بل المتيقن منه العصير العنبي و العموم

______________________________

(1) الوسائل الجزء (17) الباب (5) من أبواب الأشربة المحرمة، الحديث (2)

(2) وسائل الشيعة الجزء (17) الباب (2) من أبواب الأشربة المحرمة، الحديث (7)

(3) وسائل الشيعة الجزء (17) الباب (1) من أبواب الأشربة المحرمة، الحديث (1)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 54

..........

______________________________

باعتبار أفراده كما لا يخفى.

و الحاصل أنه لا يمكن التعدي عن عصير العنب الى ماء الزبيب و التمر، بل الأظهر فيهما حملها حتى بعد غليانهما، و ليس في البين ما يقتضي حرمتهما بعد غليانهما.

نعم ورد في الزبيب ما ربما يقال بظهوره في حرمة مائه بعد غليانه كموثقتى عمار «1» و لكن بما أن المذكور فيهما من الأمور الكثيرة غير دخيل في حل ماء الزبيب قطعا، و لا مجال فيها لاحتمال استحباب رعايتها، فلا بد من كون المراد دخالتها في حله مع بقائه مدة طويلة، بحيث لا ينقلب فيها الى الخمر. و يؤيد ذلك رواية إسماعيل بن الفضل الهاشمي التي مثلهما في ذكر تلك الأمور، و ذكر

في ذيلها و هو شراب طيب لا يتغير إذا بقي ان شاء اللّه تعالى.

و أما رواية زيد النرسي في أصله، قال: «سئل أبو عبد اللّه (ع) عن الزبيب يدق و يلقى في القدر ثم يصب عليه الماء و يوقد تحته؟ قال: لا تأكله حتى يذهب الثلثان و بقي الثلث، فان النار اصابته، قلت فالزبيب كما هو في القدر و يصب عليه الماء ثم يطبخ و يصفي عنه الماء، فقال: كذلك هو سواء إذا أدت الحلاوة إلى الماء فصار حلوا بمنزلة العصير، ثم نش من غير أن تصيبه النار فقد حرم، و كذلك إذا أصابته النار فأغلاه فقد فسد» رواها في المستدرك فدلالتها على جريان حكم العصير العنبي في ماء الزبيب واضحة، إلا أنها لا تصلح للاعتماد عليها، حتى ما لو قيل بأن زيد النرسي موثق، باعتبار أن الراوي عنه هو محمد بن ابى عمير، و ذكر الشيخ في عدته أنه لا يروى إلا عن ثقة، و هذا توثيق عام لمشايخ محمد بن ابى عمير، و يرفع اليد عنه في مورد ثبوت الخلاف لا مع عدمه كما في المقام، و حتى ما لو قيل بأن أصل زيد النرسي معتبر كما عن النجاشي و غيره، و وجه عدم صلوحها عدم إحراز

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجزء (17) الباب (5) من أبواب الأشربة المحرمة، الحديث (2- 3)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 55

[جواز المعاوضة على الدهن المتنجس]
اشارة

و جعل هذا مستثنى (1)

______________________________

أن ما نقل عنه هذه الرواية و هي النسخة التي كانت بيد المجلسي (ره) هي أصل النرسي المعتبر، بل من المحتمل أنها كانت مجعولة مدسوسة، و مجرد اشتمالها على بعض الروايات التي ثبت أنها لزيد لا يدل على أنها

بتمامها رواياته.

و بعبارة أخرى النسخة التي كانت بيد المجلسي (ره) و نقل عنها هذه الرواية و كانت مصححة بخط الشيخ منصور بن الحسن الابى لم يظهر لنا وسائطها الى زيد، كما هو المألوف بين أصحاب الحديث لنعتمد عليها مع إحراز حال تلك الوسائط، و يزيد الشبهة ما عن الصدوق (ره) من ان أصل زيد النرسي و أصل زيد الزراد موضوعان وضعهما محمد بن موسى الهمداني ذكر ذلك محمد بن الحسن الوليد (ره).

(لا يقال) قد ذكر المجلسي في البحار أنه وجد في أول النسخة هكذا حدثنا الشيخ أبو محمد هارون بن موسى التلعكبري أيده اللّه، قال حدثنا أبو العباس احمد بن سعيد الهمداني، قال حدثنا جعفر بن عبد اللّه العلوي أبو عبد اللّه المحمدي، قال حدثنا محمد بن ابى عمير عن زيد النرسي و النسخة المزبورة كانت مصححة بخط الشيخ منصور بن الحسن الابى، و هو نقله من خط الشيخ الجليل محمد بن الحسن القمي و كانت كتابتها سنة أربع و سبعين و ثلاثمائة، و على ذلك فالنسخة مسندة بطريق مألوف.

(فإنه يقال) لم يظهر لنا حال منصور بن الحسن الابى حتى يثبت بنقله النسخة و إسنادها الى زيد، و ما حكى عن منتجب الدين أنه عالم فاضل قرأ على الشيخ الطوسي غير المصحح للنسخة كما يشهد بذلك تاريخ التصحيح، مع أن شهادة صاحب البحار بكتابة منصور بن الحسن ليست بطريق قد وصل إلينا وسائطه كما لا يخفى.

(1) يعنى عد الدهن المتنجس في المستثنى لعدم جواز بيع الأعيان النجسة مبنى على كون الحكم المزبور للأعيان النجسة و المتنجسة بنحو العموم، كما إذا قيل بحرمة الانتفاع بالمتنجس، فيكون بيعه فاسدا باعتبار عدم ثبوت المنفعة المحللة له أو قيل

بجواز الانتفاع بهما، و لكن لا يجوز المعاملة عليهما، فان الحكم بجواز

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 56

و هو ظاهر غيره ممن عبر بقوله جاز بيعه للاستصباح (1) و يمكن أن يقال باعتبار قصد الاستصباح (2)

______________________________

بيع الدهن المتنجس يكون استثناء عن ذلك الحكم العام، و هذا بخلاف ما إذا قيل بعدم حرمة الانتفاع و عدم بطلان بيعهما الا فيما يحرم كل الانتفاع المقصود منهما، فإنه على ذلك لا يعم الحكم المذكور في طرف المستثنى منه الدهن المتنجس باعتبار خروجه عن موضوع ذلك الحكم من الأول.

(أقول): لم يظهر وجه تخصيص انقطاع الاستثناء أو اتصاله بالدهن المتنجس، بل يجرى ذلك في الكافر ايضا، و حتى في كلب الصيد، فان جواز بيعه و إن كان من قبيل التقييد فيما دل على ان: ثمن الكلب سحت، إلا أن جواز بيعه استثناء من عدم جواز بيع الأعيان النجسة المستفاد من حديث تحف العقول يكون بنحو الانقطاع كما مر.

(1) وجه الظهور أن قولهم للاستصباح باعتبار صحة تعلقه بالبيع لا يتعلق بالجواز كما هو مقتضى قولهم: (القريب يمنع البعيد) نعم لو كان متعلقا بالجواز كما هو تأويل المحقق الثاني لكان مقتضاه القول الثالث و هو جواز بيع الدهن المتنجس مطلقا بمعنى أنه لا يعتبر اشتراط الاستصباح و لا قصده.

(2) ظاهره التفصيل بين الدهن الذي يكون الاستصباح بالإضافة إليه من المنفعة النادرة التي لا تكون ملاكا للمالية في الأشياء، و بين الدهن الذي يكون الاستصباح به من المنفعة المتعارفة، و في الأول يعتبر قصد الاستصباح في بيعه دون الثاني، و وجه الفرق هو أن الموجب للمالية في الأول و هي المنفعة الشائعة باعتبار نجاسة الدهن تكون محرمة. و أخذ

المال في مقابله بلحاظ تلك المنفعة أكلا له بالباطل، كما أن أخذه بلحاظ منفعته النادرة المحللة كذلك، حيث أن المنفعة النادرة لا توجب المالية حتى يخرج المأخوذ من عنوان الأكل بالباطل، نعم إذا ورد دليل على جواز أخذ المال بإزاء ذلك الدهن ليصرفه في منفعته المحللة النادرة يكون هذا حاكما على خطاب حرمة أكل المال بالباطل، حيث أنه بعد تجويز الشارع الأخذ لا يكون

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 57

و تعاملا من غير قصد (1)

______________________________

بيعه بإزاء الثمن من تملك المال بالباطل. و هذا بخلاف القسم الثاني من الدهن المتنجس، فإن أخذ المال بإزائه حتى بدون قصد المنفعة المحللة جائز، و لا يدخل في العنوان المنهي عنه، باعتبار أن الإسراج من المنفعة المحللة المقصودة الغالبة على منفعة الأكل أو المساوية له يوجب المالية للدهن المزبور نعم لو اشترطا استعماله للأكل يكون بيعه باطلا، لا لان الشرط الفاسد مفسد للمعاملة حتى يمنع عنه بل البطلان يعم ما كان استعماله في المحرم من قصد المتبايعين فإنه بالقصد المزبور يكون تملك الثمن بإزائه من اكله بالباطل، كما يشعر بذلك ما ورد من أن ثمن الجارية المغنية سحت، فإن الجارية مع كونها ذات منفعة محللة مقصودة كالاستمتاع بها أو استخدامها لا وجه لفساد ثمنها، إلا إذا كان قصد استيفاء منفعة الغناء موجبا له كما لا يخفى.

(1) و ظاهر ذلك التسوية في الدهنين و عدم الفرق بينهما في مقام الثبوت بل الفرق بينهما في مقام المعاملة فقط فيما إذا التفتا الى منافعهما، ففي الأول مع عدم قصد المنفعة النادرة المحللة ينصرف العقد الى لحاظ منفعته المحرمة، فيحكم بفساده، بخلاف الثاني، و أما مع عدم التفاتهما الى منفعتهما

المحللة و المحرمة، فيمكن تصحيح المعاملة في القسمين حتى في الأول، باعتبار أن الدهن المزبور مال شرعا وقع مورد المعاملة و لم يقصد منفعته المحرمة حتى يحكم بفساد بيعه استظهارا مما ورد في ثمن الجارية المغنية.

(أقول و في كلامه موارد للنظر).

(أولا) أن المنفعة النادرة التي لا توجب المالية للشي ء هي التي لا يلاحظها العقلاء حتى مع عدم إمكان صرف ذلك الشي ء في الجهة الأخرى، مثلا قطعات الكوز المكسور لا مالية لها فإنه لا يلاحظ استعمالها في البناء نظير استعمال قطعات اللبنة، حتى مع عدم إمكان صرفها في منفعتها الغالبة اى حزن الماء فيها، و هذا بخلاف الدهن المتنجس، فان مع عدم إمكان صرفه في الأكل مثلا يلاحظ فيه جهة الإسراج به.

و بعبارة أخرى عدم لحاظ الإسراج به بلحاظ منفعته الأخرى الأهم و الأكمل و هي

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 58

و ربما يتوهم من قوله (ع) (1)

______________________________

الأكل، و مثل ذلك لا يوجب سلب المالية عنه.

و (ثانيا) أنه مع قيام الدليل على جواز البيع في القسم الأول يكون الدليل المزبور كاشفا عن كون المنفعة النادرة عندنا من الغالبة عند الشارع، كما هو مقتضى حكومته على دليل حرمة الأكل بالباطل، فيكون للدهن المزبور مالية و باعتبارها يصح بيعه كما في القسم الثاني، من دون انصراف العقد الى لحاظ منفعته المحرمة و جعل العوض بلحاظها، فان انصراف العقد الى جعل العوض بلحاظ المنفعة المحرمة بلا قصد من المتعاقدين غير معقول.

و (ثالثا) أن مجرد قصد المنفعة المحرمة لا يوجب فساد البيع فيما إذا كان للشي ء مالية باعتبار منفعته المحللة، فإن الثمن في المعاملة يقع بإزاء نفس الشي ء لا منافعه، نعم ربما يكون لحاظ بعض الأوصاف

في تسعير الشي ء موجبا لفساد بيعه، فيما إذا كان المترتب على تلك الصفة هو الحرام دائما أو غالبا، كما في الجارية المغنية، و هذا غير داخل في مورد الكلام، فان المفروض في المقام مجرد قصد صرف الشي ء في منفعته المحرمة، و الدخيل في تسعير الشي ء أوصافه لا استعماله في إحدى منفعتيه.

(1) وجه الوهم أن قوله (ع): (فيبتاع للسراج) تفريع على علم المشترى بحال الدهن، و أن مع تبين نجاسته له يشتريه للسراج، فتكون الجملة بمنزلة قوله (فلا تبعه الا لمن يبتاعه للسراج) و ظاهر ذلك اعتبار قصد الإسراج في جواز شرائه، و بهذا تفترق هذه الرواية- المذكور فيها حكم واحد و هو تجويز بيعه من المشترى المزبور- عن رواية معاوية بن وهب المذكور فيها حكمان: أحدهما جواز البيع، و ثانيهما وجوب إعلام المشتري بنجاسة الدهن و لو بعد البيع ليصرفه في الاستصباح، و هذه تكون قرينة على أن الوارد في رواية الأعرج من الابتياع للسراج غاية للإعلام

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 59

فهل يجب مطلقا (1) لا إشكال في وجوب الاعلام (2) مثل ما دل على أن من أفتى (3)

______________________________

أيضا، لا أنه دخيل في صحة البيع. و الحاصل اعتبار المشترى المزبور باعتبار عدم لزوم محذور التسبيب الى الحرام بصرف المشترى ذلك الدهن في الأكل بسبب جهله بحال الدهن كما نذكر توضيحه في الموضع الثاني.

(1) يجب الاعلام مطلقا إى سواء قيل بكون البيع مشروطا بالاستصباح أو بقصده أو غير مشروط بشي ء منهما.

(2) لا يخفى أن قصد المشتري الإصباح بالدهن المزبور لا يلازمه إعلام البائع، بل النسبة بينهما عموم من وجه، فقد يظهر البائع حال الدهن و نجاسته و مع ذلك يكون المشترى

قاصدا صرفه في الأكل، و قد يترك الاعلام و لكن المشترى يقصد شراءه لمثل الإسراج، و ظاهر الروايات كون الاعلام تكليفا على البائع لئلا يكون جهل المشترى بحال الدهن و نجاسته منشأ لصرفه في الأكل، قال (ع) في موثقة أبي بصير: (و إن كان ذائبا فأسرج به و أعلمهم إذا بعته) «1»

(3) ما دل على ذلك أجنبي عن مسألة عدم جواز التسبيب الى فعل الحرام أو ترك الواجب فإن الإفتاء بغير علم حرام حيث انه من الافتراء و الكذب على اللّه سبحانه عمل بها أحد أو لم يعمل، و تحديد العقوبة بوزر من عمل بها على تقدير العمل لا يدل على أن حرمة الإفتاء بغير علم لأجل التسبيب، فان مثل الخبر يعم ما إذا لم يكن تسبيب، كما إذا كان العامل بها عالما بأن المفتي ليست له أهليته الإفتاء و مع ذلك أخذ بفتواه بداع من الدواعي النفسانية.

و أما ما ورد في تحمل الامام مع أنه معارض بما يدل على عدم ضمانه بشي ء و في صحيحة زرارة قال: «سألت أحدهما (ع) عن الامام يضمن صلاة المأموم؟ قال لا» «2» فلا يرتبط بالمقام فإنه لو فرض عدم نقص صلاة المأموم عن الصلاة الفريضة إلا في

______________________________

(1) وسائل الشيعة: الجزء (12) الباب: (6) من أبواب ما يكتسب به، الحديث: (3)

(2) وسائل الشيعة: الجزء (5) الباب (30) من أبواب صلاة الجماعة- الحديث (4)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 60

[التسبيب إلى الحرام]

و الحاصل أن هنا أمورا أربعة (1)

______________________________

ترك القراءة فلا ينبغي الريب في عدم بطلان تلك الصلاة بذلك، فان مقتضى حديث لا تعاد و غيره عدم بطلان الصلاة بترك القراءة فيها عن عذر، و التسبيب- في مثل

ذلك مما يكون للعلم و الإحراز دخل في حرمة الشي ء تكليفا أو عدم جوازه وضعا- لا بأس به، و لذا لا يجب على البائع إعلام الغير بنجاسة الثوب الذي يشتريه، بخلاف نجاسة المبيع المأكول، و الفرق أن نجاسة الثوب لا تكون مانعة عن صحة الصلاة إلا مع إحرازها، بخلاف نجاسة المأكول، فإنها موضوع لحرمة أكله، غاية الأمر ربما يكون الجهل عذرا في مخالفة التكليف الواقعي، نعم لو أحرز الامام ان مأمومة يأتي في صلاته بما يكون مبطلا لها حتى مع العذر، كتعدد الركوع في الركعة الواحدة الذي يكون عدم فساد الصلاة به في خصوص صلاة الجماعة في بعض الموارد، فمع علمه بهذا لا يجوز له التصدي للإمامة مع فقده شرائطها.

و العمدة في حرمة التسبيب هو الفهم العرفي من خطابات المحرمات و غيرها، فإنه إذا ورد في خطاب حرمة أكل الميتة فأهل العرف لا يفهمون الفرق بين أكلها بالمباشرة أو أكل الغير بتسبيبه جهلا أو إكراها، و هكذا ما ورد في نهى الجنب عن دخول المسجد، فإنهم لا يفرقون بين الدخول و الإدخال الى غير ذلك.

فقد ظهر مما ذكرنا أن الكلام في عدم جواز التسبيب الى الحرام فيما إذا كان ذلك الحرام مطلقا بحيث يكون مع الجهل مورد الاحتياط، و أما مدلول رواية أبي بصير فأجنبي عن ذلك، فإنه لا تكون كراهة لأكل البهيمة أو الطفل حتى يكون سقيهما أو إطعامهما من التسبيب إلى الكراهة، بل مدلولها حكم السقي أو الإطعام بما هو هو.

(1) الفرق بين إكراه الغير على المحرم و بين تقديم الطعام المتنجس الى الغير الجاهل بأن الأول من قبيل العلة التامة لصدور الحرام عن الغير، و الثاني من قبيل السبب فيه ما لا

يخفى. و الصحيح أن كلا من الإكراه و تقديم الطعام المتنجس مثلا

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 61

لان استناد الفعل الى السبب أقوى (1)

______________________________

إلى الجاهل المريد للأكل لا يكون موجبا لخروج الفعل عن كونه اختياريا للمكره بالفتح أو المقدم اليه، و أن حرمة الإكراه أو التقديم لا تكون الا من جهة التسبيب الى الحرام، فإن العمدة في دليل حرمته كما مر هو الفهم العرفي، بأن المنهي عنه يعم إصدار الفعل عن الغير بالإكراه أو الإغراء، بل و لو بمثل صب الخمر في حلقه.

و أما القسم الثالث فان كان ترغيبا للآخر الى ارتكاب المحرم و تحبيبا اليه لينقدح في نفسه الداعي إلى ارتكابه فيكفي في إثبات حرمته فحوى ما دل على وجوب نهى الغير عن المنكر، و كذا ما إذا كان موجبا للعناد كسب آلهة الكفار الموجب لالقائهم في سب الحق، و أما بيع مثل العنب ممن يعلم أنه يعمله خمرا فسيأتي الكلام فيه مفصلا، و اما إرشاد الجاهل و اعلامه في غير موارد التسبيب فلا يجب إلا في الأحكام الشرعية الكلية كما هو مقتضى ما دل على وجوب تبليغها الى الجاهلين بها، و في الجهل بالموضوعات فيما إذا وجب على المرشد التحفظ فيها على الواقع، كالتحفظ على دم مؤمن أو عرضه في مورد يريد الجاهل بإيمانه قتله أو هتكه و نحو ذلك.

(1) لا يخفى أن وجه استقرار الضمان على من قدم الطعام المملوك للغير الى الجاهل هي قاعدة الغرور لا مجرد التسبيب، و لذا يكون لمالك الطعام الرجوع الى الجاهل المتلف و لو كان من باب استناد الفعل الى السبب لم يكن له الرجوع إلا الى المقدم، و الحاصل أن مقتضى

تلك القاعدة رجوع المغرور إلى غاره و لا تجري هذه القاعدة في مورد الإكراه على إتلاف مال الغير، بل يكون الضمان فيه ابتداء على المكره بالكسر، و الوجه في ذلك أنه يستفاد من مثل ما ورد في ضمان الشاهد ما أتلف على المشهود عليه بشهادته الزور ضمان المكره بالكسر ايضا، و مقتضى حديث الرفع نفى الضمان عن المكره بالفتح، و نفيه عنه مع فرض ثبوته للمكره بالكسر لا ينافي الامتنان.

فالمتحصل ان في مورد كون السبب أقوى يكون الضمان على ذلك الأقوى ابتداء، كما إذا وضع قارورة تحت رجل نائم فانكسرت بتحريكه رجله في النوم،

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 62

بأن النجاسة عيب خفي (1) عدا ما يدعى من مرسلة الشيخ (ره) (2)

______________________________

فان الضمان في الفرض على واضعها لا على النائم، باعتبار أن الإتلاف يستند اليه لا إلى النائم، و هذا بخلاف مورد تقديم الطعام، فإن الإتلاف يكون من المباشر و عليه ضمانه و المقدم بالكسر ضامن ايضا بضمان اليد، فللمالك الرجوع الى كل منهما، و إذا رجع الى المباشر فيرجع الى غاره كما مر، و لعله لذلك ذكر أن الإكراه علة تامة و تقديم الطعام سبب.

(1) ظاهر الروايات المتقدمة وجوب الاعلام حتى فيما لا يجب فيه بيان العيب كما إذا تبرأ البائع من عيوب المبيع، حيث انه يجب إظهار العيب الخفي، باعتبار أن عدم ذكره غش، و مع التبري لا غش. و أيضا لا فرق كما يذكر المصنف (ره) في وجوب الإعلام بنجاسة المأكول أو المشروب بين كونهما موردين للمعاوضة أو للهبة، و لو كان وجوبه باعتبار أن إخفاء نجاسته غش في المعاملة لاختص وجوبه بموارد المعاوضة، و لذا لا يجب بيان

العيب للمتهب، هذا مع أن تناول المتنجس منكر واقعي شرعا، فيجب اعلامه للجاهل الذي يريد تناوله حتى لو لم نقل بوجوب إظهار عيب المبيع. و وجه وجوبه حرمة التسبيب الى الحرام و إلقاء الغير فيه، و لو اختص كون الشي ء منكرا بصورة العلم بنجاسته، كما في لبس الثوب النجس في الصلاة لا يجب الاعلام، بل لا تكون نجاسته عيبا.

(2) مرسلة الشيخ (ره) هي التي ذكرها في مبسوطه بقوله روى أصحابنا أنه يستصبح به تحت السماء، و هذه المرسلة مؤيدة بشهرة الفتوى بمضمونها، و بالإجماع المذكور في كلام ابن إدريس، و إذا انجبر ضعفها بما ذكر يكون المقام من الموارد التي يرد فيها في مقابل خطاب المطلق خطاب آخر يدور أمر ذلك الخطاب الآخر بين كونه مقيدا للمطلق أو محمولا على الاستحباب أي أفضل الافراد، و في المقام يدور أمر المرسلة بين كونها مقيدة للإطلاق في الروايات التي رخص فيها في صرف الزيت المتنجس في الاستصباح و بين ان يكون التقييد الوارد فيها محمولا على الاستحباب،

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 63

..........

______________________________

بان يكون المستحب في الاستصباح بالدهن المتنجس الاستصباح به تحت السماء أو يكون الأمر المستفاد من الجملة الخبرية محمولا على الإرشاد، و أن الاستصباح تحت السماء بلحاظ ان لا يتأثر السقف بالدخان المتصاعد الذي يكون نجسا على ما ذكره الشيخ الطوسي (ره) باعتبار اشتماله على اجزاء دهنية متصاعدة معه.

ثم ان حمل الأمر بالاستصباح تحت السماء على الإرشاد و بان لا يتأثر السقف اولى من تقييد الإطلاقات الكثيرة الواردة في مقام البيان، خصوصا ان تقييد تلك الإطلاقات و اعتبار كون الاستصباح تحت السماء لا يكون الا بالالتزام بعدم جواز تنجيس السقف أو كونه

تعبدا محضا، و الأول مخالف لما عليه المشهور من طهارة دخان النجس أو المتنجس، و الثاني بعيد جدا. و لعله لذلك أفتى الشيخ (ره) في مبسوطه مع نقله المرسلة بكراهة الإسراج تحت السقف.

و الإنصاف ان الحكم في المقام لا يخلو عن اشكال لورود المطلقات في مقام البيان و عدم كون المرسلة صالحة لتقييدها، و في مقابل ما ذكر من الشهرة المحققة و الإجماع المنقول على اعتبار كون الاستصباح تحت السماء يكون الرجوع الى أصالة البراءة عن اعتبار كون الاستصباح تحت السماء بعيدا عن الاحتياط، و جرأة على مخالفة المشهور.

و عن العلامة التفصيل بين صورة العلم بتصاعد اجزاء الدهن مع الدخان و عدمه و اعتبر كون الاستصباح تحت السماء في الأول دون الثاني. و هذا التفصيل مبنى على حرمة تنجيس السقف و لكن لم يظهر له دليل، نعم من ذكر في رده بان الاستصباح تحت السماء تعبد محض لا لتنجيس السقف لان الدخان المتصاعد طاهر، ظاهره قبوله حرمة التنجيس و الا لذكر في الرد أن تنجيس السقف لا بأس به انتهى تقرير كلامه في المقام.

أقول استعمال الدهن المتنجس في الاستصباح لا يكون حكما مولويا حتى

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 64

و منها قوله تعالى إِنَّمَا الْخَمْرُ وَ الْمَيْسِرُ (1)

______________________________

يتكلم في التقييد الوارد في مثل المرسلة التي لا يمكن الاعتماد عليها، على ما ذكرناه في بحث الأصول، بل الأمر بالاستصباح به في الروايات للإرشاد الى عدم جواز استعماله في الأكل كما مر، و على تقدير كونه مولويا فهو ترخيص لا حكم إلزامي واحد ليكون المقام من موارد لزوم حمل المطلق على المقيد، و لا منافاة بين الترخيص في الإسراج بالدهن المتنجس مطلقا و

بين الترخيص في إسراجه تحت السماء، كما إذا ورد في خطاب الترخيص في شرب الخل مطلقا و في خطاب آخر الترخيص في شرب الخل في المساجد، و قد ذكر في باب المفاهيم أنه لا مفهوم للوصف حتى يوجب ذلك المفهوم تقييدا في خطاب المطلق.

(1) كان المستدل بالآية أراد ان الرجس فيها ينطبق على المتنجس ايضا و أن الأمر بالاجتناب عنه يعمه فالحكم بجواز الانتفاع به في مورد يحتاج الى دليل خاص و ذكر المصنف (ره) في الجواب أن الرجس ما يكون كذلك في ذاته لا ما عرضت له النجاسة، فيختص بالأعيان النجسة و لا يعم المتنجسات و الا لزم تخصيص الأكثر باعتبار جواز الانتفاع بأكثر المتنجسات (هذا أولا) و (ثانيا) أن المذكور في الاية كون الرجس من عمل الشيطان اى من صنعه فيختص وجوب الاجتناب بمخترعات الشيطان و مبتدعاته سواء كان قذرا ماديا كالخمر أو معنويا كالميسر.

و الحاصل أن مجرد كون عين نجسة فضلا عن المتنجس لا يوجب دخوله في صنع الشيطان و مخترعاته، و ان أريد من عمل الشيطان هو الصادر عن المكلف بإغوائه ليكون الرجس عنوانا لنفس تلك الأعمال فكون الانتفاع بالمتنجسات رجسا و عملا بإغواء الشيطان أول الكلام (أقول) لفظ الرجس بمعنى النجس في مثل قوله سبحانه (إِلّٰا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ) و ان كان ممكنا الا أنه لا يمكن في المقام. و ذلك بقرينة حمله على الميسر، حيث انه فعل و لا يتصف بالنجاسة، فلا بد من حمله على معنى غير النجاسة المصطلحة. و صدق ذلك المعنى

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 65

ان المراد هنا حرمة الأكل (1) غاية الأمر

التعدي من حيث غاية البيع (2) من ظهور الاستثناء (3)

______________________________

على مطلق المتنجس بل النجس ايضا ممنوع.

و (ثانيا)- أن الأمر بالاجتناب عن الرجس حتى بمعنى يعم المتنجس ظاهره الاجتناب عن استعماله المتعارف و لا يعم جميع الانتفاعات، و من هنا يظهر الحال في قوله عز من قائل وَ الرُّجْزَ فَاهْجُرْ «1» بناء على أنه بمعنى الرجس كما قيل.

(1) لا دلالة في الآية على كون المراد بالخبائث الأعيان حتى يقال أنها تعم المتنجس ايضا، بل الظاهر منها و لا أقل من الاحتمال كما مر سابقا كون المراد الأفعال المنكرة، كما ورد ذلك في قضية قوم لوط، قال عز من قائل وَ نَجَّيْنٰاهُ مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِي كٰانَتْ تَعْمَلُ الْخَبٰائِثَ «2» و على تقدير كون المراد بها الأعيان، فلا ريب في أن ظهور تحريمها- بمناسبة الحكم و الموضوع- حرمة الانتفاع المناسب للعين لا حرمة كل انتفاع، و ما ذكره المصنف (ره) من كون المراد من تحريم الخبائث حرمة أكلها بقرينة مقابلته لحل الطيبات، ففيه ما لا يخفى، قال سبحانه في وصف النبي الذي يؤمن به المتقون الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرٰاةِ وَ الْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَ يَنْهٰاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَ يُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبٰاتِ وَ يُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبٰائِثَ وَ يَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ «3» و ظاهرها بقرينة المقام تحريم الأفعال المنكرة و تحليل المستحسنة منها، و لا يناسب مدحه مجرد أنه أحل المأكولات الطاهرة و حرم أكل الأشياء النجسة.

(2) أي لا يعتبر في صحة بيع الدهن المتنجس قصد الاستصباح فقط، بل يجوز بيعه لغاية أخرى من قصد طلى الأجرب أو صنع الصابون و نحوهما.

(3) هذا وجه لعدم جواز بيع سائر المتنجسات، و المراد الظهور الإطلاقي

______________________________

(1) سورة

المدثر (74) الاية (5)

(2) سورة الأنبياء (21) الاية (74)،

(3) سورة الأعراف (7) الاية (157)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 66

و مما تقدم في مسألة جلد الميتة (1) و يمكن حمل كلام من أطلق المنع (2)

______________________________

اى عدم عطف متنجس آخر على الدهن في كلماتهم حيث ان مقتضاه عدم التزامهم بجواز البيع في سائر المتنجسات حتى مع تحقق النفع لها.

(1) هذا وجه لجواز بيع سائر المتنجسات التي لها منفعة محللة كالدهن، حيث يظهر من كلماتهم في تلك المسألة أن جواز البيع دائر مدار تحقق المنفعة المحللة، إلا أن يقوم دليل خاص على عدم جواز البيع حتى مع تلك المنفعة كما في الاليات المقطوعة من الغنم، فإنه لا يجوز بيعها مع جواز الإسراج بها أو عملها صابونا، و كذا لا يجوز بيع مطلق نجس العين على كلام يأتي حتى مع جواز الانتفاع بها، و يقتضي أيضا جواز بيع سائر المتنجسات استصحاب الحكم الثابت لها قبل التنجس، حيث كان بيعها جائزا و بعد التنجس الأصل بقاؤها على حالها، و الجواز قبل التنجس مقتضى القاعدة المستفادة من رواية تحف العقول و غيرها، و هي كون المناط في جواز بيع الشي ء حصول الصلاح فيه.

(2) هذا جواب عن الوجه المتقدم لعدم جواز بيع سائر المتنجسات، و حاصله أن قولهم لفائدة الاستصباح تعليل للاستثناء لا قيد لبيع الدهن المتنجس بمعنى انه يجوز- لتحقق المنفعة المحللة و هي الاستصباح- بيع الدهن المتنجس، نظير ما يقال يجوز لتحقق الاستشفاء ببول الإبل بيعه، نعم يحتمل أن يكون لفائدة الاستصباح في كلامهم قيدا و غاية للبيع، و حيث أن الغاية تكون في القصد مقدما و في الحصول مؤخرا يكون معنى كلامهم جواز بيع الدهن

المتنجس لغاية الاستصباح و قصده و لكن يؤيد أن قولهم للاستصباح تعليل للاستثناء لا غاية و قيد لبيع الدهن ما ذكر في جامع المقاصد في شرح قول العلامة، ما حاصله أن قول العلامة للاستصباح تحت السماء خاصة تعليل للاستثناء، لا قيد للبيع لتكون في كلامه دلالة على حصر جواز البيع بفائدة الاستصباح، و أن قول العلامة خاصة راجع الى اعتبار كون الاستصباح تحت السماء، فلا يجوز

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 67

و كيف كان فالحكم بعموم كلمات هؤلاء (1) فهي نفس المنفعة لا الانتفاع (2) مع احتمال أن يراد من جميع التقلب (3)

______________________________

تحت السقوف، لا أنه لا يجوز بيع الدهن لسائر المنافع.

(1) يعنى استثنى جماعة كما مر الدهن المتنجس لفائدة الاستصباح من عدم جواز بيع النجس، و الحكم بأن مقتضى اقتصارهم في الاستثناء على الدهن هو عدم جواز بيع سائر المائعات النجسة حتى مع حل الانتفاع المعتد به بها محل تأمل، و ان ذكر ذلك في المسالك و قال ان القوم لم يفرقوا في عدم جواز بيع النجس بين ما يكون له نفع أو لا. و وجه التأمل هي الملازمة بين حل الانتفاع المزبور و جواز البيع و باعتبار هذه الملازمة أورد المحقق الثاني في حاشية الإرشاد على كلام العلامة أى على قوله و لا بأس ببيع ما عرض له التنجس مع قبوله الطهارة بمثل الأصباغ المتنجسة، فإنها لا تقبل التطهير و مع ذلك يجوز بيعها باعتبار عدم توقف الانتفاع بها على طهارتها، و المحقق و ان أجاب عن إيراده بان الأصباغ بعد جفافها قابلة للتطهير، الا انه لو لم تكن ملازمة بين جواز الانتفاع و جواز البيع لما صح الإيراد

و الجواب، اللهم إلا أن يقال ان إيراد المحقق الثاني على العلامة مبنى على مختاره و هو قبول الملازمة بين الجوازين، و ليس مراده أن الحكم الذي ذكره العلامة مشكل حتى عند العلامة.

(2) يعني مراد العلامة من المتنجس الذي يقبل التطهير قبوله للطهارة قبل الانتفاع به و لا يقبل الصبغ الطهارة قبل الانتفاع به، حيث أن اللون الباقي بعد غسل الثوب منفعة لا انتفاع، و المنفعة اسم مصدر و الانتفاع مصدر. و الحاصل أن الأصباغ قابلة للطهارة بعد الانتفاع بها، بل أنها لا تقبل التطهير حتى بعد الانتفاع، حيث ان القابل للطهارة هو الثوب الذي كان متنجسا بملاقاة ذلك الصبغ لا اجزاء ذلك الصبغ.

(3) اى جميع أنواع التناول كالأكل أو الشرب بلا طبخ أو معه و مع خلطه بشي ء آخر و عدمه الى غير ذلك، كما أن المراد من إمساكه إمساكه للأكل أو

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 68

لكن مع تفصيل لا يرجع الى مخالفة (1) و لذا قيد هو (قده) (2) ثم ان الانتفاع المنفي في الميتة (3) و في الرواية إشعار بالتقرير (4) و يمكن ان ينزل (5) و الظاهر ثبوت (6)

______________________________

الشرب.

(1) اى لا يكون تفصيله تحريما للانتفاع بالنجس رأسا.

(2) أي حيث ان الممنوع في النصوص الانتفاع بالميتة ذكر في كلامه الانتفاع أولا ثم قيده بما يسمى استعمالا، و الا كان المناسب ان يقول كالميتة التي لا يجوز استعمالها.

(3) اى ما ورد من ان الميتة لا ينتفع بها لا يعم جعل الميتة وقودا أو سدا لساقية الماء، و ليس وجه عدم العموم انصراف الانتفاع بالميتة إلى الانتفاع بها في المنافع المقصودة منها كالأكل في المأكول و الشرب في المشروب

و نحوهما حتى يقال أن مثل النكرة الواقعة في حيز النفي أو النهي لا ينصرف الى بعض افراده، بل وجه عدم العموم عدم عد مثل سد ساقية الماء بها انتفاعا بها لا أنه انتفاع و لكنه غير مقصود كالاسراج بدهن اللوز، حيث أنه إذا ورد في خطاب أنه لا ينتفع بدهن اللوز المتنجس فلا وجه لدعوى أنه لا يعم الإسراج به.

(4) أي اشعار برضا الامام عليه السلام باستعمال العذرة و عظام الموتى في بعض المنافع كإحراق الجص.

(5) و حاصله أن ما ورد من أن الميتة أو غيرها من النجس لا ينتفع بها يراد استعمالها كاستعمال الطاهر حتى مع البناء على تطهير ما أصابها من اليد و الثياب للصلاة، و لا بعد في الالتزام بحرمة هذا الاستعمال تكليفا في الأعيان النجسة، كما يظهر ذلك من رواية الوشاء، و يشير اليه قوله سبحانه (وَ الرُّجْزَ فَاهْجُرْ)، نعم لا بأس هذا الاستعمال في المتنجسات كاستعمال الدهن المتنجس بنحو يوجب تلويث الثوب و البدن.

(6) و حاصل ما ذكره (ره) في المقام أن من الأعيان النجسة ما ينتفع بها و لكن

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 69

..........

______________________________

باعتبار عدم كون ذلك الانتفاع مقصودا للعقلاء أصلا لا يوجب ماليتها، و في هذا القسم يثبت حق الاختصاص، و منشأ ثبوت هذا الحق كون العين في السابق ما لا للمالك كما في الخل المنقلب الى الخمر، أو حيازة تلك الأعيان و أخذها كما فيما إذا جمع العذرة حتى صارت من الكثرة بحيث ينتفع بها في المزارع و البساتين. و كيف كان فلا بأس بالمصالحة على ذلك الحق بعوض و لا يعد ذلك العوض ثمنا لعين النجس حتى يكون سحتا. و

اولى منها أخذ المال لرفع يده عن تلك العين، و بعد الاعراض يحوزها باذل المال، و من هذا النحو بذل المال لمن يسبق إلى الأمكنة المشتركة، كما إذا جلس في مكان من المسجد أو السوق، أو يسبق إلى غرفة في المدرسة فللآخر بذل مال له ليرفع يده عن المكان أو الغرفة حتى يسبق إليهما الباذل، و اولى من ذلك ما إذا جمع العذرة في مكانه المملوك و أخذ المال حتى يأذن للباذل بدخول ذلك المكان لأخذ العذرة مجانا.

ثم انه يعتبر في ثبوت حق الاختصاص بالحيازة ان يكون قصد الحائز الانتفاع بتلك العين كما يعتبر في ثبوت الحق بالسبق الى المشتركات الانتفاع بذلك المكان بما يناسبه، ففي السوق الانتفاع به بالكسب فيه و في المدرسة الانتفاع بها بالسكنى و في المساجد و المشاهد الانتفاع بها للعبادة و نحوها، و أما إذا كان قصده اشغال المكان في المسجد أو السوق أو المدرسة حتى يأخذ من الغير مالا ليرفع يده عنه، فلا يوجب سبقه حقا و على ذلك فان لم يكن قصد من جمع العذرة الانتفاع بها بالبساتين مثلا، فلا يثبت له حق الاختصاص، فالمتعين في حقه ما ذكر أخيرا من جمع العذرة في مكانه المملوك و أخذ المال لإذنه في الدخول فيه.

أقول: يمكن أن يقال: إن النهى عن المعاملة على الشي ء أو عد ثمنه سحتا مقتضاه سقوط ذلك الشي ء عن المالية شرعا، لا سقوطه عن كونه ملكا ايضا، و الملك أعم من المال، حيث يكون الملك من غير كونه مالا كما في الحبة و الحبتين من الحنطة

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 70

..........

______________________________

أو قليل من التراب و نحوه، فيترتب عليه آثار الملك من

عدم جواز التصرف فيه بلا رضا مالكه، و لا يثبت مثل ضمان التلف في اليد أو الإتلاف فإنه من آثار كون الشي ء مالا.

و الحاصل أنه لم يعلم الفرق بين الحبة و الحبات من مثل الحنطة و بين الخمر الممكن انقلابه الى الخل في كون الأول ملكا و الثابت في الثاني حقا ليقال لا دليل على حدوث هذا الحق بعد زوال الملك و المالية، بل الظاهر و لا أقل من أن مقتضى الاستصحاب كون الموجود فعلا هو ملك من كان له في السابق، و على ذلك فلا بأس في مثل الخمر المزبور بالمصالحة على عوض أو أخذ المال للاعراض عنها، حتى يملكها باذل المال بالحيازة، حيث أن المنهي عنه بيعها و السحت ثمنها و المصالحة و الاعراض لا يكونان بيعا، و العوض فيهما لا يكون ثمنا.

اللهم إلا أن يقال مقتضى سقوط الشي ء عن المالية شرعا كونه كسائر ما لا تكون له مالية في اعتبار العقلاء، و أن أخذ المال و لو بعنوان المصالحة عليه أو الاعراض عنه أكل لذلك المال بالباطل، و ايضا لا بأس بالالتزام بحدوث الملك بالحيازة في المباحات القابلة للنقل أو المملوكة بعد أعراض مالكها عنها، و أن الأخذ في مثل ذلك يكون موجبا لدخولها في ملك آخذها، و على ذلك سيرة العقلاء، بل ربما يمكن أن يقال باستفادة ذلك من صحيحة عبد اللّه بن سنان عن ابى عبد اللّه عليه السلام.

قال: «من أصاب مالا أو بعيرا في فلاة من الأرض قد كلت و قامت و سيبها صاحبها مما لم يتبعه، فأخذها غيره، فأقام عليها و أنفق نفقته حتى أحياها من الكلال و من الموت فهي له و لا سبيل له عليها و

إنما هي مثل الشي ء المباح» «1» و لكن مفادها التملك بالاحياء لا بمجرد الأخذ، و هذه الرواية نظير ما ورد في الأراضي الميتة من كون إحيائها مملكا كما لا يخفى.

______________________________

(1) وسائل الشيعة: الجزء (17) الباب: (13) من أبواب اللقطة، الحديث: (2)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 71

[النوع الثاني مما يحرم التكسب به ما يحرم لتحريم ما يقصد به]

اشارة

النوع الثاني مما يحرم التكسب به ما يحرم (1)

[الأول ما لا يقصد من وجوده على نحوه الخاص إلا الحرام]
[هياكل العبادة]

______________________________

فتحصل من جميع ما ذكرنا أن الاستيلاء على العذرة و جمعها بقصد تملكها موجب لكونها ملكا فيجوز المصالحة عليها أو الاعراض عنها بعوض، حتى إذا كان الغرض من جمعها ذلك، و حتى فيما إذا لم نقل بجواز بيعها. هذا ان لم نقل بما أشرنا إليه من أن مقتضى إلغاء المالية عنها كون أكل المال و لو بعنوان المصالحة عليها أو الاعراض عنها من أكله بالباطل كما في سائر ما لا يكون ما لا في اعتبار العقلاء كما لا يخفى.

(1) الكلام في النوع الأول كان في أن نجاسة الشي ء بالأصالة أو بالعرض هل تكون موجبة لعدم جواز الاكتساب به بحيث يكون الحكم بجواز البيع في مورد محتاجا الى قيام دليل عليه كما هو منسوب الى المشهور، بل نسب إليهم عدم جواز الانتفاع الا مع نص خاص فيه كالاسراج بالأدهان المتنجسة، أو ان مجرد نجاسة الشي ء أو تنجسه في موارد ثبوت المنفعة المقصودة لا يمنع عن الاكتساب به، بل يحتاج المنع الى دليل خاص، و الكلام في هذا النوع في أن ترتب المنفعة المحرمة على شي ء يكون موجبا لعدم جواز الاكتساب به، و هذا على أقسام أشار إليها:

(الأول)- أن لا تكون المنفعة المترتبة عليه بما هو هو الا الحرام، و لا يكون فيه بما هو غرض محلل آخر، كما في هياكل العبادة و آلات القمار و غيره، و لو لم يكن في هذا القسم للشي ء مالية بحسب مادته ايضا، كما في الصنم المصنوع من الجص أو الطين، حيث ان الطين و الجص الميت لا قيمة لهما فلا إشكال في بطلان المعاملة و عدم جواز أخذ المال بإزائه، لأن

انحصار المنفعة المقصودة منه بالمحرم يكون موجبا لدخول أخذ المال بإزائه في عنوان أكل المال بالباطل، و إذا كانت لمادته مالية كما في الصنم المصنوع من الخشب، فالمعاملة عليه بما هو صنم أيضا باطلة، و ذلك فإن الهيئة المزبورة في نظر العرف مقومة للمبيع، و ان كانت بنظر العقل من أوصافه، و لذا لو باع الشي ء بعنوان السرير، فبان منبرا يحكم ببطلان البيع من غير ان يثبت

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 72

..........

______________________________

للمشتري خيار تخلف الوصف، فالهيئة في المقام كسائر الأوصاف المقومة للمبيع داخلة في المعاملة، و بما أنه ليس لها في مورد الكلام مالية شرعا تكون المعاملة محكومة بالبطلان باعتبار أن تملك العوض معه داخل في عنوان الأكل بالباطل.

ثم ان المعاملة المزبورة لا تكون منحلة إلى معاملتين بالإضافة إلى المادة و الهيئة بأن تكون المعاملة عليه في نظر العرف نظير بيع شيئين بصفقة واحدة حتى يحكم بفسادها بالإضافة إلى الهيئة و بصحتها بالإضافة إلى المادة، و لذا لا تكون المادة ملكا لأحد و الهيئة ملكا لآخر، و إذا صنع خشب الغير سريرا فان كان ذلك باذن منه فيستحق عليه أجرة المثل، و لا يملك هيئة السرير، فان لم يأذن فيه بل صنعه من عنده فلا يستحق عليه شيئا و لا يملك هيئته، و هذا بخلاف موارد بيع شيئين بصفقة واحدة، فإنه يمكن كون أحدهما ملكا لشخص و الآخر ملكا لآخر، نعم في هذه الصورة تكون المعاملة عليه بعنوان المادة بلا دخل للهيئة في أخذ العوض محكومة بالصحة، فإن كون المادة مالا شرعا و عرفا يكون موجبا لدخول المعاملة عليها تحت الإطلاقات المقتضية لنفوذها، نظير ما إذا باع مقدارا من الحطب

فظهر بعضه صنما مصنوعا من الخشب أو مقدارا من النحاس، فظهر بعضه آلة قمار مصنوعة منه و هكذا.

و ذكر السيد اليزدي (ره) في تعليقته وجها آخر لبطلان المعاملة في صورة وقوعها على الصنم بما هو صنم، سواء كانت لمادته مالية أو لا و هو قوله سبحانه فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثٰانِ «1» فإن بيعها ينافي الاجتناب عنها انتهى.

(لا يقال) ظاهر الاجتناب في الأوثان ترك عبادتها و لا يعم ترك بيعها أو ترك إمساكها مع أن الأمر بالاجتناب تكليف لا وضع، و غاية دلالة الآية انه لو باع الوثن فعل حراما و اما فساد البيع فلا دلالة لها عليه (فإنه يقال) قد تقدم سابقا ان الأمر بالاجتناب عن الخمر يعم ترك بيعها و شرائها لعدهما من مقدمات شربها خصوصا إذا كان الشراء بقصد

______________________________

(1) سورة الحج (22) الاية (30)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 73

..........

______________________________

شربها، و عليه فلا يبعد كون الأمر بالاجتناب عن الأوثان أيضا كذلك، فيعم الأمر به ترك بيعها و شرائها خصوصا إذا كان الشراء بقصد عبادتها، ثم بما أن النهى عن المعاملة ظاهر في فسادها يكون الأمر بالاجتناب بالإضافة الى غير المعاملة من سائر الأفعال تكليفا و بالإضافة إلى البيع و سائر المعاملة وضعا و لا مانع من الجمع بين التكليف و الوضع في استعمال واحد كما لا يخفى.

و ذكر السيد الخوئي طال بقاؤه في وجه بطلان المعاملة في موارد دخل الهيئة فيها أن الهيئة باعتبار كون المترتب عليها هو الحرام فقط ليست بشي ء عند الشارع، فتكون المعاملة عليها من بيع المعدوم (أقول) هذا منه طال بقاؤه التزام باعتبار المالية في المبيع، و ذلك، فإنه ان كان المراد بنفي الشي ء عن

الهيئة عدم تحققها خارجا فالمفروض أنها موجودة، و ان كان المراد أنه لا نفع محلل في تلك الهيئة فلا يكون مالا عند الشارع، فهذا التزام باعتبار المالية حتى لا يكون أخذ المال بإزاء تلك الهيئة من اكله بالباطل، هذا.

و يمكن الاستدلال على بطلان بيع الصنم و الصليب بفحوى صحيحة عمر بن أذينة، قال: «كتبت الى أبى عبد اللّه (ع) أسأله عن رجل له خشب، فباعه ممن يتخذه برابط، فقال: لا بأس به، و عن رجل له خشب فباعه ممن يتخذه صلبانا، فقال: لا» «1» حيث ان ظهور النهي في المعاملة فسادها، و إذا كان بيع الخشب للمشتري المزبور باطلا فكيف يكون بيع الصنم أو الصليب منه صحيحا، و نحوهما معتبرة عمرو بن حريث «2» و لكن سيأتي أن مقتضى مناسبة الحكم و الموضوع هو كون النهى عن بيع الخشب من المشترى المزبور تكليفا و بملاك دفع فساد الشرك و سد الطريق اليه كما لا يخفى.

بقي في المقام أمر و هو انه قد التزم المحقق الإيرواني بالصحة فيما إذا كانت لمادة الصنم مالية حتى مع فرض بيعها بعنوان الصنم، و ذكر في وجهها أن المنفعة

______________________________

(1) وسائل الشيعة، الجزء (12) الباب: (41) من أبواب ما يكتسب به- الحديث: (1)

(2) وسائل الشيعة، الجزء (12) الباب: (41) من أبواب ما يكتسب به- الحديث: (2)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 74

..........

______________________________

المحرمة لا توجب بطلان البيع فيما إذا كان في المبيع منفعة محللة مقصودة ايضا، و لا فرق بين أن يكون كلتا المنفعتين مترتبتين على الهيئة فقط أو تترتب إحداهما على المادة و الأخرى على الهيئة كما في المقام، فان لمثل الصنم المصنوع من الصفر أو الخشب

منفعة محللة باعتبار مادته و محرمة باعتبار هيئته، و لا يخفى ما فيه فإنه يصح البيع فيما إذا كانت المنفعتان مترتبتين على الهيئة، و لا يصح فيما إذا كان المترتب عليها هو المحرم فقط، و ذلك فان مع ترتب المنفعتين على الهيئة تكون لها مالية شرعا، فلا يكون أخذ المال بإزائها من اكله بالباطل، بخلاف ما إذا لم يكن المترتب عليها الا الحرام فقط حيث لا يكون لها في هذا الفرض مالية، فأخذ المال بإزائها أكل له بالباطل، و الثمن و ان لم يقع بإزاء الهيئة فقط بل بإزاء مجموع المادة و الهيئة، الا أن عدم انحلال البيع بالإضافة إليهما يوجب بطلان البيع رأسا، نظير الثمن في مثل الحيوان، فإنه و ان وقع في مقابل المجموع الا أنه لا يكون البيع بالإضافة الى الاجزاء الخارجية للحيوان انحلاليا.

و يمكن الاستدلال على البطلان فيما كان لمادة الصنم بعد محو صورتها مالية بفحوى ما دل على بطلان بيع الجارية المغنية، حيث ان كون الجارية مغنية إذا أوجب بطلان بيعها باعتبار أن الوصف المزبور مادة و منشأ في الغالب للهو الذي فساده دون فساد الشرك و الوصف كما سيأتي لا يقابله الثمن، بل يكون داعيا الى زيادته، فكيف يصح بيع الصنم الذي يقابل فيه الثمن الهيئة التي منشأ فساد عظيم. و استعماله بين قوم في أمر مباح لا يخرجه عن كونه إله المشركين و معبودهم، فلا يجوز بيعه و شراؤه حتى فيما إذا عدوه من الأشياء العتيقة و ادخروه في مثل المتاحف لهذا الغرض، و لا يبعد- باعتبار كونه مادة لهذا الفساد العظيم- الالتزام بوجوب محو صورته كما يظهر من كلماتهم.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 75

و حمله على الإتلاف (1) و لعل التقييد في كلام العلامة (2)

[آلات القمار و أواني الذهب و الفضة]

و يدل عليه جميع ما تقدم في هياكل العبادة (3)

______________________________

(1) بان يزيل الغاصب هيئتها أولا و يتلف مادتها بعد ذلك، و هذا الحمل تمحل أى تكلف بلا موجب.

(2) وجه المصنف (ره)- تقييد جواز بيع المادة قبل إزالة هيئتها في كلام العلامة بكون المشتري ثقة في دينه- بان دفع هيكل العبادة إلى المشترى مع عدم الوثوق بديانته تقوية لوجه من وجوه المعصية، و ظاهر حديث تحف العقول بطلان البيع معه، ثم أورد على ذلك بان بيع المادة و دفع الهيكل قبل إزالة هيئته إلى المشتري لا يزيد على الإعانة على الإثم التي بمجردها لا تكفي في الحكم ببطلان المعاملة، فإن انطباق العنوان المحرم على المعاملة لا يكون موجبا لبطلانها، مع أن الإعانة انما تكون بدفعه إلى المشتري قبل إزالة الهيئة لا ببيع مادته و لو قبل إزالة الهيئة ثم يكسر و يدفع الى المشترى و لا بأس أيضا بالكسر المزبور بعد البيع و بعد فرض دخوله في ملك المشترى، فان المشتري لا يملك الهيئة و لا تكون مالا بل لا يبعد ان يقال بوجوب إزالة الهيئة كفائيا حسما لمادة الفساد، و إذا قام به المشترى سقط عن البائع و الا يباشر بها قبل الدفع مع عدم الثقة.

(لا يقال) لعل التقييد في كلام العلامة بكون المشترى موثوقا في ديانته باعتبار عدم جواز بيع المادة قبل إزالة الهيئة تكليفا لا وضعا، فلا يرد عليه ما ذكره المصنف (ره) (فإنه يقال) ظاهر قول العلامة (يجوز بيعها من المشترى المزبور) هو صحته و نفوذه، فينتفى فيما إذا لم يكن المشترى موثوقا في دينه، و هذا ظاهر الجواز أو

عدم الجواز المضاف الى المعاملات، مع أن الحرمة تكليفا في دفع الهيكل إلى المشتري قبل إزالة هيئته لا في نفس البيع.

(أقول) لو تم الدليل على بطلان بيع الخشب فيما إذا أحرز بائعه ان المشترى يصنعه صنما أو صليبا لكان مقتضاه بطلان بيع مادة الصنم، مع العلم بأن المشتري لا يزيل الهيئة و لكن سيأتي أن عدم جواز بيعه تكليف فقط.

(3) أقول: يأتي في آلات القمار بأنواعها فيما إذا بيعت بعنوان أنها آلة القمار ما تقدم

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 76

و قوى في التذكرة الجواز مع زوال الصفة (1)

______________________________

من كون أكل المال في مقابلها من اكله بالباطل، فيكون بيعها فاسدا حتى فيما إذا كانت لموادها بعد إزالة هيئاتها مالية، و ذلك لما تقدم من عدم انحلال البيع بالإضافة إلى المادة و الصورة إلى بيعين حتى يحكم بصحة أحدهما و بفساد الآخر، و اما سائر الوجوه المتقدمة فلا مجرى لها في المقام. نعم لا يبعد دعوى العلم فيها ايضا بوجوب إزالة هيئتها حسما لمادة الفساد، و بما أن وجوب الإزالة في آلات القمار مجرد تكليف فلا يوجب عدم إزالتها فساد البيع حتى فيما إذا علم بان مشتريها لا يزيل الهيئة، و لو باع قبل إزالتها و دفعها الى المشتري المزبور كما هي فعل حراما، بخلاف ما إذا أزالها قبل دفعها اليه أو دفع الى المشتري الذي يثق بأنه يزيلها، لان وجوب الإزالة على تقديره واجب كفائي يكون قيام المشترى به كافيا في سقوط التكليف.

ثم ان هذا لا يجري في مثل أواني الذهب و الفضة حتى لو قيل بحرمة صنعهما و بفساد بيعهما، و أنه لا تختص الحرمة بالأكل و الشرب فيهما، و

وجه عدم الجريان عدم الدليل على وجوب إزالة هيئتهما، و لو باع أحدهما بعنوان الذهب أو الفضة و دفعه الى المشتري قبل إزالة الهيئة، فلا بأس حتى مع علمه بان مشتريه لا يزيلها، فما في كلام جملة من الأصحاب من تسوية حكمهما مع حكم آلات القمار بل مع حكم الصنم و الصليب فيه ما لا يخفى، بل الأظهر جواز بيعهما بما هي آنية ذهب أو فضة و جواز صنعهما و أخذ الأجرة عليه، لان المحرم استعمالهما في الأكل و الشرب و الطهارة لا الاقتناء و التزيين بهما. و الحاصل أن لهما منفعة مقصودة محللة و باعتبارها تكونان من الأموال و لتمام الكلام فيهما محل آخر.

(1) ان كان المراد بزوال الصفة زوالها عند البائع بأن يبيع الآلات بعد زوال هيئتها فالأمر كما يذكر المصنف (ره) من عدم قائل بعدم الجواز في الفرض، و لا ينبغي جعله مورد الخلاف بين العلامة و غيره، و ان أراد زوالها عند المشتري بأن يكسرها المشترى فكسرها غير معتبر في صحة بيعها بعنوان مكسورها كما تقدم، و الظاهر مراده الكسر عند المشترى و استفاد ذلك من كلام العلامة بحمل الثقة فيه على الطريقية.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 77

مثل ما يعملونه شبه الكرة (1)

[الدراهم]

بناء على جواز ذلك (2)

______________________________

(1) الترثة اسم لما يعملونه شبه الكرة، و الصولجان هو العصا الذي يضربون به الترثة عند اللعب، و حيث لم يكن في البين رهن لا يدخل اللعب في القمار حتى يحكم بحرمته فلا بأس ببيع ما كان من هذا القبيل مما يعد للعب فقط كان هنا رهن أو لا، و لا يدخل ذلك في المعاملة على الآلات المعدة للقمار كما

لا يخفى.

(2) اى بناء على جواز مثل التزيين بها أو دفعها الى الظالم، بان يجوز إبقاؤها و لا يجب إتلافها، و لا يخفى أن مثل الدفع الى الظالم لا يكون من المنفعة المقصودة الموجبة للمالية. نعم فائدة التزيين و نحوه من المنفعة المقصودة، كما أشرنا الى ذلك في أواني الذهب و الفضة. ثم إنه يقع الكلام في الدراهم أو الدنانير المغشوشة كان غشها من جهة مادتها أو سكتها، بان كانت السكة فيها غير التي تكون بها المعاملة في جهتين (الأولى)- اقتناؤها، و (الثانية)- صحة المعاملة بها على تقديري جواز الاقتناء و عدمه.

اما الجهة الأولى فقد يقال بعدم جواز الاقتناء و يستدل عليه برواية الجعفي، قال:

«كنت عند أبى عبد اللّه (ع)، فالقى بين يديه دراهم، فألقى إلي درهما منها، فقال:

أيش هذا؟ فقلت: ستوق، فقال: و ما الستوق؟ فقال: طبقتين فضة و طبقة من نحاس و طبقة من فضة فقال: اكسرها فإنه لا يحل بيع هذا و لا إنفاقه» «1» و ظاهر الأمر بالكسر إزالة عنوان الدرهم أو الدينار و إسقاطه عن كونه معرضا للبيع و الإنفاق، و لكن الرواية في نفسها ضعيفة و معارضة بما دل على جواز المعاملة بالمغشوش مع اعلام حاله حيث أن مقتضى جواز بيع المغشوش كذلك جواز اقتنائه، ففي صحيحة محمد بن مسلم المروية في الباب المزبور قال: «قلت لأبي عبد اللّه (ع): الرجل يعمل الدراهم يحمل عليها النحاس أو غيره، ثم يبيعها، قال: إذا بين (الناس) ذلك فلا بأس» «2» و نحوها غيرها.

و يستدل على عدم جواز الاقتناء برواية موسى بن بكر قال: «كنا عند ابى الحسن- عليه السلام-، و إذا دنانير مصبوبة بين يديه، فنظر الى دينار فأخذه بيده ثم

قطعه بنصفين،

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجزء (12) الباب: (10) من أبواب الصرف، الحديث: (5)

(2) وسائل الشيعة الجزء (12) الباب: (10) من أبواب الصرف، الحديث: (2)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 78

بطل البيع (1) و هذا بخلاف ما تقدم من الآلات (2)

______________________________

ثم قال لي: ألقه في البالوعة حتى لا يباع شي ء فيه غش» «1» و الأمر بإلقائه في البالوعة ظاهر في وجوب إزالته، و يعم الوجوب كل ما فيه غش، و لو لم يكن درهما كما هو مقتضى التعليل. هذا، و لكن لا بد من حملها على صورة عدم كون مادته مالا، و الا يكون إلقاؤه في البالوعة خصوصا بعد كسره من تبذير المال، مع أنها ايضا باعتبار ضعف سندها غير قابلة للاعتماد عليها في مقابل ما تقدم من المعتبرة الدالة على جواز المعاملة بالمغشوش مع بيان حاله.

(1) ظاهر كلامه صورة وقوع المعاملة على الشخص لا الكلى، و الا لكان للطرف الاستبدال لا بطلانها أو ثبوت الخيار، و إذا وقعت المعاملة على الشخص، فان وقعت بعنوان الدرهم المسكوك بالسكة الرائجة، و كان الغش في السكة يحكم ببطلان المعاملة، فإن السكة الرائجة من الأوصاف المقومة للمال، فيكون تخلفها موجبا لبطلانها، و كذا إذا كان الغش في المادة، بحيث يوجب انتفاء عنوان الدرهم عنه، و الا كان للآخر خيار العيب، و أما إذا وقعت عليه المعاملة بعنوان الذهب أو الفضة، و كان الغش باعتبار السكة، فلا يوجب التخلف خيارا لا العيب و لا التدليس، بل خيار التدليس غير خارج عن خيار العيب أو تخلف الوصف المشروط، فما يظهر من كلامه (ره)- من ثبوت خيار التدليس في الفرض (أي في صورة وقوع المعاملة على المادة و ثبوت

الخلاف في السكة)- لا يمكن المساعدة عليه.

(2) لم يظهر لي وجه ربط هذا الكلام بما قبله، حيث أن الدرهم أيضا إذا بيع بعنوان أنه درهم مسكوك بالسكة الرائجة فظهر غيره يحكم ببطلان بيعه، و لا يصح البيع بالإضافة إلى مادته من الذهب أو الفضة، و الوجه في ذلك ما ذكرناه من كونه مسكوكا بها كالهيئة في الآلات و الصنم مقوم للمبيع، و بما أن المبيع في الفرض ينظر العرف شي ء واحد لا تعدد فيه، و قد بيع بثمن، فاما يصح البيع مطلقا أو يبطل مطلقا،

______________________________

(1) وسائل الشيعة: الجزء (12) الباب: (86) من أبواب ما يكتسب به، الحديث (5)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 79

[القسم الثاني ما يقصد منه المتعاملان المنفعة المحللة]
اشارة

القسم الثاني ما يقصد منه المتعاملان (1)

______________________________

و انما يكون الانحلال في موارد تعدد المبيع بنظر العرف، بحيث ينحل البيع الى بيع كل واحد من ذلك المتعدد، كما انه إذا لم يكن الوصف عنوانا مقوما للمبيع، بل كان من الأوصاف التي تكون داعية الى زيادة القيمة، فإن ظهر التخلف فيها يثبت خيار الفسخ، و لو كان الوصف أمرا فاسدا، فبطلان البيع مع اشتراطه مبنى على كون الشرط الفاسد مفسدا، نعم لا كلام في البطلان في مورد قيام دليل خاص عليه كما في بيع الجارية المغنية على ما سيأتي ان شاء اللّه تعالى.

(1) و حاصله أن في المقام مسائل ثلاث: (الاولى) ما إذا كان توافقهما على خصوص المنفعة المحرمة. (الثانية) ما إذا كان الملحوظ كلتا المنفعتين المحللة و المحرمة كما هو الحال في بذل الثمن للجارية المغنية (الثالثة)- ما إذا كانت المنفعة المحرمة و استعمال الشي ء في الحرام داعيا لهما الى المعاملة، كما إذا اشترى العنب و كان قصدهما تخميره،

و لكن بلا التزام منهما خارجا أو اشتراطه في المعاملة.

ثم إنه لا إشكال في فساد المعاملة و حرمتها في الأولى، حيث أن المعاملة مع الالتزام و الإلزام بالمنفعة المحرمة تكون إعانة على الإثم، و أخذ العوض أكلا له بالباطل، سواء ذكرا هذا الإلزام و الالتزام في العقد بعنوان الشرط أو لا.

(أقول): إثبات الحرمة للمعاملة المزبورة تكليفا و وضعا موقوف على حرمة مجرد الإعانة على الإثم، و كون أكل الثمن فيها أكلا له بالباطل، و لكن المحرم هو التعاون على المعصية و العدوان، بان يجتمع اثنان أو أكثر على تحقيق الحرام و إيجاده، و صدور الحرام عن شخص و تحقيق مقدمة من مقدماته من شخص آخر المعبر عن تحقيق المقدمة بالإعانة على الإثم لا يكون من التعاون على ذلك الحرام، و لو كان مجرد الإعانة على الإثم محرما، لكان بيع العنب ممن يعمله خمرا حراما تكليفا، حتى مع عدم اشتراط التخمير و عدم قصد البائع ذلك، و كذا لا يمكن الالتزام بالفساد، فان الثمن في المعاملة لا يقع بإزاء الشرط أو المنفعة، بل إنما يقع بإزاء نفس المبيع،

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 80

..........

______________________________

و بما أن للمبيع منفعة محللة و مالية شرعا يكون الحكم بالفساد مع اشتراط المنفعة المحرمة مبنيا على كون الشرط الفاسد مفسدا للعقد، هذا كله بالإضافة إلى البيع.

و أما بالإضافة إلى الإجارة فإن كان الشرط راجعا الى تضييق مورد الإجارة و تقييدها بالمنفعة المحرمة تكون باطلة باعتبار أن أخذ الأجرة بإزاء تلك المنفعة من أكل المال بالباطل، و هذا بخلاف ما إذا رجع الشرط الى التزام زائد على أصل الإجارة بحيث يكون التخلف من المستأجر في مثل الشرط موجبا لثبوت

خيار الفسخ للموجر لا المطالبة بأجرة المثل عما أتلفها عليه من المنفعة، فإن مع عدم تقييد مورد الإجارة تكون بطلانها باشتراط الحرام مبتنيا على مسألة فساد العقد بفساد الشرط، نعم في رواية جابر (صابر) قال: «سألت أبا عبد اللّه (ع) عن الرجل يؤاجر بيتا فيباع فيه الخمر قال: حرام أجره» «1» و لكنها لو حملت على صورة تقييد المنفعة فهو، و الا فلا يمكن الاعتماد عليها لضعفها سندا و معارضتها بحسنة ابن أذينة، قال: «كتبت إلى أبى عبد اللّه عليه السلام أسأله عن رجل يؤاجر سفينته و دابته ممن يحمل فيها أو عليها الخمر، و الخنازير، قال: لا بأس» «2».

هذا مع أن الروايتين غير ناظرتين إلى صورة الاشتراط، و ما ذكره (ره)- في الجمع بين الروايتين من حمل الثانية على صورة اتفاق حمل الخمر أو الخنزير من غير أن يؤخذ ركنا أو شرطا في العقد- لا يمكن المساعدة عليه، فان كون الحرمة متيقنة- من رواية بالإضافة إلى أمر و الجواز من رواية أخرى بالإضافة إلى أمر آخر- لا يوجب كون كل منهما قرينة عرفية على التصرف في الأخرى، كما تقدم ذلك في علاج المعارضة بين ما ورد من أن ثمن العذرة سحت، و ما ورد من عدم البأس به و لعله الى ذلك أشار (ره) في آخر كلامه بقوله فتأمل.

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجزء (12) الباب: (39) من أبواب ما يكتسب به، الحديث (1)

(2) وسائل الشيعة الجزء (12) الباب: (39) من أبواب ما يكتسب به، الحديث (2)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 81

..........

______________________________

و الحاصل أنه لو تم الحكم بالبطلان في المسألة الثالثة الاتية ثبت في هذه المسألة أيضا بالفحوى، و الا فلا موجب

للالتزام في المسألة بالفساد، بل و لا لحرمة المعاملة تكليفا، نعم شراء المشترى العنب للتخمير داخل في التجري، و إلزام البائع داخل في ترغيب الناس للحرام، و هذا لا يوجب حرمة نفس المعاملة كما لا يخفى. نعم لا بأس بالالتزام بالحرمة تكليفا في بيع العنب حتى فيما إذا كان التخمير مما التزم به المتعاقدان خارجا بلا اشتراطه في البيع بفحوى اللعن الوارد على غارس الخمر، و لكن الحرمة لا تقتضي فساده كما هو المقرر في محله. و ربما يقال في وجه بطلان المعاملة- في مثل بيع العنب بشرط أن يصنعه خمرا- أن هذا الشرط ينافي مقتضى العقد، و وجه منافاته له أنه كما ان بيع الشي ء مع اشتراط عدم الانتفاع به أصلا مساوق لاشتراط عدم ملك المبيع للمشتري و عدم كونه مالا له، كذلك اشتراط عدم الانتفاع به انتفاعا حلالا، حيث أن هذا الشرط مع انضمام منع الشارع عن التخمير مثلا إسقاط للعنب عن كونه ملكا و مالا للمشتري من جهة التخمير و من جهة سائر المنافع، فلا يتم البيع الذي حقيقته جعل المبيع ملكا و مالا للمشتري بإزاء الثمن، و هذا الفساد لا يرتبط بالقول بكون الشرط الفاسد مفسدا، فان تلك المسألة فيما إذا لم يكن الشرط موجبا لفقد شرط أو ركن من أصل المعاملة، و الا كان أصل العقد باطلا حتى مع الالتزام فيها بعدم الإفساد.

(أقول): الموجب لبطلان الشرط بل بطلان المعاملة معه فيما إذا كان الشرط منافيا لمقتضى العقد هو عدم قصد إنشاء المعاملة مع الشرط المزبور، مثلا في قول البائع بعتك هذه العين بكذا بشرط أن لا تدخل في ملكك كان الشرط باطلا و مبطلا للبيع، لرجوعه الى عدم قصده تمليكها

للمشتري، مع أن البيع هو تمليك العين بعوض، و أما إذا كان الشرط ملائما لجعل الملك و اعتبار دخول المبيع في ملك المشترى، كما إذا قال بعتك هذا المال على ان يخرج عن ملكك، فيدخل في مسألة

________________________________________

تبريزى، جواد بن على، إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، 4 جلد، مؤسسه اسماعيليان، قم - ايران، سوم، 1416 ه ق

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب؛ ج 1، ص: 82

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 82

..........

______________________________

كون الشرط الفاسد مفسدا أم لا. و هذا في المورد الذي يكون الخروج عن الملك محتاجا الى سبب، و الا فلا بأس بالشرط في مثل بيع العبد من ابنه الحر بشرط خروجه عن ملكه، و اشتراط عدم الانتفاع بالمبيع أصلا لا يلازم عدم دخول العين في ملك المشترى، بل يصح البيع و الشرط معا فيما إذا كان في الاشتراط غرض عقلائي، كما إذا باعه قطعة من الذهب و اشترط أن لا ينتفع بها أصلا، و كان غرضه بقاؤها حتى تصل إلى ورثة المشترى. و اما إذا لم يكن فيه غرض عقلائي كان الشرط باطلا، كما إذا باع العنب و اشترط عدم الانتفاع به أصلا، حيث ان الشرط- لكونه سفهائيا و العمل به تبذيرا للمال- باطل، و لكن لا ينافي هذا الاشتراط قصد دخول العنب في ملك المشترى.

(لا يقال) العنب مع الشرط المزبور لا يكون مالا، فيكون أكل الثمن بإزائه من أكل المال بالباطل (فإنه يقال) إنما لا يكون العنب مالا فيما إذا كان الشرط نافذا، و أما مع إلغائه كما هو مقتضى كون الشرط سفهائيا، فلا يدخل تملك الثمن بإزاء العنب في العنوان المزبور.

(و الحاصل) أن اعتبار الملك للمشتري لا

ينافي اشتراط عدم انتفاعه بالمبيع، بل الشرط المزبور ينافي كونه مالا مع نفوذه و لزومه، و المفروض أنه غير لازم و غير نافذ حتى في اعتبار العقلاء، فيكون المبيع ملكا و مالا للمشتري كما هو مقتضى إطلاق دليل حل البيع، و هذا فيما إذا اشترط في البيع عدم الانتفاع بالمبيع أصلا بأي انتفاع، و أما إذا كان الشرط عدم الانتفاع المحلل أو الانتفاع به بالمحرم فلا ينافي الشرط الملك، و لا كون المبيع مالا، و ذلك فان اعتبار شي ء ملكا للمشتري و مالا له في اعتبار المتعاقدين لا يتوقف على ثبوت المنفعة المحللة له، و لذا يتعاملون فيما بينهم على الخمر و غيرها مما لا منفعة محللة له. و على ذلك فبيع العنب مع اشتراط تخميره بيع في اعتبار العقلاء، و بما أن دليل إمضاء الشروط لا يعم اشتراط تخميره فالشرط المزبور

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 83

[بيع العنب على أن يعمل خمرا]

و الفرق بين مؤاجرة البيت (1)

______________________________

ملغى، و بعد إلغائه لا مانع من شمول أحل اللّه البيع لبيع العنب و اعتبار كونه ملكا و مالا للمشتري، لأن المفروض أن العنب مال حتى شرعا لثبوت المنفعة المحللة له، و لو كانت تلك المنفعة ملغاة عند المتعاقدين باشتراط التخمير.

و ذكر السيد الخوئي طال بقاؤه أن المعاملة مع اشتراط المنفعة المحرمة و إن كانت صحيحة، إلا أنها محرمة تكليفا، و ذكر في وجه ذلك أن إلزام الغير بالمحرم- كاكراهه عليه- حرام، فالمعاملة المشتملة على الشرط الحرام بما أنها إلزام للغير بالمحرم تكون محرمة. و لكن حرمتها بهذا العنوان كحرمتها بسائر العناوين الطارئة عليها لا تكون موجبة لفسادها.

و لا يخفى ما فيه فان الشرط في مثل التخمير من

الأعمال ليس بنفسه إلزاما للغير، بل هو التزام على نفسه للغير، و إذا تم هذا الالتزام يكون للغير حق إلزامه، فيكون الإلزام من آثار صحة الشرط لا نفس الشرط الذي لا حرمة فيه الا وضعا. نعم هو قسم من التجري، و الحاصل أن الإلزام في شرط الأعمال فعل للمشروط له و خارج عن أصل المعاملة و شرطها، و اثر لتمام الشرط فيها، فلا يترتب فيما إذا لم يتم الشرط، كما إذا كان المشروط عملا محرما.

(1) كأنه (ره) يريد دفع ما يمكن ان يقال من أنه قد ورد المنع في رواية جابر المتقدمة عن إيجار البيت ليباع فيه الخمر، و قد حمل (ره) تلك الرواية على صورة الاشتراط بان يشترط في إيجارها استيفاء منفعة البيت ببيع الخمر فيها، أو أن يجعل تلك المنفعة ركنا، بان يكون متعلق التمليك في الإجارة خصوص قابلية البيت لبيع الخمر فيه و لا يرضى (ره) ان يحمل على الاشتراط ما ورد في بيع الخشب ممن يصنعه صنما أو صليبا، فما الفرق بينهما؟ و أجاب بالفرق بينهما و ان الاشتراط في مثل بيع الخشب بعيد عن المسلم، بخلاف اجارة البيت لبيع الخمر أو إحرازها فيه، بان يجعل بيعها فيه أو إحرازها ركنا في عقد الإجارة أو شرطا فيه، فان صدور هذا النحو من الإيجار من

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 84

مع أن الجزء أقبل للتفكيك بينه و بين الجزء الآخر (1)

[و يحرم المعاوضة على الجارية المغنية]

و يحرم المعاوضة على الجارية المغنية (2)

______________________________

المسلم غير بعيد، كما إذا كانت الأجرة في مقابل تلك المنفعة زائدة على أجرة سائر منافعها، و بما أن السائل يحتمل حرمة هذا الإيجار و فساده فسأل الإمام (ع) عن حكمه.

(1)

كأنه (ره) يريد بيان وجه بطلان المعاملة رأسا في مورد اشتراط صرف المبيع في الحرام، مع أن المفروض أن للمبيع منفعة محللة مقصودة. و حاصل الوجه أنه قد تقدم في بيع آلات القمار و نحوها بطلان المعاملة رأسا و عدم انحلالها إلى المعاملة على الهيئة و المعاملة على المادة، حتى تبطل الاولى و تصح الثانية، مع أن كلا من الهيئة و المادة جزء الشي ء، و انحلال المعاملة على الكل إلى المعاملة على الاجزاء أولى مما نحن فيه، مما تكون المعاملة جارية على الشرط و المشروط. و المراد بالشرط المنفعة المحرمة و بالمشروط نفس الشي ء.

و بعبارة أخرى لا يكون مع بذل الثمن على الشي ء بلحاظ منفعته المحرمة انحلال في المعاملة لتبطل بالإضافة إلى الشرط، و تصح بالإضافة إلى أصل المشروط (أقول): هذا الكلام باطل و السر في ذلك أن الثمن في البيع لا يقع بإزاء الشرط أو المنفعة من غير فرق بين المحلل منهما أو المحرم، و لذا لا يثبت مع تخلف الشرط أو المنفعة إلا الخيار لا تبعيض الثمن. و على ذلك ففي مورد بطلان الشرط الذي في نفسه التزام آخر غير أصل البيع لا موجب لبطلان نفس البيع، و هذا بخلاف صورة كون الهيئة مما لا يتمول شرعا، كآلات القمار، فإنه لا يمكن فيها تصحيح البيع بالإضافة إلى المادة بعد بطلانه بالإضافة إلى الهيئة، لما تقدم من ان الثمن في بيعها يقع بإزاء الهيئة و المادة بما هما شي ء واحد، فلا يصح البيع بالإضافة إلى أحدهما بعد بطلانه بالإضافة إلى الآخر فلاحظ و تدبر.

(2) حاصل ما افاده (ره) أنه إذا كانت في العين صفة يقصد منها الحرام ككون

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب،

ج 1، ص: 85

..........

______________________________

الجارية مغنية و العبد ماهرا في القمار أو السرقة فللبيع صور ثلاث.

(الاولى) ما إذا جرت المعاملة على تلك العين و لوحظ فيها الوصف المزبور بان زيد الثمن باعتباره، و يجعل ذلك الوصف شرطا في تلك المعاملة ففي هذه الصورة يحكم ببطلانها باعتبار أن تقسيط الثمن على الوصف غير متعارف، و انما يكون الوصف داعيا إلى زيادة الثمن، فيكون أخذ ذلك الثمن بإزاء تلك العين المشروط فيها الوصف المزبور من تملكه بالباطل.

(الثانية) ما إذا اشترى الجارية المغنية بما هي جارية أي لم يشترط في بيعها كونها مغنية، بحيث لو فرض عدم ثبوت الوصف فيها واقعا لم يثبت في اعتبار المتعاملين للمشتري خيار تخلف الوصف، ففي هذه الصورة يصح البيع حتى فيما إذا كان الوصف داعيا إلى شرائها، بل و بذل ثمن زائد عليها، حيث أن مع عدم اشتراط وصف كونها مغنية لا يكون أخذ الثمن بإزائها من أكله بالباطل.

(الثالثة) ما إذا جعل كونها مغنية شرطا في المعاملة و زيد ثمنها باعتبار الوصف، إلا أنه لم يقصدا الحرام من ذلك الوصف بل جعلاه شرطا باعتبار أنه وصف كمال قد يصرف في المحلل، بان يكون منشأ للحلال، كالغناء في الأعراس، ففي هذه الصورة مع كون المنفعة المحللة المترتبة على الوصف مقصودة للعقلاء و لم تكن نادرة فلا بأس بالبيع المزبور.

و أما إذا كانت نادرة فهل يكون الوصف المشروط المترتب عليه المنفعة الغالبة المحرمة مع المنفعة النادرة المحللة على الفرض، كالعين التي لها منفعة غالبة محرمة و منفعة نادرة محللة، بان لا يجوز البيع بمجرد تلك المنفعة النادرة أو أنه لا بأس باشتراط الوصف المزبور، و لا يقاس الوصف بالعين؟ ذكر (ره) ان الأقوى عدم الإلحاق

و الحكم بصحة بيع الجارية المغنية مع شرط كونها مغنية بلحاظ أنها صفة كمال تصرف في الحلال و لو نادرا. و ما ورد من أن ثمن الجارية المغنية سحت منصرف الى

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 86

[يحرم بيع العنب ممن يعمله خمرا]
اشارة

يحرم بيع العنب ممن يعمله خمرا (1)

______________________________

الغالب يعني إلى البيع في الصورة الاولى، و وجه القوة أن الجارية لها منفعة مقصودة محللة كالاستمتاع بها و اشتراط كونها مغنية انما توجب كون المأخوذ في مقابلها أكلا للمال بالباطل، فيما إذا كان المقصود من الصفة هو الحرام و مع عدم قصد الحرام لا توجب ذلك، و هذا بخلاف ما إذا لم يكن في العين إلا المنفعة المحللة النادرة غير الملحوظة عند العقلاء، حيث يكون أكل الثمن بإزائها من أكله بالباطل.

(أقول) إذا لم يكن الوصف من الأوصاف المقومة للمبيع يكون الثمن في المعاملة بإزاء نفس العين، حتى في صورة اشتراطه في المعاملة، و ليس شرط الوصف قيدا للمبيع، بل كما هو المقرر في محله التزام آخر غير أصل المعاملة، و حقيقة اشتراط الوصف هو جعل المشترى الخيار لنفسه في صورة تخلف ذلك الوصف، و لو فرض بطلان هذا الجعل، فلا بأس بشمول أحل اللّه البيع لأصل المبادلة، و كيف يكون أخذ الثمن بإزاء الجارية من أكله بالباطل، مع أن الجارية- المفروض وقوع تمام الثمن بإزائها في نفسها- من الأموال.

و الحاصل أن الحكم بالبطلان في المقام على خلاف القاعدة و للنص الوارد في أن ثمن الجارية سحت. و النص المزبور يعم الصورة الثالثة أيضا. و دعوى انصرافه إلى الصورة الأولى فقط بلا وجه. نعم لا يعم الصورة الثانية لظهوره في بيع الجارية المغنية بما هي مغنية، و في

تلك الصورة يكون بيعها بما هي جارية كما لا يخفى. و على ذلك، فإن أمكن الاطمئنان بعدم الفرق في الحكم بين بيع الجارية المغنية و بين مثل بيع العبد الماهر في القمار يتعدى عن مورد النص و إلا فيقتصر على مورده.

(1) تعرض (ره) أولا لما إذا باع مثلا العنب ممن يعمله خمرا و يكون داعيه الى بيعه منه تخميره، و نفى في هذه الصورة الاشكال و الخلاف في حرمة البيع، و ظاهر الحرمة عند إضافتها إلى البيع، و ان كان هو الفساد، إلا أن تعليلها يكون البيع إعانة على الإثم قرينة على كون المراد هو التكليف. ثم تعرض لما إذا باع العنب مثلا

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 87

..........

______________________________

ممن يعمله خمرا من غير أن يكون داعيه الى بيعه منه تخميره، بحيث يبيعه منه حتى لو لم يعمله خمرا، و ذكر أن الأكثر في هذا الفرض على الجواز لبعض الأخبار، كصحيحة عمر بن أذينة، قال: «كتبت إلى أبى عبد اللّه (ع) أسأله عن رجل له كرم، أ يبيع العنب و التمر ممن يعلم أنه يجعله خمرا أو سكرا؟ فقال: إنما باعه حلالا في الإبان الذي يحل شربه أو أكله فلا بأس ببيعه» «1» و رواية أبي كهمس، قال: «سأل رجل أبا عبد اللّه (ع) عن العصير، فقال: لي كرم و أنا أعصره كل سنة و اجعله في الدنان- إلى ان قال (ع)- هو ذا نحن نبيع تمرنا ممن نعلم أنه يصنعه خمرا» «2» و نحوهما غيرهما و في مقابلهما صحيحة ابن أذينة و معتبرة عمرو بن حريث، و في الأولى: «كتبت الى ابى عبد اللّه (ع) عن رجل له خشب، فباعه ممن

يتخذه صلبانا قال: لا» «3» و في ثانيهما، قال: «سألت أبا عبد اللّه (ع) عن التوت أبيعه ممن يصنع الصليب و الصنم؟ قال: لا» «4» و عن بعض الجمع بين الطائفتين بحمل الناهية على صورة اشتراط المنفعة المحرمة على المشترى و المجوزة على غير صورة الاشتراط. و أورد (ره) على ذلك بأنه بعيد فإنه لا يكون للمسلم داع فيما إذا باع شيئا الى ان يشترط على مشتريه استعماله في الحرام ثم يسأل الإمام (ع) عن ذلك، فلا يمكن حمل صحيحة ابن أذينة و نحوها على ذلك، و ذكر (ره) وجهين آخرين في الجمع بينهما (الأول) حمل الناهية على الكراهة بشهادة صحيحة الحلبي عن أبى عبد اللّه (ع) أنه «سئل عن بيع العصير ممن يصنعه خمرا، فقال بيعه ممن يطبخه أو يصنعه خلا أحب الى، و لا أرى بالأول بأسا» «5» حيث أن التعبير عن ترك البيع بالأحب و نفى البأس بعده قرينة على

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجزء (12) الباب: (59) من أبواب ما يكتسب به، الحديث (5)

(2) وسائل الشيعة الجزء (12) الباب: (59) من أبواب ما يكتسب به، الحديث (6)

(3) وسائل الشيعة: الجزء (12) الباب (41) من أبواب ما يكتسب به، الحديث: (1)

(4) وسائل الشيعة: الجزء (12) الباب (41) من أبواب ما يكتسب به، الحديث: (2)

(5) وسائل الشيعة: الجزء (12) الباب: (59) من أبواب ما يكتسب به، الحديث: (9)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 88

فقد يستدل على حرمة البيع (1)

______________________________

الكراهة و الثاني الالتزام بالمنع و التحريم في بيع الخشب ممن يصنعه صليبا أو صنما كما هو مفاد الطائفة الثانية و بالجواز في غيرهما، و قال: إن هذا الجمع قول فصل لو لم

يكن قولا بالفصل يعنى تفصيل في المسألة لو لم يكن خرقا للإجماع المركب.

(أقول) المتعين هذا الوجه و حمل الجواز على كونه بنحو الكراهة غير ممكن و ذلك فإنه قد ورد في صحيحة رفاعة قوله (ع): «أ لسنا نبيع تمرنا ممن يجعله شرابا خبيثا» «1» حيث لا يمكن الالتزام باستمراره (ع) على ارتكاب المكروه، بل لا يمكن ذلك حتى في صحيحة عمر بن أذينة فإنه ذكر (ع) فيها جواز بيع الخشب ممن يصنعه برابط ثم منع عن بيعه ممن يعمله صنما أو صليبا.

و الحاصل أن المتعين هو الوجه الأخير يعنى ان بيع الشي ء ممن يجعله هيكل عبادة صنما أو صليبا لا يجوز تكليفا كما مر، بخلاف البيع في غير ذلك فإنه جائز بلا كراهة، نعم يستحب اختيار المشتري الذي يصرف الشي ء في الحلال كما هو مقتضى التعبير بصيغة التفضيل في صحيحة الحلبي المتقدمة التي جعلها (ره) شاهدة الجمع بين الطائفتين.

(1) قد يقال: إن الاخبار المجوزة لا يمكن الأخذ بها، بل لا بد من إرجاع علمها إلى الأئمة عليهم السلام، فان جواز بيع مثل العنب ممن يعلم أنه يصنعه خمرا مخالف لحكم العقل القطعي و للكتاب المجيد. أما العقل، فإنه يستقل بقبح إعانة الغير في جرمه و تهيئة المقدمة له، و إن شئت قلت إن تهيئة المقدمة للجرم الصادر عن الغير بنفسه جرم و لذا يؤخذ الشخص بها في المحاكم الدولية و في القوانين الدارجة عند العقلاء، حتى فيما لو فرض عدم صدق التعاون على ذلك الجرم، أ لا ترى أن من أعان السارق و هيأ له الأسباب يحكم عليه في تلك المحاكم بالجزاء. و قد ورد في الشرع أيضا- فيما لو أمسك أحد شخصا و قتله

الآخر و راهما ثالث- أن القاتل يقتل،

______________________________

(1) وسائل الشيعة: الجزء (12) الباب (59) من أبواب ما يكتسب به، الحديث: (8)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 89

..........

______________________________

و الممسك يحبس و الناظر تسمل عيناه. و الظاهر عدم الفرق بين ما كانت تهيئة المقدمات بداعي توصل الغير الى الجرم و الحرام أو غيره، مثلا تسليم السلم الى السارق و بيعه منه قبيح، حتى و إن لم يكن التسليم بداعي وصول السارق الى جرمه. نعم القبح في صورة كون داعيه وصوله إليه أوضح.

و الحاصل أن حكم العقل بقبح تهيئة مقدمة الحرام الصادر عن الغير كاف في كشف عدم جوازه شرعا (أقول): الظاهر أنه اشتبه على هذا القائل الجليل مسألة منع الغير عن المنكر الذي يريد فعله، و مسألة إعانة الغير على الحرام يعنى فعل المكلف ما هو مقدمة للحرام الصادر عن الغير، حيث أن منع الغير عن المنكر مع التمكن منه واجب.

و يمكن الاستدلال على وجوبه بحكم العقل باستحقاق الذم فيما إذا ترك المنع مع التمكن منه و لزوم منعه عن جرمه مع التمكن منه هو المراعى في تلك القوانين الدارجة عند العقلاء، كما إذا باع السارق سلما مع علمه بان السارق يستعمله في سرقة الأموال، فلا يؤخذ على بيعه فيما إذا ثبت أنه لم يكن يترتب على ترك بيعه ترك سرقتها، كما إذا كان السارق في بلد يباع في جميع أطرافه السلم، بحيث لو لم يبع هذا السلم منه لأخذ السلم من غيره، و لو ممن لا يعرفه بأنه سارق، و في مثل ذلك لا يؤخذ البائع ببيعه بل يقبل اعتذاره عن البيع بما ذكر، مع ثبوته. و ما ذكر من الرواية ناظر الى هذه

الجهة، و إلا لم يكن وجه لتسميل عيني الناظر، فإنه لم يرتكب الجرم و لم يساعد عليه، بل إنما لم يمنع عن القتل، و لا بعد في كون الجزاء لعدم المنع مختلفا بأنحاء عدم المنع.

و على الجملة حكم العقل و المراعى في بناء العقلاء هو التمكن من منع الغير عما يريده من الجرم، و نلتزم بذلك ايضا و نقول بعدم جواز بيع الخشب أو العنب فيما لو لم يبعهما من المشترى المزبور لما يكون في الخارج خمرا أو آلة قمار.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 90

..........

______________________________

و أما إذا أحرز أنه لو لم يبعه لاشترى من غيره، فمثل ذلك يدخل في مسألة إعانة الغير على الحرام. و لا دليل على قبح هذه الإعانة و لا على حرمتها إلا في مورد الإعانة على الظلم، فإنها غير جائزة شرعا، كما سيأتي.

و يظهر ايضا جوازها في غير ذلك المورد من بعض الروايات كموثقة ابن فضال قال: «كتبت الى ابى الحسن الرضا (ع) أسأله عن قوم عندنا يصلون و لا يصومون شهر رمضان، و ربما احتجت إليهم يحصدون لي، فإذا دعوتهم الى الحصاد لم يجيبوني حتى أطعمهم، و هم يجدون من يطعمهم، فيذهبون إليهم و يدعوني، و أنا أضيق من إطعامهم في شهر رمضان، فكتب بخطه أعرفه أطعمهم» «1» و حملها على صورة الاضطرار إلى الإطعام لا تساعده قرينة، فإن المذكور في الرواية احتياج المعطى الى عملهم، و الحاجة غير الاضطرار الرافع للتكليف، كما ان حملها على صورة كونهم معذورين في الإفطار يدفعه إطلاق الجواب و عدم الاستفصال فيه عن ذلك.

و أما مخالفة تلك الاخبار للكتاب المجيد، فقد قيل أنها تخالف قوله سبحانه:

وَ لٰا تَعٰاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ

وَ الْعُدْوٰانِ «2» و هذا الوجه على تقدير تماميته لا يقتضي الا حرمة البيع المزبور تكليفا لإفساده وضعا، حيث أن انطباق عنوان محرم على المعاملة مساوق لتعلق النهى بها، و لكن النهى عن المعاملة لا يقتضي فسادها. و أورد على الوجه المزبور بأمور، (الأول)- أن النهى في الآية لا يكون تحريما بل يناسب التنزيه و قد ذكر في مقابل الأمر بالتعاون على البر و التقوى و لا ريب في ان البر و التقوى غير واجبين بإطلاقهما فضلا عن التعاون عليهما (أقول): هذا الإيراد ضعيف غايته، لما ذكرنا في الأصول من أن قيام قرينة على رفع اليد عن ظهور بعض الخطاب لا يوجب رفع اليد عن ظهور بعضه الآخر، و في المقام أيضا الأمر ظاهر في الوجوب و النهى ظاهر

______________________________

(1) وسائل الشيعة: الجزء (7) الباب: (36) من أبواب أحكام شهر رمضان، الحديث: (1)

(2) سورة المائدة (5) الاية (3)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 91

..........

______________________________

في التحريم، و لكن قد علم أن متعلق الأمر في الآية غير واجب، و باعتبار القرينة نرفع اليد عن ظهوره. و اما رفع اليد عن ظهور النهي في التحريم فهو بلا وجه.

(الأمر الثاني)- و هو الصحيح كما ذكرنا سابقا أن التعاون على الإثم غير الإعانة عليه و المستفاد من الآية حرمة الأول لا الثاني، و التعاون على الإثم عبارة عن اجتماع اثنين أو أكثر على إيجاد الحرام، كما إذا اجتمع جماعة على هدم مسجد أو قتل شخص أو غير ذلك مما يكون فيه كل بعض معينا للبعض الآخر في تحقيق ذلك العمل. و أما إذا كان الحرام صادرا عن الغير فقط، و الذي يفعله هذا الشخص دخيل و مقدمة

للحرام الصادر عن ذلك الغير، كما إذا اعطى الخشب لمن يريد صنع آلة القمار أو الغناء، فهذه اعانة على الإثم و لا دلالة في الآية المباركة على حرمتها. نعم لا شبهة في حرمة إعانة الظالم على ظلمه، فان ذلك مقتضى غير واحد من الروايات ففي صحيحة أبي حمزة عن على بن الحسين: «إياكم و صحبة العاصين و معونة الظالمين» «1» و في رواية الحسين بن زيد عن الصادق- عليه السلام- قال: «ألا و من علق سوطا بين يدي سلطان جعل اللّه ذلك السوط يوم القيامة ثعبانا من النار طوله سبعون ذراعا» «2».

(الأمر الثالث) ما أشار إليه المصنف (ره) بقوله: (و قد يستشكل في صدق الإعانة) و حاصله أنه يعتبر في صدق الإعانة على الإثم على فعل المكلف قصده الحرام، بأن يكون داعيه الى ذلك الفعل توصل الغير و وصوله الى الحرام. و المفروض في مثل مسألة بيع العنب ممن يعلم أنه يعمله خمرا عدم قصد البائع ذلك، بل قصده و داعيه الى البيع هو حصول ملك العنب للمشتري، سواء صرفه في الحلال أو الحرام. و ربما يضاف الى اعتبار قصد الحرام اعتبار تحقق ذلك الحرام من الغير، و إلا فلا يكون فعل الشخص إعانة للغير على الحرام، بل القصد إلى الإعانة و هو من التجري، كما

______________________________

(1) وسائل الشيعة: الجزء (12) الباب: (42) من أبواب ما يكتسب به، الحديث: (1)

(2) وسائل الشيعة: الجزء (12) الباب: (42) من أبواب ما يكتسب به، الحديث: (10)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 92

..........

______________________________

لا يخفى.

و ناقش المصنف (ره) في هذا الأمر (أولا) بأنه لا يعتبر في صدق عنوان الإعانة على الحرام على فعل الشخص تحقق الحرام من

الغير، و لو حصل الحرام منه لم يتعدد عقاب الشخص من جهة التجري و من جهة اعانة الغير على الحرام. و الحاصل ان الفعل من الشخص بقصد حصول الحرام من الغير اعانة لذلك الغير على الحرام حصل ذلك الحرام أم لا.

و (ثانيا) بأنه يظهر من كلام الأكثر عدم اعتبار القصد المزبور أيضا في صدق عنوان الإعانة على الحرام. مثلا ذكر الشيخ (ره) في المبسوط في الاستدلال على وجوب بذل الطعام لمن يخاف تلفه قوله (ص): (من أعان على قتل مسلم و لو بشطر كلمة جاء يوم القيمة مكتوبا بين عينيه هذا آيس من رحمة اللّه) حيث ان الممسك لطعامه لا يكون داعيه الى الإمساك قتل الآخر، و ايضا استدل في التذكرة على حرمة بيع السلاح من أعداء الدين بان في البيع اعانة على الظلم أى على ظلمهم على أهل الدين، مع أن البائع لم يقصد من بيعه ذلك. و استدل المحقق الثاني على حرمة بيع العصير المتنجس ممن يستحله بان بيعه منه اعانة على الإثم، مع ان غرض البائع من بيعه منه ليس شرب المشترى. و يظهر عدم اعتبار القصد ايضا من بعض الاخبار كما ورد في أكل الطين (من أكل الطين فمات فقد أعان على نفسه) مع أن داعي الإنسان إلى أكله لا يكون موته، و من هذا القبيل بعض الاخبار الواردة في أعوان الظلمة.

(أقول): لا ينبغي الارتياب في أنه يعتبر في صدق عنوان الإعانة على الحرام على عمل المكلف و إتيانه بالمقدمة صدور الحرام من الغير، و الا فيكون الإتيان بها مع اعتقاده حصول الحرام تجريا، و كيف يكون اعانة للغير على الحرام، مع أن الغير لم يفعل الحرام على الفرض. نعم في

كون التجري موجبا لاستحقاق العقاب كالعصيان كلام آخر. و أما اعتبار القصد في صدق الإعانة على الحرام على فعل المقدمة، فإن

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 93

[إعانة الغير على المحرم]

و قال المحقق الأردبيلي في آيات أحكامه (1)

______________________________

أريد الإتيان بالمقدمة لتوصل الغير بها الى الحرام، فهذا غير معتبر قطعا، بل يكفي في صدقها إحراز أن الغير يتوصل بها الى الحرام.

و الحاصل أن عنوان الإعانة على الإثم لا يزيد على سائر الأفعال التي يعتبر في صدقها أو تعلق الحكم بها التعمد، كما إذا علم المكلف في نهار شهر رمضان أنه لو ذهب الى المكان الفلاني يصب الماء في حلقه، و أنه لو القى نفسه من الشاهق لارتمس في الماء يكون أكله أو ارتماسه تعمديا و مفطرا للصوم.

(1) ذكر المحقق الأردبيلي في كتابه (آيات الأحكام) أنه لا يعتبر في صدق الإعانة على الحرام على فعل شخص خصوص القصد أى كون داعيه الى ذلك الفعل وصول الغير الى الحرام، بل ربما تصدق عرفا بدون ذلك القصد، كما في إعطاء العصا للظالم فيما إذا أراد ضرب المظلوم، و لكن لا يصدق العنوان المزبور على تجارة التاجر فيما إذا علم بان العشار سوف يأخذ منه العشور، و لا على الحاج فيما إذا علم أنه يأخذ منه الظالم المال في الطريق و نحو ذلك، كما لا يصدق على بيع العنب ممن يعلم انه يصنعه خمرا أو الخشب ممن يصنعه آلة قمار، و لذا ورد في الروايات الصحيحة جواز ذلك.

و أورد عليه المصنف (ره) بأنه لا فرق في صدق الإعانة على الحرام بين إعطاء العصا للظالم مع إرادته ضرب المظلوم، و بين بيع العنب ممن يعلم أنه يعمله خمرا أو بيع

الخشب ممن يصنعه آلة القمار، حيث أن في كل منهما يحصل بفعل المكلف أمر يمكن للغير صرفه في الحرام أو الحلال، مع علم المكلف بصرف ذلك الغير في خصوص الحرام، فدعوى الفرق بين إعطاء العصا في الفرض و بين بيع الخشب أو العنب ممنوعة. نعم فرق بينهما و بين مسألة تجارة التاجر أو مسير الحاج في صدق الإعانة على الأولين دون الأخيرة، و ذلك فإن داعي المكلف في الأولين إلى فعله هو تمكين الغير و الإتيان بأمر له، بخلاف تجارة التاجر، فان داعيه الى تجارته كسب

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 94

فإذا بنينا على أن شرط الحرام حرام مع فعله توصلا الى الحرام (1)

______________________________

المال لنفسه لا للعشار. نعم يعلم بأنه يأخذ من ذلك المال ظلما. و بعبارة أخرى لا يكون في مثال التجارة أو السفر للحج غرض المكلف الى الفعل وصول الغير الى الحرام، و لا وصول الغير الى ما هي مقدمة لذلك الحرام، بخلاف الأولين فإن الداعي فيهما أي الغاية وصول ذلك الغير الى مقدمة الحرام كما لا يخفى.

(1) غرضه من هذا الكلام توجيه صدق الإعانة على الحرام على فعل البائع و بيعه المبيع ممن يصرفه في الحرام حتى فيما لو قيل في صدق الإعانة على بيعه باعتبار القصد اى كون الداعي الى بيعه وصول المشترى الى الحرام. و حاصل التوجيه أن تملك المشترى العنب مثلا بقصد تخميره في نفسه حرام، كما أن تخميره حرام آخر، و كذا شربه، فيكون بيع البائع لغرض تملك المشترى العنب إعانة للمشتري على شرائه المحرم. نعم لو لم يكن المشترى حال الشراء قاصدا تخميره، و لكن علم البائع بأنه يبدو له ذلك، و أنه

سوف يريد تخميره لا يكون بيع العنب منه اعانة على الشراء المحرم، لعدم حرمة الشراء في الفرض. و من هذا القبيل شراء الفساق الطعام، فإنهم لا يريدون حين شرائه التقوى به على الحرام و الفسق، بل يريدون الفسق و الفجور بعد تملكهم أو تناولهم ذلك الطعام، فلا يكون بيعه منهم اعانة على الشراء المحرم.

و لكن يرد على هذا التوجيه أنه لا يصح الا فيما إذا دل دليل خاص على حرمة الشراء بقصد التوصل الى الحرام، و لا يبعد قيامه في تملك العنب بقصد تخميره، حيث يقتضيه فحوى لعن غارس الخمر. و أما في غيره كشراء الخشب بقصد صنعه آلة القمار مثلا فليس في الشراء إلا التجري، و التجري يكون بقصد صنع آلة القمار.

و من الظاهر أن بيع البائع ليست إعانة للمشتري على تجريه اى قصده صنع آلة القمار.

(لا يقال) نفس الشراء و إن لم يكن تجريا إلا أنه مقدمة للتجري فيكون محرما باعتبار كونه مقدمة له، و يكون بيع البائع اعانة على ذلك الشراء المحرم المفروض

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 95

فافهم (1) إلا أن يريد الفحوى (2) ثم انه يمكن التقصير (3)

______________________________

كونه مقدمة للتجري (فإنه يقال) إنما تكون مقدمة الحرام محرمة فيما إذا قصد الفاعل التوصل بها الى الحرام. و فيما نحن فيه لا يمكن للمشتري قصد التوصل بالشراء إلى تجربة، حيث أن لازم ذلك أن يكون تجريه أى قصده صنع آلة القمار مثلا ناشئا عن قصد آخر، و هذا يستلزم التسلسل كما هو المقرر في محله.

(1) لعله إشارة إلى أنه لو كان التجري بإرادة فرضا لما كان نفس الشراء محرما أيضا لأن متعلق الحرمة على الفرض هو الشراء مقيدا

بقصد التوصل إلى التجري، لا نفس الشراء مطلقا. و التجري ليس بمحرم، شرعا حتى تكون مقدمته محرمة، بل غاية الأمر كونه موجبا لاستحقاق الذم و العقاب، كما لا يخفى.

(2) لم يظهر وجه الفحوى، فإن حرمة الإعانة على قتل مسلم أو الإضرار به لا يلازم وجوب إنقاذ حياته أو دفع الضرر عنه، و بذل الطعام في المثال إنقاذ للحياة، فتركه يكون تركا للانقاذ، لا اعانة على الهلاك.

(3) و هذا بيان ضابط آخر لصدق عنوان الإعانة على الحرام، و حاصله: أنه إذا لم يكن داعي المكلف الى فعله- بيعا كان أو غيره- توصل الغير به الى الحرام، بل كان داعيه الى فعله تحقيق نفس ما هي مقدمة للحرام الذي يعلم بإرادة الغير إياه، كما إذا كان غرضه من بيعه تملك المشترى الخشب أو العنب، و لكن مع علمه بأنه سوف يعمل أو يصنع خمرا أو آلة القمار، ففي مثل هذا المورد مع عد الفائدة المترتبة على تلك المقدمة الأمر المحرم فقط اى المحرم الذي يريده الغير، كما في إعطاء السوط أو السيف للظالم الذي يريد ضرب الآخر أو قتله يكون الإتيان بالمقدمة إعانة للغير على المحرم، فلا يجوز. و أما إذا لم تكن الفائدة المترتبة على تلك المقدمة منحصرة بالحرام عرفا حتى حال الإتيان بها، فلا يكون مجرد الإتيان بها حتى مع العلم بأن الغير يستفيد منها الحرام داخلا في عنوان الإعانة على الإثم نعم. لو كان داعيه إليها توصل الغير بها الى المحرم لدخل في العنوان المزبور بلا كلام.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 96

..........

______________________________

و الحاصل أنه لو أحرز في مورد أن الفائدة المترتبة على المقدمة منحصرة بالحرام عرفا كان الإتيان بها محرما

باعتبار كونها إعانة على الإثم، و كذا ما إذا كان داعي الفاعل توصل الغير بها الى المحرم، و الا فلا موجب للحكم بحرمة المقدمة لعدم إحراز كونها إعانة على الإثم.

(أقول) لعل هذا الكلام عين ما تقدم عن الأردبيلي (قدس سره) فلا وجه لعده تفصيلا آخر كما لا يخفى. و الصحيح في المقام أن يقال: إن إعانة الغير على عمله عبارة عن تقليل الكلفة عنه في ذلك العمل بتهيئة مقدمته، فلا يكون الإتيان بالشي ء إعانة له على ذلك العمل فيما إذا لم يكن تقليل الكلفة عنه، كما في تجارة التاجر أو مسير الحاج، فان هذا لا يكون تقليل كلفة الظلم الصادر من العشار أو الظالم، بل فيهما تكثير لكلفته كما لا يخفى، و كذا لا تحصل الإعانة فيما إذا كان العمل الصادر عن الغير متوقفا عليه عقلا، و لكن لا يحسب ذلك الشي ء مقدمة لذلك العمل، كما في بيع الطعام و نحوه لأهل المعاصي، فإن المعصية الصادرة عن الفاسق تتوقف عقلا على قوة جسمه و سلامة بدنه، إلا أن بيع الطعام منه أو إعطاءه له مجانا لا يحسب عرفا مقدمة لفسقه، و لذا يكون الفاسق بصدد تحصيل مثل الطعام حتى فيما إذا ندم و بنى على ترك فسقه. و هذا بخلاف ما إذا عد الشي ء عرفا من مقدمات العمل الصادر عن الغير بحيث يكون في تحقيقها تقليل لكلفة ذلك العمل عنه كما في إعطاء العنب للخمار مجانا أو بعوض، حيث أن التخمير يتوقف عرفا على تحصيل العنب، و في بيعه منه تقليل لكلفة طلبه، و كما إعطاء السيف أو السوط للظالم مجانا أو بعوض، فان فيه تقليلا لكلفة تحصيلهما عنه.

ثم انه لا يكون صدق الإعانة على

الإثم على فعل المقدمة موقوفا على كون الداعي إلى فعلها توصل الغير بها الى ذلك الإثم، بل لا يعتبر العلم ايضا بتوصل الغير بها اليه، و لو احتمل توصله فمع تحقق الحرام من الغير يحصل عنوان الإعانة بفعل

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 97

و يمكن الاستدلال على حرمة بيع الشي ء ممن يعلم انه يصرف المبيع في الحرام بان دفع المنكر كرفعه واجب (1)

______________________________

المقدمة. نعم ما دام لم يحرز هذا التوصل بوجه معتبر يكون المكلف معذورا في تحقيق تلك المقدمة كسائر الموارد التي لا يحرز فيها عنوان الحرام بالشبهة الخارجية.

و مما ذكرنا ظهر أن بيع البائع العنب ممن يعمله خمرا أو الخشب ممن يصنعه آلة القمار اعانة للتخمير أو صنعة الحرام، و لو فرض الدليل على حرمة الإعانة على الإثم و العدوان تكون دلالته على حرمة الإعانة فيما إذا لم يكن الإثم ظلما على الغير نفسا أو عرضا أو مالا بالإطلاق، فيرفع اليد عن هذا الإطلاق بمثل الأخبار المتقدمة الظاهرة في عدم البأس بالإعانة في مثل بيع العنب مما لم يكن الفعل الصادر عن الغير ظلما على الغير، حيث أن الخطاب المزبور لا يزيد على سائر المطلقات التي يرفع اليد عنها بالمقيدات.

(1) حاصل الاستدلال أن دفع المنكر اى الفعل الحرام الصادر عن الغير كرفعه واجب على المكلفين، و المراد برفعه قطع استمراره فيما كان له استمرار، كما إذا جعل حمام بيته بحيث يصيب غسالته في ملك الغير، و المراد بالدفع الممانعة عن أصل صدوره و الحاصل أنه إذا كان الصادر عن الغير عملا محرما يجب على السائرين منعه بقطع استمراره أو الممانعة عن صدوره، و بما أن هذا التكليف كسائر التكاليف لا

يتعلق بغير المقدور، فيكون الواجب هو المنع المقدور. و على ذلك، فلو كان المشترى المريد تخمير العنب حال شرائه بحيث لا يجد العنب على تقدير عدم بيع هذا البائع، ففي الفرض يكون البائع المزبور متمكنا على منعه عن التخمير بترك بيعه منه، فيجب. و أما لو كان بحيث لو لم يبع منه العنب لحصله من مصدر آخر و يحصل منه التخمير لا محالة، فلا يكون ترك البائع البيع منه منعا للمشتري عن التخمير حتى يجب.

(لا يقال) أنه لا فرق- على ذلك- في عدم جواز بيع العنب من المشترى بين كونه

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 98

..........

______________________________

مريدا للتخمير حال الشراء أو بدا له التخمير بعد شرائه، و كما لا يجوز البيع في الأول كذلك في الثاني، (فإنه يقال) لا يجب المنع عن المنكر في الثاني، بل إنما يجب فيما إذا كان الغير مريدا له حال المنع. و أما الذي سيهم بالمنكر بعد ذلك فلا دليل على وجوب تعجيزه فعلا، حتى لا يقصد المعصية بعد ذلك، حيث أن الدليل النقلي على وجوب منع الغير عن المنكر لا يدل على أزيد من ذلك، و العقل القاضي بوجوب اللطف يحكم بلزوم فعل ما يوجب قرب العباد الى اللّه سبحانه. و مما يوجب قربهم امتناعهم عن المنكر و لا يستقل على أزيد مما ذكر.

(لا يقال) كما يحرم على البائع بيع العنب من المشترى المزبور كذلك يحرم بيعه منه على سائر الباعة فلا يصح في حكم العقل ارتكاب البائع المزبور الحرام و بيعه العنب منه معتذرا بأنه لو لم يبعه لباعه الآخر (فإنه يقال) ان هذا الكلام أى عدم صحة الاعتذار إنما يجرى فيما إذا كان العمل

الواحد حراما على كل واحد من المكلفين مستقلا، و المراد بالعمل الواحد إخراج طبيعي الفعل عن العدم المعبر عنه بصرف الوجود، (مثلا) لا يصح لمكلف هدم مسجد اعتذارا، بأنه لو لم يهدمه لهدمه الآخرون. و أما إذا كان التكليف وجوبيا و متعلقا بإخراج الفعل الى الوجود، و كان الفعل بحيث لا يحصل خارجا بفعل مكلف واحد أو تركه، بل يحصل باجتماع جميعهم على الفعل أو الترك، كما إذا وجب حمل ثقيل من مكان الى آخر، و كان الحمل موقوفا على اجتماع اثنين أو أكثر على رفعه، ففي هذه الصورة لا يجب على المكلف إلا الرفع المقدور، و الرفع المقدور له هو الرفع الضمني لا الاستقلالي، و إذا فرض عدم شركة آخر في رفعه لما وجب عليه رفعه، لان رفعه في هذا الفرض غير مقدور له، و الوجوب لا يتعلق بغير المقدور. و الأمر في المقام كذلك، فان التكليف- و هو وجوب منع الخمار عن المنكر- يحصل باجتماع جميع باعة العنب على ترك بيعه منه.

و بعبارة أخرى المقدور من المنع لهذا البائع هو ترك بيع العنب منه عند ترك

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 99

..........

______________________________

السائرين بيعه منه، و على ذلك فيجوز له البيع مع إحرازه أنه لو لم يبعه لباعه الآخر، و الوجه في الجواز عدم كون بيعه في الفرض مخالفة لوجوب المنع عن المنكر.

و لو شك في قيام السائرين بالمنع بتركهم البيع منه كان مرجع الشك الى كونه متمكنا فعلا على منع ذلك المشترى عن المنكر أولا، فإن قلنا بان مورد الشك في القدرة على الواجب- كما ادعى- داخل في قاعدة الاحتياط، فلا يجوز للمكلف البيع منه. و أما لو قلنا

بأنه من موارد الشك في التكليف، و أنه تجري فيه أدلة البراءة إلا مع إحراز القدرة بوجه معتبر، و لو كان ذلك الوجه المعتبر هو الاستصحاب كان المورد من موارد البراءة. و الظاهر من أول كلام المصنف (ره) جعله من موارد الرجوع الى البراءة، حيث قال: (ثم إن هذا الاستدلال يحسن مع علم البائع بأنه لو لم يبعه لم يحصل المنكر) كما أن ظاهر آخر كلامه جعله من موارد الاحتياط، حيث قال: (فان علم أو ظن أو احتمل قيام الغير بالترك وجب قيامه به أيضا).

(أقول): لا بأس بالالتزام بدلالة الكتاب المجيد على وجوب الأمر بالمعروف و النهى عن المنكر و الدعوة الى فعل الخير اى فعل المعروف و ترك المنكر كفاية، قال عز من قائل وَ لْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَ يَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ. «1» حيث أن ظاهر الأمر الوجوب و التعبير عن القائمين بالعمل بعدة من المسلمين لا يناسب الوجوب العيني، بل ظاهره الوجوب الكفائي، و يشمل الأمر بالمعروف و النهى عن المنكر و الدعوة الى الخير صورة علم المدعوين بالحكم الشرعي و عدم قيامهم بالعمل، فلا تختص الآية بوجوب تبليغ الأحكام الشرعية إلى الجاهلين بها، بل تعم المسألة المعروفة بالأمر بالمعروف و النهى عن المنكر.

و الحاصل أن وجوب الأمر بالمعروف و النهى عن المنكر و الدعوة الى الخير كوجوب تبليغ أحكام الشريعة الى الجاهلين بها كفائي، و يكون المقدار الواجب في الأمر و النهى هو المقدار المتعارف الواجب في تبليغ الأحكام، فلا يجب الفحص

______________________________

(1) سورة آل عمران (3) الاية (104)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 100

..........

______________________________

عن تعيين الفاسق و تارك الخير حتى يأمره بالمعروف

و ينهاه عن المنكر بخصوصه.

و يدل على وجوب ما ذكرنا الروايات، نعم بعضها باعتبار ضعفها سندا أو دلالة لا تصلح للاستدلال بها، و لا تصح دعوى استقلال العقل بوجوب النهى. و ما ذكره المصنف (ره) من حكمه بلزوم اللطف لا نفهمه، فإنه يكفي في إتمام الحجة على العباد تبليغ الأحكام إليهم و إعلامهم بما أوعد اللّه به الطغاة و العصاة.

هذا بالنسبة إلى المنع القولي و أما المنع الخارجي في مقابل المنع الإنشائي و القولي، فلا دليل على وجوبه لا عقلا و لا نقلا، إلا أنه ربما يقال باستفادة وجوبه من فحوى دليل النهى عن المنكر، بدعوى كون ملاك وجوب النهى عن سد طريق الفساد و المنع عن حصوله خارجا، و فيه انه لا يمكننا استفادة وجوبه فيما إذا كان المنع المزبور ملازما أو موقوفا على ارتكاب عمل لا يجوز ذلك العمل بمقتضى سائر الأدلة الشرعية، كما إذا كان منع شخص عن الإفطار في نهار شهر رمضان موقوفا على دخول بيته بدون اذنه و رضاه، أو موقوفا على ترك بعض الصناعات الواجبة و لو بنحو الكفاية، كما إذا كان المنع المزبور موقوفا على ترك بيع الطعام من جميع الناس أو غير ذلك، بل يمكن أن يقال بعدم وجوب المنع مطلقا، حيث لم يظهر من أدلة النهي عن المنكر أن تمام ملاك وجوبه دفع الفساد حتى يمكن التعدي، كما يقال بأنه لم يظهر من دليل اعتبار خبر العدل أن تمام ملاك اعتباره هو الظن الحاصل منه حتى يوجب ذلك الالتزام باعتبار سائر الظنون.

نعم بعض الأمور الفاسدة و المنكرات التي نعلم بعدم رضا الشارع بحصولها خارجا بأي حال حتى فيما إذا حصل الفساد من غير المكلف كرواج القمار

و شرب الخمور علنا و قتل النفوس و نهب الأموال و سائر أنواع الفساد مما يختل به نظام اجتماع المسلمين، فيجب منعها قولا و عملا، و فيما إذا كان منعها موقوفا على ارتكاب أمر لا يجوز ذلك الأمر بمقتضى الأدلة الشرعية يكون المقام من المتزاحمين،

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 101

لتعلق النهى بما هو خارج عن المعاملة (1) و يحتمل الفساد لإشعار قوله (ع) في رواية تحف العقول (2)

______________________________

فيجب فيهما رعاية الأهم أو محتمل الأهمية.

ثم إنه على القول بوجوب النهى عن المنكر فيما إذا لم يتوقف على ارتكاب الحرام، لا فرق في وجوبه بين من يهم بالمعصية حال المنع، و بين من يهم بها بعد ذلك، حيث أن مقتضى الآية المباركة وجوب النهى عن المنكر في كلتا الصورتين، و يستفاد وجوب المنع عنه فيهما من فحواها، نعم الرواية التي أشار إليها المصنف (ره) من قوله (ع): (لو لا أن بنى أمية وجدوا من يجبى لهم الصدقات و يشهد جماعتهم ما سلبوا حقنا) لا دلالة فيها على ذلك. حيث أن كون الشخص من أعوان الظلمة في نفسه من المحرمات حتى فيما إذا لم يعد من أعوانه في ظلمة، بل في سائر أموره، فهي ناظرة الى ذلك لا الى عدم جواز العمل فيما يكون سببا لإرادة الغير المعصية بعد ذلك.

(1) لا يخفى أن النهى عن معاملة بمعنى تحريمها تكليفا لا يقتضي فسادها حتى فيما إذا تعلق النهى بنفس المعاملة، كما ذكرنا ذلك في شراء العنب بقصد تخميره أو بيعه بداعي تخمير المشترى، و لا يختص بما كان بعنوان آخر كعنوان الإعانة على الإثم أو عنوان المسامحة في المنع عن المنكر. و الوجه في عدم

اقتضائه مطلقا هو أن النهى عن المعاملة منع عن إيجادها، و صحتها بعد إيجادها أي إمضاؤها أمر آخر لا ينافي النهي عن الإيجاد.

(2) لعل مراده أن المذكور في حديث تحف العقول من ملاك فساد البيع و أن لم يعم المقام، إلا أنه لا يخلو عن الإشعار اليه (بيان ذلك): أن المراد بحرمة البيع في الحديث المزبور فساده كما هو ظاهر تحريم المعاملة، و المذكور فيه من ملاك فساده كون المبيع منهيا عنه في خطاب الشرع، كتحريم الميتة و الدم و نحوهما.

و بعبارة أخرى لا تتعلق الحرمة ثبوتا بغير الفعل، و لكن الملاك في فساد بيع الشي ء ليس مجرد حرمة الفعل و الانتفاع، بل تعلق الحرمة في الخطاب بنفس

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 102

..........

______________________________

ذلك الشي ء حتى يفيد حرمة جميع منافعه أو خصوص المقصودة منه، و وجه دلالة الحديث على هذا الملاك، هو أن المراد بالضمير في قوله فهو حرام محرم بيعه و شراؤه هي العين، إذ البيع لا يتعلق بغيرها، و يكون رجوعه- الى (كل منهي عنه) في قوله:

(و كل منهي عنه مما يتقرب به لغير اللّه أو يقوى به الشرك أو الكفر من جميع وجوه المعاصي، أو باب يوهن به الحق)- قرينه على المراد من المرجع.

و الحاصل أن هذا الملاك لا ينطبق على العنب حيث لم يتعلق به النهي في خطاب، بل المنهي عنه بيعه أو شراؤه بقصد تخميره. نعم الحديث لا يخلو عن إشعار إلى كون النهى عن الشي ء موجبا لفساد بيعه لحرمة الانتفاع معه، و هذا الأمر موجود في المقام ايضا، حيث ان الانتفاع من العنب بالتخمير أو شراءه أو بيعه بداعيه حرام، بل يجري في مورد قصد

المشترى التخمير، و كان بيع البائع منه لجهله بالحال و عدم علمه بأن المشتري يعمله خمرا، حيث أن شراء المشترى باعتبار كونه انتفاعا محرما من العنب حرام، فيفسد، و بما أن البيع لا يتبعض بأن يصح من طرف البائع و يبطل من طرف المشترى فيحكم بفساده من الطرفين.

و مما ذكر يظهر أن المذكور في الحديث من ملاك فساد البيع لا يعم المقام حتى لو قيل بوجود فقرة أخرى في الحديث، كما في النسخة المطبوعة من تحف العقول الموجودة في أيدينا، و هي قوله: (أو باب من الأبواب يقوى به باب من الضلالة أو باب من أبواب الباطل) و وجه الظهور أنه سلمنا كون المراد بالباطل مطلق الانتفاع المحرم فرضا، إلا أنه ليس مجرد حرمة الانتفاع ملاكا، لفساد البيع، بل الملاك تعلق النهى بنفس العين، و العنب لم يتعلق به النهي في خطاب.

هذا مع أن وجود فقرة في مثل تحف العقول المطبوع لا يوجب الاعتماد عليها، بل لا بد من إحراز وجود تلك الجملة في رواية حسن بن شعبة الواصلة إلينا بطريق معتبر كما لا يخفى (لا يقال): لا يمكن الحكم في المقام بصحة البيع حتى مع فرض

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 103

[الثالث ما يحرم لتحريم ما يقصد منه شأنا]
اشارة

الثالث ما يحرم لتحريم ما يقصد منه شأنا (1)

[بيع السلاح لأعداء الدين]

______________________________

كونه محرما بعنوان الإعانة على الإثم أو المسامحة في دفع المنكر. و الوجه في ذلك أن عنوان الإعانة إنما يتم بتسليم العنب مثلا إلى المشترى، و إذا كان التسليم محرما، فلا يتم البيع، حيث لا يعمه قوله سبحانه أَوْفُوا بِالْعُقُودِ بل و لا قوله أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ باعتبار أن من شرط البيع التمكن من تسليم المبيع.

(فإنه يقال) غاية الأمر أن لا يعمه أَوْفُوا بِالْعُقُودِ أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ قبل الإقباض، و أما بعده و لو عصيانا فلا مانع من شمولهما له، فتكون النتيجة أن إقباض المبيع شرط لتمام البيع، نظير تمام بيع السلم بقبض الثمن (و بعبارة أخرى) البيع قبل الإقباض أو مع الإقباض محرم بعنوان الإعانة على الإثم أو المسامحة في دفع المنكر، و بهذا الاعتبار لا تعمه أدلة الإمضاء و دليل وجوب الوفاء بالعقود، و لكن تعمه بعد ذلك.

و إن شئت قلت إن المقام نظير ما خرج عن العام أو المطلق فرد من الأول، و دار أمره بين الخروج إلى الأبد أو في الزمان الأول فقط، حيث يرجع فيه الى العام و المطلق بالإضافة الى ما بعد ذلك الزمان، كما يذكر مثل ذلك فيما إذا باع الراهن الرهن ثم فكه. و مما ذكرنا يظهر أنه لا مانع من صحة البيع من الأول فيما إذا كان البيع بالمعاطاة أى بإقباض المبيع، و وجه الظهور هو أن النهى عن إيجاده بذلك الإقباض لا ينافي إمضاءه بعد حصوله.

(1) أى يحرم الاكتساب بالعين و بيعها باعتبار أن تلك العين قابلة لاستعمالها في الحرام، و من الظاهر أن مجرد قابلية المبيع لاستعماله في الحرام لا يوجب عدم جواز بيعه تكليفا

أو وضعا، لان غالب الأموال يمكن استفادة الحرام منها. بل لا بد- في الالتزام بعدم جواز البيع فيما يكون من هذا القبيل- من إقامة دليل على المنع، كما في بيع السلاح من أعداء الدين، حيث يكون عدم الجواز فيه باعتبار الدليل عليه.

و يقع الكلام في أن المحرم هل هو البيع حال حربهم مع المسلمين فقط أو مطلقا؟

المشهور على الأول، و المحكي عن الشهيد في حواشيه على القواعد هو الثاني، و هذا

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 104

[بيع السلاح من الكفار]

و صريح الروايتين اختصاص الحكم بصورة قيام الحرب (1)

______________________________

هو الأظهر كما يظهر وجهه فيما بعد.

ثم إن ما ذكرنا من أن مجرد قابلية المبيع للانتفاع المحرم لا يوجب عدم جواز بيعه فيما إذا لم يعلم البائع باستعمال المشترى العين المزبورة في الحرام، و لم يكن قصده و داعيه الى بيعها استعمال المشترى و انتفاعه المحرم، و إلا لدخل البيع في عنوان الإعانة على الإثم أو يكون قسما من التجري كما لا يخفى.

(1) لا يخفى أنه ليس بيع السلاح و نحوه من الكفار من مدلول الروايتين، بل مدلولهما البيع من المخالفين، و قد حكم فيهما بالجواز باعتبار الهدنة في البين، كزمان رسول اللّه (ص)، و لان اللّه يدفع بالمتربعين على كراسي الحكم و المسلطين على رقاب المسلمين شر الكفار عن المؤمنين. و أما الرواية الناظرة الى بيع السلاح و نحوه من الكفار فمقتضى إطلاقها عدم الجواز، حتى في حال غير الحرب، كصحيحة على بن جعفر عن أخيه موسى (ع) قال: «سألته عن حمل المسلمين الى المشركين التجارة؟ قال إذا لم يحملوا سلاحا فلا بأس» «1» فإن مفهومها عدم جواز حمل السلاح إليهم حتى في غير حال

الحرب، بل لا يبعد كونها ناظرة إلى خصوص هذا الحال فان تقويتهم حال حربهم مع المسلمين و لو بإرسال مثل الطعام إليهم غير جائز لا يظن بمثل على بن جعفر السؤال عنه. و أما مكاتبة أبي القاسم الصيقل، قال: «كتبت إليه إني رجل صيقل اشترى السيوف و أبيعها من السلطان أ جائز لي بيعها؟ فكتب لا بأس به» «2» فالمراد فيها البيع من السلطان المخالف، فلا يكون مورد الكلام، مع أنه لاضمارها و جهالة حال كاتبها لا يمكن الاعتماد عليها، فالأظهر في المقام ما ذكره الشهيد (ره) في حواشيه، و لا يكون ذلك من قبيل الاجتهاد في مقابل النص. و مراده من تقويتهم إعلاء شوكتهم و تأييد القدرة القتالية فيهم، و لا يعم مثل بيع الطعام منهم،

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجزء (12) الباب: (8) من أبواب ما يكتسب به- الحديث: (6)

(2) وسائل الشيعة الجزء (12) الباب: (8) من أبواب ما يكتسب به- الحديث: (5)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 105

مع إمكان دعوى ظهور بعضها في ذلك (1) مثل مكاتبة الصيقل (2) كالمجن (3) فالمقصود من بيع ما يكن منهما (4)

______________________________

فان بيع مثله لا يوجب شوكة و عزة لهم و لا تقوية لهم في جهة قتالهم المحتمل مع المسلمين. نعم في حالة الحرب لا يجوز بيع الطعام ايضا. و قد ذكرنا انصراف الصحيحة الى غير حال الحرب، فلا يكون عدم تقييد نفى البأس عن حمل غير السلاح منافيا لحرمة تأييدهم حال الحرب.

(1) أى مع إمكان دعوى ظهور بعض تلك المطلقات في الاختصاص.

(2) مثال للمطلقات جوازا و منعا.

(3) بكسر الميم صفحة من فولاد يتحفظ بها عن الإصابة في القتال و يعبر عنه في لغة الفرس

ب (سپر) و الدرع منسوج مثل القميص و يتحفظ بلبسه في القتال على الجسد، و المغفر ينسج للتحفظ بلبسه في القتال على الرأس، و سائر ما يكن أي سائر ما يستتر به عند القتال.

ثم إن المنع عن بيع السلاح من الكفار كما ذكرنا باعتبار عدم إعلاء كلمتهم و زيادة شوكتهم و تأييد القدرة القتالية فيهم يعم بيع مثل الدرع مما لا يكون سلاحا، و لكن يستعمل في القتال كالسلاح، كما انه لا ينافي ما ذكر جواز بيع السلاح من الكفار، بل وجوبه فيما إذا طرأ عنوان آخر، كما إذا توقف الدفع عن حوزة الإسلام على ذلك البيع، فيما إذا هاجم عدو مشترك بلاد المسلمين و اعطى المسلمون السلاح للكفار ليشاركوا المسلمين في دفع ذلك العدو. و بعبارة أخرى بيع السلاح في الفرض مقدمة لواجب أهم و هو الدفاع عن حوزة الإسلام و بلاد المسلمين، و مثل صحيحة على بن جعفر المتقدمة غير ناظرة الى ذلك فلاحظ.

(4) يعنى المقصود من بيع ما يكن للفئتين تحفظ كل من الفئتين عن صاحبه و تترسه أى تحفظه بما يتحفظ به.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 106

ثم إن النهى في هذه الاخبار (1)

______________________________

(1) بيان ذلك أن النهى- عن حمل السلاح الى المشركين أو مثل أهل الشام عند مباينتهم لأهل الإيمان بمناسبة الحكم و الموضوع نظير النهى عن البيع عند النداء- حكم تكليفي حيث انه كما أن المفهوم من النهى عن البيع عند النداء هو التحفظ على صلاة الجمعة و إقامتها، فكذلك النهى عن حمل السلاح و بيعه منهم باعتبار أن لا تكون كلمتهم العليا و شوكتهم قصوى أو يفكروا في الهجوم على المسلمين أو محو شوكة المؤمنين،

و لذا لا حرمة فيما إذا لم يكن الأمر كذلك، كما إذا كانت طائفتان من الكفار متحاربتين و أعطاهما المسلمون سلاحا ليبيد كل منهما الآخر، حتى يبقى العزة و الشوكة للمسلمين.

(لا يقال) قد ورد في صحيحة محمد بن قيس عدم جواز ذلك، قال: «سألت أبا عبد اللّه (ع) عن الفئتين تلتقيان من أهل الباطل نبيعهما السلاح؟ فقال: بعهما ما يكنهما الدرع و الخفين و نحو هذا» «1» (فإنه يقال) المنع في الصورة التي ذكرناها غير محتمل لعدم الحرمة للطرفين، و هذه الصحيحة لا بد من حملها- كما ذكر المصنف (ره)- على طائفتين يكون كل منهما باعتبار كونهما من أهل الجزية و نحوها محقونة الدم، و بيع السلاح منهما مع كونهما في حالة حرب إعانة على ظلم كل منهما الآخر، فلا يجوز، بخلاف بيع مثل الدرع مما يتحفظ به كل منهما على نفسه من جور الآخر.

و الحاصل أن النهى عن حمل السلاح الى المشركين أو المخالفين في مورد ثبوته تكليفي ملاكه تقوية الكفر و الشرك و الباطل، و هذا القسم من النهى عن المعاملة لا يقتضي فسادها، لما تقدم من انه لا منافاة بين المنع عن إيجادها و إمضائها على تقدير حصولها حتى لو قيل بأن التقوية تحصل بتسليم المبيع الى المشركين أو سائر أهل الباطل، فإن غاية ذلك أن لا يكون البيع المزبور من الأول مشمولا لأدلة الإمضاء، و لكن تشمله بعد حصول التسليم خارجا، نظير ما ذكرنا في بيع العنب ممن يعلم أنه

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجزء (12) الباب: (8) من أبواب ما يكتسب به- الحديث: (3)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 107

[النوع الثالث مما يحرم الاكتساب به ما لا منفعة فيه محللة معتدا بها عند العقلاء]

و ليس كالاكتساب بالخمر و الخنزير (1)

______________________________

يعمله خمرا.

هذا

كله في بيع السلاح من الكفار أو أهل الباطل من المخالفين و أما بيعه من مثل قطاع الطريق فمع إحراز البائع استعمال المشترى ذلك السلاح في الاعتداء على الغير فلا يجوز، باعتبار كون البيع إعانة على ظلمه، و مع عدم الإحراز فلا بأس.

و كذا الحال في غير السلاح مما يستعمل في الاعتداء على الناس.

(1) أى أن المنع عن الاكتساب بهذا النوع وضعي فقط، بخلاف الخمر و الخنزير، حيث أن الاكتساب بهما ممنوع تكليفا و وضعا (أقول): المنع التكليفي بالإضافة إلى الخمر صحيح كما هو مقتضى لعن بائعها و مشتريها، و أما الخنزير فلا موجب للالتزام فيه بالتكليف. (و كيف كان) فيقع الكلام في المقام في اعتبار المالية و لكن لا ينبغي الريب فيه، فان تملك العوض بإزائه مع عدم ماليته من أكله بالباطل. و قد تقدم أن عنوان أكل المال بالباطل في الآية المباركة بنفسه موضوع للحكم و متعلق للنهى الوضعي، لا أنه أخذ عنوانا مشيرا الى ما كان متعارفا في زمان الجاهلية من أنحاء التملك بالقهر و القمار و المنابذة و غيرها، و أن كلها فاسدة، إلا التجارة عن تراض.

و ذكر السيد الخوئي طال بقاه أنه لا تعتبر المالية في المبيع و منع عن كون أخذ الثمن بإزاء ما لا يكون بمال داخلا في عنوان الأكل بالباطل، و استشهد لعدم اعتبارها بموارد قد استعمل فيها لفظ الشراء مع عدم المالية، كقوله سبحانه إِنَّ اللّٰهَ اشْتَرىٰ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ. «1» وَ لَبِئْسَ مٰا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ «2» الى غير ذلك و الحاصل ان المبادلة حتى مع عدم المالية فيها للمبيع داخلة في التجارة عن تراض و في العقود المحكوم عليها بوجوب الوفاء بها.

و فيه ما

لا يخفى فإن إطلاق الشراء أو البيع في مثل تلك الموارد يكون بالادعاء و العناية، كيف؟ و ليس فيها تمليك اعتباري كما هو مقتضى حقيقة البيع و الشراء،

______________________________

(1) سورة التوبة (10) الاية (111)

(2) سورة البقرة (2) الاية (102)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 108

..........

______________________________

فالاستشهاد- بمثل الآيتين على عدم اعتبار المالية في العوضين في موارد التمليك و التملك الاعتبارين كما هو المطلوب في المقام- عجيب. و آية النهي عن أكل المال بالباطل تكون مانعة عن التمسك بأوفوا بالعقود، كما أن قوله عز من قائل إِلّٰا أَنْ تَكُونَ تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ لا يشمل موارد الأكل بالباطل، لأن التجارة هو البيع و الشراء بقصد الربح، و قد ذكرت في الآية في مقابل أكل المال بالباطل، فكيف يعم موارده.

و أما الكلام فيما يذكر مثالا لعدم المالية له من السباع و الحشرات فلا ينبغي الريب في أن لبعضها مالية عند العقلاء، و لا يكون غير الأكل في جميع الحيوانات من المنفعة النادرة، حتى لا يكون موجبا لماليتها. و يؤيد ذلك ما ورد في جواز بيع الهرة. نعم ورد في القردة المنع عن بيعها، و لكن باعتبار ضعف سنده لا يصلح لرفع اليد به عن الإطلاق أو العموم في مثل قوله سبحانه أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ «1» و أَوْفُوا بِالْعُقُودِ «2».

و ذكر المصنف (ره) عدم المنفعة المقصودة في القرد و يدفعه ان القرد اولى بالمنفعة المقصودة من الهرة، فإنه لا ينحصر فائدتها بحفظ المتاع بل الاستمتاع برؤيتها و التفرج بحركاتها كاف في ثبوت المالية لها كما لا يخفى، بل عن السيد الخوئي طال بقاه عكس ما ذكره حيث قال بعدم المنفعة المقصودة للهرة حتى تكون لها مالية، و الرواية

الدالة على جواز بيعها شاهدة لعدم اعتبار المالية في المبيع، بخلاف القرد فان له منفعة مقصودة محللة و أي منفعة تكون أرقى و أهم من التحفظ على متاع الإنسان و ماله، و فيه ان الهرة القسم الهراش منها كما ذكره من أنه لا منفعة لها، و المعاملة على هذا القسم محكومة بالفساد، فإنها نظير بيع كلب الهراش من أوضح افراد أكل المال بالباطل. و الرواية المزبورة منصرفة عن ذلك، و ما هو محكوم بصحة بيعها هي

______________________________

(1) سورة البقرة (2) الاية (275):

(2) سورة المائدة (5) الاية (1)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 109

أمكن الحكم بصحة المعاوضة عليها لعمومات التجارة (1) و أخرى إلى قلته (2) و كان عليه مثله ان كان مثليا (3)

______________________________

الهرة التي تؤخذ للتحفظ بها عن الفار، أو للتفرج برؤيتها، و هذا القسم باعتبار ثبوت المنفعة المقصودة فيه يكون مالا.

روى الشيخ بإسناده عن الحسين بن سعيد عن فضالة عن ابان عن محمد بن مسلم و عبد الرحمن بن ابى عبد اللّه عن ابى عبد اللّه (ع) قال: «ثمن الكلب الذي لا يصيد سحت و لا بأس بثمن الهرة» و الرواية صحيحة و روى الكليني (ره) عن عدة من أصحابنا عن سهل بن زياد عن محمد بن الحسن بن شمون عن الأصم عن مسمع عن ابى عبد اللّه (ع)، قال: «ان رسول اللّه (ص) نهى عن القردان يشترى و ان يباع» «1» و ضعفها باعتبار سهل و محمد بن الحسن و الأصم.

(1) لا يخفى ان التجارة هو البيع و الشراء بداعي تحصيل الربح و صدقها مع عدم إحراز المالية للشي ء عند العقلاء مشكوك فيه، فلا يمكن فيه التمسك بما دل على

حليتها أو على حل أكل المال بها. نعم لا بأس بالتمسك بأوفوا بالعقود و ما هو من قبيله كما انه لا بأس بإعطاء المال لرفع الآخر يده عن ذلك الشي ء حتى يتملكه المعطى.

(2) و ثالثة إلى كثرته كالماء في شاطئ الفرات و التراب في بعض البلاد.

(3) الوجه في تقييده بالمثلي هو أن غير المثلي يكون ضمانه بالقيمة، فيختص الضمان بمورد يكون للشي ء قيمة. و ألحق في التذكرة المثلي بغيره في عدم الضمان مع قلته، و أورد بعض على هذا الإلحاق بأن لازمه عدم الضمان فيما لو غصب صبرة تدريجا، و لكن الإيراد ضعيف، فإنه يمكن أن يلتزم في المثلي المغصوب تدريجا بما يلتزم به في القيمي المتلف تدريجا، و أنه كما يكون تلف القيمي المزبور أو إتلافه موجبا للضمان بشرط الانضمام اليه من سائر الاجزاء ما يكون مجموع التالف

______________________________

(1) وسائل الشيعة: الجزء (12) الباب: (37) من أبواب ما يكتسب به- الحديث (4)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 110

..........

______________________________

مالا، بخلاف ما إذا لم ينضم، فكذلك المثلي المتلف تدريجا، و هذا لا يقتضي الضمان مع عدم الانضمام كما لا يخفى.

و عن السيد الخوئي طال بقاه ثبوت الضمان، بلا فرق بين كون الشي ء مثليا أو قيميا، غاية الأمر يكون فراغ الذمة بأداء المثل فيما كان مثليا، و في القيمي يكون الاشتغال باقيا الى يوم القيمة إلا بالتراضي مع المالك، و ذكر في وجه أن عموم على اليد يقتضي كون الشي ء في عهدة المكلف بمجرد الاستيلاء عليه فإنه لم يؤخذ في حديثه عنوان المال، فيعم كلا القسمين: و يكون أداء المثلي بأداء المثل، فتفرع به العهدة، بخلاف القيمي المفروض أنه لقلته لا قيمة له، فيبقى

في عهدته الى أن يرضى مالكه.

و هذا بالإضافة إلى ضمان التلف في اليد. و أما ضمان الإتلاف فالأمر فيه ايضا كذلك، لأن ضمان الإتلاف يستفاد من حديث على اليد بالفحوى.

(أقول): الصحيح عدم الضمان في المقام، فان حديث على اليد ضعيف، و حديث من أتلف بإطلاقه موهوم. نعم الضمان في موردي التلف في اليد و الإتلاف مستفاد من سيرة العقلاء. و النص في بعض مواردهما، و لم تحرز سيرتهم عليه فيما إذا لم يكن الشي ء لقلته مالا إلا في مورد الانضمام إلى سائر الاجزاء، من غير فرق بين المثلي و القيمي.

ثم إنه لا ينبغي الريب في عدم جواز التصرف في ملك الغير بلا رضاه حتى فيما إذا لم يكن مالا لقلته، و يكفي في ذلك ما دل على تحريم الظلم و التعدي. و أما إذا لم يكن مالا لخسته، فهل يجوز التصرف فيما يكون عليه يد الغير بلا رضاه؟ أشار إليه المصنف (ره) بقوله: (ثم إن منع حق الاختصاص.) و لكن الحديث المزبور ضعيف، و السيرة- على كون السابق أحق بمعنى ثبوت حق الاختصاص في الشي ء غير القابل للملك باعتبار عدم المنفعة له و ان كانت نادرة- ممنوعة، و مع فرض المنفعة له و ان كانت نادرة غير مقصودة للعقلاء يدخل في الملك كما تقدم سابقا.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 111

[النوع الرابع مما يحرم الاكتساب به لكونه عملا محرما في نفسه]

اشارة

النوع الرابع مما يحرم الاكتساب به (1)

[تدليس الماشطة]

و يظهر من بعض الاخبار المنع (2)

______________________________

(1) حرمة الاكتساب في الأعيان تكليفا لا تلازم فساد المعاملة عليها، بل ربما كانت المعاملة على العين محرمة تكليفا مع صحتها وضعا، كما في موارد انطباق العنوان المحرم عليها، و لكن الاكتساب بالأعمال لا يكون كذلك، فإن حرمة فعل تلازم الحكم بفساد المعاملة عليه. و ذلك فان مثل أَوْفُوا بِالْعُقُودِ لا يمكن أن يعم المعاملة المزبورة، حيث أن الوفاء بها يكون بتسليم العمل أى الفعل. و المفروض منع الشارع عنه، و مع عدم شمول مثله لها، لا يمكن إثبات صحتها، بل يكون أخذ الأجرة على ذلك العمل من أكل المال بالباطل.

(2) لا يخفى أن الاخبار الواردة في المنع كلها ضعيفة سندا غير صالحة للاعتماد، و مع الغض عن ذلك فالممنوع عنه فيها من فعل الماشطة أمور: مسح الوجه بالخرقة، و الوصل، و النمص، و الوشم، و الوشر. و مقتضى إطلاق المنع عنها عدم الفرق بين صورتي التدليس و عدمه، مع أن التدليس لا يكون بفعل الماشطة.

و سنذكر أن مجرد فعل يوجب ظهور حسن أو خفاء عيب في المرأة لا يكون حراما، بل الحرام هو الغش في المعاملة و التستر على الواقع فيها. و هذا فعل المالك أو ولى الجارية، فلا يرتبط بالماشطة. نعم إذا علمت الماشطة أن المالك أو الولي يتستر بما تفعله على الواقع و لا يبين الحال للطرف، يكون فعلها من الإعانة على الإثم، نظير ما تقدم في بيع العنب ممن يعمله خمرا، و ذكرنا أنه لا دليل على حرمتها في غير مورد الإعانة على الظلم.

و الحاصل أن التدليس محكوم بالحرمة باعتبار كونه غشا في المعاملة، و يحصل مع اعتقاد

الطرف بصفة كمال أو فقد عيب في الشي ء باعتبار فعل الغاش. و أما مجرد كون الشي ء موهما لوجود صفة فيه مع علم الطرف بالحال، و أنه ليس للوهم حقيقة، فلا يكون من الغش ليحكم بحرمته، و عدم تحقق الغش غالبا في تمشيط الماشطة لا يكون موجبا لتعميم التدليس في المقام. و ذلك فان الدليل على حرمة فعلها هي

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 112

..........

______________________________

الأدلة العامة الدالة على حرمة غش المسلم في المعاملة أو غيرها، لا روايات الباب، فإنه لم يتعلق فيها نهى بتدليس الماشطة، بل تعلق بالأفعال الخمسة المتقدمة، و لا بد من الالتزام بكراهة مسح الوجه بالخرقة، و لا تختص كراهته بالمرأة و لا بفعل الماشطة، بل هو في نفسه عمل مكروه كما يدل عليه ما ورد في آداب الحمام من النهى عنه معللا بأنه يذهب ماء الوجه «1» و في صحيحة محمد بن مسلم عن ابى عبد اللّه (ع) قال «قال رسول اللّه (ص) لأم عطية إذا أنت قنيت الجارية فلا تغسلي وجهها بالخرقة فإن الخرقة تشرب ماء الوجه» «2».

و لا ينبغي الريب في أن التعليل يناسب الكراهة و لا ربط له بالتدليس و لا يختص بالأمة التي يراد بيعها و لا بالجارية التي يراد تزويجها، و اما النمص أى نتف شعر الوجه فالأظهر أنه لا بأس به بل لا يكون مكروها أصلا و في رواية على بن جعفر أنه «سأل أخاه موسى بن جعفر عن المرأة التي تحف الشعر عن وجهها؟ قال: لا بأس به» «3» نعم في رواية معاني الاخبار عن جعفر بن محمد عن آبائه عليهم السلام قال: «لعن رسول اللّه (ص) و آله النامصة و

المنتمصة و الواشرة و الموتشرة و الواصلة و المستوصلة و الواشمة و الموتشمة» «4».

و ربما يقال: ان مقتضى الجمع بينها و بين رواية على بن جعفر هو الالتزام بكراهة النتف و فيه أن رواية معاني الأخبار غير قابلة للحمل على الكراهة، فإن اللعن الوارد فيها لا يناسبها، فلا بد من طرحها أو تأويلها بما في رواية سعد الإسكاف قال:

«سئل أبو جعفر (ع) عن القرامل التي تضعها النساء في رؤوسهن يصلنه بشعورهن؟

فقال: لا بأس على المرأة بما تزينت به لزوجها، قال: قلت: بلغنا أن رسول اللّه (ص)

______________________________

(1) وسائل الشيعة: الجزء (1) الباب: (13) من أبواب آداب الحمام، الحديث: (3)

(2) وسائل الشيعة: الجزء (12) الباب: (19) من أبواب ما يكتسب به، الحديث: (1)

(3) وسائل الشيعة: الجزء (12) الباب: (19) من أبواب ما يكتسب به، الحديث: (8)

(4) وسائل الشيعة: الجزء (12) الباب: (19) من أبواب ما يكتسب به، الحديث: (7)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 113

..........

______________________________

لعن الواصلة و المستوصلة، فقال ليس هنالك إنما لعن رسول اللّه (ص) الواصلة التي تزني في شبابها فلما كبرت قادت النساء الى الرجال فتلك الواصلة و الموصولة» «1».

و أما وصل الشعر بالشعر فقد ورد النهى عنه في مرسلة ابن ابى عمير عن ابى عبد اللّه (ع)، قال: «دخلت ماشطة على رسول اللّه (ص) فقال لها: هل تركت عملك أو أقمت عليه؟- الى ان قال. و لا تصلى الشعر بالشعر» «2» و في مرسلة الصدوق في ذلك الباب قال قال (ع): «لا بأس بكسب الماشطة ما لم تشارط و قبلت ما تعطى، و تصل شعر امرأة بشعر غيرها، و أما شعر المعز فلا بأس أن توصله بشعر المرأة» «3» و على

ذلك فالمتعين الالتزام بكراهة وصل شعر امرأة بشعر مثلها بتقييد المرسلة الأولى بالثانية، و حمل النهي في الأولى على الكراهة بقرينة رواية سعد الإسكاف الواردة في حكم القرامل، حيث أن ظهورها- في عدم البأس بما يكون من زينة المرأة لزوجها حتى إذا كان من وصل الشعر بالشعر- غير قابل للإنكار.

و أما الوشم و الوشر و المراد بالأول ما يعبر عنه في لغة الفرس ب (خال كوبى) و بالثاني ترقيق الأسنان و جعلها حادة، فقد ورد النهى عنهما في رواية معاني الأخبار التي ذكرنا أنها لا تناسب الحمل على الكراهة، فالمتعين طرحها أو تأويلها بقرينة رواية الإسكاف المتقدمة. و على ذلك فلا كراهة إلا في مسح الوجه بالخرقة و في وصل شعر المرأة بشعر امرأة أخرى. و كراهة الثاني مبنى على الإغماض عن أمر السند، و الا فلا تصلح روايتا معاني الاخبار و عبد اللّه بن الحسن و مرسلتا ابن ابى عمير و الصدوق للاعتماد عليها.

(لا يقال): لا بأس بالاعتماد على مرسلة ابن ابى عمير في الحكم بكراهة وصل شعرها بشعر امرأة أخرى، و تأييدها بغيرها مما ورد النهى فيه عن ذلك. و وجه الاعتماد

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجزء (12) الباب: (19) من أبواب ما يكتسب به- الحديث: (3).

(2) وسائل الشيعة الجزء (12) الباب: (19) من أبواب ما يكتسب به- الحديث: (2).

(3) وسائل الشيعة الجزء (12) الباب: (19) من أبواب ما يكتسب به- الحديث: (6).

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 114

نعم قد يشكل الأمر في وشم الأطفال (1) بناء على ان لا مصلحة فيه (2) دلت على كراهة كسب الماشطة (3)

______________________________

شهادة الشيخ (ره) بأن ابن ابى عمير لا يروى و لا يرسل إلا

عن ثقة، و هذا منه (ره) توثيق عام لمشايخ ابن ابى عمير، (فإنه يقال): و إن ذكرنا سابقا احتمال الاعتماد على مراسيله لتلك الشهادة، الا أنه أشرنا إلى ضعف الاعتماد، و ذلك، فان في مشايخ ابن ابى عمير من ضعفه الشيخ و غيره، و هذا التضعيف يكون كالاستثناء من التوثيق العام، كما أن في مشايخه من ضعفه غير الشيخ (ره) مع سكوت الشيخ (ره) عن تضعيفه، و يكون التوثيق العام فيه معارضا بتضعيف غيره كالنجاشي مثلا، فيسقط التوثيق العام في ذلك الراوي عن الاعتبار للمعارضة. و عليه فيحتمل ان يكون الراوي الذي أرسل ابن ابى عمير هذه الرواية عنه هو ذلك الشخص الذي سقط فيه التوثيق العام عن الاعتبار للمعارضة أو الاستثناء، فلاحظ و تدبر.

(1) لا يخفى ما فيه، فإنه إذا فرض أن ذلك دخيل في ظهور جمال الطفل خصوصا في الأنثى، فللولي فعل ذلك لما فيه المصلحة، كما في تزيين شعر الطفل، فإنه ربما يوجب إيذاء الطفل و بكاءه، و مع ذلك لوليه فعل ذلك، لما فيه صلاحه من نظافته أو ظهور جماله.

(2) أي إذا كانت المرأة متزوجة، ففي الوشم لها صلاح، و يكون الوشم في غيرها تدليسا أى موهما لما ليس في البدن واقعا من البياض و الصفاء (أقول): التدليس بهذا المعنى لا دليل على حرمته، بل و لا على كراهته كما مر آنفا.

(3) و بعبارة أخرى المراد من قوله: (و قبلت ما تعطى) عدم مناقشتها في أجرة عملها بعده، كما أن المراد بالمشارطة المناقشة فيها قبل عملها، و بما أن الكراهة أو غيرها من الأحكام التكليفية لا تتعلق بالعمل بعد تحققه خارجا، ضرورة أن الحكم لأجل أن يكون داعيا للمكلف الى الفعل

أو الترك، فلا بد من حمل قوله: (و قبلت ما تعطى) على قصدها و بنائها على ترك المناقشة في أجرتها حيث أنه لو كان الشرط في

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 115

..........

______________________________

عدم الكراهة نفس ترك المناقشة خارجا، فلازمه تعلق الكراهة بالعمل بعد تحققه.

(أقول) هذا إذا كان ترك المناقشة في أجرتها بعد عملها شرطا في ارتفاع الكراهة بنحو الشرط المقارن. و أما إذا أخذ بنحو الشرط المتأخر، فلا محذور.

ثم إن المصنف (ره) ذكر في وجه استحباب ترك المشارطة احتمالات ثلاثة:

(الأول) أن ما يعطى لها لا يكون في الغالب أقل من أجرة المثل، فتكلمها- في أجرتها قبل عملها أو بعده- باعتبار توقعها ممن تعمل له الزيادة على تلك الأجرة، و ربما تعطى لها صيانة للعرض أو حياء، و المأخوذ كذلك لا يخلو عن شبهة، فأمرت بالقناعة على المقدار المعطى لها، و ترك مطالبة الزائد. و هذا الأمر لا ينافي امتناعها عن قبول المعطاة فيما إذا كانت أقل من أجرة المثل.

(الثاني)- أن مناقشة مثلها في أجرة عملها لا يناسب المروة و شرافة الأشخاص فإن مما كستهم في إعطاء ما تتوقع مثلها ربما لا تناسب المروة، و المسامحة لا تكون صلاحا باعتبار زيادة مقدار توقعها، فالذي تعمل له مكلف وجوبا بأداء أجرة المثل، و هي مكلفة ندبا بقبول ما تعطى، و ان كان أقل من أجرة مثلها على الوجه الثاني لا على الوجه الأول.

(الثالث)- أن الراجح في حقها ترك الأجرة و العمل للناس تبرعا، و قبول ما يعطى لها تبرعا، و على ذلك فلا يكون لها حق المطالبة فيما إذا لم تعط عوضا، و الفرق بين هذا الوجه و سابقيه أن هذا الوجه لا ينافي

ما ورد من قوله: (و لا تستعملن أجيرا حتى تقاطعه كما في بعض الروايات» «1» بخلاف الأولين فإنهما ينافيانه، فلا بد من رفع اليد عن إطلاق ذلك النهى، كما أن هذا الوجه لا يناسب ظاهر المرسلة، فإن مدلولها نفى البأس عن كسب الماشطة، و كسبها عملها بالأجرة، و إلا لم يكن عملها كسبا، كما لا يكون ما يعطى لها اجرة. و ما ذكره (ره)- في الوجه الأول من قوله (و هذا لا يخلو

______________________________

(1) وسائل الشيعة: الجزء (13) الباب: (3) من أبواب أحكام الإجارة- الحديث: (2)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 116

[تزيين الرجل بما يحرم عليه]

تزيين الرجل بما يحرم عليه (1)

______________________________

عن شبهة)- ضعيف، فان المحرم وضعا أخذ المال و تملكه بإكراه مالكه. و أما مع عدم الإكراه، فلا مانع من أخذه.

و ما يقال من أن المأخوذ حياء كالمأخوذ غصبا لا شاهد له، فان الرضا المعتبر في المعاملات هو عدم الإكراه لا طيب النفس واقعا، و إلا لاتجه الحكم بفسادها في موارد الاضطرار إليها أو مورد الاستحياء، كما إذا اشترى متاعا بثمن زائد حياء من أصدقائه أو من بائعه في المناقشة في ثمنه أو المماكسة في شرائه.

(1) لا يخفى أن المحرم على الرجال ليس التزيين بالحرير المحض، بل لبسه بلا خلاف ظاهر، سواء كان بنحو التزيين أم لا، كما إذا لبسه تحت ثيابه و بين التزيين و لبس الحرير عموم من وجه، فلا يكون الدليل على حرمة أحدهما دليلا على حرمة الآخر. و في موثقة سماعة بن مهران، قال: «سألت أبا عبد اللّه (ع) عن لباس الحرير و الديباج؟ فقال: أما في الحرب فلا بأس به، و ان كان فيه تماثيل» «1» و في موثقة إسماعيل

بن الفضل عن أبى عبد اللّه (ع) «في الثوب يكون فيه الحرير، فقال: إن كان فيه خلط فلا بأس» «2» الى غير ذلك مما ظاهره حرمة لبس الحرير المحض، كما أن التزين بالذهب لم يتم على حرمته دليل، بل مدلول الروايات المعتبرة و ظاهر الأصحاب عدم جواز لبسه، سواء كان تزينا أم لا و في موثقة عمار بن موسى عن أبى عبد اللّه (ع)، قال: «لا يلبس الرجل الذهب و لا يصلى فيه، لانه من لباس أهل الجنة» «3» و في صحيحة على بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (ع): «سألته هل يصلح للرجل ان يتختم بالذهب؟ قال: لا» «4» و ظاهر النهي في الثاني هو التحريم و هو كاف في

______________________________

(1) وسائل الشيعة: الجزء (3) الباب (12- 13) من أبواب لباس المصلى- الحديث: (3)

(2) وسائل الشيعة: الجزء (3) الباب (12- 13) من أبواب لباس المصلى- الحديث: (4)

(3) وسائل الشيعة الجزء (3) الباب: (30) من أبواب لباس المصلى- الحديث: (4)

(4) وسائل الشيعة الجزء (3) الباب: (30) من أبواب لباس المصلى- الحديث: (10)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 117

و في دلالته قصور (1)

______________________________

المقام، حتى لو نوقش في دلالة الأول بدعوى ان التعليل المزبور يمنع عن ظهور النهي في التحريم.

(لا يقال): لا بد من حمل النهي في الثانية ايضا على الكراهة بقرينة صحيحة عبيد اللّه بن على الحلبي عن ابى عبد اللّه (ع)، قال: «قال على (ع): نهاني رسول اللّه و لا أقول نهاكم عن التختم بالذهب و عن ثياب القسي.» «1» (فإنه يقال) نفى على (ع) القول من نفسه لا يدل على انتفاء قول النبي (ص)، حيث أن مثل هذا التعبير في

مقام النقل متعارف، يقول أحد أولاد الرجل لإخوته نهاني ابى عن فعل كذا، و لا أقول نهاكم عنه، و إلا لو كان النهى لا يعم غير على (ع) لقال روحي له الفداء و لم ينهكم عنه، مع أن نهيه (ص)- و ان كان بعنوان الكراهة- مسلم لا ينبغي الريب فيه.

و اما تعليل النهى بما في موثقة عمار غايته أن لا يكون النهى معه ظاهرا في التحريم، لا أنه يوجب ظهوره في الكراهة الاصطلاحية، حتى ينافي ظاهر النهي في صحيحة على بن جعفر فتدبر.

(1) وجه قصور دلالته «2» كما ذكر (ره) ان المراد بتشبه الرجال بالنساء و تشبه النساء بالرجال ليس مجرد لبس أحدهما لباس الآخر، بل المراد بالأول تأنث الرجل، و بالثاني تذكر المرأة بأن يكون غرض الرجل و داعيه الى لبس لباس المرأة التأنث، فيكون اللبس المزبور تشبها بالمرأة، و هكذا العكس. ثم أيد ذلك بالرواية المحكية عن العلل «أن عليا (ع) رأى رجلا به تأنث في مسجد رسول اللّه (ص ع)، فقال له اخرج من مسجد رسول اللّه، فانى سمعت رسول اللّه يقول لعن اللّه.» و برواية يعقوب بن جعفر الواردة في المساحقة و الوجه في جعلهما تأييدا لا قرينة هو احتمال كون المذكور في الروايتين أقوى مراتب التشبه لإتمام مراتبه.

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجزء (3) الباب: (30) من أبواب لباس المصلى الحديث: (7)

(2) وسائل الشيعة الجزء (12) الباب: (87) من أبواب ما يكتسب به- الحديث: (2)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 118

نعم في رواية سماعة (1) بأن الظاهر عن التشبه صورة علم المتشبه (2)

[التشبيب بالمرأة المعروفة]

التشبيب بالمرأة المعروفة (3)

______________________________

(1) هذه معتبرة سندا «1» الا أنه لا دلالة لها على المراد من

النبوي كما لا دلالة لها على التحريم لو لم نقل بظهورها في الكراهة. نعم ظاهر الرواية الثانية حرمة لبس أحدهما لباس الآخر، و لا يصغى الى ما ذكره المصنف (ره) من عدم ظهورها في الحرمة، فإن إطلاق الزجر كإطلاق النهى مقتضاه التحريم، إلا أنها باعتبار ضعف سندها غير صالحة للاعتماد عليها، حيث رواها في مكارم الأخلاق مرسلا كما في الوسائل «2».

(2) و يكفي في تحقق عنوان التشبه العلم الإجمالي المزبور.

(3) هذا العنوان لم يتعلق به النهي في شي ء من الخطابات، و إنما يكون الوجه في حرمته انطباق بعض العناوين المحرمة عليه، و ايضا لم يظهر وجه صحيح لاعتبار قيد الاحترام بعد اعتبار كونها مؤمنة فان المتجاهرة بالفسق لا يجوز ايضا تشبيبها لجريان الوجوه الاتية فيها كلا أو بعضا كما لا يخفى.

ثم إن المصنف (ره) ذكر في عبارته وجوها ثمانية لحرمته، و لكن الظاهر عدم تمامية شي ء منها:

(الأول) كون التشبيب هتكا و تفضيحا للمرأة، و فيه أن النسبة بين التشبيب و الهتك عموم من وجه، فإنه قد لا يكون هتك فيه، كما إذا أنشأ شعرا في محاسن امرأة بين النساء أو أقاربها العارفين بحالها و جمالها، و قد يكون ذكر محاسنها هتكا لها بلا تشبيب، كما إذا ذكرها بين الأجانب بالنثر بلا إنشاء شعر.

(الثاني) كون التشبيب إيذاء لها، و فيه أن الإيذاء- بنحو يوجب تأثر الغير و تألمه بالتصرف في مال ذلك الغير أو ما يتعلق به- حرام، و كذا فيما إذا كان تصرفه

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجزء (3) الباب: (23) من أبواب أحكام الملابس- الحديث: (4)

(2) وسائل الشيعة: الجزء (3) الباب: (13) من أبواب أحكام الملابس- الحديث: (1)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص:

119

نعم لو قيل بعدم حرمة التشبيب بالمخطوبة (1) و اما المعروفة عند القائل (2)

______________________________

في مال نفسه أو ما يتعلق به و لكن كان غرضه منه تأثر ذلك الغير فتألمه و اما إذا كان تصرفه في مال نفسه أو ما يتعلق بداع صحيح يترتب عليه تألم الغير و تأثره، فلا يكون من الإيذاء المحكوم بالحرمة. و على ذلك فإذا كان لذاكر محاسنها للغير غرض صحيح يترتب عليه تألمها و تأثرها فلا يكون من الإيذاء حتى يحكم بحرمته.

(الثالث) إغراء الجهال بها، و فيه ان التشبيب لا يكون ملازما للاغراء و هذا واضح.

(الرابع)- إدخال النقص عليها و على أهلها، و فيه ان الفرق بين ذلك و بين هتكها غير ظاهر.

(الخامس)- كون التشبيب من اللهو و الباطل، و فيه أنه لا إطلاق في دليل حرمة اللهو كما سيأتي حتى يعم مثل التشبيب.

(السادس) كون التشبيب من الفحشاء، فيعمه مثل قوله سبحانه المتضمن لتحريم الفحشاء و فيه ان كونه من الفحشاء أول الكلام.

(السابع)- كونه منافيا للعفاف، و فيه ان اعتبار العفاف- بمعنى الاجتناب عن المحرمات- في العدالة ظاهر، و أما غيره فلا.

(الثامن) استفادة حرمته من بعض الآيات و الروايات الواردة في بعض المحرمات و المكروهات، و فيه أن غاية ما يمكن استظهاره من الآية و الروايات المشار إليها في المتن كون تهييج القوة الشهوية حكمة فيها، لا أن التهييج المزبور علة حتى يمكن التعدي إلى مثل المقام.

(1) قد ذكرنا ان التشبيب بعنوانه غير محرم، بل يحرم فيما إذا انطبق عليه عنوان محرم آخر، بلا فرق في ذلك بين المخطوبة أو من يراد تزويجها أو غيرهما.

(2) يمكن كون المرأة معينة عند القائل و مجهولة عند السامع، و هذا تارة مع علم

السامع إجمالا بقصده امرأة من بيت فلان أو من بلد فلان مثلا، و أخرى لا يدرى ذلك ايضا، و لكن لم يظهر وجه الإشكال في الجواز، خصوصا في الفرض الثاني.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 120

و اما التشبيب بالغلام (1)

[تصوير صور ذوات الأرواح حرام]
اشارة

تصوير صور ذوات الأرواح حرام (2)

______________________________

(1) إذا كان غرض قائله إظهار كمال الغلام و جماله المنعم له من خالقه، نظير ما يذكر قارئ العزاء في وصف على بن الحسين الأكبر سلام اللّه عليه و على أبيه، فلا دليل على حرمته. و أما إذا كان للاشتياق الى ما فيه فساد الديار و نزول عذاب الجبار الى أهلها، فلا فرق في الحرمة بين إنشاء الشعر أو ذكر محاسنه بغيره، فإنه من الترغيب الى المنكر المستفاد حرمته من فحوى دليل وجوب النهى عنه كما لا يخفى.

(2) يحرم تصوير ذوات الأرواح بنحو المجسمة، بلا خلاف ظاهر، و في حرمته إذا كان بنحو النقش كلام. و ظاهر جماعة أو صريحهم عدم الجواز، كما أن ظاهر بعضهم جوازه، و هو الأظهر، كما هو مقتضى الأصل بعد عدم تمام الدليل على المنع. و ما قيل في وجه عدم جوازه أمور:

(الأول) رواية الحسين بن زيد عن الصادق (ع) عن آبائه في حديث المناهي:

«و نهى عن التختم بخاتم صفر أو حديد، و نهى ان ينقش شي ء من الحيوان على الخاتم» «1» و فيه مضافا الى ضعف سندها يحتمل أن يكون النهى راجعا الى التختم بخاتم يكون فيه نقش الحيوان. بل مع تعلق النهى بنقش الحيوان على الخاتم يكون المحرم أو المكروه نقش الحيوان على الخاتم، لا مطلق تصوير الحيوان بنحو المجسمة، فضلا عن كونه بنحو النقش على الحائط أو مثل القرطاس.

(الثاني)

موثقة أبي بصير عن ابى عبد اللّه (ع) قال قال رسول اللّه (ص):

«أتاني جبرئيل، قال: يا محمد إن ربك يقرئك السلام و ينهى عن تزويق البيوت، قال أبو بصير فقلت و ما تزويق البيوت؟ فقال: تصاوير التماثيل» «2» و فيه أنه لم يظهر كون متعلق النهى هو المعنى المصدري للتصوير بل من المحتمل جدا أن يكون متعلقة اتخاذ الصور في البيوت نقشا أو مجسمة، و لا بد من حمل هذا النهى على الكراهة،

______________________________

(1) وسائل الشيعة: الجزء (12) الباب: (94) من أبواب ما يكتسب به- الحديث: (6)

(2) وسائل الشيعة الجزء (3) الباب: (3) من أبواب أحكام المساكن- الحديث: (1)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 121

..........

______________________________

لما سيأتي من الترخيص فيه في الروايات الأخرى.

(الثالث)- ما تقدم من تحف العقول من أنه لا بأس بصنعة صنوف التصاوير ما لم يكن مثل الروحاني، و فيه أنها و ان كانت ظاهرة في عدم جواز تصوير الحيوان بنحو النقش أو التجسيم، الا أن دعوى انصراف الصورة و المثال بقول مطلق الى المجسمة لا يمكن المساعدة عليها، كما يظهر وجهه بملاحظة الروايات و اللغة، و لكنها باعتبار ضعف سندها غير قابلة للاعتماد عليها كما ذكرنا ذلك عند التعرض لها.

(الرابع) ما في الروايات المستفيضة، و (منها) ما رواه الكليني عن على بن إبراهيم عن أبيه عن ابن ابى عمير عن رجل عن ابى عبد اللّه (ع) قال: «من مثل تمثالا كلف يوم القيمة ان ينفخ فيه الروح» و في حديث المناهي المتقدم و قال رسول اللّه من صور صورة كلفه اللّه يوم القيمة أن ينفخ فيها، و ليس بنافخ» و ربما يناقش في دلالتها بعد الإغماض عن سندها بان مقتضى الأمر

بالنفخ ان تكون الصورة مجسمة، و يجاب عن ذلك تارة بإرجاع الأمر بالنفخ الى الأمر بالتجسيم أولا، ثم النفخ فيه، و هذا الجواب كما يذكر المصنف (ره) خلاف الظاهر، و أخرى بأن النقش باعتبار محله أو باعتبار الأجزاء اللطيفة من الصبغ قابل للنفخ، و كذا إذا كان من قبيل أمر الإمام (ع) الأسد المنقوش على بساط الخليفة بأخذ الساحر في ذلك المجلس، و لعله في الحقيقة من تعلق إرادته (ع) بمحو الصورة عن البساط و حضور أسد يكون صورته موافقا لما كان في البساط.

(أقول) التكليف الوارد في هذه الاخبار بالنفخ اعتذاري لا يعتبر تعلقه بالممكن أو المقدور، فلا يكون في الأمر قرينة على اختصاص الصورة بالمجسمة، كما لا حاجة الى فرض إمكان النفخ في النقش. اللهم إلا أن يقال: إن الأمر بالنفخ يقتضي كون الصورة مجسمة، لا لأن الأمر يتعلق بالممكن أو المقدور حتى يجاب عنه بان الأمر به اعتذاري، بل لأن الأمر بالنفخ ظاهره نقص الصورة من الحيوان أو الإنسان في جهة

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 122

..........

______________________________

الروح فقط.

(الخامس)- صحيحة محمد بن مسلم قال: «سألت أبا عبد اللّه (ع) عن تماثيل الشجر و الشمس و القمر؟ فقال: لا بأس ما لم يكن شيئا من الحيوان» «1» و ذكر المصنف (ره) أن هذه أظهر ما في الباب من حيث شمولها للصورة بنحو النقش، و ذلك بقرينة تمثال الشمس و القمر الذي يكون بالنقش عادة، و فيه أن هذه الصحيحة لا دلالة لها على عدم جواز التصوير بمعناه المصدري، حيث ان من المحتمل رجوع السؤال فيها الى اقتناء الصور، (لا يقال) على تقدير كون المراد منها السؤال عن الاقتناء تكون دالة على

حرمة التصوير ايضا، حيث ان حرمة الاقتناء لازمها حرمة عملها، إذ لا يحتمل حرمة اقتناء الصورة و جواز عملها. و الحاصل ان حرمة عملها تثبت بالصحيحة على كل تقدير، إما بدلالتها المطابقية، كما إذا كان السؤال راجعا الى العمل أو بالالتزام بناء على كونها ناظرة إلى حكم الاقتناء (فإنه يقال) إذا كان النهى فيها عن الاقتناء فيحمل على الكراهة لا محالة، لما يأتي من القرينة الواضحة عليها.

و كراهة الاقتناء لا تلازم حرمة العمل.

(السادس) ما في المحاسن عن أبيه عن ابن سنان عن ابى الجارود عن الأصبغ بن نباتة عن أمير المؤمنين (ع)، قال: «من جدد قبرا أو مثل مثالا فقد خرج عن الإسلام» و وجه دلالته ان التصوير و المثال كما حكى كاشف اللثام عن أهل اللغة مترادفان، و الغالب خارجا من تصوير الحيوانات نقشها، و لو لم تكن الرواية مختصة بالغالب فلا أقل من شمولها له. و ربما يقال: إن المراد بتمثيل المثال فيها صنع الصنم بقرينة خروج الفاعل عن الإسلام، كيف؟ و لا يكون التصوير أشد من الزنا و نحوه من المعاصي الكبيرة التي لا يخرج فاعلها بفعلها عن الإسلام.

(أقول): هذا خروج حكمي عن الإسلام نظير قوله سبحانه

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجزء (3) الباب: (3) من أحكام المساكن- الحديث: (17)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 123

و يؤيده ان الظاهر ان الحكمة في التحريم (1)

______________________________

وَ مَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللّٰهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعٰالَمِينَ «1» و الا فصنع الصنم ايضا لا يوجب الخروج عن الإسلام.

و الحاصل أن التصوير لا يقل وزرا عن تجديد القبر و تعميره، و قد ذكر في الحديث خروج فاعلهما عن الإسلام. و العمدة ضعف السند و عدم ثبوت الترادف

بين التصوير و التمثال كما لا يخفى.

(1) يعني يؤيد حرمة تصوير الحيوان- و لو كان بنحو النقش- حكمة هذا الحكم و هو تشبه المصور بالخالق تعالى. و فيه (أولا) أنه لا سبيل لنا إلى إحراز أن حكمة الحكم هو التشبه بالخالق، و الا لجرى في تصوير الأشجار و غيرها كما سنذكر. و (ثانيا) ان التشبه لا يكون بمجرد النقش، بل بإبداع الجسم الشامل على تمام وسائل الحياة و ابزارها. و دعوى أنه لا دخل للمادة في التشبه لا يمكن المساعدة عليها كما لا يخفى.

و قد تحصل من جميع ما ذكرنا عدم تمام الدليل على حرمة التصوير بنحو النقش و لا بنحو التجسيم، و ان كان التجسيم باعتبار عدم ظهور الخلاف في حرمته موردا للاحتياط.

(لا يقال) قد ورد في روايات مستفيضة من صور صورة كلف يوم القيمة ان ينفخ فيها و ليس بنافخ، و دلالتها على حرمة التصوير بنحو المجسمة تامة، و ضعف سندها منجبر بعمل المشهور، بل بعدم ظهور الخلاف بين الأصحاب، (فإنه يقال) لم يعلم استناد كلهم أو جلهم في حكمهم بعدم الجواز الى تلك الروايات، و لعلهم استفادوا الحكم من صحيحة محمد بن مسلم أو موثقة أبي بصير المتقدمين. و بما أنا ناقشنا في دلالتهما على حرمة إيجاد الصورة و عملها، فيكون المقام نظير قولهم بنجاسة ماء البئر استنادا الى اخبار النزح. و كيف كان فلا يمكننا الإفتاء بالحرمة، بل غاية الأمر الالتزام بالاحتياط كما ذكرنا.

ثم لا يخفى أن ما دل على حرمة التصوير و لو نقشا على تقدير تمامه لا يعم التصوير المتعارف في زماننا المعبر عنه بالفارسية (عكس گرفتن)، و ذلك، فان ظاهر ما تقدم

______________________________

(1) سورة آل عمران (3)- الاية

(97).

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 124

و ان كان ما ذكره لا يخلو عن نظر (1) و لكن العمدة في اختصاص الحكم (2) فبها يقيد بعض ما مر من الإطلاق (3)

______________________________

حرمة إيجاد الصورة و عملها نقشا أو مجسمة. و أما العمل على بقاء الصورة الواقعة من الشي ء في شي ء آخر كما في هذا التصوير المتعارف، فغير داخل في مدلولها، كما إذا صب المكلف مائعا على المرآة الواقعة عليها صورة إنسان، فثبتت في المرآة تلك الصورة بصبه، فإنه لا يسمى ذلك تصويرا بالمعنى الوارد عليه الاخبار.

(1) و وجهه كما سيذكر (ره) أن روايات المنع ظاهرها قصد حكاية الشي ء و تمثيله. و أما فعل ما تدعوه اليه حاجته و يكون شبيها بشي ء من خلق اللّه من غير قصد تصويره و الحكاية عنه، فلا تعمه تلك الروايات، و ثياب ذوات الاعلام أو الثياب المحشوة مع شبه طرائقها بالأخشاب من هذا القبيل. و الحاصل أن حرمة نقش غير الحيوان من سائر المخلوقات لا تلازم حرمة خياطة الثياب المحشوة و غيرها.

(2) و لكن لا تصل النوبة إلى أصالة الإباحة في مقابل ما يدل على جواز تصوير غير الحيوان.

(3) اى أنه بهذه الرواية الدالة على جواز تماثيل الشجر و غيره بنحو النقش و التجسيم، يرفع اليد عن إطلاق مثل قوله: (و نهى عن تزويق البيوت) بحمله على تزويقها بصورة الحيوان أو الإنسان نقشا أو مجسمة.

ثم ان من الأقوال في المسألة المنع عن تصوير ذي الروح و غيره بنقش أو تجسيم أخذا بالإطلاق المتقدم اللازم تقييده بما ذكر، و المنع عن التصوير بنحو المجسمة، سواء كانت صورة حيوان أو غيره. و التفصيل في المنقوش بين الحيوان و غيره مما

لا حياة له، فلا يجوز الأول و يجوز الثاني.

و الوجه في هذا التفصيل دعوى انصراف الروايات المجوزة إلى بيان حكم النقش، و أن المنقوش لا بأس به إذا لم يكن حيوانا، و لكن مقتضى الدعوى المزبورة هو الحكم بكراهة التصوير مطلقا، سواء كان بنحو المجسمة أو النقش أم كان حيوانا

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 125

فلا يقدح نقص بعض الاجزاء (1) و لو اشتغل بتصوير حيوان فعل حراما (2)

______________________________

أو غيره، و ذلك لما ذكره المصنف (ره) من ان التصوير و التمثال على تقدير انصرافه الى النقش باعتبار كون الغالب خارجا هو المنقوش لكان هذا الانصراف في كلتا الطائفتين أي في الروايات المانعة عن التصوير و المجوزة له، فلا بد من حمل المانعة على الكراهة باعتبار ورود الرخصة في الثانية، فلا يكون في البين دليل على حرمة التصوير بالمجسمة في الحيوان و غيره، فتكون مكروهة إلحاقا لها بالنقش. و هذا الاشكال من المصنف (ره) مبنى على التزام القائل المزبور بعدم الفصل بين الحيوان و غيره، و الا لكانت النتيجة حرمة نقش الحيوان و الإنسان و جواز نقش غيرهما، و ذلك لثبوت الترخيص في نقش غير الحيوان و الإنسان، فيحمل المنع في الطائفة الأولى على نقشهما و يلحق تصوير الإنسان أو الحيوان بنحو المجسمة بنقشهما بالفحوى كما لا يخفى.

(1) بان يصدق على الناقص أنها صورة إنسان أو حيوان، كما في الحيوان المقطوع اذنه أو رجله، و ليس فيما ورد من تغيير الصورة بقلع عينها أو بغيره دلالة على جواز تصوير الناقص، لان القلع موجب لارتفاع كراهة اقتناء الصورة لا جواز تصويره كذلك.

(2) يعنى لو قصد تصوير الحيوان مثلا بتمامه و شرع فيه، يكون

بشروعه مستحقا للعقاب حتى فيما لو بدا له بعد ذلك فلم يتمه. و هل هذا الاستحقاق على مخالفة النهي عن التصوير أو للتجري؟ وجهان: وجه كونه تجريا أنه قصد الحرام و اشتغل ببعض مقدماته، و وجه كونه محرما من حيث التصوير أن معنى حرمة الفعل الذي من قبيل المركب ليس عرفا الا الاشتغال به بداعي تحقيقه و ان لم يتمه. و الفرق بين تحريم المركب و إيجابه مع أن موافقة الإيجاب لا تكون إلا بإتمام ذلك المركب قضاء العرف.

(أقول) فيه ما لا يخفى، فان العنوان المحرم إذا كان بحيث لا يصدق الا على المجموع كما هو المفروض، لأن المنهي عنه تصوير الحيوان أو الإنسان و عمل

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 126

[بقي الكلام في جواز اقتناء ما حرم عمله]

بقي الكلام في جواز اقتناء ما حرم عمله (1)

______________________________

تمثالهما، و هذا يكون بنقشهما أو تجسيمهما من قرنهما الى قدمهما، فيكون اتصاف الجزء الأول بكونه حراما مشروطا بتحقق الجزء الآخر كما في الواجبات الارتباطية، فالتفرقة بين الواجبات و المحرمات في ذلك بلا وجه. و لو اشتغل اثنان بتصوير حيوان بان قصد هذا تصوير بعضه و الآخر تصوير بعضه الآخر، و كان ذلك بعلم كل منهما بفعل صاحبه، فلا يبعد الالتزام بحرمة تصوير البعض في الفرض أخذا بقوله سبحانه:

وَ لٰا تَعٰاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَ الْعُدْوٰانِ حيث أن مقتضى الأدلة الأولية عدم جواز تصوير كل مكلف تمام الحيوان، و مقتضى الآية حرمة الاشتراك في تحقيق ذلك الحرام كما لا يخفى و ليس المحرم بحسب الأدلة هو إتمام الصورة كما إذا قصد أحد تصوير جسد الحيوان مثلا بلا رأس، بلا علم منه ان الآخر يكمله، و أكمله الآخر برسم الرأس له، فلا يكون

فعل الثاني حراما باعتبار كونه إتماما لتلك الصورة، فإن المحرم هو تصوير كل مكلف الحيوان أو الإنسان لا إتمام صورتهما، و تصويرهما لا يصدق على مجرد إتمامهما، كما انه لا يصدق على تصوير بعضهما. و قد تقدم دلالة صحيحة محمد بن مسلم على عدم البأس بتصوير لا يكون حيوانا، كما ان المستفاد من روايات التكليف بالنفخ اعتبار المنهي عنه بنحو يكون بالنفخ إنسانا أو حيوانا. و تصوير بعض أعضائهما لا يكون كذلك فتدبر.

(1) لا يخفى أن جواز اقتناء الصورة ملازم لجواز المعاملة بها، فان اقتناءها لزينة البيوت و غيرها منفعة مقصودة يوجب جوازه جوازها، و لا يقاس اقتناؤها باقتناء الخمر مثلا، حيث أن جواز اقتنائه للتخليل لا يكون موجبا لجواز بيعه، فإن المنفعة المقصودة من الخمر شربها و هو محرم، بخلاف الصور. هذا مع ورود النهى عن بيع الخمر و شرائها وضعا و تكليفا كما مر. و أما لو قيل بحرمة اقتناء الصورة أو وجوب محوها فلازمه الحكم بفساد المعاملة عليها، باعتبار عدم المنفعة المحللة فيها، فيكون أكل المال بها أكلا بالباطل. و لذا ذكر في جامع المقاصد جواز إبقاء الصور و اقتنائها

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 127

..........

______________________________

فيجوز بيعها. و عن المقنعة و النهاية و السرائر عدم جواز التجارة بها، و لازمه عدم جواز اقتنائها. و كيف كان فذكر المصنف (ره) في عدم جواز اقتنائها وجوها:

(الأول) ان الدليل على حرمة شي ء حدوثا دليل على حرمة إبقائه، باعتبار ان ذلك مقتضى مبغوضيته، و أجاب عن ذلك فيما بعد ان ظاهر الدليل هي حرمة عمله.

و اما إبقاؤه بعد عمله فلا يستفاد حرمته. نعم لو كان حرمة عمل الشي ء بحيث يعم بقاءه بان

تكون دلالته على حرمة الإبقاء بالملازمة العرفية كما في حرمة تنجيس المسجد باعتبار احترامه، و عدم جواز هتكه، فيعم الحكم الإبقاء، و يكون الدليل على حرمة تنجيسه دالا بالملازمة على وجوب تطهيره.

(الثاني) صحيحة محمد بن مسلم، قال: «سألت أبا عبد اللّه (ع) عن تماثيل الشجر و الشمس و القمر؟ قال: لا بأس ما لم يكن شيئا من الحيوان» «1» بدعوى رجوع السؤال عن الأعيان إلى الفعل المناسب لها، و المناسب للتماثيل اقتناؤها لزينة البيوت و غيرها لا عملها، كما إذا سئل عن الخمر و أجيب بالحرمة يكون ظاهره حرمة شربها، فإنه المتعارف في الخمر لا عملها، بل ما نحن فيه يمتاز عن مثل الخمر بأن عمل الخمر يقع من كل انسان يريد عمله، بخلاف التصوير، فإنه لا يقع الا من البعض، فيمكن رجوع السؤال عن الخمر الى عملها بخلاف التماثيل.

و أجاب (ره) عن هذا الوجه برجوع السؤال إلى عملها، فان عمل التصاوير مرتكز في أذهان عامة الناس، و يكون السؤال عن حكم اقتنائها بعد معرفة حكم عملها، إذ لا يحتمل عدم جواز اقتناء ما يجوز عمله.

(أقول) لم يظهر من الصحيحة رجوع السؤال إلى عمل التماثيل، فإنه لو لم تكن ظاهرة في حكم الاقتناء فلا أقل من عدم ظهورها في عملها. و ما ذكره المصنف (ره) في وجه رجوع السؤال إلى عملها ضعيف، فإنه يمكن ان لا يعلم السائل حكم عملها:

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجزء (3) الباب: (3) من أبواب أحكام المساكن- الحديث: (17)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 128

..........

______________________________

و مع ذلك يسأل عن حكم اقتنائها باعتبار خروج عملها عن ابتلائه، لعدم معرفته بالتصوير أو عدم قصده، بخلاف اقتنائها كما يمكن علمه بحرمة عملها

أو كراهته من قبل و يسأل فعلا عن حكم اقتنائها.

و ما ذكر- في وجه رجوع السؤال إلى الاقتناء من أن السؤال عن الخمر لا ينصرف الى عملها، مع أن عملها يقع من كل واحد فكيف بالتصوير، فإنه عمل مختص بالنقاش- غير تام، بل الأمر أشبه بالعكس، فإنه لا يعرف كل انسان عمل الخمر، بخلاف التصوير و لو بصورة ما كما لا يخفى.

(الثالث) الحصر المذكور للصناعة في حديث تحف العقول حيث ذكر فيه أن الصناعة المحرمة هي التي يجي ء منها الفساد المحض، و لا يكون فيها جهة صلاح، و يحرم جميع التقلب فيها و إذا حرم تصوير الحيوان كما هو الفرض يكون فيه الفساد المحض، بمقتضى الحديث كما يحرم جميع التقلب فيه الذي منه بيع الصورة و شراؤها و اقتناؤها. و أجاب (ره) عن هذا الوجه بأن المذكور في الحديث من الصناعة قسمان: (الأول)- ما يكون فيه الصلاح و الفساد معا. (الثاني)- ما يكون فيه الفساد المحض، و مدلوله أن المحرم من هذين القسمين هو الثاني الذي يحرم فيه جميع التقلب. و أما أنه ليس للصناعة قسم ثالث، و هو ما إذا كان الفساد المحض في عمله فقط لا في إبقاء المصنوع، فيكون المحرم عمله فقط، فلا يكون الحديث نافيا لذلك، فان الحصر الوارد فيه إضافي أى ناظر الى القسمين المذكورين، و أن المحرم منهما الثاني لا الأول. و على ذلك فيمكن كون التصوير من القسم الثالث الخارج عن مدلول الحديث، بان كان عمل الصورة محرما دون اقتنائها.

(أقول) حمل الحصر فيه على الإضافي لا يناسب وروده في بيان ضابط الحلال و الحرام من الكسب.

(الوجه الرابع)- ما رواه الكليني عن على بن إبراهيم عن أبيه عن النوفلي

عن

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 129

..........

______________________________

السكوني عن ابى عبد اللّه (ع) قال: «قال أمير المؤمنين (ع): بعثني رسول اللّه (ص) الى المدينة، فقال لا تدع صورة الا محوتها، و لا قبرا الا سويته، و لا كلبا الا قتلته» «1» و أجاب (ره) عن هذا الوجه بأن الأمر فيه محمول على الاستحباب أو على كراهة إبقاء الصورة، بقرينة الأمر بتسوية القبور و قتل الكلاب. و فيه أن قرينة السياق- بأن يكون رفع اليد عن ظهور الطلب بالإضافة إلى فعل موجبا لرفع اليد عن ظهوره بالإضافة إلى الفعل الآخر ايضا- لا أساس لها. و لذا لا تكون القرينة على استحباب غسل الجمعة موجبا لرفع اليد عن الظهور بالإضافة إلى غسل الجنابة أيضا، كما في مثل قوله (اغتسل للجمعة و الجنابة) فضلا عن مثل (اغتسل للجمعة و اغتسل للجنابة) نعم نلتزم بحمل النهى عن إبقاء الصورة على الكراهة، لكن لا بقرينة السياق، بل للروايات الآتية الظاهرة في الترخيص في اقتنائها.

(الوجه الخامس) صحيحة على بن جعفر المحكية عن المحاسن عن موسى قاسم عنه عن أخيه (ع) أنه «سأل أباه عن التماثيل؟ قال: لا يصلح أن يلعب بها» «2» و رواها عن قرب الاسناد عن عبد اللّه بن الحسن عن جده على بن جعفر عن أخيه موسى ابن جعفر (ع)، قال: «سألته عن التماثيل هل يصلح أن يلعب بها؟ قال: لا» و هذه على النقل الأول مؤيدة لما تقدم من أن السؤال عن التماثيل لا يكون ظاهرا في السؤال عن صنعها و عملها.

(الوجه السادس) تصديه سلام اللّه عليه للدفاع عن سليمان النبي (ع)، بان المصنوع له كانت صورة الشجر، فإنه لا مورد للدفاع عنه بالجواب

المزبور الا مع عدم مناسبة اقتناء الصورة لمثله (ع)، و لو كان المنافي صنعها فقط لم يكن للاعتراض وجه، حيث ان عمله (ع) كان الاقتناء لا الصنع. و فيه أن الاعتراض باعتبار مشية

______________________________

(1) وسائل الشيعة: الجزء (3) الباب: (3) من أبواب أحكام المساكن- الحديث: (17)

(2) وسائل الشيعة الجزء (3) الباب: (3) من أبواب أحكام المساكن- الحديث: (15)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 130

..........

______________________________

سليمان صنع الصور، و هذا لا يجتمع مع حرمة التصوير، فدافع سلام اللّه عليه بان المصنوع له كانت صورة شجر، بل لو كان الاعتراض و الدفاع راجعين الى الاقتناء لما كانت ايضا فيها دلالة على حرمة اقتناء صورة الحيوان. و ذلك فان الدفاع و الاعتراض يصحان على تقدير كون الاقتناء مكروها، لان المكروه لا يليق بشأن النبي، فدافع (ع) بأن الصورة لم تكن حيوانا حتى يكره اقتناؤها.

(الوجه السابع) صحيحة زرارة بن أعين عن ابى جعفر (ع)، قال: «لا بأس بأن يكون التماثيل في البيوت إذا غيرت رؤوسها منها و ترك ما سوى ذلك» «1» فان مفهومها ثبوت البأس بها مع عدم التغيير و ثبوت البأس في شي ء مطلقا مقتضاه حرمته.

و فيه أنه لا بد من حمل البأس في الرواية و مثلها على الكراهة كما هو مقتضى الجمع بينهما و بين الاخبار المجوزة لاقتناء التماثيل في البيت و الصلاة فيها. و ذكر المصنف (ره) أن في هذه الصحيحة دلالة على جواز اقتناء الصور و عدم وجوب محوها، و لعله باعتبار أن تغيير رأس الحيوان لا يخرجه عن كونها صورة حيوان و لو في بعض موارد التغيير. نعم مثل حذف رأس الحيوان يخرجه عن صورة الحيوان.

(الوجه الثامن) حسنة المثنى عن ابى

عبد اللّه (ع) «أن عليا (ع) كره الصور» بضميمة ما ورد من أنه (ع) لا يكره الحلال كما في بعض الروايات الواردة في الربا.

و فيه أن المراد بالحلال هو المباح المساوي طرفاه لا المقابل للحرام، ضرورة أنه (ع) يكره المكروهات في الشرع، «2».

(الوجه التاسع) ما رواه الحسن بن فضل الطبرسي في مكارم الأخلاق عن الحلبي عن ابى عبد اللّه (ع)، قال: «و قد أهديت الى طنفسة (ثوب أو بساط) من الشام عليها تماثيل طائر، فأمرت به فغير رأسه فجعل كهيئة الشجر» «3» و فيه أن الرواية مرفوعة

______________________________

(1) وسائل الشيعة: الجزء (3) الباب: (4) من أبواب أحكام المساكن- الحديث: (3)

(2) وسائل الشيعة الجزء (3) الباب: (3) من أبواب أحكام المساكن- الحديث: (3)

(3) وسائل الشيعة: الجزء (3) الباب: (4) من أبواب أحكام المساكن- الحديث: (7)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 131

فهي معارضة بما هو الأظهر و الأكثر (1) مثل صحيحة الحلبي (2) و عن قرب الاسناد عن على بن جعفر (3)

______________________________

و فعله (ع) أو أمره بالتغيير لا يدل على حرمة الإبقاء حيث يحتمل كونه لأجل الكراهة

(1) لا يخفى ظهور بعض الاخبار المعتبرة في جواز إبقاء الصور في البيوت تكليفا، و عدم كونها موجبة لبطلان الصلاة، كصحيحة محمد بن مسلم قال: «سألت أبا عبد اللّه (ع) عن التماثيل في البيت؟ فقال: لا بأس إذا كان عن يمينك و عن شمالك و عن خلفك أو تحت رجليك، و إن كانت في القبلة فالق عليها ثوبا» «1» حيث أن مقتضى إطلاق نفى البأس جواز إبقائها تكليفا و وضعا، و الأمر بإلقاء الثوب عليها فيما إذا كانت في القبلة لا يصلح لكونه قرينة على اختصاص السؤال

و الجواب بالوضع، كما أن عدم الاستفصال في الجواب بين كونها بنحو المجسمة أو النقوش مقتضاه عدم الفرق بينهما في الحكم، و الأمر بإلقاء الثوب- أو تغيير الرأس أو قلع العين و نحوه- حكم غير إلزامي، بقرينة مثل صحيحة على بن جعفر عن أخيه (ع) قال: «سألته عن البيت فيه صورة سمكة أو طير و شبهها يعبث به أهل البيت. هل تصلح الصلاة فيه؟

فقال: لا حتى تقطع رأسه و يفسد، و إن صلى فليست عليه اعادة» «2» حيث أن نفى الإعادة قرينة على حمل النهى على الكراهة، بل لا يبعد أن يقال: إن عدم أمره سلام اللّه عليه بمحو تلك الصورة مطلقا قرينة على جواز اقتنائها.

(2) هذه الرواية دلالتها على جواز الاقتناء واضحة «3»

(3) و في السند عبد اللّه بن الحسن. و حاصل ما ذكره (ره)- في كون هذه الرواية قرينة على عدم حرمة اقتناء الصور- هو أن الأمر بالكسر فيها ليس باعتبار

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجزء (1) الباب: (45) من أبواب لباس المصلى- الحديث: (1)

(2) وسائل الشيعة الجزء (1) الباب: (32) من أبواب لباس المصلى- الحديث: (12).

(3) وسائل الشيعة الجزء (1) الباب: (32) من أبواب لباس المصلى- الحديث: (2).

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 132

أو المراد اتخاذه كسبا (1) يدل عليه الأدلة (2)

______________________________

وجوب محو الصورة تكليفا، و إلا لم يكن وجه للتفرقة بين الصورة في البيت و بين الصورة في الستر بالأمر بالكسر في الأول، و بالنزع في الثاني، بل كان الواجب إزالة الصورة، حتى التي كانت في الستر. و احتمال أن يكون المراد بكسر رؤوس التماثيل شاملا لما في الستر ايضا، و الأمر بنزع الستر لكونه مقدمة للتغيير فيه ما

لا يخفى، بل الظاهر أن الحكم بالكسر و النزع لرعاية الصلاة.

(أقول): قد تحصل مما ذكرنا الى هنا جواز اقتناء الصور، سواء كانت بنحو المجسمة أو النقوش، حتى على القول بحرمة التصوير، و يلازم جواز اقتنائها جواز المعاملة عليها، حيث أن اقتنائها لتزيين البيوت بها منفعة مقصودة توجب ماليتها.

و هذا فيما إذا باع الصور بما هي مجسمة و صور. و أما إذا باعها بعنوان موادها، فجوازه لا كلام فيه، حيث ان بيعها كذلك لا يزيد على بيع مادة الصنم. و قد تقدم جوازه.

(1) بأن يؤجر نفسه للكيل بنحو التطفيف، حيث أنه في الفرض يدخل في الأفعال المحرمة التي يؤخذ عليها الأجرة، فيكون أكلها بالباطل.

(2) لا يخفى أنه لا يمكن في المقام إحراز الإجماع التعبدي الذي يكون أحد الأدلة، بل الإجماع في مثل المقام مدركي، فإنه إذا علم أو احتمل المدرك لاتفاق العلماء، فلا بد من ملاحظته، فان تم لزم القول بما قالوا لا لقولهم، بل لذلك المدرك و إن لم يتم، فلا يكون اعتبار في اتفاقهم. و هذا بخلاف الإجماع التعبدي الكاشف عن حجة معتبرة، بحيث لو كانت واصلة إلينا لكانت تامة عندنا ايضا. و في المقام مع دلالة الكتاب المجيد على حرمة البخس في المكيال أو الميزان، و كونه من الكبائر كما هو مقتضى قوله سبحانه وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ و دلالة الاخبار و حكم العقل بأنه ظلم و أكل لمال الغير عدوانا لا مجال لدعوى الإجماع التعبدي.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 133

[ثم ان البخس في العد و الذرع]

ثم ان البخس في العد و الذرع (1) و لو وازن الربوي بجنسه فطفف في أحدهما (2)

______________________________

(1) لا يخفى أن البحث في معنى التطفيف، و كونه البخس في المكيال أو

الميزان فقط أو مطلق البخس، حتى في العد و الذرع لا يترتب عليه ثمرة عملية.

و ذلك لدخول البخس في العد و الذرع فيه حكما بلا شبهة، و لا يحتمل الفرق بين النقص في الكيل أو الوزن، و النقص في العد و الذرع. و ظاهر المصنف (ره) اختصاص معنى التطفيف بالكيل و الوزن فلاحظ.

(2) تعرض (ره) لصور ثلاث: (الاولى)- وقوع المعاملة على الكلى المعين وزنا، فيكون دفع الناقص في مقام الوفاء بتلك المعاملة، و يبقى مقدار النقص في عهدته (الثانية) وقوع المعاملة على المدفوع خارجا بلا شرط المقدار، و يكون النقص في هذه الصورة موجبا لفساد المعاملة كما هو مقتضى لزوم الربا.

(لا يقال): ظاهر كلام المصنف (ره) في هذه الصورة الحكم بصحة المعاملة مع عدم كون العوضين متجانسين، حيث انه علل فسادها بلزوم الربا (فإنه يقال):

نعم مع عدم كونهما متجانسين يحكم بصحتها، بل و عدم الخيار للطرف، لأن المفروض وقوع المعاملة على الشي ء بلا اشتراط المقدار و الغرر مندفع باعتقاد المشترى و إحرازه مقدار المبيع، و كذلك البائع، بل لو فرض علم البائع بالحال، و أنه ناقص عما يعتقده المشترى، فلا تكون حرمة تطفيفه موجبة لفساد المعاملة.

(الثالثة) وقوع المعاملة على المدفوع خارجا بشرط كونه بالمقدار المساوي للعوض الآخر، فان قيل: إن اشتراط المقدار لا يزيد على سائر الشروط الموجب تخلفها الخيار للطرف، فيحكم بفساد المعاملة باعتبار لزوم الربا ايضا. و أما بناء على أن شرط المقدار في حكم الجزء، فتكون المعاملة منحلة، فتصح بالإضافة إلى الموجود، و تبطل في مقدار النقص. و إلى ما ذكرنا من الانحلال و عدمه أشار (ره) بقوله: (و يمكن ابتناؤه على ان اشتراط المقدار) و الظاهر ان اشتراطه لا يكون كسائر

الشروط التي لا يوجب تخلفها إلا الخيار للطرف، بل يكون البيع بالإضافة إليه منحلا، و لذا لو اشترى بعشرة دنانير مقدارا من الكتب بشرط كونه خمسين عددا، فلو سئل

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 134

..........

______________________________

المشترى عن سعر الشراء و أجاب بشراء الواحد بخمس الدينار كان صحيحا و لو ظهر النقص في العد فنقص لكل ناقص خمس الدينار لما كان للبائع حق المطالبة به.

و مما ذكرنا ظهر فساد ما ذكره المحقق الإيرواني في تعليقته على الكتاب من فساد المعاملة في الصورة الثالثة، باعتبار أنه ليس المبيع هو الموجود الخارجي مطلقا، بل بعنوان انه كذا مقدارا، و لم يحصل هذا العنوان، و يكون الفرض كما إذا باع فلزا بعنوان أنه ذهب، فظهر مذهبا، و وجه الظهور أن عنوان الذهب عنوان مقوم للمبيع، و مع تخلفه لا يكون للمبيع تحقق، بخلاف اشتراط المقدار فإنه مع انحلال المبيع، كما هو المفروض يكون بعض المبيع موجودا. و لذا يحكم بالفساد في المقدار الزائد من أحد العوضين. و تقدم سابقا أن تخلف عنوان المبيع لا يوجب انتفاءه مطلقا، بل فيما إذا كان عنوانا مقوما. و تفصيل ذلك في باب الشروط ان شاء اللّه تعالى.

ثم إن البخس في المكيال في القسمين الآخرين تطفيف في مقام المعاملة و تعيين العوضين فيها كما لا يخفى. و مما ذكرنا يظهر حكم التطفيف في غير موارد المعاملة الربوية، فلو كان التطفيف في مقام الوفاء بالمعاملة الجارية على الكلى، فيبقى المقدار الناقص على العهدة. و لو جرت المعاملة على ما في الخارج، فان كان من الصورة الثانية، فتصح، و ربما يثبت للمشتري خيار الغبن، كما إذا اعتقد كون الخارج كذا مقدارا، و اشتراه

بقيمته السوقية، ثم ظهر أنه ناقص من ذلك المقدار، و لا يساوى الموجود ذلك الثمن. و أما إذا جرت المعاملة على الخارج بشرط كونه كذا مقدارا، فبناء على انحلال المعاملة مع هذا الشرط، كما تقدم تبطل المعاملة بالإضافة إلى المقدار الناقص مثلا، إذا اشترى صبرة من حنطة بعشرة دنانير، بشرط كونها عشرة أمنان، و ظهرت تسعة، يحكم بصحة المعاملة في تسعة أمنان بتسعة دنانير، و تبطل بالإضافة إلى دينار واحد، و بناء على عدم الانحلال، و كون هذا الشرط

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 135

[في التنجيم]

و هو كما عن جامع المقاصد الاخبار عن أحكام النجوم (1)

______________________________

كسائر الشروط يثبت للآخر خيار تخلف الشرط فقط.

(1) المراد بالأحكام الحوادث السفلية و إضافتها إلى النجوم، باعتبار أن لها ربطا ما بالأوضاع الفلكية الحاصلة للنجوم بسير بعضها و سكون بعضها الآخر، ثم لا يخفى عدم اختصاص التنجيم بما إذا أخبر الناظر إليها و الى أوضاعها الفلكية بالحادثة، بل يعم ما إذا كان النظر إليها لمجرد الاستعلام بالحادثة، و إن لم يخبر بها أحدا، و يكشف عن ذلك مثل رواية القاسم بن عبد الرحمن «أن النبي (ص) نهى عن خصال منها مهر البغي، و منها النظر في النجوم» «1» و رواية عبد الملك بن أعين، قال:

«قلت لأبي عبد اللّه (ع): أنى قد ابتليت بهذا العلم، فأريد الحاجة، فإذا نظرت الى الطالع، و رأيت الطالع الشر جلست و لم اذهب فيها، و إذا رأيت طالع الخير ذهبت في الحاجة، فقال لي: تقضى؟ قلت: نعم، قال أحرق كتبك» «2» بناء على أن المراد بالقضاء هو الاعتقاد بنحو الجزم، و البت لا الاخبار و الحكم للمراجعين و كيف ما كان

فينبغي في المقام ذكر أمرين.

(الأول) أن الاخبار عن نفس الأوضاع الفلكية للنجوم، كالاخبار عن كون القمر فعلا في البرج الفلاني أو حدوث الخسوف في القمر في الليلة الفلانية أو حصول رؤية الهلال في زمان كذا، و غير ذلك لا يكون داخلا في اخبار الباب الناطقة بالمنع عن التنجيم، فان كان اخبارهم عن الأوضاع مستندا الى مقدمات موجبة لعلمهم بهذه الأمور، فيجوز لهم الاخبار عنها بتا، و ان كان مستندا الى ما يحتملون فيه الخطأ، فيجوز لهم الاخبار عنها لا على سبيل الجزم، بل بنحو الظن و التخمين، حتى لا يكون اخبارهم داخلا في الكذب، أو القول بغير علم. هذا بالإضافة إلى المنجم.

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجزء (12) الباب: (24) من أبواب ما يكتسب به- الحديث: (5)

(2) وسائل الشيعة: الجزء (8) الباب: (14) من أبواب آداب السفر الى الحج و غيره- الحديث: (1)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 136

..........

______________________________

و أما سائر الناس فلا يكون اخبار المنجم حجة و طريقا شرعيا لهم بالإضافة إلى مثل رؤية الهلال و وقوع الخسوف أو الكسوف مما وقع موضوعا في الخطابات الشرعية، لاحتمال خطأهم في الحساب و سائر ماله دخل في أخبارهم. نعم لو حصل لأحد الاطمئنان بصحة اخبارهم فذلك أمر آخر، حيث أن العلم أو الاطمئنان حجة للمكلف من أى مصدر كان، فيجوز للمكلف الإفطار فيما إذا حصل له الاطمئنان بصحة اخبارهم برؤية الهلال و نحو ذلك. و ما ذكره المصنف (ره)- من أنه يمكن الاعتماد في مثل ذلك بشهادة العدلين منهم، كما إذا احتاج الحاكم لتعيين أجل دين و نحوه- غير صحيح على إطلاقه، فإنه إذا باع مثلا متاعا الى حلول الشهر الفلاني، و أخبر المنجم برؤية

الهلال في الليلة الفلانية، فلا يصح للبائع مطالبة المشتري بالدين في ذلك الزمان بمجرد الاخبار المزبور، حتى فيما إذا كان عدلا و وافقه فيه منجم عادل آخر، و ذلك لعدم دخول أخبارهم في الشهادة برؤية الهلال و البينة المعتبرة في ثبوت رؤية الهلال أو غيرها هي الاخبار عن الرؤية أو غيرها بالحس لا بالحساب و الكتاب كما لا يخفى.

(الثاني) ان الاخبار عن الحوادث السفلية- المعبر عنها بأحكام النجوم باعتبار كون أوضاعها مجرد علامات لتلك الحوادث و لا تأثير لها لا بنحو العلية و لا بنحو الاقتضاء- ان كان بنحو الجزم و البت بحيث لا يحتمل أو لا يمكن عدم وقوع الحادثة التي كشف عن وقوعها الوضع الفلكي حتى بالتضرع و الدعاء الى اللّه سبحانه و التوسل الى أوليائه أو بالصدقة و نحوها فهو باطل، و يكفي في بطلانه و عدم جوازه الأدلة القاطعة من الكتاب و السنة على الترغيب في الدعاء و التوسل و الصدقة و غيرها مما يتضرع العبد إلى بارئه في دفع ملماته و كشف نوائبه. و يدل ايضا على ذلك مثل خبر المنجم الذي أتاه (ع) عند مسيره الى أهل النهروان، حيث لم يسأل سلام اللّه عليه- على ما في الخبر- عن كون اخباره بما ذكر باعتقاد أن للطالع تأثيرا و أنه كاشف، بل إنما أنكر عليه إخباره البتي بقوله: (و من صدقك بهذا استغنى بقولك عن الاستعانة باللّه).

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 137

..........

______________________________

و بما ذكرنا ظهر أن ما ذكره المصنف (ره) من أنه لا حرج قطعا على من حكم قطعا بنزول المطر في هذه الليلة لا يمكن المساعدة عليه بإطلاقه. و الحاصل أن هذا القسم من الاخبار

داخل في التنجيم المنكر في الاخبار، و ان كان المخبر بالحوادث كذلك غير جازم بها، و مع ذلك أخبر بها جزما يكون اخباره محرما من جهة الكذب ايضا. و لو أخبر بها احتمالا ظنا أو تخمينا مع التزامه بأن الأمور بيد اللّه يمحو ما يشاء و يثبت و عنده علم الغيب، لما كان به بأس، كما يظهر وجهه بالتأمل فيما ذكرنا. و ليس في البين خبر معتبر يكون مقتضاه عدم جواز ذلك ايضا، بل في بعض الاخبار ما يقتضي جوازه.

و يلحق بهذا القسم ما إذا اعتقد بان لأوضاع الكواكب دخلا و تأثيرا في الحوادث السفلية، إلا أنه بنحو الاقتضاء، و بان اللّه مختار لا مغلول اليدين يمحو ما يشاء و يثبت بحيث يمكن التخلف بمثل التضرع و التوسل و الصدقة و غيرها مما أشير في الآيات و الاخبار الى الاهتمام بها. و يظهر هذا النحو من الاقتضاء من بعض الاخبار كالتي أوردها المصنف (ره) في الوجه الثالث من وجوه ربط الحركات الفلكية بالكائنات، إلا أنها لضعفها سندا لا تصلح للاعتماد عليها في القول و الاعتقاد كما لا يخفى.

(لا يقال) يلزم ان يكون اخبار المنجم عن الأوضاع الفلكية كخبره عن رؤية الهلال في الليلة الفلانية معتبرا، فان الرجوع الى أهل الخبرة مما جرى عليه سيرة العقلاء من أهل الملل و غيرهم (فإنه يقال): لو سلم أن المنجم من أهل الخبرة بالإضافة إلى مثل رؤية الهلال فلا اعتبار بقوله ايضا، للردع عن السيرة المشار إليها في الاخبار المتعددة و أمرهم عليهم السلام بالصوم للرؤية و بالإفطار لها، و في الصحيحة عن مولانا أمير المؤمنين (ع): «لا أجيز في الهلال إلا شهادة رجلين» الى غير ذلك، بل لم

يحرز السيرة على الاعتناء بإخبار الثقة من أهل الخبرة في الأمور التي يمكن لعامة الناس معرفتها عن حس، بلا حاجة الى إعمال النظر، كمعرفة الخسوف أو الكسوف

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 138

و معلوم من دين الرسول (ص) ضرورة (1) ثم انه لا فرق في أكثر العبارات (2) الظاهر عدم الإشكال في كون الفرق الثلاث (3)

______________________________

و نحوهما كما لا يخفى.

(1) اى تكذيب المنجمين في دعاويهم و الاستهانة بهم و نسبتهم الى العجز، و أنهم لا يتمكنون من دفع شر عن إنسان أو جلب خير اليه معلوم بالضرورة من الدين، و التكذيب و الاستهانة بهم و التعجيز لهم في الاخبار لا تحصى.

(2) ذكر في هذا الوجه من وجوه اعتقاد الربط خمس فرق.

(الاولى) من أنكر الصانع جل ذكره و يعتقد استقلال تأثير الحركات.

(الثانية) من التزم بوجود الصانع جل ذكره مع تعطيله عن التصرف في الحوادث السفلية بعد خلق الأجرام العلوية القديمة زمانا و المدبرة لتلك الحوادث.

(الثالثة) من التزم بما ذكر، و لكن تكون الأجرام حادثة عنده زمانا.

(الرابعة) من اعتقد بكون الأجرام العلوية تابعه في حركاتها لإرادة اللّه تعالى، و ان اللّه يفعل ما في العالم الأسفل، و تلك الأجرام بحركاتها كالآلة بالإضافة الى مشية اللّه.

(الخامسة) من اعتقد بما ذكر، غير أنه يعتقد ان تلك الأجرام في حركاتها مختارة باختيار يكون عين اختياره تعالى. ثم إنه (قده) ذكر في الوجه الثاني من وجوه الربط أن الأوضاع الفلكية تفعل الآثار المنسوبة الى اللّه، و اللّه سبحانه هو المؤثر الأعظم.

و لم يظهر فرق بين الربط المذكور في الوجه الثاني، و بين الفرقتين الرابعة و الخامسة من هذا الوجه، فلاحظ.

(3) لم يظهر أن مجرد الاعتقاد بتفويض التدبير

إلى الأجرام العلوية موجبا للكفر، سواء قيل بحدوثها زمانا أو بقدمها كذلك، و الا لكان القائل باستغناء الشي ء في بقائه عن العلة محكوما بالكفر، باعتبار عدم التزامه باستناد الحوادث الى اللّه سبحانه و تعالى. نعم بطلان تأثير الأجرام العلوية في الحوادث السفلية من الواضحات، و

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 139

و منه يظهر ان ما رتبه (ع) على تصديق المنجم (1).

______________________________

تأثيرها فيها بنحو العلة التامة خلاف الآيات و الروايات الدالة على الترغيب في الدعاء و التضرع الى اللّه سبحانه في دفع الملمات و البلايا، و نزول البركات، فان لازم ما ذكر كون اللّه تعالى مغلول اليدين لا يفعل شيئا و لا يفيد الدعاء و التضرع إليه أمرا، و إنكار اضافة الحوادث الى اللّه تعالى مع الالتفات الى وضوحها بحسب الآيات و الروايات يكون موجبا للكفر، باعتبار انتهائه إلى إنكار الكتاب العزيز و على ذلك فالأولى من الفرق الخمس محكومة بالكفر، باعتبار إنكارها الصانع جلت قدرته.

و اما الأربعة الباقية فلا يحكم بكفرها الا مع التفاتها الى أن اعتقادها على خلاف الكتاب و السنة حتى ينتهى ذلك الى إنكار النبوة، كما في إنكار سائر الأحكام الثابتة في الشريعة و كيف كان فإن أراد المصنف (ره) بقوله: (إذ الظاهر عدم الإشكال في كون الفرق الثلاث من أكفر الكفار) الكفر حتى مع عدم الالتفات الى ما ذكر من دلالة الكتاب المجيد على استناد الحوادث الى اللّه سبحانه، فيمكن التأمل فيه بالإضافة إلى الفرقة الثانية و الفرقة الثالثة كما مر.

(1) أى كما أن ما في بعض الاخبار من كون المنجم بمنزلة الساحر، و الساحر كالكافر لا يدل على كفر المنجم بمعناه الحقيقي، كذلك ما رتب في

بعض الروايات على تصديق المنجم. من كون تصديقه تكذيبا للقرآن و استغناء عن اللّه سبحانه لا يقتضي كفر المصدق للمنجم أو كون المنجم كافرا، بل يراد منه إبطال قول المنجم، و أن قوله مخالف للقرآن المجيد الداعي إلى الاستعانة باللّه في دفع المكاره و جلب الخير، و سائر الأمور.

و بعبارة أخرى كون تصديق المنجم تكذيبا للقرآن من قبيل الاستدلال على بطلان الشي ء بإنهائه إلى التالي الباطل و من الظاهر أن الالتزام بشي ء مع ترتب باطل عليه و لو كان ذلك التالي تكذيب القرآن أو دلالته لا يوجب الكفر، إلا مع التفات ذلك الملتزم الى الترتب، و التزامه به معه. مثلا إذا أفتى بما يخالف ظاهر القرآن،

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 140

[حفظ كتب الضلال حرام في الجملة]
اشارة

حفظ كتب الضلال حرام في الجملة (1).

______________________________

مع عدم التفاته إلى ان هذا الحكم وارد فيه أو عدم التفاته الى دلالته لا يكون إفتاؤه هذا موجبا لكفره و من هذا القبيل قوله من صدق منجما أو كاهنا فقد كفر بما انزل على محمد، فإنه ليس مدلوله كفر المنجم، بل المراد كذبه و ترتب الباطل على تصديقه، حيث ان الشارع عد المنجم كاذبا، فتصديقه يكون تكذيبا للشارع. و القرينة على أنه لا يراد ترتب الكفر على مجرد تصديقه، هي عطف الكاهن عليه، حيث أن الكهانة فضلا عن تصديقه لا يوجب كفرا بلا ارتياب.

(1) المراد بحفظ كتب الضلال ما يعم اقتناءها و استنساخها و استدل (ره) على حرمته بوجوه.

(الأول) حكم العقل يعنى استقلاله بقبح التحفظ على مادة الفساد و الضلال فيحكم بحرمته بقاعدة الملازمة و فيه أن حكم العقل غير مسلم و الا لاستقل العقل بإزالة كل ما فيه أو منه الفساد، كالهجوم

على أهل الكفر و الشرك و محو شوكتهم و معابدهم و كتبهم، فإنهم و ما معهم منشأ الفساد على الأرض، و لا استقلال للعقل بذلك و وجوب الجهاد حكم شرعي تعبدي لا لحكم العقل بلزوم قهر الناس على الايمان، مع أن الدنيا دار امتحان يكون فيها الخيار بين الهدى و الضلال و الكفر و الايمان.

(الثاني) قوله سبحانه وَ مِنَ النّٰاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللّٰهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَ يَتَّخِذَهٰا هُزُواً أُولٰئِكَ لَهُمْ عَذٰابٌ مُهِينٌ «1» و لا يخفى أنه على تقدير كون المراد بالاشتراء ما يعم مطلق الأخذ و الاقتناء، فلا تكون في الآية دلالة على الحرمة فيما إذا لم يكن غرضه إضلال الناس و ميلهم عن الهداية، كما إذا جعل الكتاب المزبور في مكتبته حتى يكون فيها من كل باب كتاب.

(الثالث) (قوله سبحانه وَ اجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ. «2» أى الباطل، و فيه أن الأمر بالاجتناب عن قول الزور تركه و عدم إيجاده بان لا يكذب و لا يفتري. و أما إبقاء قول

______________________________

(1) سورة لقمان (31) الآية: (6)

(2) سورة الحج (22) الآية: (30)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 141

..........

______________________________

الزور و عدم محوه فيما إذا كان بإيجاد الغير و احداثه فلا ظهور في الآية بالإضافة الى حكمه و على الجملة القول ظاهره المعنى المصدري، فيكون النهى عنه نهيا عن إيجاده.

(الرابع) قوله في تحف العقول: (انما حرم الصناعة التي يجي ء منه الفساد محضا) بل قوله قبل ذلك: (ما يقوى به الكفر) و فيه أن رواية تحف العقول لا يمكن الاعتماد بها مع أنها لا تعم ما إذا كانت في استنساخ كتب الضلال و اقتنائها مصلحة مباحة غير نادرة.

(الخامس) قوله (ع)

في رواية عبد الملك حيث شكا الى الصادق (ع) (انى ابتليت بالنظر الى النجوم، فقال أ نقضي؟ قلت نعم قال أحرق كتبك) و فيه أن المطلوب في المقام إثبات وجوب محو الكتب المزبورة نفسيا، بأن كان أحد الوظائف الشرعية محو كتب الضلال، فان كان الأمر بالإحراق في الرواية ظاهرا في الإيجاب النفسي يتعدى الى المقام، باعتبار أن كتبه لو لم تكن أكثر فسادا من كتب النجوم فلا أقل من مساواتها لها. و أما إذا كان الأمر المزبور ظاهرا في الإرشاد إلى الخلاص من القضاء المحرم، فلا يمكن في المقام إلا إثبات الأمر الإرشادي، مع إحراز ترتب الحرام على الحفظ. و لا ريب في أن ظهور الأمر بالإحراق هو الثاني. و على كل حال فلا يثبت بالرواية مع الإغماض عن سندها وجوب محو كتب الضلال و عدم جواز إبقائها حتى مع الاطمئنان بعدم ترتب الحرام عليها. و الأظهر في المقام أن يقال بناء على وجوب دفع المنكر كما لو استفدناه من أدلة النهي عن المنكر يتعين في المقام الالتزام بوجوب محو كتب الضلال التي لا يترتب عليها إلا الإضلال. و أما إذا لم نقل به فيمكن القول بعدم جواز الاستنساخ و الحفظ، فيما إذا كان المترتب عليها الإضلال بآية النهي عن شراء اللهو. و أما وجوب المحو فلا دليل عليه كما لا يخفى.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 142

نعم المصلحة الموهومة (1) قبل نسخ دينهما (2)

______________________________

(1) بمعنى أنه لا يجوز إبقاء كتب الضلال فيما إذا كان ذلك معرضا لترتب الفساد عليها، و لا اثر لاحتمال ترتب مصلحة أقوى على إبقائها، فيما إذا كان الاحتمال موهوما و كذا لا يجوز إبقاؤها فيما إذا كان

ترتب الفساد عليها قطعيا و المصلحة المترتبة من قبيل المنفعة النادرة التي لا يتعد بها و أما إذا لم يكن الأمر كذلك، بأن كان ترتب الفساد موهوما أو كانت المصلحة المترتبة أقوى من الفساد أو أقرب احتمالا من ترتب الفساد، ففي جميع ذلك لا دليل على حرمة حفظها كما هو مقتضى الميزان الوارد في رواية تحف العقول، و الاستفصال المذكور في رواية عبد الملك المتقدمة فإنه لو تم الإطلاق في ناحية مثل قوله سبحانه وَ اجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ فلا بد من رفع اليد عنه بدلالة حديث تحف العقول و الرواية، اللهم الا ان يدعى الإجماع على حرمة الإبقاء مطلقا أو يلتزم بإطلاق معقد نفى الخلاف، و مع هذه الدعوى أو الالتزام فلا عبرة بترتب الفساد و عدمه، بل لا بد من تنقيح العنوان الذي وقع مورد الإجماع أو نفى الخلاف، و ان المراد بكتب الضلال فيه الكتب التي تكون مطالبها باطلة و ان لم توجب ضلالا، أو أن المراد بها الكتب التي تكون موجبة للضلال، و ان كانت مطالبها حقة، كبعض كتب العرفاء و الحكماء المشتملة على ظواهر مضلة، و يدعون أن المراد غير ظاهرها.

(أقول) ما ذكره من دعوى الإجماع و استفادته من نفى الخلاف غير صحيح فإن الإجماع لا يحرز إلا في مسألة تعرض لحكمها معظم الفقهاء أو جميعهم مع اتفاقهم على ذلك الحكم، و نفى الخلاف يكفى فيه اتفاق جماعة قليلة تعرضوا للمسألة فكيف تكون دعوى نفى الخلاف كاشفة عن الإجماع مع ان الإجماع في المقام محصله لا قيمة له فضلا عن منقوله، حيث ان الظاهر- و لا أقل من الاحتمال- كون المدرك في حكمهم بحرمة الحفظ ما ذكر من حكم العقل الموهوم

أو دلالة الآية.

(2) التقييد بما قبل نسخ دينهما باعتبار أن اليهود و النصارى بعد نسخ دينهما

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 143

إذ ما من كاغذ الا و له قيمة (1) و لو كان باطلا في نفسه خارجا عن المالية (2)

______________________________

في ضلال، باعتقاد هما ببقاء الدين المنسوخ فلا يوجب لهم التحريف في كتابهما ضلالا آخر.

(1) اى ان إحراقها إتلاف للكاغذ المفروض استيلاء المسلمين عليه و له قيمة فلا يجوز الإتلاف و كيف كان فيظهر من كلام الشيخ (ره) أن التوراة و الإنجيل من كتب الضلال فيجب تمزيقهما و الانتفاع بكاغذهما و أورد عليه المصنف (ره) بأنه لا دليل على وجوب المحو الا فيما إذا كان موجبا للضلال، و مع عدم إيجابه له، فمع بطلان مطالبه لا يجوز بيعه باعتبار عدم كونه مالا و أما محوه فلا دليل عليه.

(أقول) مجرد بطلان مطالب كتاب لا يوجب خروجه عن المالية شرعا حتى لا يجوز المعاوضة عليه، كما في الكتب التي تؤلف من مجموع قضايا جعلية لغاية تفريج الهم عن قارئها و مثل هذه يجوز بيعها و شراؤها، لكونها مالا شرعا باعتبار ترتب المصلحة المقصودة المباحة عليها حتى مع عدم إظهار مؤلفها بأن هذه القضايا الواردة في الكتاب جعلية و سيأتي إن شاء اللّه تعالى أن الموجب لكون المكتوب أو الكلام كاذبا قصد الكاتب أو المتكلم لا اعتقاد المطالع و المسامع.

(2) يعنى لو كان بعض الكتاب باطلا و خارجا عن المالية الشرعية و ان لم يكن موجبا للضلال و باعه بعوض، فتبطل المعاوضة بالإضافة الى ذلك البعض.

(أقول) لا يكون بيع كتاب منحلا الى بيوع متعددة بالإضافة إلى أبعاضه خارجا، فان المعيار في الانحلال و عدمه نظر

العرف كما مر، و لذا لو باع كتابا بعنوان أنه الكتاب الفلاني و ظهر مشتملا على بعض الأوراق من ذلك الكتاب يحكم ببطلان البيع رأسا و بالجملة فبما أن البيع في الفرض لا يصح بالإضافة إلى الكتاب تعين بطلانه على قرار ما تقدم في بيع الصنم مع كون مادته مالا.

ينبغي في المقام التعرض لحكم اللحية فنقول ذكر صاحب الحدائق (ره)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 144

[تذييل حلق اللحية]

______________________________

في آداب الحمام الظاهر كما استظهره جماعة من الأصحاب كما عرفت تحريم حلق اللحية، لخبر المسخ المروي عن أمير المؤمنين عليه السلام، فإنه لا يقع الا على ارتكاب أمر محرم مبالغ في التحريم انتهى و ربما يقال أن تعبيره (ره) بالظاهر لا بالأظهر فيه إشارة إلى تسالم الأصحاب على الحكم، و لكن ملاحظة تعبيرات الحدائق في المسائل كافية في الجزم بأن مثل هذا التعبير منه (ره) لا يشير الا الى اجتهاده و ذكر صاحب الجواهر (ره) في باب الإحلال من إحرام الحج بحلق الرأس أنه ليس للنساء حلق، لنهى رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله ان تحلق المرأة رأسها في الإحلال لا مطلقا، فان الظاهر عدم حرمته لها في غير المصاب المفضي إلى الجزع، للأصل السالم عن معارضة دليل معتبر اللهم الا أن تكون الشهرة بين الأصحاب تصلح جابرة لنحو المرسل المزبور بناء على إرادة الإطلاق فيكون كحلق اللحية للرجال انتهى.

و حاصل مرامه أنه لا يجوز للمرأة حلق رأسها عند إحلالها من إحرام حج أو غيره و كذا للجزع عند المصيبة، و يجوز في غير ذلك و حرمته عند الإحلال لنهي رسول اللّه (ص ع) أن تحلق المرأة رأسها المحمول على الإحلال و أما جوازه

في سائر الأحوال فلأصالة الحلية السالمة عن المعارض المعتبر، إلا ان يقال بحرمته عليها مطلقا أخذا بإطلاق هذه المرسلة المنجبر ضعفها بالشهرة على تقدير إرادة الإطلاق فيكون حرمته عليها كحرمة حلق اللحية على الرجال، و هذا- كما ترى- لا يدل على ثبوت الشهرة على الحرمة في حلق الرجل لحيته بل مقتضاه حرمته عند صاحب الجواهر.

و الحاصل أنى لم أظفر على ما يدل على الشهرة بين الأصحاب في حرمة حلق اللحية و اما ما استدل به على الحرمة فأمور (منها) قوله سبحانه حكاية عن إبليس عليه اللعنة وَ لَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللّٰهِ «1» بدعوى ان ما يأمر به إبليس لا يكون الا فعلا

______________________________

(1) سورة النساء (4) الاية (119)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 145

..........

______________________________

محرما، و حلق اللحية من تغيير خلق اللّه، و لكن لا يخفى أن مثل حلق اللحية لو كان تغييرا لخلق اللّه و محرما باعتبار ذلك لكان شق الطرق في الجبال، و حفر الابار و زرع الأشجار و غيرها تغييرا لخلقة اللّه تعالى، و الالتزام بحرمتها غير ممكن و حليتها بتخصيص الآية باعتبار كونه من تخصيص الأكثر غير ممكن، فلا بد من حمل الآية على مثل الفطرة المخلوق جميع الناس عليها على ما يشير إليها قوله سبحانه فِطْرَتَ اللّٰهِ الَّتِي فَطَرَ النّٰاسَ عَلَيْهٰا لٰا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللّٰهِ «1» و المراد من تغييرها إفسادها بجعل النفس مركزا لطرح الشرور و مولدا لنيات السوء أو على غيرها مما لا قرينة في الآية على تعيينه.

الثاني أن الروايات الواردة في حف الشوارب و إعفاء اللحية كمرسلة الصدوق (ره) قال: (قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: حفوا الشوارب و أعفوا اللحى و لا

تشبهوا باليهود) «2» و في الأخرى قال: (قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله ان المجوس جزوا لحاهم و وفروا شواربهم، و أما نحن نجز الشوارب و نعفي اللحى و هي الفطرة) «3» و فيه أن مثل هذه الروايات حتى مع الإغماض عن أسانيدها لا دلالة لها على حرمة حلق اللحية، فإن الحف عبارة عن الجز و القطع، و الإعفاء التوفير، و من الظاهر أن توفير اللحية غير واجب قطعا، بل الواجب على تقديره رؤية الشعر في الوجه، فلا بد من حملها على الاستحباب و المراد بعدم التشبه باليهود عدم تطويل اللحية بما هو خارج عن المتعارف أو زائد على القبضة، كما كان يفعل اليهود على ما قيل في رواية حبابة الوالبية، قالت: «رأيت أمير المؤمنين عليه السلام في شرطة الخميس، و معه درة لها سبابتان يضرب بها بياع الجري و المارماهي و الزمار، و يقول لهم يا بياعي مسوخ بني إسرائيل و جند بنى مروان، فقام إليه

______________________________

(1) سورة الروم (30) الاية (30)

(2) وسائل الشيعة الجزء (1) الباب: (67) أبواب آداب الحمام الحديث: (1).

(3) وسائل الشيعة الجزء (1) الباب: (67) أبواب آداب الحمام الحديث: (2).

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 146

..........

______________________________

فرات بن أحنف فقال يا أمير المؤمنين و ما جند بنى مروان؟ قال فقال له أقوام حلقوا اللحى و فتلوا الشوارب فمسخوا» «1» و ظاهرها مع الإغماض عن سندها عدم جواز حلق اللحية مع تفتيل الشوارب لا مطلقا كما لا يخفى.

(الثالث) ما رواه ابن إدريس في آخر السرائر نقلا عن كتاب الجامع لأحمد بن محمد بن ابى نصر البزنطي صاحب الرضا (ع)، قال: «سألته عن الرجل هل يصلح له ان

يأخذ من لحيته؟ قال: أما من عارضيه فلا بأس، و أما من مقدمها فلا» «2» و لكن ظاهره عدم جواز الأخذ من مقدم اللحية، و هذا لا يمكن الالتزام به، و حمله على جواز حلق العارضين دون مقدم اللحية بلا قرينة غير ممكن، و اسناد ابن إدريس إلى جامع البزنطي غير معروف لنا و لكن رواه ايضا على بن جعفر في كتابه. و قد ذكرنا أن طريق صاحب الوسائل الى كتابه ينتهي إلى الشيخ (ره) و سند الشيخ (ره) الى الكتاب المزبور صحيح. و في معتبرة سدير الصيرفي، قال: «رأيت أبا جعفر (ع) يأخذ عارضيه و يبطن لحيته» «3» و في دلالتها على الاستحباب أيضا تأمل، لاحتمال كون ذلك من اختياره (ع) أحد أفراد المباح كما لا يخفى.

(الوجه الرابع) أن رواية الجعفريات (حلق اللحية من المثلة، من مثل فعليه لعنة اللّه) و أورد على الاستدلال بها على الحرمة بأن مجرد اللعن على فعل لا يدل على حرمته، و قد ورد اللعن في ترك بعض المستحبات، مثل قوله (ع):

«ملعون من أخر الصلاة» و أجاب عنه السيد الخوئي طال بقاه- كما في تقريراته- بأن اللعن على فعل غير الاخبار بكون الشخص ملعونا فإن الاخبار بكونه ملعونا و بعيدا عن اللّه

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجزء (1) الباب: (67) من أبواب آداب الحمام- الحديث: (4).

(2) وسائل الشيعة الجزء (1) الباب (63): من أبواب آداب الحمام، الحديث: (5).

(3) وسائل الشيعة الجزء (1) الباب (63): من أبواب آداب الحمام، الحديث: (4).

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 147

..........

______________________________

ربما يكون منشأه ارتكاب المكروهات، و هذا بخلاف إنشاء اللعن على المؤمن، فإنه لا يكون الا مع ارتكابه فعلا محرما و قوله

(ع) (و من مثل فعليه لعنة اللّه) من قبيل إنشاء اللعن على فاعل المثلة بخلاف قوله: (ملعون من أخر الصلاة).

و لا يخفى ما في الاشكال و الجواب، فان اللعن ليس هو البعد مطلقا بل البعد الناشئ عن الطرد و الغضب، و هذا لا يكون إلا مع حرمة الفعل، و لا يفرق في ذلك بين إنشائه أو الاخبار بكون الفاعل لكذا ملعونا و مطرودا، حيث انه لو لم يكن فعله محرما فلا موجب لطرده و لعنه، و اللعن في مثل تأخير الصلاة عن وقتها محمول على مثل ما إذا كان التأخير للاستخفاف بها.

ثم ان المعتبر في تحقق عنوان المثلة أمران. (أحدهما) إيقاع النقص بالغير و (ثانيهما) كون الإيقاع بقصد هتكه و تحقيره، فلا يتحقق العنوان فيما إذا حلق الإنسان لحيته بداعي تجميله أو نحوه، كما هو موضوع البحث. و المستفاد من الرواية أن حلق لحية الغير بقصد هتكه و التنقيص به مثله حكما أو موضوعا.

هذا مع أن رواية الجعفريات لا تكون حجة على الحكم و لا على حرمة المثلة، فإنه لم يثبت ان النسخة المأخوذة منها هذه بعينها كتاب موسى بن إسماعيل بن موسى (ع) و وصل الى سهل بن احمد بن سهل، و منه الى الحسين بن عبيد اللّه بواسطة محمد بن محمد الأشعث.

و مما ذكرنا يظهر أنه لا بأس بقطع عضو الميت الكافر في العملية المتعارفة في زماننا، و جعله مكان العضو الفاسد من انسان آخر، كما لا بأس بخرق جسده لغرض الاطلاع على أوضاع الجسد المعبر عن ذلك بالتشريح للطبابة. نعم لا يجوز ذلك بالإضافة إلى أعضاء الميت المسلم باعتبار وجوب دفنها و حرمة هتكه حيا، و ميتا.

و المتحصل في المقام ان الاخبار

الدالة على اعفاء اللحية و تطويله مع ضعف إسنادها لا تصلح للاعتماد عليها و الحكم بوجوب تطويلها، حتى في فرض تقييد تلك

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 148

[الرشوة حرام]

الرشوة حرام (1)

______________________________

الاخبار بما ورد في بعض الروايات «1» من تحديد اللحية بالقبضة، بأن يقال الواجب تطويلها الى القبضة، حيث انه مع الإغماض عن سند المقيد لم يعهد من أحد الإفتاء بوجوب تطويلها كذلك، سواء التزم بحرمة تطويلها بعد الحد المزبور كما هو ظاهر بعضها حيث ذكر فيها، و ما زاد عن القبضة ففي النار أو قيل بكراهته و استظهارها من مرسلة يونس عن ابى عبد اللّه (ع) في قدر اللحية قال: «تقبض بيدك على اللحية و تجز ما فضل» أو من ذيل مرسلة الصدوق المتقدمة من قوله (و لا تشبهوا باليهود) و مع ذلك فلا يمكن الإفتاء بجواز حلق اللحية و عدم وجوب رعاية الاحتياط، و ذلك لأن المرتكز في أذهان المتشرعة عدم جواز حلقها، و ان كان في انتهاء هذا الارتكاز الى عصر الشارع المقدس تأمل، لاحتمال حدوثه أخيرا بالرجوع إلى جماعة أفتوا بحرمته و اللّه سبحانه هو العالم و لا يخفى ان حرمة حلق اللحية على تقدير القول بها من جهة الروايات أو دعوى سيرة المتدينين أو ارتكاز الحرمة تكون كسائر المحرمات ساقطة عند الاضطرار أو الإكراه أو المزاحمة بتكليف آخر مساو أو أهم، و لو لم يمكن رعاية التكليف الآخر الأهم بل المساوي إلا مع حلقها جاز.

(1) و عليه إجماع المسلمين كما في جامع المقاصد و المسالك و يدل عليه قوله عز من قائل وَ لٰا تَأْكُلُوا أَمْوٰالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبٰاطِلِ وَ تُدْلُوا بِهٰا إِلَى الْحُكّٰامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقاً مِنْ أَمْوٰالِ

النّٰاسِ بِالْإِثْمِ وَ أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ «2» و ظاهرها عدم جواز إعطاء المال للحكام لغاية أكل أموال الناس، مع العلم بالحال، سواء كان الأكل المزبور غرضا أوليا، أو كان من غاية الغاية، بأن كان الإعطاء لجلب ميل الحاكم و حبه اليه حتى يحكم له و يتعدى الى ما إذا كان الحكم له شرطا في الإعطاء، أو كان المال عوضا عن ذلك الحكم بالفحوى. نعم لا دلالة فيها على ما إذا كان الإعطاء لغاية الحكم بما هو الواقع، و ما هو على

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجزء (1) الباب: (65) من أبواب آداب الحمام- الحديث: (3)

(2) سورة البقرة (2) الاية: (188)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 149

و في المستفيضة (1) و في رواية الأصبغ بن نباتة (2) و عن الخصال في الصحيح (3) و هذا المعنى هو ظاهر تفسير الرشوة (4)

______________________________

قوانين القضاء، بأن لا يميل نفس القاضي إلى خصمه و يذهب بحقه.

(1) كموثقة سماعة عن ابى عبد اللّه (ع)، قال: «الرشا في الحكم هو الكفر باللّه» «1» و كصحيحة عمار بن مروان قال: «سألت أبا جعفر (ع)- الى ان قال (ع)-:

فاما الرشا في الحكم، فان ذلك هو الكفر باللّه» «2» و في صحيحة الأخرى عن ابى- عبد اللّه (ع) «كل شي ء غل من الامام فهو سحت، و السحت أنواع كثيرة: (منها) ما أصيب من أعمال الولاة الظلمة، و (منها) أجور القضاة و أجور الفواجر و ثمن الخمر و النبيذ المسكر و الربا بعد البينة. و أما الرشا في الأحكام يا عمار فهو الكفر باللّه العظيم» «3» و قوله كل شي ء غل من الامام أي أخذ منه خيانة و ظاهر التعبير بالكفر هي الحرمة تكليفا و

يستفاد الوضع من عد الرشوة من السحت.

(2) ضعيفة سندا و الغلول بمعنى السرقة. و الخيانة و الرشوة المذكورة فيها لا تناسب الرشا في الحكم، حيث أن القضاء لا يكون من شأن الوالي كما لا يخفى.

(3) هذه هي الصحيحة المتقدمة عن ابى عبد اللّه (ع)، و مدلولها عدم جواز أخذ الأجر على القضا، سواء كان معطيه أحد المتخاصمين أو غيره ممن يهمه قضاؤه، كأخذ الأجرة من الوالي، و كذا عدم جواز أخذ الرشا بلا فرق بين كونه للحكم له باطلا أو للحكم بما هو الواقع أو للحكم له باطلا كان أو حقا، و سواء كان ذلك غرضا و داعيا إلى الإعطاء أو شرطا فيه.

(4) الاحتمالات في معنى الرشوة أربعة: (الأول)- ما يعم مقابل الحكم الصحيح، سواء جعل عوضا عن نفس الحكم أو عن مقدماته كالنظر في أمر المترافعين

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجزء (18) الباب: (8) من أبواب آداب القاضي- الحديث: (3)

(2) وسائل الشيعة الجزء (12) الباب: (5) من أبواب ما يكتسب به- الحديث: (1)

(3) وسائل الشيعة الجزء (12) الباب: (5) من أبواب ما يكتسب به- الحديث: (12)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 150

..........

______________________________

و هذا ظاهر القاموس و يساعده ظاهر كلام المحقق الثاني و صريح الحلي، حيث ذكر أنه لا يجوز للقاضي أخذ الرشا مطلقا، أى سواء كان عوضا عن حكمه الصحيح أم لا. نعم لا يحرم على المعطى فيما إذا كان عوضا عن الحكم الصحيح، و يحرم في غيره.

(الثاني)- ما يعطى للقاضي للحكم له في الواقعة بالباطل، و بقضاء الجور، كما هو ظاهر مجمع البحرين.

(الثالث)- إعطاء المال لغاية الوصول الى غرضه من الحكم له أو أمر آخر يفعله الغير له كما عن المصباح

و النهاية.

(الرابع)- إعطاء المال للقاضي للحكم له حقا أو باطلا. و أما الاحتمال الأول فالظاهر أن عوض الحكم و تعيين الأجر له لا يكون من الرشوة فيما إذا كان ذلك الحكم هو الحكم على موازين باب القضاء، و لذا جعل الرشوة في الحكم في صحيحة عمار ابن مروان مقابل أجر القضاة.

(بعبارة أخرى) لا يجوز للقاضي أخذ الجعل و الأجرة على حكمه الصحيح أو على ما هو من مقدماته، كالنظر في أمر المترافعين إما مطلقا، كما هو الصحيح، و عليه المشهور، بل في جامع المقاصد دعوى الإجماع عليه، و هو مقتضى كون أجر القضاة سحتا، و إما مع تعين القضاء عليه كما هو ظاهر المصنف (ره) و جمع آخر، و لكن عد الرشا في الحكم في مقابل أجر القاضي مقتضاه عدم شمول الرشا له، فلا يجرى عليه سائر أحكام الرشا، ككون إعطائه حراما تكليفا، بل يكفي في عدم جريانها فيه الشك في كونه داخلا في معنى الرشا كما لا يخفى. و كذا لا يمكن المساعدة على الاحتمال الثاني، فإنه لا ينحصر به الرشوة، بل يعم معناها ما إذا كان الغرض من الإعطاء هو الحكم له، سواء كان حقا أم باطلا. و أما إعطاء المال في غير موارد القضاء ففي كونه رشوة حكما أو موضوعا فسيأتي التعرض له. و الصحيح في معناها هو الاحتمال الرابع،

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 151

..........

______________________________

و هو إعطاء المال للحكم له مطلقا حقا أو باطلا.

ثم ان المعدود من السحت- في صحيحة الخصال و هو أجر القضاة بظاهره- يعم ما إذا كان العوض لنفس الحكم أو على مقدماته. و الالتزام- بان المحرم هو العوض لنفس الحكم- لا وجه له، فإنه

فرق بين كون السحت هو الأجر على القضاء أو أجر القضاة، فالمناسب للالتزام المزبور هو الأول. و المذكور في الصحيحة هو الثاني الشامل له و للآخر على ما هو شؤون القضاء، كالنظر في أمر المترافعين أو غيره من مقدماته. نعم في البين رواية يوسف بن جابر قال: «قال أبو جعفر (ع): لعن رسول اللّه (ص) من نظر الى فرج امراة لا تحل له، و رجلا خان أخاه في امرأته، و رجلا احتاج الناس اليه لتفقهه فسألهم الرشوة» «1».

و ربما يستظهر منها حرمة أخذ الأجرة في خصوص صورة تعين القضاء، حيث ان حمل الاحتياج فيها على الحاجة الى نوعه خلاف ظاهرها، بل ظاهرها الاحتياج الى الشخص، و لكن لا يخفى ما في الاستظهار، لان صدق الحاجة في مورد يكون الرجوع فيه الى الشخص من التخيير في الرجوع بين المجتهدين ظاهر، بل على تقدير تسليم الظهور فلا تصلح- لضعف سندها- لرفع اليد بها عن إطلاق الصحيحة المعدود فيها أجر القضاة من السحت كما مر. نعم حملها على سؤال الرشا للحكم للراشي حقا كان أو باطلا خلاف ظاهرها. و ظاهرها سؤال الأجر على فقهه و قضائه و إطلاق الرشوة عليه للتأكيد في حرمته.

و ربما يستدل على عدم جواز أخذ الأجرة على القضاء بصحيحة عبد اللّه بن سنان قال: «سئل أبو عبد اللّه (ع) عن قاض بين قريتين يأخذ من السلطان على القضاء الرزق؟

فقال: ذلك السحت» «2» و أورد عليه المصنف (ره) بأن الرواية غير ناظرة إلى أخذ

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجزء (18) الباب (8) من أبواب آداب القاضي حديث: (5)

(2) وسائل الشيعة الجزء (18): الباب (8) من أبواب آداب القاضي- الحديث: (1)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1،

ص: 152

خلافا لظاهر المقنعة (1)

______________________________

العوض و الأجر، بل ظاهرها ارتزاق القاضي من السلطان، فلا بد من حملها على صورة عدم كونه أهلا للقضاء بقرينة كونه منصوبا من قبل السلطان الجائر، و الا فلا مناص من ارتزاق القاضي من بيت مال المسلمين، سواء أخذه من السلطان العادل أو الجائر و فيه ان ذكر قيد على القضاء في الرواية قرينة على كون المراد بالرزق هو الأجر على الحكم، و إلا كان ذكر القيد لغوا، و لا حاجة ايضا الى حمل كونه من غير بيت المال كما ذكر المصنف (ره) في آخر كلامه.

(1) ثم إن في أخذ الأجر على القضاء بالحق قولين آخرين: (أحدهما) الجواز مطلقا كما هو ظاهر المقنعة و المحكي عن القاضي، باعتبار ان القضاء عمل محترم، فيصح أخذ المال عليه، كما هو مقتضى مثل قوله سبحانه أَوْفُوا بِالْعُقُودِ «1» المعبر عنه بالأصل و رواية حمزة بن حمران قال: «سمعت أبا عبد اللّه (ع) يقول: من استأكل بعلمه افتقر، قلت ان في شيعتك قوما يتحملون علومكم و يبثونها في شيعتكم، فلا يعدمون منهم البر و الصلة و الإكرام، فقال ليس أولئك بمستأكلين، إنما ذاك الذي يفتي بغير علم و لا هدى ليبطل به الحقوق طمعا في الدنيا» «2» و لكنها لضعف سندها لا يمكن الاعتماد عليها، بل لا دلالة فيها على جواز أخذ الأجر على القضاء بالحق و الإفتاء به، و غاية مدلولها حصر المستأكل بعلمه في من يفتي بغير علم و يبطل حقوق الآخرين لغاية وصوله الى مال الدنيا و حطامها، فلا يكون من يفتي بعلم و لا يبطل حقوق الآخرين مستأكلا بعلمه بالصلة و بالبر و الإكرام لهم و أما أخذهم الأجر على

قضائهم و افتائهم جائز أم لا، فلا دلالة لها على ذلك و على تقدير الإطلاق في جواز الاستيكال فتقيد بمثل صحيحة عمار بن مروان المتقدمة، و أما العمومات الدالة على نفوذ العقد أو صحته فلا يمكن الأخذ بها في مقابل الخصوصات الواردة

______________________________

(1) سورة المائدة (5) الاية: (1)

(2) وسائل الشيعة: الجزء (18) الباب: (8) من أبواب آداب القاضي- الحديث: (12)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 153

للغاية أو للعاقبة (1) و فصل في المختلف (2)

______________________________

في المقام فلاحظ.

(1) بطلان الحق و ذهابه على صاحبه يترتب على القضاء بغير علم و لا هدى، و يكون البطلان غاية له، كما أنه يترتب على اعداد الشخص نفسه للقضاء بغير علم بطور العاقبة، حيث ان عاقبة هذا الاعداد ذهاب الحقوق من أربابها، فاللام في قوله ليبطل به الحقوق إما للغاية كما إذا كان متعلقا بقوله يفتي المراد به الإفتاء فعلا، أو للعاقبة كما إذا كان متعلقا به بمعنى اعداد نفسه للإفتاء، و على الأول تكون الرواية دالة على حرمة الإفتاء بغير علم و أخذ المال عليه، و على الثاني تدل على حرمة إعداد نفسه للإفتاء، بداعي أخذ المال مع عدم عرفانه الحق و موازين الإفتاء و القضاء.

(2) و هذا ثاني القولين الآخرين، و حاصله عدم جواز أخذ الأجرة على القضاء مع تعينه أو عدم فقره و جواز أخذها مع حاجة القاضي و عدم تعين القضاء عليه اما عدم جواز أخذها مع تعين القضاء عليه فباعتبار عدم جواز أخذ الأجرة على الواجبات، و اما اعتبار فقره فيستظهر من روايتي يوسف و عمار، و لعل وجه الاستظهار أن المذكور في رواية عمار أجر القضاة، و من الظاهر ان القضاة في

ذلك الزمان كانوا من المرتزقة من بيت مال المسلمين و منصوبين من قبل من كان يدعى أن له ولاية على المسلمين، و لم يكن لهم حاجة الى أخذ المال من المترافعين كما ان المذكور في رواية يوسف من يكون مرجعا للناس في فقهه، و يبعد فرض الحاجة في مثله.

و لكن لا يخفى ما فيه، فان الحكم الوارد في الصحيحة لا يختص بالقضاة المنصوبين في ذلك الزمان ليقال بعدم الحاجة لهم و حاجة الناس الى شخص لفقهه لا تلازم غناه، خصوصا فيما إذا كان الناس المراجعون إليه جماعة من الفقراء فتحصل من جميع ما ذكرنا ان الأظهر بحسب الروايات عدم جواز أخذ

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 154

و اما الهدية (1) و هل يحرم الرشوة في غير الحكم (2)

______________________________

الجعل و الأجر على القضاء أو ما هو من شئونه بلا فرق بين حاجة القاضي و عدمها و تعين القضاء عليه و عدمه و يتعدى الى أخذ الجعل و الأجر على الإفتاء و بيان الأحكام الشرعية الكلية باعتبار عدم احتمال الفرق بينهما في ذلك.

(1) قد ذكرنا دلالة الآية المباركة على عدم جواز إعطاء المال للحكام و القضاة لغاية أكل أموال الناس، بلا فرق بين ان يكون هذا الأكل غرضا أوليا أو كان الغرض الاولى جلب مودة الحاكم و محبته اليه حتى يحكم له، و كما أن الإعطاء على المعطى و الأخذ على الحاكم في الأول حرام و سحت، كذلك في الفرض الثاني، حيث ان النهى- عن إيصال المال الى الحاكم وسيلة إلى أكل أموال الناس في الآية المباركة- يناسب التحريم فيهما، كما أن الروايات- الدالة على كون الرشا كفرا باللّه و على عدم صيرورة

الرشوة ملكا للحاكم كما هو ظاهر السحت- تعمهما و على ذلك فالهدية إى ما يهبه الشخص للقاضي لغاية جلب مودة القاضي إليه حتى توجب الحكم له حقا أو باطلا داخلة في عنوان الرشوة، فلا يجوز للمعطى الإعطاء و لا للقاضي أخذها و لو نوقش في شمول معناها لها، فلا ريب في أنها لاحقة بها حكما من حيث الإعطاء و عدم صيرورتها ملكا للقاضي، باعتبار عدم احتمال الفرق بينهما في هذه الجهة. و اما ما استشهد به المصنف (ره) من الروايات فهي لا ترتبط بالهدية المعطاة للقاضي كما لا يخفى.

(2) المال المعطى للغير كالاعطاء لإصلاح أمره عند الأمير أو قضاء حاجة له عنده له صور ثلاث: (الأولى)- إعطاؤه للأمر المحرم (الثانية)- إعطاؤه لإصلاح أمره حلالا أو حراما (الثالثة)- لإصلاح أمره حلالا. و ذكر المصنف (ره) أن المال في الصورتين الأولتين لا يصير ملكا للأخذ، لكونه من اكله بالباطل، و لكن ليس فساده فيهما لأجل الرشا حتى يحرم الإعطاء و الأخذ تكليفا أيضا، لأنه ليس في البين ما يدل على حرمة الرشا مطلقا إلا بعض ما ينصرف الى الرشا في الأحكام. و أما الصورة الثالثة فلا بأس بها

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 155

..........

______________________________

وضعا و تكليفا كما هو مقتضى مثل أَوْفُوا بِالْعُقُودِ.

و يدل عليه ايضا ما ورد في الرجل يبذل الرشوة ليتحرك الآخر من منزله حتى يسكن فيه المعطى. و المراد المنزل المشترك كالمدرسة و السوق، و كذا تدل عليه رواية الصيرفي، قال: «سمعت أبا الحسن (ع) و سأله حفص الأعور، فقال: عمال السلطان يشترون منا القرب و الادواة. فيوكلون الوكيل حتى يستوفيه منا، فنرشوه حتى لا يظلمنا، فقال، لا بأس بما تصلح

به مالك، ثم سكت ساعة، ثم قال: إذا أنت رشوته يأخذ منك أقل من الشرط، قلت: نعم، قال فسدت رشوتك» «1».

أقول لعل المراد بنفي البأس في هذه الرواية بيان عدم حرمة الإعطاء على المعطى، حيث أنه يدفع بالإعطاء إلى الوكيل ظلمه عن أمواله، و لكن ما يأخذه الوكيل على ارتداعه عن ظلمه أكل للمال بالباطل فلا يجوز. و على الجملة ان مضمون الرواية غير مربوط بالصور الثلاث.

(لا يقال): إذا كان متعلق الإجارة عملا يتحقق حلالا و حراما، فما الوجه في كون الإجارة باطلة، و لا تدخل الأجرة في ملك الأجير كما هو ظاهر المصنف (ره) (فإنه يقال) إذا كان متعلق الإجارة عملا يتحقق حلالا و حراما، فلا بد من تقييد مورد الإجارة في عقدها بتحققه حلالا، لئلا يكون الأمر بالوفاء بها منافيا لما دل على حرمة العمل، و يعمه وجوب الوفاء بها على كل تقدير، و مع إطلاق الإجارة فضلا عن التصريح بالإطلاق لا يمكن أن يعمها، كما هو المقرر في البحث عن اجتماع الأمر و النهى. و لو استأجره على غسل ثيابه فغسلها في إناء مغصوب بماء مغصوب لم يستحق اجرة، بل يحكم بانحلال الإجارة بانتفاء موردها، كما إذا آجره لقلع سنه فوقع السن، و هذا إذا تعلقت الإجارة بالغسل المباح، و الا كانت باطلة من الأول. و على تقدير البطلان ففي صورة العمل مباحا يستحق اجرة المثل لتضمن الإجارة الاذن في

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجزء (12) الباب (37) من أبواب أحكام العقود حديث: (1)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 156

و يلحق بها المعاملة المشتملة على المحابات (1)

______________________________

العمل الموجب للضمان. و على تقدير العمل حراما فلا يستحق شيئا، فإن أخذ المال

في مقابل الحرام أكل له بالباطل. و أوضح من ذلك ما إذا استأجره للجامع بين قراءة القرآن أو الغناء، فعلى تقدير قراءة القرآن يستحق اجرة المثل لقاعدة الضمان المستفاد من الأمر بالعمل و الاذن فيه، و على تقدير التغني لا يستحق شيئا. و لا يخفى أنه إذا أجريا العقد على عمل يحكم بصحته و تعلقه بالفرد الحلال حملا لفعلهما على الصحيح و هذا غير ما ذكرنا مما يعلم فيه تعلق قصدهما بالفعل حلالا و حراما.

(لا يقال) كما إذا ورد الأمر بفعل في خطاب مطلقا و ورد النهى عن بعض أفراده في خطاب آخر يكون الجمع بين الخطابين بتقييد متعلق الأمر و الالتزام بتعين الإتيان به في ضمن فرده الحلال، كذلك فيما كانت الإجارة على العمل مطلقا، فإنه يكون الجمع بين الأمر بالوفاء بالعقود و بين النهى عن بعض الافراد هو الالتزام بتعين الوفاء بها في ضمن الفرد الحلال (فإنه يقال) لا تنحل الإجارة بالإضافة إلى متعلقها حلالا أو حراما إلى إجارتين، ليقال بشمول أَوْفُوا بِالْعُقُودِ لإحداهما دون الأخرى، بل هي عقد واحد لا يمكن ان يعمه عموم أَوْفُوا بِالْعُقُودِ فلاحظ.

(1) أى يلحق بالرشوة المعاملة المشتملة على المحاباة، و هو تنزيل الثمن عن القيمة السوقية و جعله أقل منها و قد ذكر المصنف (ره) للمعاملة كذلك مع القاضي صورا ثلاث.

(الاولى)- عدم تعلق غرض البائع بأصل البيع، بل يكون غرضه الأصلي هو حكم القاضي له باطلا أو مطلقا حقا أو باطلا، بحيث لو لا ذلك لم يقدم على بيع ماله أصلا.

(الثانية)- ان يكون له في أصل البيع غرض و يكون تقليل الثمن للقاضي بغرض حكمه له باطلا أو مطلقا، بحيث لو لا ذلك كان يبيع المال، و

لكن بلا تقليل الثمن.

(الثالثة) ان يكون غرضه من البيع كذلك جلب ميل القاضي و حبه اليه حتى

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 157

كالجعل و الأجرة (1)

______________________________

يحكم له، و المعاملة في جميع الصور محرمة تكليفا، و لكن ربما يقال أنها محكومة بالصحة على الإطلاق أي سواء قيل بفساد الشرط أو لا، ففي الصورة الثالثة باعتبار عدم الشرط فيها على القاضي و في الصورتين الأولتين بناء على عدم تقسيط الثمن على الشرط، و أن المعاملة المحاباتية فيهما ترجع الى بيع الشي ء للقاضي بثمن معين مع الاشتراط عليه بالحكم للبائع، و هذا الشرط فاسد، لان العمل به بل اشتراطه كفر باللّه العظيم، و لكن بطلان الشرط بناء على عدم تقسيط الثمن عليه لا يضر بتمام البيع المزبور، و بناء على التقسيط يحكم بالبطلان بالإضافة إلى الشرط، نظير ما إذا باع الخل و الخمر بصفقة واحدة.

(أقول) الأظهر الحكم بالبطلان في جميع الصور، فإن الرشوة في الحكم هو المال المعطى للقاضي للحكم له، بحيث لا يعطى المال لو علم بعدم الحكم له، بلا فرق بين إعطائه ذلك المال مجانا أو مع جعل عوض له. و ما تقدم- من اعتبار كون الإعطاء مقابل الحكم له باطلا أو مطلقا- يراد به الأعم من جعل الحكم له شرطا أو عوضا أو داعيا إلى الإعطاء. و بما أن إعطاء المبيع في الصور الثلاث للقاضي بداعي الحكم له أو باشتراطه عليه، فيدخل في عنوان الرشوة في الحكم و يكون سحتا، بل إذا باعه من القاضي بثمن المثل، و لكن كان البيع بداعي الحكم له، بحيث لو لا حكمه له أمسك على متاعه و لم يبعه لا منه و لا من غيره،

كما يتفق ذلك في بعض أزمنة عزة وجود المبيع كان المبيع محرما و سحتا.

(1) كما في المال المجعول عوضا للحكم له بنحو الجعالة، و الثاني كما إذا كان عوضا له في الإجارة، ثم ان ضمان اليد فيما إذا كان المال جعلا أو أجرا على الحكم واضح، و كذا ما إذا كان الحكم له شرطا في إعطائه بأن يكون الإعطاء المزبور من الهبة المشروطة، حيث أن المال في صورة الاشتراط، و أن لا يكون عوضا عن الحكم، إلا أن المدرك لضمان تلف المال في اليد و هي السيرة الجارية من العقلاء تعم موردها،

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 158

في اختلاف الدافع و القابض (1)

______________________________

كما يعمه حديث على اليد ما أخذت، و لكنه لضعفه سندا لا يصلح إلا للتأييد. و أما إذا كان الحكم له داعيا الى تمليك المال بلا أخذه عوضا أو شرطا، يكون التمليك المزبور من الهبة الفاسدة مجانا، فلا ضمان فيها كما لا ضمان في صحيحها.

________________________________________

تبريزى، جواد بن على، إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، 4 جلد، مؤسسه اسماعيليان، قم - ايران، سوم، 1416 ه ق

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب؛ ج 1، ص: 158

ثم إن رضا صاحب المال بتصرف القاضي في الرشوة أو في الجعل و الأجرة لا يوجب جواز التصرف له، لان رضا صاحبه بعنوان الرشوة، و هذا العنوان لا يوجب جواز أكل المال و لا جواز التصرف، و لم يرض المالك بالتصرف فيه بعنوان آخر كما هو الفرض.

(1) تعرض (ره) لصور ثلاث من الصور المفروضة في المقام: (الاولى)- أن يكون اتفاقهما على تمليك المال بعنوان الهبة، و اختلافهما في دعوى الدافع بأنها كانت بداعي الحكم له، فباعتبار كونها

رشوة فاسدة، و دعوى الآخذ أنها كانت بداع آخر يكون الدفع معه لازما، كقصد التقرب فيه، و في مثل هذا يقدم قول مدعى الصحة. و لا مجال لاحتمال الضمان، فإنه لا ضمان في الهبة صحيحة كانت أم فاسدة. نعم بناء على ما قيل من الضمان في الرشوة مطلقا فمقتضى قاعدة اليد و لو كان ثبوته، إلا أن أصالة الصحة في الهبة تنفي موضوع الضمان، باعتبار إثباتها التسليط الذي لا يكون فيه ضمان.

(الثانية)- ما إذا لم يتفقا على نوع التمليك، كما إذا كانت دعوى الدافع أنها بعنوان الأجرة على الحكم، و الآخذ كانت دعواه الهبة الصحيحة، و في مثل ذلك لا مجال لأصالة الصحة، لأنها مختصة بما إذا كان الاتفاق على نوع خاص من المعاملة.

و الخلاف في صحتها و فسادها، بل الأصل في الفرض عدم تحقق الناقل أي الهبة الصحيحة فيجوز للدافع أخذ المال مع بقائه و بدله مع تلفه، لأصالة الضمان، فان الموضوع له تلف مال الغير في يده مع عدم تسليطه مجانا، و بضم الوجدان إلى أصالة عدم التسليط كما ذكر يتم موضوع الضمان، و أصالة عدم دفعه بعنوان الأجرة لا تكون مثبتة للهبة

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 159

[سب المؤمنين حرام]

سب المؤمنين حرام (1)

______________________________

المجانية، و لا اثر آخر في البين لها كما لا يخفى.

(الثالثة) ما إذا كان اتفاقهما على فساد التمليك، و دعوى الدافع أنه كان بنحو يوجب الضمان، و القابض نحوا آخر لا يوجبه، كما إذا كانت دعوى الدافع كونها أجرة على الحكم أو رشوة، بناء على الضمان في تلف الرشوة، و دعوى القابض أنها هدية فاسدة، و تكون ثمرة خلافهما بعد تلف المال، فإنه قبله يكون للدافع أخذها،

لاتفاقهما على فساد التمليك، و مقتضى ما ذكرنا في الصورة الثانية هو الضمان في الفرض، كما هو مقتضى ضم الأصل إلى الوجدان.

(1) لا يخفى أن الإذلال يكون بالتعدي على عرض الغير و كرامته، فيكون ظلما. و أما الإيذاء فهو أمر آخر، و ربما يكون في مورد السب، كما إذا اطلع عليه المسبوب، و كان الساب قاصدا إدخال الأذى عليه و لو بعلمه ببلوغ السب اليه، فيتأثر به، و هذا محرم آخر يكون الساب معه مستحقا لعقابين، لحرمة كل من الظلم و الإيذاء. و أما إذا لم يلتفت الى اطلاع المسبوب على سبه، يكون عقابه على سبه الذي هو مرتبة من الظلم و العدوان.

و يستدل على حرمته من الكتاب بقوله عز من قائل وَ اجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ «1» بدعوى أن قول الزور هو الكلام القبيح. و من أظهر أفراده سب المؤمن، و فيه أن الزور ظاهره الباطل، فيكون قول الزور هو الكلام الباطل، و اتصافه بالبطلان يكون باعتبار معناه لا محالة، فينطبق على الكذب و ما هو متضمن له. و أما الإنشاءات التي لا تتضمن الاخبار الكاذبة فلا يكون فيها بطلان، كما إذا قال- بمسمع من الناس لإنسان غير حاذق (يا حمار) فان الكلام المزبور باعتبار كونه هدرا لكرامة ذلك الإنسان و تنقيصا له سب، و لكن لا يكون من الباطل، نظير ما إذا قال للشجاع أنه أسد، فإنه مع فرض كونه شجاعا لا يكون من الباطل، و قوله سبحانه

______________________________

(1) سورة (الحج)- الاية (30)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 160

ففي رواية أبي بصير (1) و في رواية أبي بصير (2) و في رواية ابن الحجاج (3)

______________________________

لٰا يُحِبُّ اللّٰهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ

«1».

و فيه أن الظاهر- و لا أقل من الاحتمال- أن يكون قوله سبحانه مِنَ الْقَوْلِ بيانا للجهر بالسوء لا للسوء، و المراد أنه عند ارتكاب انسان سوءا يكون إظهاره جهرا بالسوء، سواء كان المظهر بالكسر هو المرتكب أم غيره، و ان اللّه لا يحب هذا الإظهار و الجهر إلا من المظلوم، فإنه يجوز له التظلم، و إظهار ما فعله الغير في حقه من السوء، و هذا لا يرتبط بالسب أصلا. و على ذلك فارتكاب الشخص للحرام معصية، و إظهار ارتكابه الناس معصية أخرى.

(1) سندها معتبر، فإن الكليني رواها عن العدة عن احمد بن محمد عن الحسين ابن سعيد عن فضالة بن أيوب عن عبد اللّه بن بكير عن ابى بصير عن ابى جعفر (ع)، و سند رواية السكوني على بن إبراهيم عن أبيه عن النوفلي عن السكوني «2» و في بعض النسخ كالشرف على الهلكة، و عليه يكون السباب مصدرا، كما في رواية أبي بصير.

و أما على نسخة كالمشرف فالسباب صيغة مبالغة.

(2) رواها أيضا في الباب المزبور، و سندها معتبر، و لكن لا دلالة فيها على خصوص سب المؤمن، بل ظاهرها النهى عن السب مطلقا، باعتبار أن السب كسب لعداوة الناس، و المناسب للعاقبة كون النهي إرشاديا.

(3) سندها معتبر و الرواية على ما في الوسائل، و النسخة الموجودة عندي من الكافي (في الرجلين يتسابان، قال البادي منهما أظلم، و وزره و وزر صاحبه عليه ما لم يعتذر الى المظلوم) و ذكر (ره) أن معنى كونه أظلم أن مثل وزر صاحبه عليه.

و فيه أنه ربما لا يكون على صاحبه وزر و عقاب أصلا، كما إذا كان سبه ثانيا

______________________________

(1) سورة النساء (4) الاية: (148)

(2) وسائل الشيعة

الجزء (8) الباب: (158) من أبواب أحكام العشرة- الحديث: (4- 1).

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 161

و ثالث ان تصف الشخص بما هو إزراء و نقص (1) فالنسبة بينه و بين الغيبة عموم من وجه (2)

______________________________

دفاعا عن عرضه و كرامته و جزاء على البادي بمثل ما اعتدى عليه، فان السب كذلك جائز كما هو مقتضى آية الاعتداء «1» و التعبير- في الرواية عن البادي بالأظلم- لا يدل على أن الآخر أيضا ظالم، فإنه يمكن كونه أظلم بالإضافة إلى الساب الذي لا يوجب سبه إيقاع الغير في الجواب، أو كان التعبير به لمجرد كون سبه موجبا للعقاب عليه مطلقا، بخلاف سب الآخر، فإنه قد لا يوجب عقابا. و يشير الى ذلك- التعبير عنه بالمظلوم نعم تقييد الوزر في الرواية، بما إذا لم يعتذر الى الآخر لا يمكن الأخذ بظاهره، فان الاعتذار- الى المظلوم عن سبه و إيقاعه إياه في السب- لا يوجب ارتفاع الوزر، بل ارتفاعه موقوف على التوبة، إلا أن يكون الداعي إلى اعتذاره توبته.

(1) الإزراء هو ذكر العيب، و لم يظهر الفرق بين هذا و ما ذكره في جامع المقاصد، ليجعل هذا في مقابل ذاك.

(2) أى ان النسبة بين قصد الإهانة و الغيبة عموم من وجه (أقول): سيأتي ان شاء اللّه تعالى أن الغيبة- على ما هو مقتضى الروايات- ذكر الشخص و إظهار سوئه و عيبه الذي ستر اللّه عليه، فلا تعم ما إذا ذكره بعيوبه الظاهرة، كما إذا ذكر زيدا و أراد رفع الإبهام عنه فوصفه بالأعمى، فإن مثل هذا الذكر إذا لم يكن بقصد التنقيص و التحقير لا بأس به. نعم إذا كان بقصدهما كان محرما من جهة حرمة

الإهانة و السب، و إذا أظهر عيبه المستور بلا قصد الإهانة كان غيبة، و يجتمعان فيما إذا كان إظهاره للإهانة.

ثم إن حرمة السب أى سب المؤمن للتحفظ على كرامته، فلا يكون حراما فيما إذا لم يكن للمسبوب كرامة و احترام، كالمتجاهر بالفسق على ما سيأتي في الغيبة، فإن مقتضى جواز اغتيابه جواز سبه. و أما وجوبه من جهة الأمر بالمعروف و النهى عن المنكر فمشروط بشروطه المذكورة في ذلك الباب، و يلحق بالمتجاهر بالفسق

______________________________

(1) سورة البقرة (2) الاية: (194)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 162

و يمكن ان يستثني من ذلك ما إذا لم يتأثر (1)

______________________________

المبدع، بل الجواز فيه اولى. و يكفي أيضا في ذلك مثل صحيحة داود بن سرهان عن ابى عبد اللّه (ع) قال: «قال رسول اللّه (ص): إذا رأيتم أهل الريب و البدع من بعدي، فأظهروا البراءة منهم و أكثروا من سبهم و القول فيهم و الوقيعة، و باهتوهم كيلا يطمعوا في الفساد في الإسلام، و يحذرهم الناس و لا يتعلمون من بدعهم، يكتب اللّه لكم بذلك الحسنات، و يرفع لكم به الدرجات في الآخرة» «1».

(1) يجوز للسيد ضرب عبده للتأديب، و فحواه جواز سبه تأديبا. و أما في غير ذلك المقام، فمقتضى موثقة أبي بصير المتقدمة عدم الجواز، و كذا الحال بالإضافة إلى الوالد و ولده، فإنه يجوز له سبه تأديبا، كما يجوز له ضربه لذلك، و أما في غير مقام التأديب فلا، إلا إذا لم يعد الكلام المزبور من المولى أو الأب سبا و اهانة، كما إذا تكلم به حبا لولده، فيكون نظير ما إذا قال للزوجة ما يستقبح ذكره للغير في عدم كونه هدرا للكرامة، و

التمسك- في جواز سب الوالد ولده مطلقا، حتى فيما إذا لم يكن للتأديب، بقوله (ص): (أنت و مالك لأبيك)- لا يخفى ما فيه، فان الولد لا يحكم شرعا بأنه مملوك والده، نظير ملك العبد أو الحيوان للمولى، و المالك ليجري على الولد ما يجرى على مال الوالد، و لذا لو لم يكن للوالد حاجة لما جاز له الأخذ من مال ولده بلا رضاه، و كذا لا يجوز ترتيب سائر أحكام الملك، و الحكم الوارد في الرواية أخلاقي ذكره (ص) لئلا يتصدى الابن لمخاصمة أبيه في المحاكم الشرعية لأجل ماله، بل على تقدير كونه مالا لوالده كالعبد بالإضافة إلى مولاه، فلا يثبت جواز ضربه مطلقا كما لم يثبت ذلك في العبد. و أما المعلم و المتعلم، فلا يجوز للأول سب الثاني في مورد الهتك و التنقيص، كما لا يجوز ذلك في مورد الإيذاء و تأثر المتعلم.

______________________________

(1) وسائل الشيعة: الجزء (11) الباب: (39) من أبواب الأمر و النهى و ما يناسبهما- الحديث: (1)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 163

[في السحر و حكمه]

و كان آخر عهده بربه (1) هو ما لطف مأخذه و دق (2)

______________________________

و (بعبارة أخرى) كما لا يجوز للمعلم سبه مع التفاته الى أن سبه نقص للمتعلم في أنظار الناس، كذلك لا يجوز له مع التفاته الى ان سبه موجب لتأثره. و توهم جوازه بالسيرة الموهومة ضعيف. نعم يجوز للمعلم سب الولد الصغير إذا كان ذلك تأديبا، مع فرض كونه مأذونا في تأديبه عن وليه.

(1) أى أن اللّه يبرأ منه بعد تعلمه السحر و الرواية «1» سندها معتبر و مثلها الأخرى.

(2) المراد باللطيف و الدقيق هو الخفي أى ان السحر هو ما يكون سببه و

مأخذه خفيا. و هذا كتعريف الزرافة مثلا بأنه حيوان شرح اسمى، و بيان للمعنى بالوجه العام، و إلا لصح إطلاق السحر على كل ما يكون سببه خفيا كالرؤيا الصادقة التي لا نعرف منشأها.

ثم إن هذا التعريف لا ينافي أن يكون للسحر حقيقة، كما عن بعض، بخلاف التفاسير المذكورة عن أهل اللغة بعد هذا التعريف، فان مقتضاها عدم ثبوت الحقيقة له، كما عن بعض آخر، منهم المحقق الإيرواني. و يستدل عليه بقوله سبحانه في قضية سحرة فرعون فَإِذٰا حِبٰالُهُمْ وَ عِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهٰا تَسْعىٰ «2» و قوله فَلَمّٰا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النّٰاسِ وَ اسْتَرْهَبُوهُمْ «3» و بما أن السحر أمر خيالي لا حقيقة له، فعبر سبحانه عن السحر بالكيد في قوله فَتَوَلّٰى فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيْدَهُ نعم لا يلتفت الغير غالبا الى فعل الساحر، و أنه أمر خيالي، فيرتب عليه أثر الواقع، فيركض بعد خياله أن في أطرافه نارا تحرقه بالمكث، و يفترق عن زوجته بعد تخيله أنها عدوته الاولى و الأخيرة، و هكذا.

و لكن لا يخفى انه لا دلالة في الآية على أن السحر على الإطلاق أمر خيالي،

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجزء (18) الباب: (3) من أبواب بقية الحدود- الحديث: (2)

(2) سورة طه (20) الاية: (66)

(3) سورة الأعراف (6) الاية: (116) سورة طه (20) الاية (60)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 164

أو رقية (1) يؤثر في بدن المسحور (2) و في محكي الدروس أن المعتبر في السحر الإضرار (3)

______________________________

بل الحل و العقد يكونان بالسحر، و يبعد كونهما بالخيال. هذا مع ما ورد في سحر بعض الناس على النبي (ص) و الالتزام- بالتخيل بالإضافة إلى الرسول الأكرم- كما ترى.

(لا يقال) ما الفرق

بين السحر و بين المعجزة، بناء على القول بان للسحر حقيقة و لو في الجملة (فإنه يقال) يكون في المورد الذي للسحر حقيقة تحقق الشي ء بالسبب، و لكن السبب خفي لا يدركه عامة الناس، و هذا بخلاف المعجزة، فإنه يكون فيها تحقق الشي ء بلا سبب عادى كالإرادة، كما يفصح عن ذلك الكتاب المجيد إِذْ قٰالَ اللّٰهُ يٰا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَ عَلىٰ وٰالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النّٰاسَ فِي الْمَهْدِ وَ كَهْلًا وَ إِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتٰابَ وَ الْحِكْمَةَ وَ التَّوْرٰاةَ وَ الْإِنْجِيلَ وَ إِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيهٰا فَتَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِي وَ تُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَ الْأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَ إِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتىٰ بِإِذْنِي «1» و المراد بالاذن هو التكويني أي إعطاء السلطنة نظير قوله سبحانه مٰا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهٰا قٰائِمَةً عَلىٰ أُصُولِهٰا فَبِإِذْنِ اللّٰهِ «2» حيث لا معنى للإباحة و الترخيص الشرعي في مثل المقام. و على الجملة فالأفعال المنسوبة إلى عيسى على نبينا و آله و عليه الصلاة و السلام، نظير الأفعال المنسوبة إلينا صادرة منه كصدورها منا، غاية الأمر السلطنة عليها بإرادة اللّه و مشيته على ما ذكرنا تفصيل ذلك في بحث الطلب و الإرادة.

(1) المراد بها العوذة كالتي تعلق على الرقبة أو يشد على اليد أو غيرها للوقاية من الإغماء و الصداع أو غيرهما من العاهات.

(2) قيد لجميع ما تقدم من قوله كلام يتكلم به.

(3) و هل يعتبر في تحقق عنوان السحر أو حرمته الإضرار بالنفس أو بالغير

______________________________

(1) سورة المائدة (5) الاية: (110)

(2) سورة الحشر (59) الاية: (5)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 165

..........

______________________________

أو لا يعتبر، و أنه حرام

مطلقا؟ ظاهر الآية الواردة في قضية هاروت و ماروت أنه كان الحرام هو المضر فقط، مع كون النافع ايضا سحرا، و لكن لا دلالة فيها على بقاء النافع على الجواز في غير ذلك الزمان و الروايات الواردة في حرمة السحر بعضها مطلقة تعم المضر و غيره كموثقة إسحاق بن عمار عن جعفر عن أبيه أن عليا (ع) كان يقول: «من تعلم شيئا من السحر كان آخر عهده بربه و حده القتل) إلا ان يتوب» «1» و ليس في البين ما يوجب رفع اليد عن إطلاقها. و مرسلة إبراهيم بن هاشم و ان كانت ظاهرة في جواز النافع، لكن إرسالها مانع عن الاعتماد عليها فإنه روى على بن إبراهيم عن أبيه عن شيخ من أصحابنا الكوفيين قال: «دخل عيسى بن ثقفي على ابى عبد اللّه (ع)، و كان ساحرا يأتيه الناس و يأخذ على ذلك الأجر، فقال له: جعلت فداك انا رجل كانت صناعتي السحر و كنت آخذ عليه الأجر و كان معاشي، و قد حججت منه و من اللّه على بلقائك، و قد تبت الى اللّه عز و جل، فهل لي في شي ء من ذلك مخرج؟ فقال أبو عبد اللّه (ع) حل و لا تعقد» «2» و الصحيح أن يقال: العمل الذي أحرز أنه سحر يحكم بحرمة تعليمه و تعلمه و عمله، سواء كان ضارا أم لا أخذا بإطلاق مثل موثقة إسحاق بن عمار. و أما ما لم يحرز كونه سحرا كالتسخيرات و العزائم فإن كان مضرا، بحيث يكون ذلك الإضرار محرما، سواء كان بالنفس أم بالغير، فلا يجوز مع خوفه، و إلا فلا يمكن الحكم بحرمته، لعدم إحراز عموم السحر له: و مجرد ذكر

العزائم أو التسخيرات في بعض الكلمات من أقسام السحر لا يثبته، خصوصا بملاحظة أنه عد ايضا منها النميمة. و دعوى الشخص بأنه يعلم علم الكيميا لجلب قلوب الناس اليه.

و رواية الاحتجاج الحاكية لقصة زنديق لا تزيد على الرواية المرسلة، و ذلك للجهل بطريق الطبرسي كما لا يخفى. و ما في كلام بعض الأصحاب- من جواز دفع

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجزء (17) الباب: (3) من أبواب بقية الحدود حديث: 2.

(2) وسائل الشيعة الجزء (12) الباب: 25 من أبواب ما يكتسب به حديث: 1.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 166

ثم ان الشهيدين عدا من السحر (1)

______________________________

السحر بالسحر حتى نسب الى الصدوق (ره) من أن توبة الساحر أن يحل و لا يعقد- لا يخلو عن تأمل. نعم مرسلة إبراهيم بن هاشم ظاهرة بإطلاقها في جواز إبطال السحر و الحل و لو بالسحر، و لكنها كما ذكرنا لا يمكن الاعتماد عليها، و لكن لا بأس بتعلم السحر و العمل به لإبطال مثل الدعوى من المدعى للنبوة، و نحوه ممن يكون غرضه إفساد عقائد الناس بالسحر أو غيره، بل لا يبعد وجوب ذلك كفائيا.

ثم إن ظاهر بعض الروايات كرواية السكوني جواز قتل الساحر حتى فيما إذا لم يكن مستحلا له، قال جعفر بن محمد عليهما السلام فيها: «قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله ساحر المسلمين يقتل و ساحر الكفار لا يقتل» «1» و مثلها إطلاق غيرها كموثقة إسحاق ابن عمار المتقدمة، و حملها- على صورة الاستحلال كما هو ظاهر جمع- لا يمكن المساعدة عليه. نعم توبته توجب سقوط حد القتل، كما ذكر في الموثقة، و بها يرفع اليد عن إطلاق غيرها، و لا بعد في

جواز قتله، بل وجوبه تحفظا على مصالح المسلمين ليكونوا على أمن من كيده. و دعوى أن السحرة في عصر الأئمة عليهم السلام كانوا غالبا من الكفار و يعتقدون تأثير الكواكب و الأجرام العلوية لا يخفى ما فيها، مع أن رواية السكوني دالة على قتل خصوص الساحر من المسلمين، فكيف تحمل على صورة كونه كافرا.

(1) أى ان الشهيدين جعلا تسخير الملائكة و الشياطين و الأجنة و إحضارهم من أقسام السحر و يكون استخدام الملائكة و الشياطين و تسخيرهم في مثل كشف الغائبات و علاج المصاب، كما يكون إحضارهم لغاية الكشف عن الغائبات بتلبيسهم ببدن صبي أو امرأة و بعبارة أخرى تسليطهم على بدنهما بحيث يكون تكلم الصبي أو المرأة بتلقين الملائكة و الشياطين.

______________________________

(1) الكافي: الجزء (7) باب حد الساحر: الحديث (2)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 167

و الظاهر ان المسحور فيما ذكراه (1) و قال في الإيضاح انه استحداث الخوارق (2) و اما ما كان على سبيل الاستعانة (3) روى الصدوق في الفقيه في باب عقاب المرأة (4)

______________________________

(1) كأن مراده بيان أن التسخير أو الإحضار يكون من السحر حتى بناء على أخذ الإضرار في تحقق عنوان السحر، و ذلك فان المعتبر في السحر الإضرار بالمسحور و المسحور في التسخيرات و الاحضارات هي الملائكة و الجن و الشياطين، و الإضرار بهم يحصل بتسخيرهم و تعجيزهم عن المخالفة و الجائهم إلى الخدمة و الطاعة.

(2) اى ان السحر هو إيجاد ما يعد خرقا للعادة، و يكون إيجاده بمجرد تأثير نفس الساحر أو باستعانة الساحر بالفلكيات بدعوتهم، و يسمى بدعوة الكواكب أو بتمزيج الساحر القوى السماوية بالقوى الأرضية، كان يلاحظ أن الكوكب الفلاني في أي برج و

يعمل في ذلك الزمان في الصفر أو غيره من الفلزات عملا يوجب حدوث ذلك الخارق للعادة و يسمى بالطلسمات أو يستعين الساحر بالأرواح الساذجة في إيجاد ذلك الأمر، و استعانته يكون باستخدامهم و يدخل فيه النيرنجات (أقول:) لعل المراد بالنيرنجات تسخير الشياطين و الأجنة و لكن فسرها في الدروس بدعوة الكواكب و الطلسمات، و يبقى على الإيضاح بيان الفرق بين المعجزة و القسم الأول من السحر.

(3) المراد أن ما يحدث بالاستعانة بخواص الأجسام السفلية فقط، كما في الاثرات الحادثة من تناول الأدوية من المبلدة و غيرها، فإنه لا يسمى سحرا، كما لا يسمى به ما يحدث بالاستعانة بالنسب الرياضية، كما إذا جعل قطعة حديد بحيث يرفع بها ثقيلا، و يسمى بعلم الحيل و جر الأثقال.

(4) الرواية لا تخلو عن المناقشة لوقوع النوفلي في سندها، بل لو كانت في أعلى مراتب الصحة لكانت ايضا مطروحة، باعتبار مخالفتها للكتاب العزيز، فان ظاهرها عدم

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 168

و يدخل في ذلك تسخير الحيوانات (1)

[الشعبدة حرام]

الشعبدة حرام (2)

[الغش حرام]

الغش حرام (3) فعن النبي (4) قوله (ره) و في رواية العيون بأسانيد (5) و في عقاب الأعمال (6) و في مرسلة هشام عن ابى عبد اللّه (7)

______________________________

قبول توبة الساحر، و من المقطوع به أن السحر ليس بأعظم من الكبائر و من الارتداد مع قبول التوبة من المرتد و مرتكبها. و دعوى عدم فرض التوبة في الرواية يدفعها قوله: (فصامت المرأة نهارها، و قامت ليلها، و حلقت رأسها و لبست المسوخ) حيث أن ظهوره في التوبة غير قابل للإنكار.

(1) لم يظهر كون مجرد التسخير سحرا، و عليه فلا بأس به حتى فيما إذا كان ذلك إضرارا بالحيوان، فإن إضراره لا يزيد على ضرب الحيوان و الركوب أو حمل الثقل عليه كما لا يخفى، بل لا دليل على حرمة الإضرار بالأجنة فضلا عن الشياطين.

(2) فيه تأمل بل منع، حيث لا دليل على حرمة مطلق اللهو، بل دخول الشعبذة في اللهو ممنوع ايضا، و الشعبذة إيجاد الشي ء بأسبابه العادية، و لكن بما أن الإيجاد سريع تكون السرعة موجبة لتخيل وجوده بلا سبب عادى.

(3) الغش بالفتح مصدر و بالكسر اسم.

(4) كما في صحيحة هشام بن سالم «1».

(5) تعرض لتلك الأسانيد في الوسائل في باب إسباغ الوضوء و هي ثلاثة طرق عن الرضا (ع) كلها ضعاف لما فيها عدة مجاهيل فراجعها.

(6) تعرض لسنده في الوسائل في باب استحباب عيادة المريض و فيه ايضا مجاهيل.

(7) بل مرسلة عبيس بن هشام و رواها الشيخ عن عبيس عن ابى عبد اللّه (ع) و الظاهر انه ايضا اشتباه، فان عبيس- على ما ذكر- تاريخ وفاته سنة (220) و تاريخ

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجزء (12) الباب: (86) من أبواب ما يكتسب

به- الحديث: (1)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 169

و فيه غش جملة ابتدائية (1) ثم إن ظاهر الاخبار (2)

______________________________

وفاة ابى عبد اللّه (ع) سنة (148) مع أن الشيخ (ره) عد الرجل في فهرسته ممن لم يرو عن الامام (ع).

(1) اى ان الدينار لا يباع بشي ء، و يتعين أن تكون جملة فيه غش ابتدائية موضع التعليل، و يحتمل رجوع الضمير في لا يباع إلى سائر الأموال. و المراد بشي ء هو الدينار و فيه غش (وصف للشي ء) أي لا يباع أموال الناس بشي ء مغشوش. و لكن الظاهر هو الأول، لأن إرجاع الضمير الى غير المذكور في الكلام مع وجود ما يصلح له في الكلام خلاف الظاهر، و ليس المراد من البيع بناء على الجملة الابتدائية هو الاشتراء ليقال أنه ايضا خلاف الظاهر، بل المراد البيع و تعلقه بالدراهم- كما في بيع الصرف- متعارف.

(2) فرق (قدس سره) أولا بين الغش في مثل مزج اللبن بالماء، و مزج الدهن الجيد بالردي ء، و وضع الحرير في المكان البارد لكسب الثقل، مما يكون العيب و النقص فيه خفيا لا يعرف غالبا، إلا من قبل بايعه، و بين النقص الذي لا يخفى على من يلاحظ المبيع و لا يتسامح في التعرف على حاله، كما في مثل خلط الحنطة الجيدة بالرديئة. و ذكر أن مثل هذا الخلط جائز كما يشهد له صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما (ع): «أنه سئل عن الطعام يخلط بعضه ببعض، و بعضه أجود من بعض؟

قال: إذا رؤيا جميعا فلا بأس ما لم يغط الجيد الردي ء» «1» و مثلها صحيحة الحلبي الثانية عن ابى عبد اللّه (ع) قال: «سألته عن الرجل يكون عنده لونان من طعام

واحد سعرهما بشي ء، و أحدهما أجود من الآخر فيخلطهما جميعا، ثم يبيعهما بسعر واحد؟

فقال: لا يصلح له أن يغش المسلمين حتى يبينه» «2».

و ظاهرهما و إن كان جواز الخلط، و لكن عدم بيان ذلك للمشتري الغافل

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجزء (12) الباب: (9) من أبواب أحكام العيوب- الحديث: (1)

(2) وسائل الشيعة الجزء (12) الباب: (9) من أبواب أحكام العيوب- الحديث: (2)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 170

..........

______________________________

غش محرم، فيجب الاعلام به. و يستفاد ذلك من رواية سعد الإسكاف «1» فإن النقص في موردها و ان كان يظهر بملاحظة المبيع و عدم التسامح في معرفته، إلا ان عدم الإظهار عد فيها غشا. و يمكن حمل هذه الروايات الظاهرة في الغش بالنقص غير الخفي على صورة كونه بفعل البائع، بقصد تلبيس الأمر على المشترى، فلا يجب عليه الإعلام إلا في هذه الصورة. و أما إذا كان بداع آخر أو بفعل شخص آخر، كما إذا اشترى طعاما مختلطا من الجيد و الردي ء، و أراد بيعه من آخر ثانيا، فلا يجب عليه الاعلام. و أما المخفي و ان كانت الحرمة فيه ايضا ببيع المغشوش مع جهل المشترى بالحال، إلا أنه لا فرق فيه بين كون الغش بفعله أو بفعل آخر أو لغرض آخر، ففي جميع ذلك يجب الاعلام.

ثم إنه (ره) ساوى بين النقصين، و ذكر أنه لا يجب عليه الإعلام إلا في مورد قصد التلبيس. و أما ما هو ملتبس في نفسه فلا يجب. نعم لا يجوز إظهار سلامة المبيع و عدم وجود النقص فيه، بلا فرق في ذلك ايضا بين النقص الخفي و غيره، فالعبرة في حرمة الغش بقصد التلبيس على المشترى. و قال (ره):

(ان في التفصيل الوارد في صحيحة الحلبي الأولى شهادة لذلك) قال: «سألت أبا عبد اللّه (ع) عن الرجل يشترى طعاما، فيكون أحسن له و أنفق ان يبله، من غير أن يلتمس زيادته، فقال: إن كان بيعا لا يصلحه إلا ذلك و لا ينفقه غيره، من غير أن يلتمس فيه زيادة، فلا بأس، و إن كان انما يغش به المسلمين، فلا يصلح» «2» فإنه سلام اللّه عليه جوز بل الطعام بدون الاعلام مع عدم قصد الزيادة، لأن الرواية لو كانت ناظرة إلى صورة الإعلام لم يكن وجه للتفصيل في الجواب بين قصد الزيادة و عدمه، فإنه مع الاعلام يجوز البل مطلقا.

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجزء (12) الباب: (86) من أبواب ما يكتسب به- الحديث: (8)

(2) و رواها في الوسائل الجزء (12) الباب: (9) من أبواب أحكام العيوب- حديث: (3)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 171

ثم إن في جامع المقاصد ذكر في الغش بما يخفى (1)

______________________________

(أقول): لم يظهر من صحيحة الحلبي جواز السكوت، فيما إذا كان في المبيع ما لا يعرف إلا من قبل البائع، و لو لم يكن ذلك بفعله كحيوان أكل ما يوجب موته، بل يكون ترك الاعلام في بيعه غشا، فيعمه ما دل على حرمة الغش.

(لا يقال) النقص في المبيع إذا كان من قبيل العيب فعلى البائع الإعلام به مطلقا سواء كان العيب خفيا أم لا، لان بيعه بالتزام الصحة مع علمه بالعيب يعد غشا، كما لو صرح بأنه يبيعه على شرط الصحة، و الحيوان الذي أكل ما يوجب موته من بيع المعيوب على شرط السلامة، (فإنه يقال): الموجب لصدق الغش عدم إعلام البائع بالعيب مع علمه به، حتى فيما لو تبرأ

من عيوب المبيع، حيث يعد بيع الحيوان المزبور غشا، حتى مع التبري منها، و إلا فليس الالتزام بالصحة إخبارا عنها ليقال ان الالتزام بها مع العلم بالعيب غش، بل معناه جعل الخيار للمشتري على تقدير العيب، كما سيأتي في بحث الخيارات ان شاء اللّه تعالى.

نعم إذا كان النقص مما يعرفه الناظر في المبيع، فلا يجب إعلام المشتري بالحال إلا فيما إذا كان فعله بقصد التلبيس، لعدم صدق الغش على ترك الاعلام، حيث إن الغش بمعناه المصدري ضد النصيحة لا ترك النصيحة مطلقا ليتحقق بمجرد ترك الاعلام. نعم إذا أظهر ما يكون إغراء أو موجبا لوقوع الآخر في خلاف الواقع كان ذلك غشا في المعاملة.

(1) يقع الكلام في حكم المعاملة، فنقول: الغش أما بإخفاء الأدنى في الأعلى، كمزج الجيد بالردي ء، أو بإخفاء غير المراد في المراد، و نعني بالمراد ما ينطبق عليه عنوان المبيع، و من غيره ما لا ينطبق عليه، أو بإظهار الصفة الجيدة في المبيع مع عدمها واقعا، و يعبر عنه بالتدليس، أو بإظهار ما لا ينطبق عليه عنوان المبيع بصورة ما ينطبق عليه، كمبيع المموه و ما يكون مصبوغا بماء الذهب بعنوان أنه ذهب.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 172

و ما ذكر من وجهي الصحة و الفساد (1)

______________________________

ثم إن الغش و ان كان محرما، لكن النهى عنه لا يقتضي فساد المعاملة فيما إذا لم يخرج المغشوش بالغش عن عنوان المبيع، كما في مزج الماء باللبن، مع استهلاك الماء باعتبار قلته، فيكون البيع صحيحا، غاية الأمر يثبت للمشتري خيار العيب مع جهله بالحال، و نظيره ما إذا كثر التراب في الحنطة، فإن كثرة التراب فيها لا يخرج المبيع عن عنوان الحنطة،

بل تعد معيوبة. و ما ذكره المصنف (ره) في الفرق بين المثالين لا يرجع الى محصل، و إذا خرج المبيع بالغش عن عنوان المبيع، بحيث لم يصدق ذلك العنوان على الموجود، كما في بيع المموه كان البيع باطلا، باعتبار أن عنوان المبيع يكون بنظر العرف مقوما للبيع، و مع فقده لا يكون بيع، و هذا بخلاف ما إذا صدق عليه عنوانه، و لكن خرج بالغش عن الوصف الملحوظ فيه، فإنه مع فقد الوصف يكون المورد تارة من تخلف الوصف المشترط، و من تخلف الداعي أخرى و إذا لم يستهلك غير المراد في المراد، بان كان الموجود هو المبيع و غيره، فيتبعض البيع، و يكون بالإضافة إلى المراد صحيحا، كما إذا خلط دهن النبات بدهن الحيوان بلا استهلاك أحدهما في الآخر، و باعه بعنوان دهن الحيوان و بالإضافة إلى غيره باطلا باعتبار عدم القصد الى بيعه.

(1) أى أن ما ذكر في جامع المقاصد- في وجه الصحة في بيع اللبن الممزوج بالماء و في وجه فساده- يجري في سائر موارد عيب المبيع، فيتردد أمر البيع فيها بين الصحة و الفساد، حيث أن المبيع فيها أيضا عين متمول. و هذا وجه الصحة و كون المقصود فيها هو الصحيح، كإرادة البصير في بيع العبد، و هو غير متحقق و هذا وجه الفساد، مع انه لا ينبغي الريب في أن العيب في المبيع لا يوجب بطلان البيع، بل يثبت معه خيار العيب، و ذلك فإن أوصاف الصحة- حتى في مثل شوب اللبن بالماء- ليست مقومة للمبيع عرفا. و يتعلق البيع بالموجود الخارجي بعنوان أنه يطلق عليه اللبن، و يكون خلوصه شرطا، بمعنى أنه يثبت للآخر الخيار على تقدير

إرشاد الطالب

إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 173

و اما وجه تشبيه مسألة الاقتداء (1) ثم انه قد يستدل على الفساد (2)

______________________________

شوبه. و عليه، فلا يكون في البين وجه لبطلان البيع.

نعم إذا كان العنوان مقوما للمبيع، كما إذا كان مثل عنوان الفرس و باع الحيوان بعنوانه، فبان حمارا حكم ببطلان البيع، لان قصد البيع يتعلق بعنوان الفرس، و لذا قالوا في بيع الصرف أنه لو ظهر أحد العوضين معيبا، و لكن من غير الجنس المذكور في العقد بطل البيع.

(1) و اما الصلاة في مسألة الاقتداء فمحكومة بالصحة، حتى فيما إذا كان ناويا لأحد الشخصين بنحو التقييد، حيث أن الفرادى لا تنقص عن صلاة الجماعة إلا في القراءة الساقطة حال العذر، كما هو مقتضى حديث لا تعاد و المفروض ان تركها كان لتوهم أنه مأموم. نعم لو كان المراد من التفصيل بين التقييد و غيره هو الحكم ببطلان الجماعة في الأول لا في الثاني، فهو صحيح، و لكن لا يساعد على ذلك ظاهر كلماتهم.

(2) قد تقدم ان المعاملة- بلحاظ النهى عن غش المؤمن فيها لا تفسد و قد ذكر في محله ان النهى عن معاملة تكليفا لا يقتضي فسادها، و لم يرد في خطاب- النهى عن بيع المغشوش بهذا العنوان ليقال بظهور النهي في فساده، على ما ذكرنا سابقا من كون الفساد هو الظهور الاولى للنهى عن المعاملة. و أما النهي عن بيع الدرهم المغشوش في مرسلة موسى بن بكر «1» فمحمول على صورة عدم المالية، و كون بيع الدرهم من التمويه في الجنس، بقرينة الأمر بإلقائه في البالوعة، فإنه لو كان مالا كما إذا كان الغش في سكتة فقط، لكان الإلقاء المزبور تبذيرا خصوصا بعد كسره.

بقي

في المقام أمران: (الأول)- أن ما ذكر الشهيد (ره) من التردد في صحة بيع هذا بعنوان الفرس فبان حمارا، و أنه يبتنى على تقديم الإشارة- على العنوان

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجزء (12) الباب (86) من أبواب ما يكتسب به- الحديث: (5)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 174

[الغناء]

الغناء لا خلاف في حرمته في الجملة (1)

______________________________

فهو ايضا غير صحيح، فان مثل عنوان الفرس من العناوين المقومة للمبيع، فيكون مقدما على الإشارة بلا ريب، حيث ان البيع يتعلق بالعين الخارجية بما انه ينطبق عليها ذلك العنوان و يقصد المشترى شراء الفرس و البائع يريد بيعه. و اسناد البيع الى المشار اليه باعتبار اعتقادهما أنه فرس و هذا بخلاف مسألة الاقتداء، فإنه يمكن فيها ان يقصد المأموم الاقتداء بزيد، و إشارته إلى الحاضر باعتبار اعتقاده انه زيد، و هذا معنى تقديم الوصف، و يمكن ان يقصد الاقتداء بالحاضر زيدا كان أو غيره، و لكن توصيفه بزيد باعتبار اعتقاده أن الحاضر فعلا هو لا عمرو، كما هو تقديم الإشارة و بما ان القصد من الأمور الوجدانية، و لا يمكن فيها الشك حال حصولها، فيمكن للمأموم حصول التردد بعد فراغه عن العمل.

(الثاني) ذكر المحقق الإيرواني رحمة اللّه عليه أن الذي يظهر لي من الاخبار أن الغش بعنوانه لا يكون محرما، بل هو محرم بعنوان الكذب. و فيه أنه لم يعلم وجه هذا الظهور، سواء كان الغش في المعاملات أو غيرها، بعد ما ذكرنا من أن أخذ عنوان- موضوعا في خطاب الشرع، و ان احتمل كونه مشيرا الى عنوان آخر- يكون هو الموضوع واقعا إلا ان هذا خلاف ظاهر الخطاب، فان مقتضى أصالة تطابق مقام الإثبات مع مقام

الثبوت أن يكون الموضوع في خطاب هو الموضوع للحكم واقعا، بل القرينة- في المقام على أن الغش بعنوانه موضوع للحكم لا بعنوان الكذب- ظاهرة، حيث أن الأحكام المتقدمة من التكليف و الوضع تترتب، حتى فيما إذا كان غش البائع مثلا بعنوان التورية لا الكذب، و لذا يتعدد العقاب في فرض الغش بالكذب فلاحظ و تدبر.

(1) لا خلاف في حرمة الغناء في الجملة و يستدل عليه بالروايات المستفيضة الواردة «1» في تفسير قول الزور من قوله سبحانه وَ اجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ و الواردة

______________________________

(1) وسائل الشيعة: الجزء (12) الباب (99) من أبواب ما يكتسب به.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 175

..........

______________________________

في تفسير لهو الحديث، من قوله سبحانه وَ مِنَ النّٰاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللّٰهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ و الواردة في تفسير الزور من قوله سبحانه وَ الَّذِينَ لٰا يَشْهَدُونَ الزُّورَ و ذكر المصنف (ره) بما حاصله أن المطلوب في المقام إثبات حرمة الغناء بمعناه الظاهر المتعارف الذي هو عبارة عن كيفية الصوت الذي يكون بها مطربا. و ما ورد في تفسير قول الزور لا يدل على حرمة ذلك حيث أن تطبيق قول الزور على الغناء قرينة على كون المراد به الكلام الباطل لا الكيفية في الصوت مطلقا و يؤيد كون المراد بالغناء فيها هو الكلام الباطل، صحيحة حماد بن عثمان عن ابى عبد اللّه (ع) قال: «سألته عن قول الزور؟ قال منه قول الرجل للذي يغني أحسنت» «1» فإن قوله أحسنت باعتبار تضمنه مدح الفاعل على فعله الحرام باطل، اللّهمّ إلا ان يقال: أن قول الزور في قوله سبحانه عام يعم الباطل في معناه أو في جهة قراءته و لعله

لذلك عده تأييدا. نعم في مرسلة الصدوق، قال: (سأل رجل على بن الحسين عليهما السلام عن شراء جارية لها صوت، فقال: ما عليك لو اشتريتها، فذكرتك الجنة بقراءة القرآن و الزهد و الفضائل التي ليست بغناء و أما الغناء فمحظور» «2» فان التعبير- عن الكلام الصحيح و الفضائل الحقة بعدم الغناء- دليل على كون المراد بالغناء و لو في بعض استعمالاته هو الكلام الباطل، و كذا ناقش (ره) في ما ورد في تفسير لهو الحديث، بناء على كون اضافة اللهو الى الحديث من إضافة الصفة إلى موصوفها، حيث ان كون الحديث لهوا عبارة أخرى عن بطلان معناه نعم لو كانت إضافته إليه من اضافة المظروف الى ظرفه المعبر عن ذلك في علم الأدب بكون الإضافة بمعنى (في) فيعم الغناء في الكلام الصحيح، بل اجرى (ره) المناقشة فيما ورد في تفسير الزور في قوله سبحانه وَ الَّذِينَ لٰا يَشْهَدُونَ الزُّورَ و ذكر أن

______________________________

(1) وسائل الشيعة: الجزء (12) الباب (99) من أبواب ما يكتسب به، الحديث: (21)

(2) وسائل الشيعة الجزء (12) الباب (16) من أبواب ما يكتسب به- الحديث: (2)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 176

و فيها ابن فضال (1)

______________________________

المدح فيه لمن لا يحضر مجالس التغني يعنى الأباطيل من الكلام.

أقول لم يظهر وجه صحيح للخدشة فيما ورد في تفسير الزور، فإنه لا قرينة في البين على ان تطبيق الامام (ع) عنوان الزور على الغناء باعتبار الكلام، كما كانت في الوارد في تفسير الآية الاولى بل الثانية أيضا. و بعبارة أخرى صحيحة أبي الصباح عن ابى عبد اللّه (ع) «1» دالة على كون الغناء بنفسه زورا و باطلا، و ظاهر الغناء هي الكيفية في

الكلام الحق أو الباطل. و ما ذكر (ره) ايضا من دلالة المرسلة على استعمال الغناء في الكلام الباطل ضعيف، لاحتمال ان يكون قوله فيها و التي ليست بغناء راجعة إلى القراءة لا قيدا للفضائل نعم مجرد المدح على الحضور في مجلس اللهو و الباطل المستفاد من قوله سبحانه وَ الَّذِينَ لٰا يَشْهَدُونَ الزُّورَ لا يكفي في الحكم بالحرمة كما لا يخفى.

(1) كأن مراده أن وجود بنى فضال في سند الرواية كاف في اعتبارها للأمر بالأخذ برواياتهم و قد روى محمد ابن الحسن في كتاب الغيبة عن ابى الحسين التمام عن عبد اللّه الكوفي خادم الحسين بن روح عن الحسين بن روح عن ابى محمد الحسن ابن على (ع)، أنه «سئل عن كتب بنى فضال؟ فقال: خذوا ما رووا و ذروا ما رأوا» «2» و فيه أنه لا سبيل لنا إلى إحراز أن رواية عبد الأعلى مروية عن كتب بنى فضال، بل على تقديره ايضا لا يكون الرواية معتبرة، فإن الأمر بالعمل برواياتهم إرشاد الى أن مجرد فساد اعتقادهم لا يوجب طرح رواياتهم بان لا يصح الاعتماد على رواية يكون أحد منهم في سندها لا أن وجودهم في سند رواية يكون تمام الموضوع لاعتبارها، بحيث لا تضر جهالة باقي رواتها حتى مع كون بعضهم كذابا و جعالا. و لذا لا يصح عند معارضة رواية

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجزء (12) الباب: (99) من أبواب ما يكتسب به- الحديث: (5)

(2) وسائل الشيعة الجزء (18) الباب: (11) من أبواب صفات القاضي- الحديث (13).

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 177

مما يصف (1) و رواية يونس (2)

______________________________

صحيحة مع رواية أخرى في سندها منهم طرح الصحيحة و الأخذ بالرواية

بدعوى أنه مقتضى الأمر بالأخذ بكتبهم. هذا مع أن الأمر بالأخذ غير ثابت، و منشأه الرواية التي نقلناها كما لا يخفى. نعم دلالة الرواية- و ظهورها في كون الغناء المحرم عبارة عن الكيفية في الصوت- واضحة، فإن الكلام الذي يزعم فيه ترخيص رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله ليس من الباطل من جهة المعنى، و لعل وجه الاستشهاد بالآية كون المحكي عن رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله هو تجويزه القول المزبور مطلقا بان يقال عنده صلى اللّه عليه و آله ايضا. و هذا نوع من اتخاذه صلى اللّه عليه و آله اللهو أو أن حكاية تجويز القول المزبور عنه صلى اللّه عليه و آله كانت افتراء عليه (ص) نظير افتراء الكفار على اللّه سبحانه من أخذه تعالى مريم و ابنها صاحبة و ولدا، فيعم الحاكين لترخيصه ما ذكر في حق هؤلاء الكفار من الويل.

ثم ان الظاهر كون الرواية موثقة، لأن عبد الأعلى هو ابن أعين و قد وثقه المفيد في رسالته الإعدادية، كما يعمه التوثيق العام من على بن إبراهيم، حيث روى في تفسيره عنه. و وجه كونه في هذه الرواية هو ابن أعين رواية يونس بن يعقوب الذي روى بعض الروايات الأخر عنه بعنوان ابن أعين فلاحظ.

(1) يعنى مما يذكر و يحكى، و قوله- رجل بدل عن فلان و لم يحضر المجلس- وصف للرجل، أى ويل للذي لم يحضر مجلس رسول اللّه (ص) و لم يسمع ترخيصه من حكايته عنه (ص).

(2) لا يخفى أنه ليس في الرواية تعيين المراد من الغناء، و قد طبق عليه فيها عنوان الباطل، نظير الرواية الواردة في تفسير قوله سبحانه (وَ الَّذِينَ لٰا يَشْهَدُونَ الزُّورَ) و

على المصنف (ره) بعد إشكاله- في دلالة ما ورد في تفسيره و استظهاره أن المراد به الكلام الباطل- بيان الفرق بينها و بين رواية يونس، و وجه قبوله دلالة هذه على حرمة الكيفية للصوت، سواء كانت في كلام باطل أو صحيح. و على

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 178

و رواية محمد بن ابى عباد (1) و في رواية الأعمش (2) و قوله عليه السلام قد سئل عن الجارية (3)

______________________________

كل فالرواية لا بأس بالاعتماد عليها، فإنها مروية في قرب الاسناد عن الريان بن صلت عن الرضا (ع) بل و هذه هي العمدة في الحكم بحرمة الغناء، و إلا فما ذكره المصنف (ره)- من اشعار الروايات المتقدمة بأن المحرم هو عنوان اللهو و الباطل و ان كان ذلك في كيفية الصوت- لا يمكن المساعدة عليه، فان الاعتبار بالظهور لا بالاشعار، مع أن لازم ما ذكر كون مطلق اللهو و الباطل محرما حتى ما لم يكن في البين غناء، كما إذا قرأ الاشعار الراجعة إلى العشق و نحوها بلا ترجيع صوت أصلا.

(1) و لكن مضافا إلى ضعف سندها لا دلالة لها على الحرمة، لما تقدم من أن المدح لفعل لا يكشف عن كونه واجبا.

(2) و باعتبار ضعف سندها لا يمكن الاعتماد عليها.

(3) و في رواية الحسن بن على الوشاء، قال (سئل أبو الحسن الرضا (ع) عن شراء المغنية؟ قال قد يكون للرجل الجارية تلهيه، و ما ثمنها إلا ثمن الكلب، و ثمن الكلب سحت» «1» و في صحيحة إبراهيم بن ابى البلاد «ثمن الكلب و المغنية سحت» «2» و مثل هذا كاشف عن حرمة الغناء، فإنه لا يكون بطلان المعاملة على الجارية بما أنها

مغنية إلا مع حرمته، و الا فكونها مغنية ككونها خياطة أو كاتبة من الأوصاف التي توجب زيادة ماليتها.

(لا يقال): نعم، و لكن لا يكون مثلهما كاشفا عن حرمة الغناء مطلقا، حتى فيما إذا كان في الكلام الصحيح، (فإنه يقال) بطلان بيعها كاشف عن حرمة الغناء حتى فيما إذا كان في الكلام المزبور، و الا فكونها مغنية ككونها كاتبة من الأوصاف التي تكون منشأ للحلال و الحرام، و لا يوجب مثلها بطلان البيع فتدبر. و

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجزء (12) الباب: (16) من أبواب ما يكتسب به- الحديث: (6).

(2) وسائل الشيعة الجزء (12) الباب: (16) من أبواب ما يكتسب به- الحديث: (4).

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 179

أنه مد الصوت (1).

______________________________

نظيرها ما ورد في حرمة الاستماع الى الغناء، فإنه كاشف عن حرمة نفس الغناء حيث لا يحتمل حرمة الاستماع و الجلوس الى الحلال و في صحيحة على بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليهما السلام، قال «سألته عن الرجل يتعمد الغناء يجلس اليه قال: لا» «1».

فقد ظهر مما ذكرنا أن الغناء و ان كان بإطلاقه محرما إلا أنه لا يمكن الحكم بكونه من الكبائر، إلا فيما إذا كان في ضمن كلام باطل كالكذب. و ما يوجب إضلال الناس عن الدين الحق و إفساد عقيدتهم، و في صحيحة محمد بن مسلم عن ابى جعفر (ع)، قال: «سمعته يقول: الغناء مما أوعد اللّه عليه النار» «2» و تلا هذه الآية وَ مِنَ النّٰاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ إلخ، فإن الآية ناظرة إلى شراء لهو الحديث الموجب لإضلال الناس. و ما في رواية الأعمش أيضا لا يدل على أنه بإطلاقه من الكبائر، حيث أن المذكور

فيها الملاهي التي تصد عن ذكر اللّه، و الملاهي جمع ملهي بمعنى اللهو، بقرينة التمثيل بالفعل، و مدلولها كون الغناء الموجب لنسيان اللّه كبيرة، فلا تعم ما يكون في ضمن الاشعار المتضمنة للوعظ و الإرشاد و نحوهما.

(1) لا ينبغي التأمل في كون الغناء عرفا هي الكيفية للصوت، و لا دخل في صدقه لبطلان معنى الكلام و عدمه، و لذا من سمع من بعيد صوتا يكون فيه الترجيع الخاص المناسب للرقص و ضرب الأوتار يحكم بأنه غناء، و ان لم يتميز عنده مواد الكلام و لعل هذا هو المراد من قولهم بأنه مد الصوت المشتمل على الترجيع المطلوب، بان يكون مرادهم تطويل الصوت بنحو خاص اى تطويله بترجيعه و ترديده في الحلق، بنحو يقتضي الطرب أى يناسبه، و الطرب حالة تعرض النفس من شدة الفرح أو الحزن و حقيقته خروج النفس عن اعتدالها و لذا ربما يفعل الإنسان

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجزء (12) الباب: (99) من أبواب ما يكتسب به- الحديث (32).

(2) وسائل الشيعة الجزء (12) الباب: (99) من أبواب ما يكتسب به- الحديث (6).

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 180

ان الرجل المتستر (1) و ربما يبكي في خلال ذلك (2) أما الأول فلأنه حكى عن المحدث الكاشاني (3).

______________________________

في ذلك الحال ما لا يفعله في غيره، و على كل- فإن أحرز في مورد كون الكيفية غناء فهو، و الا فمقتضى الأصل الإباحة، و يكون الشك في المقام من الشبهة المفهومية حيث يكون المفهوم مجهولا من حيث سعة دائرته و ضيقه كما لا يخفى. و يشهد على ما ذكرنا- من كون الغناء هي كيفية الصوت من غير دخل لمعنى الكلام فيه- موثقة عبد الأعلى

المتقدمة، حيث أن الكلام المنكر الوارد فيها ليس باطلا. من جهة المعنى.

(1) أى الرجل الجالس مكان الخلوة.

(2) و يظهر ذلك بملاحظة مثل الأب الذي مات ولده المحبوب له الشاب، فإنه يقرأ عنده تعزية سيد الشهداء و ولده الأكبر سلام اللّه عليهما، و يبكي أشد البكاء، مع أنه لم يكن يبكي من قبل بمثل هذه التعزية، فان بكاءه حقيقة لموت ولده ثم ان الوجه في هلاك الرجل المتستر المفروض ما أشرنا إليه من أن الجهل بحرمة هذا النحو من كيفية القراءة في التعزية أو غيرها شبهة حكمية منشأها الجهل بعموم مفهوم الغناء و شموله لها، و الجهل في تلك الشبهة لا يكون عذرا الا بعد الفحص و عدم الظفر بما يكون دليلا على حرمة تلك الكيفية كما لا يخفى.

(3) المنسوب الى المحدث الكاشاني و صاحب الكفاية جواز الغناء و أن الحرام ما يقترن به من المزمار، و دخول الرجال على النساء و نحوهما، و ان الاخبار الناهية عن الغناء ناظرة إلى المتعارف في ذلك الزمان، و هو الغناء المقترن بالأباطيل و المحرمات، و لعله يشير الى ذلك قوله عليه السلام في صحيحة أبي بصير «أجر المغنية التي تزف العرائس ليس به بأس، و ليست بالتي يدخل عليها الرجال» «1»

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجزء (12) الباب: (15) من أبواب ما يكتسب به الحديث: (3).

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 181

..........

______________________________

و يمكن دعوى ظهور الجواز من بعض الروايات الأخرى، كخبر ابى بصير قال:

«سألت أبا عبد اللّه (ع) عن كسب المغنيات؟ فقال: التي يدخل عليها الرجال حرام، و التي تدعى إلى الأعراس ليس به بأس، و هو قول اللّه عز و جل:» «1» و خبر على ابن

جعفر عن قرب الاسناد عن عبد اللّه بن الحسن قال: «سألته عن الغناء هل يصلح في الفطر و الأضحى و الفرح؟ قال: لا بأس به ما لم يعص به» «2» و رواه على بن جعفر في كتابه إلا أنه قال: ما لم يزمر به، و في بعض النسخ ما لم يؤمر به، و الصحيح هو الأول. و ظاهر هذه ايضا جواز الغناء في نفسه، حيث لا يحتمل جوازه في الأعياد و الأفراح كلها و حرمته في غير ذلك.

(أقول): ما ذكر من نظر الأخبار الناهية إلى الغناء المتعارف في ذلك الزمان و كان مقارنا بالأباطيل و المحرمات الأخر فاسد، فإنه- مضافا إلى أن النهى عن عنوان ظاهره كونه المنهي عنه، لا كونه إشارة إلى عنوان آخر يكون مقارنا له أو متحدا معه بعضا أو غالبا- أن إنكار الترخيص راجع في موثقة عبد الأعلى إلى نفس القول و الغناء، لا الى استعمال الملاهي أو غيره من المحرمات. و أما صحيحة أبي بصير فلا بد من حمل قوله (ع) بالتي يدخل عليها الرجال على العنوان المشير يعني إلى التي تغني في غير الزفاف، و لعل دخول الرجال عليها كان متعارفا في غنائها في غير الزفاف. و يحتمل ان يكون قوله. (و ليست إلخ) حالا أي التي تزف العرائس لا بأس بكسبها حال عدم دخول الأجانب عليها، و عدم دخولهم من باب المثال و المراد عدم ارتكاب محرم آخر. و لا بأس بالالتزام بجواز الغناء في الأعراس ما لم يقترن بمحرم آخر، حيث أن حل الكسب بعمل يلازم جواز ذلك العمل.

و يدل عليه روايتان لأبي بصير ايضا، و في إحداهما- و لا يبعد كونها معتبرة

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجزء

(12) الباب: (15) من أبواب ما يكتسب به الحديث: (2)

(2) وسائل الشيعة الجزء (12) الباب: (15) من أبواب ما يكتسب به الحديث: (5)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 182

..........

______________________________

فإنه ليس في سندها غير حكم الخياط، و الظاهر انه ثقة باعتبار كونه من مشايخ ابن ابى عمير- «قال أبو عبد اللّه (ع): المغنية التي تزف العرائس لا بأس بكسبها) و الوجه في اعتبار عدم الاقتران بحرام آخر مضافا الى ما استظهرناه من صحيحته المتقدمة إطلاق أدلة حرمة استعمال الملاهي و نحوه، فإنها تعم الزفاف و غيره. و ظاهر الرواية المجوزة تجويز الغناء دون المحرم الآخر. و دعوى أن المتعارف من الغناء في الزفاف كان مقترنا باستعمال الملاهي لم تثبت، بل هذه نظير دعوى أن المتعارف من الغناء في الزفاف كان مقترنا بشرب الخمور كما لا يخفى. و أما ما رواه في قرب الاسناد- عن على بن جعفر فلضعف سنده- ساقط عن الاعتبار، فان في سنده عبد اللّه بن الحسن و لم يثبت له توثيق. نعم روايته عن كتابه معتبر، و لكن دلالته على جواز الغناء الذي لا يزمر به قابل للخدشة، فإنه يحتمل ان يكون المراد بالغناء مطلق مد الصوت، و قيد ما لم يزمر به إشارة الى عدم البلوغ الى حد الغناء المعروف. و هذا الاحتمال و ان كان خلاف الظاهر الا أنه لا بأس به في مقام الجمع، و لو فرض عدم تمامية ما ذكرنا في هذه الصحيحة و صحيحة أبي بصير المتقدمة و وقعت المعارضة بين هذه الطائفة الموافقة للعامة و الطائفة المانعة المخالفة لهم، فالمتعين الأخذ بالمانعة باعتبار ان مخالفة العامة هو المرجح الثاني في باب المعارضة فتدبر.

ثم إنه

لا يسعنا الحكم بحرمة الباطل و اللهو ما لم يدخل في عنوان الغناء أو غيره من المحرمات، و لكن نسب التحريم الى بعض الأصحاب. و يستدل عليه (تارة) بمثل قوله سبحانه وَ الَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ «1» و فيه ما تقدم، من أن المدح بفعل لا يدل على وجوب ذلك الفعل، و (اخرى) بروايات واردة في وجوب التمام في سفر الصيد تنزها، و في موثقة أبي بكير «سألت أبا عبد اللّه (ع) عن الرجل يتصيد اليوم و اليومين! و الثلاثة أ يقصر الصلاة؟ قال: لا إلا أن يشيع الرجل أخاه في الدين،

______________________________

(1) سورة المؤمنون (23)- الاية: (3)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 183

..........

______________________________

فان الصيد مسير باطل لا تقصر الصلاة فيه» «1» و في موثقة زرارة عن ابى جعفر (ع) قال:

«سألته عمن يخرج عن أهله بالصقورة و البزاة و الكلاب يتنزه الليل و الليلتين و الثلاثة، هل يقصر في صلاته أم لا؟ قال: إنما خرج في لهو لا يقصر» «2» و لكن لا يخفى عدم دلالتهما على حرمة اللهو و الباطل بالسفر فضلا عن غيره ايضا، بل مدلولهما عدم تشريع القصر في ذلك السفر المقصود به اللهو و التنزه و الباطل. و المراد بالباطل عدم غرض مطلوب فيه، كالتكسب و تشييع الأخ، و غاية الأمر الالتزام بالتمام في السفر كذلك، مع عدم كونه من افراد السفر للمعصية. و يناسب ذلك عطف سفر الصيد تنزها في كلام الأصحاب على السفر للمعصية، فلاحظ. و أما موثقة عبد الأعلى فقد تقدم أن مدلولها عدم اتخاذ اللّه تعالى أو رسوله لنفسه اللهو.

و أما أن اللهو بإطلاقه محرم على الإنسان المكلف، فلا دلالة لها على ذلك أصلا،

بل ذكرنا احتمال أن يكون الاستشهاد بالآية باعتبار ما في ذيلها من الويل للمفترى و في صحيحة الريان بن صلت، قال: «سألت الرضا (ع) عن الغناء و أن العباسي ذكر منك انك ترخص في الغناء؟ فقال: كذب الزنديق ما هكذا قلت له، سألني عن الغناء، فقلت إن رجلا أتى أبا جعفر (ع) فسأله عن الغناء، فقال: إذا ميز اللّه بين الحق و الباطل، فأين يكون الغناء؟ فقال: مع الباطل، فقال: قد حكمت» فان صدرها ظاهر في نفى الترخيص في الغناء لا انه حرام و قول ابى جعفر (ع) لا يدل على خصوص الحرمة، كما لا يدل على الجواز بنحو الكراهة، حيث أن الباطل جامع بينهما، و يناسب كلا منهما، و بهذا الاعتبار ذكر سلام اللّه عليه كذب الزنديق. و بهذا يظهر الحال في موثقة زرارة عن ابى عبد اللّه (ع)، أنه «سئل عن الشطرنج و عن لعبة شيث التي يقال لها لعبة الأمير، و عن لعبة الثلث، فقال: أ رأيتك إذا ميز اللّه الحق و الباطل مع

______________________________

(1) وسائل الشيعة: الجزء (5) باب: (9) من أبواب صلاة المسافر- الحديث: (7)

(2) وسائل الشيعة: الجزء (5) باب: (9) من أبواب صلاة المسافر- الحديث: (1)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 184

فان مرجع أدلة الاستحباب (1)

______________________________

أيهما تكون؟ قال: مع الباطل، قال: فلا خير فيه» «1» حيث أن نفى الخير لا يدل على الحرمة، بل يناسب الكراهة أيضا، و إن كان المراد منه بالإضافة الى بعض مورد السؤال أو كله الحرمة، و لكنها بقرينة خارجية، و لو كنا و هذه الرواية لما أمكن الحكم بالحرمة حتى في مورد السؤال، و كيف كان فلا دلالة في الروايتين على

حرمة الباطل أصلا.

(1) و حاصله أن المحرم قد يكون له وجود آخر و يحسب مقدمة للمستحب أو المكروه أو المباح، و قد يكون متحدا مع العنوان المستحب أو المكروه أو المباح في الوجود، و لا بد في كلا القسمين من تقديم خطاب التحريم و لو مع كون النسبة بين الخطابين العموم من وجه، فان هذا التقديم مقتضى الجمع العرفي بين الخطابين، حيث ان المستفاد عرفا من خطاب استحباب الشي ء مع ملاحظة كون بعض سببه محرما استحباب إيجاده بسبب مباح، كما أن المستفاد من خطابه مع ملاحظة خطاب النهي في مورد اتحاد العنوانين كون الاستحباب اقتضائيا بالإضافة إلى العنوان المحرم بمعنى انه يثبت الاستحباب لو لم يكن في البين ذلك العنوان الحرام. و كذا الحال في مورد اتحاد العنوان المحكوم بالإباحة مع العنوان المحرم، و لذا لا يستفاد من خطاب حل أكل لحم مثل الغنم حله حتى فيما إذا كان الغنم مغصوبا أو موطوءا، و لعل الوجه في هذا الجمع العرفي هي القرينة العامة، و هي ملاحظة الفاعل الجهة الأهم و الملاك الملزم في مورد مزاحمته بغيره.

و قد تحصل مما ذكرنا أنه لا يمكن دعوى المعارضة بين خطاب النهى عن الغناء و بين خطاب استحباب قراءة القرآن أو المراثي، فيما إذا كانت القراءة أو المرثية بنحو الغناء ليرجع بعد تساقط الإطلاق من الجانبين إلى أصالة الحلية، أو تقديم جانب الاستحباب ببعض الروايات القاصرة في دلالتها أو في سندها ايضا عن إثبات استحباب

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجزء (12) الباب: (102) من أبواب ما يكتسب به- الحديث: (5)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 185

الحداء بالضم كدعاء (1)

______________________________

الغناء في القرآن، نظير قوله: (أقروا القرآن بألحان العرب)

و كقوله: (لكل شي ء حلية و حلية القرآن الصوت الحسن) و غيرهما من المرويات في أبواب قراءة القرآن.

(1) قيل بجواز الغناء للسير بالإبل. و يستدل عليه بما روى عن النبي (ص) انه قال لعبد اللّه بن رواحة: «حرك بالنوق، فاندفع يرتجز، و كان عبد اللّه جيد الحداء، و كان مع الرجال، و كان أنجشة مع النساء، فلما سمعه تبعه، فقال (ص) لأنجشه:

رويدا رفقا بالقوارير).

و فيه أن الحديث نبوي مجهول السند و قاصر الدلالة، حيث أن الرجز لا يلازم الغناء، كما أنه لم يعلم كون الحداء مساويا للغناء، مع أنه (ص) لم يأمر رواحة بالحداء حتى يستظهر منه أنه تجويز للغناء للسير بالإبل، و برواية السكوني عن جعفر ابن محمد عن أبيه عن آبائه قال قال رسول اللّه (ص): «زاد المسافر الحداء و الشعر منه ليس فيه جفاء» «1» و في بعض النسخ ليس فيه خناء، و هذه الرواية ضعيفة سندا و دلالة، أما دلالة فلما تقدم أنه لم يعلم كون الحداء مساويا للغناء، بل من المحتمل قريبا أنه مطلق مد الصوت و ترجيعه فيقيد بما لم يصل الى حد الغناء كما هو مقتضى الجمع بينها و بين روايات حرمة الغناء على ما مر. و أما سندا فان في سندها الحسين ابن يزيد النوفلي، فيه كلام أشرنا إليه آنفا.

و ما يقال- من أنه موثق فان الشيخ (ره) وثقه في العدة، حيث قال فيها (و لأجل ما قلنا عملت الطائفة بما رواه حفص بن غياث، و غياث بن كلوب، و نوح بن دراج، و السكوني و غيرهم من العامة.) و وجه كون هذا الكلام توثيقا للنوفلي، هو أن الراوي عن السكوني هو النوفلي غالبا، فعمل الأصحاب بروايات

السكوني يكون عملا برواية النوفلي- لا يخفى ما فيه، فان ظاهر الكلام المزبور هو توثيق السكوني، و أن كونه عاميا لا يضر باعتبار روايته عند الأصحاب. و أما سائر شرائط العمل بالخبر

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجزء (8) الباب: (37) من أبواب آداب السفر- الحديث: (1)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 186

[في الغيبة و حكمه]
اشارة

فجعل المؤمن أخا (1)

______________________________

الواحد فليس ذلك الكلام ناظرا إليها، و لذا لا يمكن دعوى اعتبار كل رواية يكون في سندها أحد هؤلاء الجماعة. هذا مع أن رواية غير النوفلي عن السكوني غير عزيز فلاحظ الروايات. الكثيرة المتفرقة في أبواب الفقه و في أسانيدها السكوني أو إسماعيل بن مسلم.

(1) أى انه سبحانه و تعالى شبه عرض المؤمن بلحم الأخ، و جعل التعرض لعرضه و إظهار سوئه أكلا للحم الأخ، و شبه عدم حضوره عند التعرض لعرضه بموته، و قال عز من قائل أَ يُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ و أورد على ذلك الإيرواني (ره) بأنه لا يناسب العرض مع اللحم، و التعرض له مع الأكل، و عدم الحضور مع الموت. و أي مناسبة تقتضي التشبيه المزبور، و فيه اشمئزاز الطباع.

و بعبارة أخرى لا يكون في البين تشبيه في ناحية الاجزاء المفروضة في قوله عز من قائل وَ لٰا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً بل التشبيه ناظر الى الوزر، و أن وزر الغيبة كوزر أكل لحم الميت. و هذا الوزر إما من قبيل العقاب على العمل حيث يكلف المغتاب بالكسر في الآخرة بأكل لحم الموتى؟ أو من باب تجسم الأعمال، حيث تكون الغيبة في الدار الآخرة أكل لحم الميت. و قد ورد في رواية نوف البكالي عن أمير المؤمنين (ع) «اجتنب عن

الغيبة فإنها إدام كلاب النار» «1».

أقول: لم يظهر اشمئزاز الطباع بالإضافة إلى التشبيه في الأجزاء، كيف و قد عبر في بعض الروايات المعتبرة عن الغيبة بأكل لحوم الناس، كما في صحيحة أبي بصير عن ابى جعفر (ع) قال قال رسول اللّه (ص): «سباب المؤمن فسوق، و قتاله كفر، و أكل لحمه معصية، و حرمة ماله كحرمة دمه) «2» فإن إطلاق أكل اللحم على الغيبة في قوله (و أكل لحمه معصية) بالنظر الى الدنيا، حيث انها دار المعصية

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجزء (8) الباب: (152) من أبواب أحكام العشرة- الحديث: (16)

(2) وسائل الشيعة الجزء (8) الباب: (152) من أبواب أحكام العشرة- الحديث: (12)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 187

و قوله تعالى وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ (1) و قوله إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفٰاحِشَةُ (2) بل أشد من بعضها (3)

______________________________

و وعاء العصيان، و رواية نوف البكالي- مضافا الى ضعف سندها- لا دلالة لها على تعيين غذاء المغتابين بالكسر يوم القيمة. و لعل كلاب النار غيرهم.

(1) لا يخفى أن الهمز أو اللمز ذكر العيب و تنقيص الآخر في حضوره أو غيابه و الغيبة- على ما سيأتي- إظهار عيب أخيه المستور عليه، فتكون النسبة بينها و بين المراد من الهمز أو اللمز العموم من وجه، فإنه ربما يكون التنقيص بذكر عيبه الظاهر، فلا تكون غيبة. و ربما يكون إظهار عيبه المستور عليه بداع آخر غير هتكه و تنقيصه، فلا يكون همزا و لمزا، و قد يجتمعان و لا يصح جعل الدليل على حرمة أحد العنوانين كذلك دليلا على حرمة الآخر.

(2) لا يخفى أن إضافة الشياع إلى شي ء قابل للكثرة و التكرار، ظاهرها كثرته وجودا لا

بيانه و إظهاره، فالآية المباركة ظاهرها حرمة دعوة المؤمنين و تحريصهم الى الفواحش في مقابل نهيهم عن المنكرات. نعم في صحيحة محمد بن حمران دلالة على عموم الآية للغيبة أيضا، حيث قال فيها أبو عبد اللّه (ع)، من قال في مؤمن ما رأته عيناه و سمعته أذناه، فهو من الذين قال اللّه عز و جل إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفٰاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذٰابٌ أَلِيمٌ «1» و لكن الاعتماد عليها خارج عن الاستدلال بالآية.

(3) لا يخفى كون الغيبة أشد من كبيرة في الوزر، و إن كان مقتضاه أنها ايضا من الكبائر، إلا أن كونها أشد من كبيرة في التخلص عن وزرها لا يقتضي ذلك، كما إذا كانت الغيبة من حقوق الناس و حرمة شرب الخمر من حقوق اللّه، فالتخلص عن وزر شرب الخمر يكون بمجرد التوبة، بخلاف وزر الغيبة، فمثل هذه الأشدية لا

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجزء (8) الباب: (152) من أبواب أحكام العشرة- الحديث: (6)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 188

فيجوز اغتياب المخالف (1).

______________________________

تقتضي أن تكون الغيبة من الكبائر و المروي- عن النبي (ص) بعدة طرق (أن الغيبة أشد من الزنا)- ناظر إلى مرحلة التخلص عن الوزر، كما هو مفاد ذيله من قوله: (إن الرجل يزني فيتوب.).

نعم روى أن الغيبة أشد من ستة و ثلاثين زنية، و ذكر العدد ظاهره النظر الى العقاب، و إلا لكان الأنسب أن يقول (الغيبة أشد من الزنا) و لكنه نبوي مرسل لا يمكن الاعتماد عليه، بل لو كان حديثا صحيحا، لكان اللازم تأويله لو لم يمكن طرحه، للجزم بأن الغيبة لا تكون أشد حرمة و وزرا من زنية واحدة، فضلا عن الثلاثين. و

لذا لو اكره على الزنا أو الغيبة تعين اختيار الثاني، و ذكرنا نظير ذلك فيما ورد من أن درهم ربا أشد من سبعين زنية كلها بذات محرم.

نعم يستفاد كون الغيبة كبيرة من صحيحة محمد بن حمران المتقدمة، حيث أن ظاهرها شمول ما أوعد اللّه عليه العذاب للغيبة أيضا، و ذكر المصنف (ره) وجها آخر لكونها كبيرة، و هو اندراجها في الخيانة. و فيه ان كون الغيبة من الخيانة ممنوع، كيف؟ و لو لم يكن في البين دليل على حرمتها بعنوان الغيبة، فباعتبار دخولها في الخبر الصدق كانت جائزة، بل على تقدير كونها خيانة، لما أمكن الحكم بكونها من الكبائر حيث لا دليل على كون الخيانة بمعناها العام من الكبائر. و العجب منه (ره) حيث أغمض في الاستدلال على كونها كبيرة عن آية وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ و عن قوله سبحانه إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفٰاحِشَةُ مع استدلاله بهما على حرمتها، مع أن الويل و الوعيد بالعذاب على عمل في الكتاب المجيد ملاك كون ذلك العمل من الكبائر.

(1) لا ينبغي التأمل و الريب في جواز اغتياب المخالف و سائر فرق الشيعة فيما إذا كان خلافهم أو مخالفتهم الحق بنحو التقصير، و لو بتركهم الفحص عن الحق، فإنهم في هذه الصورة من أظهر أفراد الفساق و المتجاهرين بفسقهم،

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 189

و عدم جريان أحكام الإسلام عليهم (1) ثم الظاهر دخول الصبي المميز (2)

______________________________

إذ التجاهر بترك الولاية الحقة لا يقصر عن التجاهر بترك سائر الواجبات و ارتكاب المحرمات الموجب لجواز الاغتياب على ما سيأتي، كيف؟ و أن الولاية من عماد الدين، و أهم ما بنى عليه السلام، على ما في الروايات

المعتبرة و بعضها مروية في الباب الأول من أبواب مقدمات العبادات، بل لا يبعد اندراج المخالفين و سائر الفرق في أهل البدع و الريب، مع تقصيرهم أو مطلقا، حيث ينسبون إلى الشريعة و الرسول الأكرم ما يبرأ منه الرسول (ص)، فيعمهم مثل صحيحة داود بن سرحان، عن ابى عبد اللّه (ع)، قال قال رسول اللّه (ص): إذا رأيتم أهل البدع و الريب من بعدي، فأظهروا البراءة منهم، و أكثروا من سبهم و القول فيهم و الوقيعة، و باهتوهم، كيلا يطمعوا في الفساد في الإسلام الحديث «1».

(1) أى انه لا يترتب على المخالفين إلا قليل من أحكام الإسلام، و ترتب هذا القليل لأجل توقف نظام معاش المؤمنين عليه، و من ذلك حكم الشارع بعدم انفعال ما يلاقيهم بالرطوبة، و حل ذبائحهم، و حل مناكحتهم، و حكمه باحترام دمائهم. و هذا الاحترام لأجل أن لا يوقعوا المؤمنين في الفتنة، و كحكمه بحرمة نسائهم، باعتبار أن الشارع امضى لكل قوم النكاح المرسوم عندهم.

(أقول) كل حكم ترتب في لسان الأدلة على الإسلام أو عنوان المسلم يترتب عليهم، كما يترتب على المؤمنين، و هذا ليس بقليل، فيثبت التوارث بينهم و بين المؤمنين، و يجب علينا تجهيز موتاهم، و هكذا. نعم الخلود الى الراحة بعد الموت و الدخول في الجنة في الدار الآخرة و غير ذلك من آثار الإطاعة و الايمان لا يثبت في حقهم، لبطلان أعمالهم باعتبار عدم التزامهم بالولاية التي شرط صحة الأعمال على الأظهر و هذا أمر آخر.

(2) لا يبعد شمول المراد من البعض في قوله سبحانه لٰا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجزء (11) الباب: (39) من أبواب الأمر و النهى- الحديث: (1)

إرشاد الطالب إلى التعليق على

المكاسب، ج 1، ص: 190

الغيبة اسم مصدر (1).

______________________________

الصبي المميز أيضا، غاية الأمر أن ما دل على رفع القلم عن الصبي حتى يحتلم يقتضي خروجه عن المراد بالبعض الأول، و ليس في البين ما يدل على تساوى البعضين في المراد، بل يكون في البين ما يقتضي عدمه، حيث أن المتجاهر بالفسق خارج عن المراد من البعض الثاني، و داخل في المراد من الأول كما لا يخفى. نعم في شمول الآيات و الروايات للمجنون بل الصبي غير المميز تأمل، و لا يبعد انصرافهما عنهما.

(1) بقي في المقام أمور: (الأول) أن الغيبة اسم مصدر لاغتاب، أو مصدر لغاب و المستفاد مما ذكر في المصباح أنها (ذكر الإنسان بما يكرهه من العيب الموجود فيه) كما أن المستفاد من القاموس أنها (ذكر العيب للإنسان مع كونه فيه) و ذكر المصنف (ره) أن ظاهر تعريفهما- خصوصا تعريف القاموس، حيث عد غابه مرادفا لعابه- هو كون ذكر العيب لغاية الانتقاص، أى نسبة النقص الى المغتاب بالفتح، و قد صرح باعتبار هذا القصد الشهيد الثاني (ره) في كشف الريبة، حيث قال: (إن الغيبة ذكر الإنسان في غيابه بما يكره نسبة اليه مما يعد نقصا في العرف بقصد الانتقاص و الذم) و على ذلك فلا يكون من الغيبة ذكر العيوب في غير مقام الانتقاص، كما إذا ذكرها في مقام المعاملة على الجارية، أو ذكرها في المعرف للشخص.

(لا يقال) يكون قصد الانتقاص بمجرد ذكر النقائص، فيحصل قصد الانتقاص في المثالين ايضا، فلا يكون المثالان خارجين عن عنوان الغيبة حتى على تعريف الشهيد (ره) (فإنه يقال): لو كان قصد الانتقاص حاصلا بمجرد ذكر العيب و النقص لكان اعتبار قيد قصد الانتقاص في تعريفه لغوا و الحاصل

أنه لا يلزم ان تكون الغاية في ذكر النقائص هو الانتقاص.

(أقول) على ذلك لم يتضح وجه استظهار قصد الانتقاص من كلام المصباح أو القاموس بعد إمكان كون الغاية في ذكر العيب و النقص أمرا آخر غير الانتقاص.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 191

..........

______________________________

و أما ما في المصباح من اعتبار كون العيب مما يكرهه المغتاب بالفتح، فالمراد كراهة ظهوره أو كراهة ذكره، و الأول كما في العيب المخفي، حيث أن المغتاب بالفتح كثيرا ما يكره ظهوره، و الثاني كما في العيب الظاهر، حيث أن الإنسان كثيرا ما يكره ذكره بذلك العيب تعييرا له أو في مقام ذمه. و الوجه في كون المراد ذلك هو أن الإنسان يجد في الغالب ما يرتكبه من القبائح موافقا لقواه الشهوية، فلا يكرهها، و إنما يكره ظهورها للناس أو ذكرها كما ذكرنا. و هذا كله فيما إذا كان المراد بما الموصولة هو العيب. و أما لو كان المراد به هو الكلام لكان معنى ما في المصباح اغتابه إذا ذكره بكلام يكره ذلك الكلام، و كراهة الكلام ايضا إما لكونه إظهارا لعيبه المستور عليه، أو لكونه متضمنا للذم و التعيير. و كيف كان، فهذا التعريف موافق لما رواه في المجالس و الاخبار من قوله (ص) لأبي ذر- بعد سؤاله بقوله يا رسول اللّه و ما الغيبة؟- «ذكرك أخاك بما يكره» «1» و نحوه نبوي آخر و لكن النبوي الأول كالثاني ضعيف سندا لا يمكن الاعتماد عليهما، مع أن في النسخة الموجودة عندي (ذكرك أخاك بما يكره) أى ما يكون مكروها. و هذه عبارة أخرى عن العيب، غاية الأمر يقيد بما إذا كان مستورا كما سيأتي.

و بعبارة أخرى لا دخل

لكراهة المغتاب بالفتح و عدم كراهته في صدق الغيبة على إظهار عيبه و لا في حرمتها، فإنه إذا فرض انسان له عيب مستور عليه، و لكن لا يكره ظهوره للناس بالاغتياب، لاعتقاده أن الاغتياب يوجب انتقال حسنات المغتاب بالكسر اليه، و انتقال سيئاته اليه. و لذا يرضى بفعل ذلك المغتاب، فلا إشكال في كون الفعل المزبور اغتيابا.

و على كل- فان ما ورد في تفسير الغيبة- و منها، حسنة عبد الرحمن بن سيابة- كاف في إثبات المراد بها، و أنها عبارة عن كشف عيب مستور على المؤمن. و يستفاد

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجزء (8) الباب: (152) من أبواب أحكام العشرة- الحديث: (9)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 192

..........

______________________________

من الآية المباركة أيضا ذلك، و أنه لا يجوز إظهار ما فيه نقص عرض المؤمن و سقوطه عن أعين الناس. و لا يفرق في ذلك بين إظهار عيبه في حضوره أو في غيابه، حتى و لو فرض أن الغيبة بمعناها الظاهر لا تشمل الأول، فإن العبرة بالملاك لكون حرمتها للتحفظ على كرامة المؤمن و عرضه و عدم سقوطه عن أعين الناس. و في موثقة أبي بصير عن ابى جعفر (ع)، قال قال رسول اللّه (ص): «سباب المؤمن فسوق، و قتاله كفر، و أكل لحمه معصية و حرمة ماله كحرمة دمه» «1» فان دلالتها على حرمة أكل لحم المؤمن و تنقيص عرضه واضحة. و في رواية أخرى لعبد الرحمن ابن سيابة، عن ابى عبد اللّه (ع)، قال: «إن من الغيبة أن تقول في أخيك ما ستره اللّه عليه، و إن من البهتان أن تقول في أخيك ما ليس فيه» «2» و ربما يستظهر منها عدم انحصار الغيبة

بإظهار عيب مستور على مؤمن، حيث ان ظاهر لفظة (من) هو التبعيض.

و لكن لا يخفى ان المراد في الرواية التبعيض بحسب المصداق، بمعنى أن قولك المزبور مصداق، و قول الآخر ذلك القول ايضا مصداق آخر، و هكذا. و الشاهد لكون التبعيض بحسب المصداق قوله بعد ذلك (و إن من البهتان) حيث أن من الظاهر عدم تعدد نوع البهتان، و في رواية داود بن سرحان، قال: «سألت أبا عبد اللّه (ع) عن الغيبة؟ قال: هو أن تقول لأخيك في دينك ما يفعل، و تبث عليه أمرا قد ستره اللّه عليه لم يقم عليه فيه حد «3».

و ربما يقال مقتضى ظهورها اختصاص الغيبة المحرمة بإظهار ما يكون في ارتكابه حد، و يجاب عن ذلك كما عن السيد الخوئي بأنه يرفع اليد عن القيد ببركة

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجزء (8) الباب: (158) من أبواب أحكام العشرة- الحديث: (3)

(2) وسائل الشيعة الجزء (8) الباب: (158) من أبواب أحكام العشرة- الحديث: (3)

(3) وسائل الشيعة الجزء (8): الباب (154) من أبواب أحكام العشرة- الحديث: (1)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 193

..........

______________________________

حسنة عبد الرحمن بن سيابة، قال: «سمعت أبا عبد اللّه (ع) يقول: الغيبة أن تقول في أخيك ما ستره اللّه عليه»، و أما الظاهر مثل الحدة و العجلة فلا. و اما البهتان أن تقول فيه ما ليس فيه» «1» و فيه أن مقتضى الجمع العرفي هو رفع اليد عن إطلاق الثانية بالقيد الوارد في الرواية الأولى. هذا، و لكن الصحيح أنه لا دلالة في الرواية الأولى على التقييد، فان عدم قيام الحد بمفاد ليس التامة يصدق على ما إذا لم يكن في ارتكابه حد، و لعل ذكر ذلك

باعتبار أن مع قيام الحد يكون الارتكاب ظاهرا عند الناس، فلا يكون في البين غيبة. و كشف عيب مستور، هذا مع ضعف سندها بمعلى بن محمد، فلا تصلح لرفع اليد بها عن إطلاق الحسنة.

(لا يقال) كيف تكون رواية عبد الرحمن حسنة، مع عدم التوثيق له (فإنه يقال) يعمه التوثيق العام الذي ذكره الشيخ (ره) في العدة، فإنه من مشايخ ابن ابى عمير.

ثم إن الظاهر صدق الستر و كون العيب مما ستره اللّه حتى لو علمه واحد أو اثنان أو ثلاثة، و إنما لا يصدق فيما إذا علمه جل معاشريه أو جماعة، بحيث يصح أن يقال: إنه مما عرفه الناس، و في رواية يحيى الأرزق، قال قال لي أبو الحسن (ع) «من ذكر رجلا من خلفه بما هو فيه مما عرفه الناس لم يغتبه، و من ذكره من خلفه بما هو فيه مما لا يعرفه الناس اغتابه، و من ذكره بما ليس فيه فقد بهته» «2» و لو كان عيب إنسان مستورا عند طائفة و ظاهرا عند الأخرى، فهل يجوز إظهار ذلك العيب عند الطائفة الأولى؟ قد يقال بعدم جواز الإظهار، باعتبار أنه و إن لم يكن إظهاره عندهم اغتيابا، و أنه عيب لم يستره اللّه على ذلك الإنسان، إلا أنه يعمه ما في موثقة

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجزء (8) الباب: (154) من أبواب أحكام العشرة- الحديث: (1)

(2) وسائل الشيعة الجزء (8) الباب: (154) من أبواب أحكام العشرة- الحديث: (2)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 194

ثم ان الظاهر المصرح به في بعض الروايات (1)

______________________________

ابى بصير المتقدمة من قوله (ع) (و أكل لحمه معصية للّه) فإن الإظهار المزبور أكل للحمه و إسقاط له عن

أعين الطائفة الأولى بلا كلام. و لكن الأظهر جوازه، فإنه لا ينبغي التأمل في جواز إظهار ذلك العيب عند الجاهل به من الطائفة الثانية، كما هو ظاهر الروايات الواردة في تحديد الغيبة و تفسيرها، و إذا جاز إظهار عيبه عنده، مع أنه إسقاط لعرضه عنده، جاز عند الطائفة الأولى أيضا، باعتبار عدم احتمال الفرق و بعبارة أخرى عدم احتمال الفرق موجب لرفع اليد في المورد عن إطلاق الموثقة المزبورة كما لا يخفى.

(1) قد تقدم أن حد الغيبة كشف ما ستره اللّه على المؤمن من عيبه، فلا يكون اغتياب في إظهار ما لا يكون من العيب، كما إذا قال انه ليس بمجتهد، أو ليس بأعلم، فان نفى الكمال لا يعد من إثبات العيب، حتى فيما إذا كان المنفي عنه مدعيا لذلك الكمال، كما لا يكون اغتياب في العيوب الظاهرة، أي في العيوب التي شأنها الظهور كالعور و الحول و القصر و سوء الخلق و نحوها، أو كان من الممكن ستره و لكن اللّه لم يستره على صاحبه، كما إذا علم الناس به.

و يدل على ذلك مضافا الى ما تقدم ما في حسنة عبد الرحمن بن سيابة المتقدمة من قوله عليه السلام: (و اما الأمر الظاهر مثل الحدة و العجلة فلا) و على ذلك فلا بأس بإظهار العيوب الظاهرة لمن لا يعلم بها نعم يجب أن لا يكون بعنوان الإهانة و قصد هتكه، بل بداع آخر و لو كان ذلك مجرد اطلاع الطرف عليه، فإنه سيأتي عدم جواز إهانة المؤمن غير المتجاهر بفسقه.

ثم إنه ليس المراد بالعيب في المقام خصوص الفسق، بل كل ما يكون مستورا على الإنسان و في إظهاره مهانة لكرامته و أكل للحمه، فاظهاره

اغتياب له، كما إذا قال: (إنه حال صباه فعل كذا أو كان أبوه كذا) نعم في رواية داود بن سرحان (هو إن تقول لأخيك في دينه ما لم يفعل، و تبث عليه) إلا أنها مع ضعف سندها يمكن المناقشة في دلالتها أيضا كما لا يخفى.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 195

و ان كان بحيث يكره كلهم (1) مقتضى كونها من حقوق الناس (2).

______________________________

(1) لا يخفى أنه مع عدم تعيين المغتاب بالفتح و إن لا يكون كشف لعيبه المستور عليه، فلا يصدق على الإظهار المزبور عنوان الغيبة، إلا أن ملاك حرمتها و هو إيراد النقص على مؤمن، و إسقاطه عن أعين الناس بل عنوان أكل لحمه الوارد في موثقة أبي بصير المتقدمة موجود بالإضافة الى كل منهما، فإنه بذلك يكون كل منهما معرضا للتهمة. و أما كراهة كل منهما و عدمه، فقد تقدم أنه لا دخل لكراهة الطرف في تحقق عنوان الغيبة، بل و لا في حرمة الإظهار و عدمها. و من ذلك يظهر حال ما إذا قال أهل هذه القرية أو البلدة كذا، و كان عليه غالبهم، حيث أنه إن أراد الكل كان بهتانا و ان أراد الغالب و كان الموجود ما ستره اللّه عليهم فهو اغتياب حكما، و إلا فلا بأس بذلك القول.

(2) بعض الروايات المتقدمة دالة على وجوب الاستحلال، و مقتضى إطلاقها كون وجوبه تعيينيا، كما أن رواية حفص بن عمر «1» المعبر عنها في كلام المصنف (ره) برواية السكوني دالة على لزوم الاستغفار للمغتاب بالفتح، و مقتضى إطلاقها أيضا تعيينه، فقيل برفع اليد عن كلا الإطلاقين بحمل الوجوب فيهما على التخييري، كما هو مقتضى الجمع العرفي بين الأمر بفعل

في خطاب و الأمر بالفعل الآخر في خطاب آخر، و فيه ان هذا النحو من الجمع في المقام غير ممكن، لما ورد من كون الغيبة أشد من الزنا في التخلص عن وزرها، و مع التخيير بين الاستحلال و الاستغفار لا يكون في البين ما يوجب كون التخلص من وزرها أشد، مع ان الجمع بحمل الفعل في كل من الخطابين على التخييري يختص بما إذا علم بعدم وجوب كلا الفعلين معا، كما في مسألة دلالة إحدى الروايتين على وجوب صلاة الجمعة، و الأخرى على وجوب صلاة الظهر، حيث يعلم بعدم وجوب كلتا الصلاتين معا.

و أما فيما احتمل وجوب كل منهما تعيينا، فيؤخذ بإطلاق الوجوب في كل منهما.

______________________________

(1) وسائل الشيعة: الجزء (8) الباب: (155) من أبواب أحكام العشرة- الحديث: (1)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 196

..........

______________________________

(لا يقال): ظاهر كل من الروايتين عدم وجوب الفعل الآخر، فان مقتضى رواية حفص بن عمر كون الاستغفار للمغتاب بالفتح كافيا في تكفير ذنب الاغتياب فلا حاجة معه الى الاستحلال، كما أن ظاهر النبوي كون الاستحلال كافيا، و لا حاجة معه الى الاستغفار له.

(فإنه يقال) نعم هذا الظهور إطلاقي و من باب السكوت في مقام بيان كفارة الاغتياب، فينتفى هذا الإطلاق عن كل من الطائفتين بقرينة الأخرى، فإن مدلول رواية حفص عدم الحاجة الى غير الاستغفار من سائر الأفعال، و منها الاستحلال، فيرفع اليد عن الإطلاق بالإضافة إلى الاستحلال و كذا الحال في ناحية النبوي، حيث ان مدلوله ايضا عدم الحاجة الى غير الاستحلال من سائر الأفعال، و منها الاستغفار للمغتاب، فيرفع اليد بالإضافة إلى الاستغفار.

و الحاصل أن مقتضى الجمع العرفي بين الروايتين هو الالتزام بوجوب كلا الأمرين، و

هذا يناسب ايضا كون الغيبة أشد من الزنا كما لا يخفى. نعم يبقى في البين أن هذا الجمع فرع اعتبار كل من الطائفتين، و مع ضعف سندهما لا يمكن الاعتماد عليهما حتى يجمع بينهما بما ذكر، و ربما يجمع بينهما بحمل لزوم الاستحلال على صورة التمكن، و عدم الفتنة في الاستحلال، و الاستغفار على صورة عدم التمكن أو احتمال وقوع الفتنة.

و يقال إن رواية السكوني شاهدة لذلك، قال أبو عبد اللّه (ع) على ما في الرواية «قال رسول اللّه (ص): من ظلم أحدا وفاته فليستغفر اللّه فإنه كفارة له» «1» و فيه (أولا) ان الرواية ضعيفة بالنوفلي كما تقدم بيان ذلك سابقا، و (ثانيا) انه لا دلالة فيها على الاستغفار للمظلوم، و (ثالثا) كون الغيبة ظلما على المغتاب بالفتح أول الكلام، و لذا لو لم يكن في البين أدلة تحريم الغيبة و أكل لحم المؤمن لما كانت أدلة تحريم الظلم كافية لإثباتها، مع انه ليس الظلم مطلقا من حقوق الناس كما في الزنا فإنه لا يجب على الزاني مثلا في توبته الاستحلال من أب البنت أو زوج المرأة ممن يكون

______________________________

(1) الوسائل الجزء (11) الباب (78) الحديث (5)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 197

[موارد جواز الغيبة]
اشارة

فاعلم ان المستفاد من الاخبار المتقدمة (1).

______________________________

عرضه مع ظهور الزنا مورد المناقشة بين الناس، و من هنا يظهر عدم الدلالة في الدعاء المنقول عن السجاد سلام اللّه عليه على كون الغيبة من الظلامة التي يجب الاستحلال منها.

و الأظهر أنه بعد ملاحظة ضعف الأخبار الدالة على كونها من حقوق الناس، و أنه يتوقف التخلص عنها على الاستحلال أو الاستغفار، أو بعد تساقط كلتا الطائفتين بالمعارضة كما مر يرجع الى

إطلاق ما دل على كون التوبة مكفرة للسيئات، و أن التائب عن ذنبه كمن لا ذنب له، و أنه كفى في التوبة الندم فراجع. و لا تصل النوبة مع هذا الإطلاق الى الأصل العملي، ليقال أن مقتضى حكم العقل في مثل المقام هو الجمع بين الأمور التي يحتمل دخلها في التخلص عن الوزر الثابت على المكلف، و لكن مع ذلك لا ينبغي ترك الاحتياط.

(1) و حاصله أنه يستفاد من الاخبار أن ملاك حرمة الغيبة حصول انتقاص المؤمن بها و سقوطه عن أعين الناس و لأنه يتأذى بها، و إذا فرض أن مصلحة رعايتها راجحة على رعاية ملاك الغيبة كانت جائزة، و لا فرق بين كون تلك المصلحة راجعة إلى المغتاب بالكسر، كما إذا كانت غيبته مانعة له عن المنكر، أو الى المغتاب بالفتح كما إذا كانت غيبته تظلما و موجبا لاسترداد حقه، أو إلى شخص ثالث، كما في نصح المستشير، حيث ان المصلحة ترجع الى ذلك المستشير. و المراد بالجواز معناه الأعم، فلا ينافي كونها واجبة كما في الموارد التي تكون المصلحة المترتبة عليها لازمة الرعاية. و هذا- أي رعاية المصلحة الراجحة- لا يختص بالمقام، بل يجري في كل مورد ثبت فيه ملاكان سواء كان ذلك المورد من حقوق اللّه فقط أو حقوق الناس ايضا، و يشير الى ذلك ما في جامع المقاصد من أن ضابط الغيبة المحرمة كل فعل يقصد به هتك عرض المؤمن أو التفكه به أو إضحاك الناس منه.

و أما ما كان لغرض صحيح فلا يحرم، كنصح المستشير و التظلم و سماع التظلم و الجرح و التعديل، ورد من ادعى نسبا ليس له، و القدح في مقالة باطلة خصوصا في الدين.

(أقول) ان

كون الملاك في حرمة الغيبة سقوط المغتاب بالفتح عن أعين

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 198

..........

______________________________

الناس صحيح، و لكن لا يكون تأذيه ملاكا، فإنه ربما لا يكون في البين تأذ، كما إذا لم يسمع المغتاب ما قيل في غيابه أو في وجهه، و يكون تأذيه ناشئا عن بلوغ ما قيل في غيابه اليه. و هذا الإبلاغ الذي يحصل معه تأذيه فعل شخص آخر غير المغتاب بالكسر، و لذا ربما يقول المغتاب بالفتح لمن أبلغها اليه لم أخبرتني بها، فإن إخبارك إيذاء لي.

ثم إن ما ذكر من رعاية المصلحة الراجحة موقوفة على الاطلاع على الملاكات، و أين لنا ذلك، بل هذه الرعاية المصلحة الراجحة موقوفة على الاطلاع على الملاكات، و أين لنا ذلك، بل هذه الرعاية من وظيفة الشارع في مقام جعل الأحكام، فإنه إذا كانت مع المفسدة في الفعل جهة أخرى مقتضية لخلاف حرمته، ففي مثل ذلك يكون الجعل تابعا لاقوى الملاكين، أو يثبت حكم ترخيصي مع عدم تمامية الملاك الإلزامي. هذا في مقام الثبوت، و أما في مقام الإثبات، فإذا طرأ على غيبة المؤمن عنوان يحتمل معه تبدل فسادها، و لم يكن ذلك العنوان الطارئ مورد الأمر أو الترخيص في شي ء من الخطابات الشرعية، فيؤخذ بإطلاق دليل حرمة الغيبة، و مع تعلق الأمر أو الترخيص بذلك العنوان في خطاب، تلاحظ النسبة بينه و بين خطاب النهى عن الغيبة، على تفصيل مذكور في بحث التعارض. نعم إذا كان التزاحم بين حرمة الغيبة و تكليف آخر من قبيل التزاحم بين التكليفين، بأن لم يتمكن المكلف من الجمع بين امتثال النهى عن الغيبة و موافقة التكليف الآخر المتعلق بفعل آخر، فيلاحظ الأهم منهما

أو محتملة.

و ما ذكره في جامع المقاصد- من ان ضابط حرمة الغيبة قصد هتك المؤمن و إضحاك الناس منه، فلا يكون في غير ذلك حرمة- لا يمكن المساعدة عليه، فان القصد المزبور لا دخل له في صدق الغيبة، و لا في ملاك حرمتها و مقتضى الإطلاق هو الحكم بها بأي قصد تحققت، إلا إذا كان في البين انصراف أو دليل مقيد لحرمتها. و لا بأس بالتعرض للموارد التي ذكرها في جامع المقاصد، فنقول لا ريب في جواز الغيبة فيما

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 199

[أحدهما ما إذا كان متجاهرا بالفسق]

أحدهما ما إذا كان متجاهرا بالفسق (1)

______________________________

إذا كانت المقالة الباطلة من قبيل البدعة في الدين، و دعوة الناس الى الضلالة. و قد تقدم استفادة جواز الغيبة في مثل هذا الفرض من صحيحة داود بن سرحان «1» بل البدعة كذلك تجاهر بالفسق فلا يكون لصاحبها حرمة. و أما التعديل و الجرح، فإن الأول لا بأس به فإنه إظهار جلال الشخص و كماله، و كذا لا بأس بالثاني فيما إذا كان المغتاب كذابا جعالا أو متجاهرا بفسقه، كما إذا كان فطحيا أو واقفيا أو عاميا، حيث أن الراوي الكذاب يدخل في المبدع في الدين حتى فيما إذا كان متسترا بكذبه، بل و لا يبعد أن يقال بانصراف أدلة حرمة الغيبة عن الاخبار بالفسق في مقام الشهادة، كما كان على ذلك سيرة المسلمين، حيث كانوا يشهدون بفسق الناس عند دعوتهم إليها.

هذا مع أنه قد يمكن للرجالى- فيما إذا علم فسق الراوي- أن يترك توثيقه، فان هذا يكفي في سقوط روايته عن الاعتبار، و لا يلزم التعرض لفسقه المستور (فتأمل)، و كذا الحال في مدعى النسب، فإنه يمكن رد دعواه

بنحو لا يكون ظاهرا في كون دعواه من قبيل التعمد الى الكذب، كما إذا قال انك على خطأ و ليس لك هذا النسب. و أما الغيبة في مقام النصح، ففي جوازها تأمل، حيث ان النسبة- بين ما دل على استحباب نصح المؤمن و ما دل على حرمة الغيبة- العموم من وجه، و لا بد في مورد الاجتماع من تقديم قوله سبحانه وَ لٰا يَغْتَبْ كما هو الحال في كل مورد تعارض الخبر و الآية بالعموم من وجه، مع ان دلالة الآية على العموم وضعي، فيقدم على الإطلاقي حتى فيما إذا كان الإطلاقي في الآية أيضا، و تفصيل ذلك في الأصول. و على كل فيمكن نصح المؤمن في ذلك المورد بنحو لا يدخل في عنوان الاغتياب، كما إذا قال لأخيه المؤمن أنى لا أرى صلاحا في تزويج ابنتك من فلان، و لا يلزم ان يظهر أنه شارب الخمر مثلا.

(1) و يستدل على جواز اغتياب المتجاهر بفسقه بأمور: (الأول)- رواية هارون ابن الجهم عن الصادق (ع) قال: «إذا جاهر الفاسق بفسقه فلا حرمة له و لا غيبة» «2»

______________________________

(1) الوسائل الجزء (11) الباب: (39) من أبواب الأمر بالمعروف الحديث (1)

(2) الوسائل الجزء (8) الباب: (154) من أبواب العشرة الحديث (4)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 200

..........

______________________________

و في سندها احمد بن هارون و لم يوثق. نعم روى الصدوق (ره) عنه مترضيا عليه، و لعل ذلك لا يخلو عن الإشعار إلى حسن حاله، و لكن لاعتبار بالاشعار.

(الثاني)- مرسلة المفيد (ره) في الاختصاص عن الرضا (ع)، قال: من القى جلباب الحياء فلا غيبة له على ما رواها في المستدرك.

(الثالث)- ما رواه عبد اللّه بن جعفر الحميري عن السندي

بن محمد، عن أبي البختري عن جعفر بن محمد عن أبيه قال: «ثلاثة ليس لهم حرمة: صاحب هوى مبتدع، و الامام الجائر، و الفاسق المعلن بالفسق» «1» و الرواية ضعيفة بأبي البختري، فإنه وهب بن وهب، و قال الفضل بن شاذان في حقه أنه أكذب البرية.

(الرابع)- موثقة سماعة عن ابى عبد اللّه (ع) قال: من عامل الناس فلم يظلمهم، و حدثهم فلم يكذبهم، و وعدهم فلم يخلفهم، كان ممن حرمت غيبته و كملت مروته و ظهر عدله و وجبت أخوته» فإن مفهومها انتفاء حرمة الغيبة مع انتفاء الشرط، و لكن المفهوم جواز غيبة الفاسق المحرز فسقه، سواء كان متجاهرا أو متسترا، حيث أن المذكورات في الشرط بمجموعها طريق إلى عدالة الشخص، فيكون إحرازها إحرازا لعدالته و خلافها إحرازا لفسقه، و ترتب حرمة الاغتياب على صورة ثبوت الطريق الى عدالته مقتضاه عدم الحرمة في الصورة الثانية، كان متجاهرا بفسقه أم لا، و المفهوم المزبور أخص مما دل على حرمة اغتياب المؤمن، فيرفع اليد عن إطلاقه بالمفهوم، فيختص ما دل على حرمة الاغتياب بما إذا لم يظهر فسق المغتاب. و لا فرق في جوازها مع ظهوره بين كونه متجاهرا أو لا.

و لكن الصحيح أنه يرفع اليد عن إطلاق المفهوم بالتقييد الوارد في صحيحة ابن ابى يعفور التي هي الأمر الخامس في المقام قال أبو عبد اللّه (ع) فيها بعد السؤال

______________________________

(1) الوسائل- الجزء (8) الباب: (154) من أبواب العشرة الحديث (5)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 201

..........

______________________________

عن العدالة في الرجل: «تعرفوه بالستر و العفاف و كف البطن و الفرج و اليد و اللسان- الى ان قال:- و الدلالة على ذلك أن يكون ساترا لجميع

عيوبه حتى يحرم على المسلمين ما وراء ذلك من تفتيش عثراته و عيوبه، فان ظاهرها اعتبار الستر في حرمة الفحص، عن عيوبه فيجوز مع عدم الستر، و لا يحتمل الفرق في الجواز و عدمه بين التفتيش عن سائر عيوبه و بين إظهارها بعد العلم بها. و هذه الصحيحة مع رواية هارون ابن الجهم تكون قرينة على رفع اليد عن إطلاق المفهوم في الموثقة.

(السادس) رواية علقمة المحكية عن المحاسن «من لم تره بعينك يرتكب ذنبا و لم يشهد عليه شاهدان، فهو من أهل العدالة و الستر، و شهادته مقبولة، و إن كان في نفسه مذنبا، و من اغتابه بما فيه فهو خارج عن ولاية اللّه تعالى داخل في ولاية الشيطان» و ظاهرها أن حرمة الاغتياب متفرعة على كون الشخص من أهل الستر، و قبول شهادته على كونه من أهل العدالة. و مقتضى هذا التفريع جواز اغتيابه عند عدم كونه من أهل الستر. و دعوى- أن قوله (ع): (و من اغتابه بما فيه) جملة مستأنفة مستقلة و غير متفرعة على كونه من أهل الستر، فتكون دلالتها على جواز اغتياب غيره ممن لا يكون ساترا لعيوبه من قبيل مفهوم اللقب- يدفعها أنها خلاف ظاهرها. نعم يمكن أن يقال بدلالتها على عدم جواز الاغتياب مع عدم إحراز فسق الشخص، كما إذا لم تره منه و لم تقم عليه شهادة. و على جوازه مع علمه به أو قيام الشهادة عليه، بلا فرق بين المتجاهر و غيره، نظير الإطلاق المتقدم في الموثقة. و ما رفعنا به اليد عن الإطلاق المزبور نرفع اليد به عن إطلاق هذه الرواية أيضا.

و قد يقال: إن مفهوم رواية علقمة سالبة بانتفاء الموضوع، فان مفهومها من ترى

بعينك عصيانه أو قام عليه شهادة، فليس من أهل العدالة و الستر، فلا تكون شهادته مقبولة و غيبته محرمة. و المراد أنه لا يكون ذكره عندك غيبة، فإنها كشف أمر مستور، و مع العلم به لا يكون كشف للمستور.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 202

و هل يجوز اغتياب المتجاهر في غير ما تجاهر به (1)

______________________________

و فيه ما لا يخفى، فإنه لم يفرض في الرواية ذكر ذلك الذنب حتى يقال لا يكون ذكره عند العالم به اغتيابا، بل المراد نفى الحرمة عن ذكر سائر عيوبه التي لا يعلم بها الشخص، و يكون ذكرها من الغيبة، فلا بد من حملها على المتجاهر كما تقدم.

ثم إني لا أظن أن يتوهم دلالة الموثقة على وجوب الوفاء بالوعد و ذلك، لما ذكرنا من ان المذكور فيها طريق إلى عدالة الشخص، و يمكن جعل الالتزام بالمستحب الواحد طريقا إلى عدالة الشخص، فضلا عن جعل عدة أمور يكون الالتزام به أحدها.

نعم ربما يقال بأن مدلول الموثقة ترتب مجموع الأحكام المذكورة في الجزاء على الشرط المذكور، فيكون مفهومها انتفاء المجموع بانتفاء الشرط، و هذا لا ينافي ثبوت بعض تلك الأحكام أي حرمة الغيبة في فرض انتفاء الشرط. و يدفعه ظهور القضية في ترتب كل واحد من الأحكام المزبورة على الشرط.

ثم إن مفاد رواية علقمة كون الأصل في المؤمن العدالة، فيكفي في ترتيب آثارها عدم إحراز الفسق، هذا هو المنسوب الى الصدوق (ره)، و لكن الاعتماد- في ذلك على هذه الرواية مع ضعفها سندا و معارضتها لما دل على اعتبار إحراز العدالة في ترتيب آثارها، كصحيحة عبد اللّه بن أبى يعفور- غير ممكن.

(1) الأظهر جواز ذلك، كما عليه جماعة، و تقتضيه

صحيحة ابن ابى يعفور، حيث أن ظاهرها جواز تفتيش سائر عيوب المتجاهر، فيجوز أيضا إظهار تلك العيوب بعد العلم بها، على ما تقدم من عدم احتمال الفصل بين الجوازين، و يدل عليه أيضا رواية هارون بن الجهم المتقدمة، حيث أن ظاهرها عدم الاحترام للمتجاهر حتى يتحفظ عليه بترك غيبته و عدم إظهار عيوبه المستورة عليه، بل المراد من نفى الغيبة له تجويز إظهار تلك العيوب خاصة، و الا فبالاضافة الى عيبه المتجاهر به لا تتحقق الغيبة أصلا.

و الحاصل أن هذه الرواية- و ما بعدها باعتبار ضعف إسنادها- مؤيدة، و العمدة

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 203

نعم لو تأذى من ذمه بذلك دون ظهوره (1)

[الثاني تظلم المظلوم]

الثاني تظلم المظلوم و إظهار ما فعل به الظالم (2)

______________________________

في المقام الصحيحة و الموثقة. و مما ذكر يظهر الحال فيما إذا كان متجاهرا في بلد دون آخر، فإنه يجوز بيان عيوبه حتى في البلد الآخر لعين ما ذكر. نعم إذا كان ساترا لعيوبه و معتذرا عن عيبه المتجاهر به بارتكابه للاضطرار أو الإكراه أو التزاحم بينه.

و بين التكليف الآخر، أو بدعوى أنه يرى جوازه تقليدا أو اجتهادا، فان كان بطلان اعتذاره واضحا عند الناس فلا يعد الاعتذار سترا، و ان احتمل العذر و لو كان معلوم البطلان عند البعض الآخر، فلا يكون بارتكابه جاهرا بفسقه.

ثم إن ظاهر الأدلة كون الحكم ما دام كونه جاهرا، نظير قوله (ع): «لا تصل خلف الفاسق» فلا يجوز الاغتياب بعد ما صار الشخص ساترا لعيوبه، حتى بإظهار عيبه الذي كان عليه زمان تجاهره كما لا يخفى.

(1) يعنى لو تأذى بالذم لا بظهور عيبه، بان لا يكون مجرد ظهوره مكروها له، فلا بأس

باغتيابه بإظهار ذلك العيب و في فرض كراهته له يجوز سبه بما لا يكون كذبا، و لكن لا يجوز اغتيابه حيث ان مناط السب المذمة و التنقيص، فيجوز و مناط الغيبة إظهار عيبه، فلا يجوز الا مع الرخصة أو عدم الكراهة (أقول): هذا الكلام عجيب منه (ره) حيث تعرض سابقا لسب المتجاهر بفسقه و استظهر جوازه من دليل جواز اغتيابه، و هنا فصل بين غيبة المتجاهر و ذكر عدم جوازها فيما إذا كان ظهور عيبه مكروها و بين سبه و ذكر جوازه بما لا يكون كذبا حتى مع تأذية.

(2) يستدل على جواز تظلم المظلوم عن ظالمة بقوله سبحانه وَ لَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولٰئِكَ مٰا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ «1» و لكن لا يخفى ما فيه، فان ظاهرها جواز انتقام المظلوم عن ظالمة، كما يؤيده ملاحظة ما قبلها من قوله عز و جل وَ جَزٰاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهٰا فَمَنْ عَفٰا وَ أَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللّٰهِ إِنَّهُ لٰا يُحِبُّ الظّٰالِمِينَ «2» و اما جواز

______________________________

(1) سورة (شورى) الاية (40)

(2) سورة (شورى) الاية (39)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 204

..........

______________________________

الاغتياب من ظالمة بإظهار ظلمه أو حتى سائر عيوبه المستورة عليه، فلا دلالة لها عليه، بل مقتضى قوله تعالى فَمَنِ اعْتَدىٰ عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدىٰ عَلَيْكُمْ المماثلة في الانتقام. نعم لو كان ظلمه هو الاغتياب و التنقيص المسقط للمغتاب بالفتح عن أعين الناس، فيجوز للمغتاب الانتقام من ظالمة بإظهار عيوبه، و قوله سبحانه لٰا يُحِبُّ اللّٰهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلّٰا مَنْ ظُلِمَ فإنه في نفسه دال على جواز إظهار المظلوم مساوئ ظالمة، بلا حاجة الى الرواية أو قول بعض المفسرين، لان قوله سبحانه

مِنَ الْقَوْلِ كما مر سابقا بيان للجهر بالسوء و إظهاره.

و الحاصل ان ظاهر الآية حرمة إظهار الإنسان المساوئ و القبائح التي ارتكبها هو أو غيره، إلا إذا كان الجاهر بها مظلوما يجهر بمساوئ ظالمة، و مناسبة الحكم و الموضوع مقتضاها دخل الظلم في جواز الاغتياب، بحيث لو لا ظلمه لما جاز اغتيابه و أما اختصاص الجواز بخصوص ظلمه بحيث لا يجوز إظهار سائر عيوبه، فلا تقتضيه المناسبة، بل مقتضاها بيان جميعها حتى يحصل للناس إمكان التصديق بظلمه.

ثم ان المصنف (ره) أيد جواز التظلم بأن في منع المظلوم عنه حرجا عليه، حيث ان التظلم نوع من التشفي. و لا يخفى ما فيه، فإنه ليس في البين الحرج الرافع للتكليف، خصوصا فيما إذا كان للمظلوم حجة على ظالمة تمكنه من طرح دعواه في المحاكم للأخذ بحقه، و بان في جواز التظلم و تشريع الجواز مظنة ردع للظالم. و فيه ان هذا على تقدير تماميته لا يختص بالمظلوم، لعدم اختصاص منع الغير عن المنكر بشخص دون شخص. و بهذا يظهر الحال فيما استظهره مما ورد في اغتياب الإمام الجائر، حيث أن جواز اغتيابه لا يختص بخصوص المظلوم، بل يعم كل شخص، فيجوز لهم ذكر عيوبه. نعم في النبوي لصاحب الحق مقال، و ظاهره جواز إظهار المظلوم حقه و بيان ما اصابه من الظلم و لو كان البيان إظهارا لعيب الآخر.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 205

مع أن المروي عن الباقر (ع) في تفسيرها (1) و يظهر من بعض الاخبار جواز الاشتكاء (2) و يمكن الاستدلال عليه (3).

______________________________

و الحاصل أن قوله سبحانه لٰا يُحِبُّ اللّٰهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ بنفسه كاف في إثبات جواز بيان المظلوم عيوب ظالمة،

بلا فرق بين كون عيبه ظلما أو غيره، و بلا فرق بين ان يكون في إظهارها مظنة ازالة الظلم عنه، كما إذا أظهرها عند من يمكن له إزالته، أو لم يكن في إظهارها إلا بيان عيوبه و إسقاطه عن أعين الناس، كما هو مقتضى إطلاق الاستثناء و عدم تقييده بمقام مظنة دفع الظلم. و ما في كلام المصنف (ره) من عدم العموم في الآية، فإن أراد نفى الإطلاق فقد ذكرنا ثبوته كما هو مقتضى أصالة ورودها في مقام البيان من جهتي المستثنى و المستثنى منه و إن أراد عدم العموم الوضعي فإثبات عموم الجواز لا يحتاج اليه كما مر.

(1) لا يخفى أن قوله سبحانه لٰا يُحِبُّ اللّٰهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ بنفسه ظاهر في أنه يجوز للمظلوم اغتياب ظالمة، و يكون الانتصار باغتيابه مما يجوز الانتصار به في الدين، فالرواية لا تنافي الآية، بل الآية حاكمة على مفادها مع أنه لا يمكن رفع اليد عن ظاهرها بمثل تلك المرسلة.

(2) و هي رواية حماد بن عثمان «1» و في سندها ضعف بمعلى بن محمد، و على رواية الشيخ (ره) بمحمد بن يحيى الصيرفي، و مرسلة ثعلبة بن ميمون «2» و لا دلالة لهما ايضا على جواز الاغتياب بترك الأولى فإن الشكوى لا يكون من الاغتياب دائما و لعل الشكوى المفروضة في الروايتين لم تكن اغتيابا.

(3) أى على جواز الاغتياب في مقام الاستفتاء مع توقفه عليه (لا يقال) كما يمكن الاستفتاء بإظهار السائل عيب أمه و سوئها، كذلك يمكن بطرح السؤال بنحو الفرض و التقدير، بان يقول لو ارتكبت أم أحد الفعل الفلاني فما وظيفة ابنها، و طرح السؤال

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجزء (13) الباب: (16) من أبواب الدين-

الحديث: (1)

(2) وسائل الشيعة الجزء (8) الباب: (56) من أبواب العشرة- الحديث: (1)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 206

مدفوع بالأصل (1) مضافا الى أدلة النهي عن المنكر (2)

______________________________

في الرواية بنحو الاغتياب و عدم ردع النبي (ص) دليل على جواز الاستفتاء بنحو الاغتياب حتى مع عدم توقفه على ذكر الفاعل بالخصوص (فإنه يقال) لا إطلاق في الرواية، فإنها ناظرة إلى قضية شخصية، و لعل السائل كان غافلا عن طرح السؤال فيها بالنحو الآخر.

و الحاصل ان المتيقن هو الجواز في صورة توقف الاستفتاء كما لا يخفى.

(1) الرجوع في المقام الى الأصل من الغرائب، فإن أم السائل جاهرة بفسقها أو لا لا يكون له أثر شرعي بالإضافة إلينا، حتى نرجع الى الأصل، بل ظاهر الرواية انه لم يردع رسول اللّه (ص) الولد عن اغتياب أمه أو قذفها، و عدم ردعه (ص) يكون كاشفا عن جواز فعل الولد، إما لكونها مشهورة بالزنا أو لكون ذكرها للغفلة أو لغيرها، و ليس في البين ما يعين شيئا من ذلك.

(2) و لكن مجرد عموم أدلتها لما إذا توقف النهى على الاغتياب أو على محرم آخر لا يوجب تقديم النهى عن المنكر، بل وجوبه مع حرمة الاغتياب أو محرم آخر من المتزاحمين يراعى جانب الأهم أو محتمله، و لا يبعد ان يستفاد الأهمية في جانب التكليف بالردع في مورد تزاحمه مع حرمة الغيبة أو مثل الضرب أو الشتم من مثل صحيحة عبد اللّه بن سنان المتضمنة لأمر الولد بحبس أمه لردعها عن محارم اللّه.

و الحاصل انه لا ينبغي التأمل في جواز الاغتياب فيما إذا توقف عليه الأمر بالمعروف أو الردع عن المنكر، فإنه على تقدير عدم استفادة تعين رعايتهما عن

الصحيحة فلا ريب في استفادة جوازهما، فإن غاية الأمر ان وجوب الردع مع حرمة الاغتياب في مورد التوقف من المتزاحمين، و تكون الأهمية في كل منهما محتملة، و الحكم مع احتمالها في كل من المتزاحمين هو التخيير اللهم الا ان يقال بان الأمر بالمعروف و الردع عن المنكر لا يجبان مع انحصار مقدمتهما بالمحرم.

ثم إن التزاحم إنما يكون في فرض توقف النهى عن المنكر على الاغتياب بأن توقف ردع المغتاب عن الفعل المنكر على الاغتياب أولا ثم نهيه عنه حتى يؤثر في

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 207

[و يحرم استماع الغيبة]

و يحرم استماع الغيبة (1).

______________________________

الارتداع. و أما إذا كان الاغتياب بنفسه كافيا في ارتداعه، كان خطاب وجوب نهى الغير و ردعه عن ارتكاب المنكر مع خطاب النهى عن الاغتياب من المتعارضين يجتمعان في الفرض، و بما أن الكتاب المجيد دال على كلا الحكمين يسقط الإطلاق من الخطابين، فيحكم في الفرض بجواز الاغتياب بأصالة البراءة عن حرمته كما لا يخفى (لا يقال): دلالة النهي عن الاغتياب في الكتاب المجيد بالعموم، كما هو مقتضى وقوع الجنس في حيز النهي أو النفي، و دلالة الكتاب على وجوب الأمر بالمعروف و النهى عن المنكر بالإطلاق و مع وقوع المعارضة بالعموم من وجه يقدم العموم على الإطلاق، كما هو المقرر في محله (فإنه يقال): نعم، و لكن يستفاد جواز الاغتياب في الفرض من صحيحة عبد اللّه بن سنان، و ذلك فان قوله سبحانه فَلٰا تَقُلْ لَهُمٰا أُفٍّ دلالته على حرمة إيذائها بحبسها أو ضربها بالعموم و دلالة الكتاب على أمرها بالمعروف و نهيها عن المنكر بالإطلاق. و مع ذلك ذكر سلام اللّه عليه فيها أن منعها عن المنكر

بما ذكر من أفضل الصدقة. و لا يحتمل الفرق بين جواز ضربها و حبسها و بين اغتيابها.

و على الجملة ما ذكر في محله من تقديم العموم على الإطلاق فيما لم تكن قرينة أخرى على الجمع، و الصحيحة في المقام قرينة عليه و لكن لا يخفى أنه لا يستفاد منها وجوب منعها عن المنكر بما ذكر، بل غاية مدلولها جواز المنع أو استحبابه في مورد توقف المنع على مثل الضرب و الحبس أو اتحاده معهما، و عدم إمكان المنع بغيرهما كما لا يخفى.

(1) و حاصله أن الاستماع و الإصغاء إلى الاغتياب محرم بلا خلاف، و يدل عليه بل على كونه من الكبائر ما ورد من أن السامع للغيبة أحد المغتابين، فإنه ان كان لفظ المغتابين بصيغة التثنية يكون ظاهرا في ان السامع للغيبة كصاحبه الذي أظهر سوء الآخر و عيبه، فان كان المغتاب بالكسر عاصيا بإظهاره كان السامع ايضا كذلك، و إن لم يكن عاصيا كما إذا كان المغتاب بالفتح متجاهرا بالفسق لم يكن

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 208

..........

______________________________

عصيان للسامع ايضا، و إذا لم يعلم السامع جواز فعل المتكلم، كما إذا احتمل كون المغتاب بالفتح مستورا، فالاستماع اليه- على ما قيل- جائز لحمل فعل المتكلم على الصحة.

قال في كشف الريبة: (إذا سمع أحد مغتابا لآخر و هو لا يعلم أن المغتاب بالفتح يستحق الغيبة أو لا، قيل لا يجب نهى القائل، لإمكان استحقاق المغتاب بالفتح فيحمل فعل القائل على الصحة ما دام لم يعلم فساد قوله و حرمته، و ايضا منع القائل و نهيه عن قوله يستلزم انتهاك حرمة القائل، و يجب على السامع التحفظ على حرمة القائل، كما يجب عليه

التحفظ على حرمة المغتاب بالفتح بترك اغتيابه) ثم قال:

(الاولى التنزه عن ذلك حتى يخرج المخرج منه، لعموم الأدلة أى أدلة وجوب رد الغيبة و انتصار المؤمن و عدم الاستفصال فيها عن إحراز كون القائل ممن لا يجوز له الاغتياب، فيجب معه رد الغيبة و نهيه عنها و عن احتمال جوازه له، فلا يجب ردها و نهيه عنها، و لانه لو لم يجب رد الغيبة في فرض احتمال جواز الاغتياب للقائل لم يجب ردها فيما إذا أحرز أن المغتاب بالفتح انسان مستور لا يجوز اغتيابه، فإنه في الفرض ايضا يحتمل ان يكون عند القائل مجوز لاغتيابه لم نعثر عليه و الالتزام بالجواز في ذلك هدم لقاعدة النهي عن الغيبة) انتهى.

و لا يخفى ان عدم وجوب ردع القائل كما في كلام كشف الريبة غير جواز الاستماع، و يمكن أن يقال بعدم وجوب الرد على القائل في مورد احتمال جواز اغتيابه، و لكن لا يجوز الاستماع اليه، و هذا ظاهر قوله (ع) السامع للغيبة أحد المغتابين على تقدير قراءته بصيغة الجمع، حيث أن مقتضى قراءته بصيغة الجمع أن يكون السامع للغيبة كالمتكلم بها، و كما لا يجوز الاغتياب و إظهار سوء الغير مع عدم إحراز كون فاعل المنكر متجاهرا، كذلك لا يجوز السماع مع عدم هذا الإحراز، و لكن يظهر التسالم أو عدم الخلاف في حرمة استماع الغيبة بما هو استماع

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 209

..........

______________________________

إليها و ليس في البين رواية على تحريمه غير مثل ما عن تفسير ابى الفتوح من أن السامع للغيبة أحد المغتابين، و لا يمكن الاعتماد على مثلها في الحكم بحرمة استماعها، فضلا عن الحكم بكون الاستماع من الكبائر.

نعم رد الغيبة واجب على سامعها كما هو ظاهر غير واحد من الروايات كموثقة إبراهيم بن عمر اليماني عن ابى عبد اللّه (ع)، قال: «ما من مؤمن يخذل أخاه المؤمن و هو يقدر على نصرته الا خذله اللّه في الدنيا و الآخرة «1»» و المراد بالخذلان ترك النصرة بقرينة المقابلة.

و قريب منها بل أظهر منها غيرها فراجع، و مقتضاها عدم الفرق في وجوب الرد بين علم السامع بان المغتاب بالفتح ممن لا يجوز اغتيابه أو احتمل جوازه. نعم في الفرض الثاني لا يجوز الرد بنحو يكون هتكا للمغتاب بالكسر و منافيا لحمل فعله على الصحيح، بمعنى عدم صدور المعصية منه، فيجب عليه الرد بنحو يحفظ فيه كرامة المغتاب بالفتح و الحمل على الصحة.

و المتحصل أن هنا أمورا ثلاثة: (الأول) نهى القائل عن الاغتياب باعتبار أن نهيه عنه داخل في عنوان النهى عن المنكر، فيجب، و يختص بما إذا أحرز صدور الحرام عن القائل، و كون اغتيابه معصية للّه سبحانه. و أما إذا احتمل صدوره حلالا، فمقتضى أصالة حمل فعله على الصحة عدم وجوب نهيه، بل لا يجب النهى حتى مع الإغماض عن أصالة الصحة، حيث أن التمسك بدليل وجوب النهى عن المنكر مع عدم إحراز المنكر من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية.

(الثاني) الاستماع الى الاغتياب، فهذا جائز عندنا على الإطلاق، و لكن المنسوب الى المشهور، بل ادعى كما عن المصنف (ره) عدم الخلاف في حرمته.

و الاستماع عندهم جائز فيما إذا أحرز جواز الاغتياب، و أما إذا احتمل جوازه فيمكن لهم القول بالجواز، حيث أن مفاد الروايات كون حكم المستمع في الوزر و عدمه حكم المغتاب بالكسر، و مع جريان أصالة الصحة في فعل المغتاب بالكسر

يحرز عدم الوزر له.

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجزء (8) الباب (146) من أبواب العشرة- الحديث: (9)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 210

..........

______________________________

(لا يقال) حمل فعل القائل على الصحة ينافي أصالة عدم كون المغتاب بالفتح متجاهرا حتى يجوز اغتيابه، بل الأصل أنه لم يرتكب حراما أصلا (فإنه يقال) أصالة الصحة في فعل القائل لا ينافي تلك الأصول، فإن أصالة الصحة معناها عدم إسناد المعصية إلى القائل، كما هو مفاد قوله سبحانه قُولُوا لِلنّٰاسِ حُسْناً و يمكن أن يكون القائل معذورا لم يعص اللّه في اغتيابه، بان كان معتقدا بصدور الحرام من الغير، و كون ذلك الغير متجاهرا مع خطأه في اعتقاده، و لا يكون ذلك الغير ايضا عاصيا في الواقع، كما هو مفاد أصالة عدم كونه متجاهرا، بل و لا مرتكبا للحرام، و لكن الصحيح كما ذكرنا عدم تمام الدليل على حرمة الاستماع، حتى في فرض إحراز ان القائل يعصى اللّه باغتيابه، و ذلك فان الروايات الواردة في المقام كلها ضعيفة سندا، غير قابلة للاعتماد عليها.

(لا يقال): لا يمكن احتمال كذب تمام تلك الروايات و عدم صدور شي ء منها عن الامام (ع) بل دعوى الوثوق بصدور بعضها عنهم (ع) قريبة جدا (فإنه يقال) على تقدير تسليم ذلك، فيمكن أن يكون الصادر عنهم (ع) مقترنا بقيد لم ينقل إلينا ذلك القيد، و هو الاستماع الى الاغتياب مع السكوت عليه، و عدم رده، و لا يعتبر السند في شي ء من تلك الروايات. ليقال مقتضى اعتبار خبر الثقة أو العدل هو الإطلاق، و عدم صدور القيد عنه (ع).

(لا يقال) كيف لا يكون الاستماع محرما و قد ورد في غير واحد من الروايات أن عورة المؤمن على المؤمن

حرام، و فسرت بإذاعة سره، و أيضا قد تقدم أن الغيبة معناها كشف ستر المؤمن، و الكشف و الإذاعة- كما يكون بفعل القائل- كذلك يكون بفعل السامع، حيث أنه مع استماعه إلى الغيبة يحصل الكشف و الإذاعة، (فإنه يقال): ربما يكون حصول فعل من أحد موقوفا على فعل الآخر، كما في ضرب زيد عمرا، فان وقوف عمرو و عدم فراره من يد زيد دخيل في تحقق الضرب، و

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 211

ثم انه قد يتضاعف عقاب المغتاب (1) و يمكن القول بتعدد العقاب (2) روى في الوسائل (3) يرحم عبرته (4)

______________________________

حصول عنوانه، إلا أن الضرب يستند صدورا الى زيد، لا الى عمرو، فلو فرض دليل على حرمة ضرب أحد مؤمنا، فهذا الدليل يشمل فعل زيد لا عمرو، و هنا ايضا استماع السامع دخيل في حصول كشف سر المؤمن و اذاعة عيبه، إلا أن الكشف و الإذاعة يستند إلى القائل أي إلى المغتاب بالكسر لا الى السامع كما لا يخفى.

(و الأمر الثالث) رد الغيبة و انتصار أخيه المؤمن أى المغتاب بالفتح، و هذا الانتصار كما تقدم واجب إلا فيما إذا لم يكن للمغتاب بالفتح احترام، كما إذا كان متجاهرا بالفسق، و هذا الرد غير النهى عن المنكر، فيمكن الجمع بين حمل فعل القائل على الصحة، بمعنى عدم اسناد الحرام اليه، و بين التحفظ على كرامة المغتاب بالفتح برد غيبته و اللّه سبحانه هو العالم.

(1) كما تشهد له موثقة عمرو بن خالد عن زيد بن على عن آبائه عن على (ع) قال قال رسول اللّه (ص): «يجي ء يوم القيامة ذو الوجهين والعا لسانه في قفاه، و آخر من قدامه يلتهبان نارا

حتى يلهبا جسده ثم يقال كان في الدنيا ذا وجهين و لسانين يعرف بذلك يوم القيمة» «1»، و نحوها غيرها.

(2) هذا إذا كانت الغيبة بمعنى ذكر ما يكرهه الإنسان، و الا فهي بالمعنى الذي ذكرناه و هو كشف العيب المستور على المؤمن لا تجتمع مع البهتان أصلا.

(3) الرواية سندها ضعيف «2».

(4) أى يترحم لدمعته و حزنه و يتلطف عليه.

______________________________

(1) وسائل الشيعة: الجزء (8) الباب: (143) من أبواب أحكام العشرة- الحديث (5).

(2) وسائل الشيعة الجزء (8) الباب (122) من أبواب أحكام العشرة- الحديث: (24).

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 212

يقيل عثرته (1) و يرعى ذمته (2) يستنجح مسألته (3) و يبر انعامه (4) و يصدق اقسامه (5) قوله (ره) لا يسلمه (6).

______________________________

(1) الإقالة بمعنى الفك و منه قوله يا مقيل العثرات، كأن المراد فكه عن الزلة و خلاصه عن خطأه.

(2) أى يرعى العهد إليه بأن لا ينقضه.

(3) أى يسعى في تحقيق حاجته إليه.

(4) أي يقبله و لا يرده.

(5) أى يحسبها صادقة على ما يقتضيه حمل فعل المسلم على الصحة بمعنى عدم صدور الحرام منه.

(6) من باب الأفعال أي لا يخذله، فيكون عطف لا يخذله عليه من التفسير.

ثم إنه ذكر المصنف (ره) ظهور الرواية في ثبوت الحقوق لكل مؤمن على أخيه المؤمن إلا انه لا بد من حملها على المؤمن العارف بحقوق الآخرين، و الراعي لها بحسب إمكانه، و ذكر في وجه الحمل أمورا:

(الأول) المقاصة فيها باعتبار وقوع التهاتر في الحقوق، كوقوعه في الأموال، فإن من لا يراعى حقك عليه، لا يلزم عليك، أداء مثل ذلك الحق إليه، حيث أن التهاتر كذلك أمر ارتكازي عند العقلاء في الأموال و غيرها، و يدل عليه ما

عن الصدوق في الخصال و كتاب الاخوان و الكليني بسندهما عن ابى جعفر (ع) قال: «قام الى أمير المؤمنين (ع) رجل بالبصرة، فقال أخبرنا عن الاخوان، فقال (ع): الاخوان صنفان إخوان الثقة و اخوان المكاشرة، فأما إخوان الثقة فهم كالكف و الجناح و الأهل و المال، فإذا كنت من أخيك على ثقة فابذل له مالك و يدك و صاف من صافاه، و عاد من عاداه، و أكتم سره و عيبه، و أظهر منه الحسن. و اعلم أيها السائل أنهم أعز من الكبريت الأحمر، و أما إخوان المكاشرة فإنك تصيب منهم لذتك فلا تقطعن ذلك منهم، و لا تطلبن ما وراء ذلك من ضميرهم، و ابذل لهم ما بذلوا لك من طلاقة الوجه

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 213

[القمار]
اشارة

و هنا مسائل أربع (1)

______________________________

و حلاوة اللسان» «1» فان المراد بكونه على ثقة من أخيه، الثقة من رعاية الحقوق، و مقتضاها أن من لا يراعى تلك الحقوق و لا يبذل لك غير طلاقة الوجه عند الملاقاة كما هو ظاهر المكاشرة، فليس عليك الا مثل ما بذله، دون الحقوق، و السند على رواية الكليني معتبر.

(أقول) ليس مقتضى هذه الرواية ان لا يجب مثل رد الغيبة على الشخص فيما إذا لم يراع المغتاب ردها في حقه، لما تقدم من أن ردها واجب على السامع، و ليس في البين ما يدل على كونه من الحقوق الساقطة بالتهاتر.

(الثاني)- ما دل على نفى الصداقة عمن لا يراعى حقوقها، و إذا لم يكن الشخص صديقا لك لا يكون أخا، و فيه الصداقة أخص من الأخوة، فلا يكون نفيها نفيا للاخوة حتى تنتفي الحقوق الثابتة لها.

(الثالث) ما دل على نفى

الأخوة عمن لا يواسي أخاه المؤمن، و فيه أن المراد نفى الأخوة الكاملة لا الأخوة في مجرد الايمان، و الا لجاز اغتيابه بمجرد تركه المواساة، و الحقوق في الرواية ثابتة للإخوة في الايمان، فلاحظ.

و لا يخفى ان المذكور في الرواية من الحقوق كسائر المستحبات التي لا يوجب عدم التمكن من رعايتها بالإضافة الى جميع المؤمنين إلا وقوع التزاحم بينها، لا سقوط استحبابها، فلا يقال بان عدم التمكن على جميعها باعتبار عدم سعة وقت الإنسان لأدائها قرينة على عدم استحبابها، و بعبارة أخرى عدم التمكن على الجمع بينها في الأداء لكل مؤمن، يوجب كونها كسائر المستحبات المتزاحمة، لا سقوط استحبابها.

(1) (الاولى) اللعب بالآلات مع العوض، و لا ينبغي الريب في حرمته و حرمة العوض، و يكفي في إثبات حرمة اللعب قوله عز من قائل إِنَّمَا الْخَمْرُ وَ الْمَيْسِرُ.

حتى إذا قلنا بأن المراد بالميسر هو الآلات لا نفس المقامرة، حيث أن تحريم تلك الآلات

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجزء (8) الباب: (3) من أبواب العشرة- الحديث: (1)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 214

..........

______________________________

معناه المنع عن اللعب بها بالعوض أو مطلقا كما لا يخفى، كما يكفي في حرمة العوض و عدم صيرورته ملكا للغالب، قوله سبحانه لٰا تَأْكُلُوا أَمْوٰالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبٰاطِلِ* حيث أن ظاهر الأكل كما تقدم التملك و وضع اليد، و مقتضى النهى عنه- كالنهي عن سائر المعاملات- هو الفساد و الحاصل أن اللعب بآلات القمار بداعي تملك العوض أمر محرم، و يكون أخذ العوض بإزاء غلبته في اللعب أكلا له بالباطل.

(الثانية) اللعب بآلات القمار بلا عوض، و الأظهر في هذه الصورة حرمة اللعب، كما هو مقتضى ظاهر صحيحة زيد الشحام قال: «سألت أبا عبد

اللّه (ع) عن قول اللّه عز و جل فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثٰانِ وَ اجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ قال: الرجس من الأوثان الشطرنج، و قول الزور الغناء» «1» و رواية السكوني عن ابى عبد اللّه (ع)، قال:

«نهى رسول اللّه (ص) عن اللعب بالشطرنج و النرد» «2» و نحوهما غيرهما. و دعوى- انصراف مثلهما الى ما إذا كان في اللعب عوض- لا يمكن المساعدة عليها، حيث أن اللعب بهما من غير عوض ليس بأمر نادر. لتكون ندرته منشأ له. نعم لا يمكن الاستدلال على حرمة هذا اللعب بما ورد في حرمة القمار، لا من جهة الانصراف الذي ذكره المصنف (ره) فإنه قابل للمنع، بل لعدم إحراز صدق القمار على اللعب بها من دون تعيين عوض للغالب.

ثم انه (ره) فرق بين رواية السكوني و بين رواية أبي الربيع الشامي عن ابى- عبد اللّه (ع) قال: «سئل عن الشطرنج و النرد، فقال: لا تقربوهما» «3» و ذكر أن دعوى الانصراف في الأولى قريبة، و في هذه بعيدة، و لكن لا يخفى ما فيه، فإنه إذا كانت كثرة الافراد موجبة للانصراف في الطبيعي، لكانت كثرة افراد القرب الى الآلات المزبورة أيضا موجبة للانصراف في لفظ معنى القرب المضاف الى تلك الآلات.

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجزء (12) الباب: (102) ما يكتسب به- الحديث: (1)

(2) وسائل الشيعة الجزء (12) الباب: (102) ما يكتسب به- الحديث: (9)

(3) وسائل الشيعة الجزء (12) الباب: (102) ما يكتسب به- الحديث: (10)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 215

و يؤيد الحكم (1)

______________________________

و ذكر بعد ذلك أن الاولى الاستدلال على حرمة اللعب في هذه الصورة برواية تحف العقول من قوله: «ما يجي ء منه الفساد محضا لا يجوز التقلب

فيه من جميع وجوه الحركات» و بما في تفسير القمي عن ابى الجارود في قوله تعالى إِنَّمَا الْخَمْرُ وَ الْمَيْسِرُ وَ الْأَنْصٰابُ وَ الْأَزْلٰامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطٰانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ قال: «أما الخمر فكل مسكر من الشراب- الى ان قال:- اما الميسر فالنرد و الشطرنج و كل قمار ميسر.

و اما الأنصاب فالأوثان التي كان يعبدها المشركون. و اما الأزلام، فالأقداح- الى ان قال:- كل هذا بيعه و شراؤه و الانتفاع بشي ء من هذا حرام من اللّه و هو رجس من عمل الشيطان».

(لا يقال) القمار في هذه الرواية منصرف الى ما إذا كان في اللعب رهن (فإنه يقال) ليس المراد معناه المصدري لتتم دعوى الانصراف، بل المراد آلاته بقرينة قوله. و كل هذا بيعه و شراؤه و بقرينة قوله قبل ذلك: (أما الميسر فهو النرد) حيث أن النرد اسم للالة، كما أن البيع، و الشراء يتعلق بالآلات لا باللعب.

(أقول) لا يخفى ما فيه، فان رواية تحف العقول- كما ذكرنا مرارا- لا تصلح للاعتماد عليها، مع أن كون الآلات مما يجي ء منها الفساد المحض أول الكلام، فإنه إذا جاز اللعب بها بلا عوض و رهن لا يكون فيها الفساد المحض. و أما رواية القمي فمع الإغماض عن ضعف سندها بالقطع، فيأتي فيها ما ذكره في الروايات السابقة من دعوى الانصراف، لا في قوله: (و كل قمار ميسر) حتى يقال أن القمار فيه ليس بمعناه المصدري، بل الانصراف في قوله: (و الانتفاع بشي ء من هذا حرام) حيث أن الانتفاع بها ينصرف الى فرده الشائع و هو اللعب مع العوض.

(1) لا يخفى أن الرهن و العوض و ان لم يكن دخيلا في كون اللعب بالآلات لهوا و باطلا،

إلا أنه لا دلالة لتلك الروايات على الحرمة، لأن مطلق الباطل و الاشتغال عن ذكر اللّه لا يكون محرما، و لذا جعلها (ره) مؤيدة للحكم.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 216

المراهنة على اللعب بغير الآلات المعدة للقمار (1)

______________________________

(1) (الثالثة) ما إذا كان اللعب بغير الآلات المعدة، و لكن مع الرهن على اللعب، و يظهر من كلمات جماعة في باب السبق و الرماية عدم الخلاف في حرمة هذا اللعب تكليفا كما يكون فاسدا، حيث قالوا: إنه لا خلاف. في حرمة السبق بغير المنصوص إذا كان في البين عوض. و أما إذا لم يكن عوض ففي حرمة السبق خلاف و ظاهر ذلك أن مورد الخلاف هنا- أى فيما إذا لم يكن في البين عوض و هي الحرمة تكليفا- مورد الوفاق هناك، أى فيما إذا كان في البين عوض، فان الفساد يعنى الحكم الوضعي لا يمكن كونه مورد الخلاف مع فرض عدم العوض في البين. و كيف كان فيلتزم في المقام- كما عن المصنف (ره) و غيره- بحرمة اللعب تكليفا و فساده وضعا، أى عدم صيرورة العوض ملكا للغالب، و يقال في وجهه أمور.

(الأول) ان اللعب مع الرهن قمار، كما يفصح عن ذلك رواية العلاء بن سيابة عن ابى عبد اللّه (ع) «أن الملائكة تحضر الرهان في الخف و الحافر و الريش، و ما سوى ذلك فهو قمار حرام» «1» و فيه ان الرواية لضعف سندها لا يمكن الاعتماد عليها. و الأخذ بإطلاق القمار في بعض الروايات يحتاج إلى إثبات عدم دخل الآلات في صدقه.

(الثاني) مرسلة الصدوق (ره) قال: «قال الصادق (ع): إن الملائكة لتنفر عند الرهان، و تلعن صاحبه ما خلا الحافر و الريش

و النصل» «2».

(الثالث) بما في تفسير العياشي عن ياسر الخادم عن الرضا (ع)، قال: «سألته عن الميسر قال: الثقل من كل شي ء، قال: و الثقل ما يخرج بين المتراهنين من الدراهم» «3» و لا يخفى أن مفاده حرمة العوض في كل رهان لا حرمة نفس الرهان

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجزء (13) الباب: (3- 1) من أبواب السبق- الحديث: (3)

(2) وسائل الشيعة الجزء (13) الباب: (3- 1) من أبواب السبق- الحديث: (6)

(3) وسائل الشيعة الجزء (12) باب: (104) من أبواب ما يكتسب به- الحديث: (1)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 217

فقد استظهر بعض مشايخنا المعاصرين اختصاص الحرمة بما كان بالآلات المعدة للقمار (1).

______________________________

و اللعب تكليفا، أضف الى ذلك ضعفه سندا و عدم كونه صالحا للاعتماد عليه.

(الرابع) صحيحة معمر بن خلاد عن ابى الحسن (ع)، قال: «النرد و الشطرنج و الأربعة عشر بمنزلة واحدة، و كل ما تقومر عليه فهو ميسر» «1» و لا يخفى أن العموم فيها ايضا باعتبار العوض في القمار.

(الخامس) رواية جابر عن ابى جعفر (ع)، قال: «قيل يا رسول اللّه ما الميسر؟

فقال كل ما تقومر به حتى الكعاب و الجوز» «2» (لا يقال) ضعف السند في بعض هذه الروايات منجبر بالشهرة و نفى الخلاف على ما تقدم، (فإنه يقال) لم يعلم استناد المشهور في التزامهم بالحرمة و الفساد الى هذه الروايات، بل لعلهم استفادوا الحكم مما ورد في حرمة الميسر و القمار تكليفا و وضعا أو استفاد بعضهم مما ورد من نفى السبق في غير الثلاثة، بدعوى ان المستفاد من النفي المزبور في غيرها، حرمته.

(1) الأظهر في المقام حرمة اللعب تكليفا و فساده وضعا، بمعنى عدم دخول العوض في ملك

الغالب في اللعب و يشهد لذلك ما رواه الصدوق (ره) بإسناده عن العلاء بن سيابة، قال: «سألت أبا عبد اللّه (ع) عن شهادة من يلعب بالحمام؟ قال: لا بأس إذا كان لا يعرف بفسق، قلت: من قبلنا يقولون، قال عمر هو شيطان، فقال: سبحان اللّه أ ما علمت ان رسول اللّه (ص) قال: إن الملائكة لتنفر عند الرهان و تلعن صاحبه ما خلا الحافر و الخف و الريش و النصل، فإنها تحضرها الملائكة.» «3» و سند الصدوق الى العلاء بن سيابة- كما ذكر في مشيخة الفقيه- صحيح، و العلاء ايضا لا بأس به،

______________________________

(1) وسائل الشيعة: الجزء (12) الباب: (104) من أبواب ما يكتسب به- الحديث: (1)

(2) وسائل الشيعة: الجزء (12) الباب: (33) من أبواب ما يكتسب به- الحديث: (4)

(3) وسائل الشيعة: الجزء (18) الباب: (33) من أبواب الشهادات- الحديث: (1)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 218

لا معنى لاستحباب الوفاء به (1)

______________________________

فإنه من مشايخ ابن ابى عمير، و ذكر الشيخ (ره) في عدته أنهم ثقات. و أما دلالتها على حرمة اللعب مع العوض فلأنها مقتضى لعن الملائكة صاحب الرهان، فان اللعن و ان أمكن ان يراد منه معنى يناسب كراهة الفعل ايضا، كما في لعن رسول اللّه (ص) آكل زاده وحده، و النائم في بيته وحده، و الراكب في الفلاة وحده، إلا أن ظاهره مع عدم القرينة على الخلاف حرمة الفعل، و إذا كان نفس اللعب مع الرهن محرما، كان أخذ الغالب العوض فاسدا، حيث أنه من أخذ العوض على اللعب المحرم. هذا مع أنه لا يبعد صدق القمار على اللعب المزبور، حيث ان اسناد الآلات الى القمار كإسناد سائر الآلات إلى سائر

الأفعال، كآلات القتل و الفتح و القرض الى غير ذلك و كما أنه لم تؤخذ الآلات في مفاهيم تلك الأفعال، كذلك لم تؤخذ الآلة في مفهوم القمار. و يؤيد ذلك ملاحظة كلام اللغويين. و ما تقدم مثل رواية جابر الدالة على أن الميسر كل ما تقومر به حتى الكعاب و الجوز، حيث لا يعد الكعاب و الجوز من آلات القمار. نعم لا بد في صدق القمار من كون الفعل الذي عين العوض على الغالب فيه لعبا، فلا يطلق القمار بمعناه الظاهر عند العرف على بعض الأفعال التي لا تعد من اللعب، حتى فيما إذا عين للغالب فيها عوض كالمسابقة على النجارة أو البناية أو الكتابة و نحوها من الصناعات، و لكن عدم صدقه عليها لا يمنع عن الالتزام بحرمة الرهان فيها ايضا، على ما استظهرناه من رواية العلاء ابن سيابة.

(1) أي إذا كانت المعاملة فاسدة، فالعهد الذي قطعه العاقد على نفسه لا يستحب الوفاء به، فان استحبابه ينافي فسادها، فان الوفاء في المقام عبارة عن تسليم العوض المفروض في المراهنة إلى الغالب بعنوان أنه ماله، و مع الفساد لا يكون مالا له.

نعم لو أريد صورة الوفاء بان يملكه المال بتمليك جديد مجانا، و مع الإغماض عن تلك المعاملة فلا فرق في جوازه بين القمار المحرم و اللعب الفاسد، غاية الأمر يكون التمليك الجديد مستحبا مع فساد اللعب. و لا يستحب في القمار المحرم (أقول)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 219

نعم عن الكافي و التهذيب بسندهما عن محمد بن قيس (1)

______________________________

لا فرق في الوفاء الصوري بين الصورتين، و الفرق باستحباب التمليك الجديد في اللعب الفاسد و عدم استحبابه في القمار بلا وجه.

(1) سندها

صحيح «1» و كلمة (آكل) في قوله (رجل آكل) من باب المفاعلة بمعنى المعاهدة على الأكل، و ربما يقال بظهورها في جواز المعاهدة المزبورة تكليفا من جهة سكوت الامام (ع)، و عدم ردعه، و من الظاهر أن المعاهدة على الأكل من قبيل الرهن على اللعب بغير الآلات، كالمراهنة على رفع الحجر الثقيل و المصارعة و الطفرة، نعم دلالتها على فسادها تامة، كما هو مقتضى منع الغرامة المفروضة في صورة عدم أكل الشاة بتمامها، و لكن لا يخفى أن دلالتها على الجواز بالإطلاق و السكوت في مقام البيان، و مع ورود النهي في سائر الروايات لا يتم الإطلاق، و أجاب المصنف (ره) عن الإطلاق بأن الإشكال في الرواية بعدم ردع الامام (ع) وارد، حتى على تقدير جواز المعاهدة المزبورة تكليفا، و ذلك فإن أكل الشاة بالمعاهدة الفاسدة كتصرف الطرف في مال صاحبه في سائر المعاملات الفاسدة محرم، مع أنه لم يذكر في الرواية ردعه (ع) عن أكلها. ثم أمر في آخر كلامه بالتأمل، و لعله لأجل الفرق بين المقام و سائر المعاملات الفاسدة، فإن التصرف في مثل المقام من قبيل إذن المالك في ماله، فإن أكل الشاة المفروضة باعتبار اباحة المالك و اذنه فيه حلال، حتى مع فساد المؤاكلة، حيث أن معنى فسادها عدم ترتب الضمان المزبور، و هذا بخلاف سائر المعاملات التي يكون تصرف الطرف فيها بعنوان كونه مالكا و ليس يملك مع فسادها حتى يجوز له التصرف. و أما الضمان فالظاهر أن أكل الشاة بتمامها شرط في اذن مالكها في أكلها مجانا، و لو بنحو الشرط المتأخر، فيكون أكلها ناقصا موجبا لضمانها بالقيمة كسائر القيميات، و على ذلك فالمراد في الرواية من نفى الغرامة

هي الغرامة المعينة في المؤاكلة كما هو معنى فسادها.

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجزء (16) الباب: (5) من أبواب الجعالة- الحديث-: (1)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 220

ثم ان حكم العوض من حيث الفساد (1)

______________________________

(1) و يجب رد عين العوض مع بقائه، و بدله مع تلفه، كما في جميع المعاملات الفاسدة المفروض فيها ضمان المال. و أما ما ورد من قي ء الامام (ع) البيض عند ما قيل له: إن الغلام قامر به، فهو لا ينافي ما ذكرنا من ضمان البدل مع التلف، فإن القي ء لأجل أن لا يصير البيض المزبور جزءا من بدنه الشريف، لا من جهة رده الى مالكه.

و هذه الرواية في سندها عبد الحميد بن سعيد و هو من مشايخ صفوان بن يحيى. و قد وثقهم الشيخ (ره) في عدته، قال: بعث أبو الحسن (ع) غلاما يشترى له بيضا فأخذ الغلام البيضة أو بيضتين فقامر بها، فلما أتى به اكله، فقال له مولى له إن فيه من القمار، قال فدعا بطشت فتقيأ فقاءه» «1».

و فيها إشكال من جهة ارتكاب المعصوم (ع) ما هو حرام واقعا، لكنه ضعيف فإن الإمام (ع) لا يمكن غفلته أو جهله بالأحكام المجعولة، في الشريعة حيث ان ذلك ينافي كونه هاديا و دليلا على الحق و مبينا لاحكام الشرع. و أما الموضوعات الخارجية فعلمه (ع) بجميعها مطلقا أو عند إرادته الاطلاع عليها فلا سبيل لنا الى الجزم بشي ء حتى نجعله منشأ الاشكال في مثل الرواية، و ذكر السيد الخوئي طال بقاؤه أن الاشكال على أكله (ع) البيض المفروض يتم بتسليم أمرين: (أحدهما)- عدم إمكان جهله عليه السلام بالموضوعات أصلا. (ثانيهما) كونه (ع) مكلفا بالعمل حتى بعلمه الحاصل له

بالإمامة. و أما إذا قيل بكونه مكلفا بالعمل بالحجة المتعارفة عند الناس من قاعدة اليد و أصالة الصحة و أصالة الحل و غيرها، فلا بأس بالأكل المزبور أخذا بالحجة الشرعية.

ثم إنه إذا علم (ع) الحال بالطريق المتعارف يعني أخبار مولى له بكون البيض من الحرام، تقيأ تنزها لئلا يصير الحرام الواقعي جزءا من بدنه الشريف، مع عدم كون هذا حكما إلزاميا. و فيه أنه لا يمكن إجراؤه (ع) أصالة الصحة أو غيرها في عمله

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجزء (12) الباب: (35) من أبواب ما يكتسب به حديث: (2)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 221

إلا أن يقال بأن مجرد التصرف من المحرمات العلمية (1). الرابعة المغالبة بغير عوض (2)

______________________________

مع علمه بالواقع، فان المقوم لموضوع الحكم الظاهري الجهل بالواقع و المفروض انتفاؤه في حقه (ع)، فدعوى كونه (ع) مكلفا بمقتضى الحجج الظاهرية الثابتة للجاهل بالواقع، مع علمه (ع) بالواقع كما ترى، فإنه من قبيل ثبوت الحكم بدون موضوعه.

(1) كيف لا تثبت الحرمة للأكل مع الجهل، مع أن الموضوع لها مال الغير من غير تجارة أو من غير رضاه. و بعبارة أخرى مفسدة أكل الحرام و ترتبها عليه حتى حال الجهل به يوجب إنشاء الحرمة حتى مع الجهل، غاية الأمر الجهل بكونه مال الغير عذر في مخالفة الحرمة الواقعية، كما في جميع المحرمات الواقعية، فإنه تثبت عند الجهل بها أحكام ظاهرية، بخلافها، حيث إن الحكم الظاهري لا ينافي الحرمة الواقعية حتى يوجب تقييدا في إطلاق خطاب تلك الحرمة. و الحاصل أنه لو كانت العصمة منافية لارتكاب الحرام الواقعي و لو مع عدم تنجزه، لما كان ما ذكره المصنف (ره) صالحا لدفع المنافاة.

(2) الصورة الرابعة المغالبة

بغير الآلات بلا عوض، و لا ينبغي التأمل في جوازها، فإنه مقتضى الأصل، بعد عدم شمول ما دل على حرمة القمار و الرهان للفرض، حيث أن المأخوذ في معناهما بحسب المتفاهم العرفي العوض. و يطلق عليهما المراهنة بهذا الاعتبار، كما أنه لم يقم دليل على حرمة مطلق اللهو و الباطل، حتى تدخل فيه المغالبة في هذه الصورة. و لا يمكن ايضا استظهار الحرمة من حسنة حفص عن ابى عبد اللّه (ع)، قال: «لا سبق إلا في خف أو حافر أو نصل» «1» اى النصال، حيث ان من المحتمل كون السبق بفتح الباء- كما نسبه في المسالك الى المشهور- بمعنى العوض، و نفيه في غير الثلاثة عبارة أخرى عن عدم صيرورة العوض ملكا للغالب في المسابقة، بل على تقدير كونه بسكون الباء، فيحتمل أن يكون المراد

______________________________

(1) وسائل الشيعة: الجزء (13) الباب: (3) من أبواب أحكام السبق- الحديث: (1)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 222

كما يدل عليه ما تقدم من إطلاق الرواية بكون اللعب بالنرد أو الشطرنج بدون العوض قمارا (1) و يشهد له إطلاق آلة القمار (2).

______________________________

نفى استحباب المسابقة في غير الثلاثة. نعم ما ذكره المصنف- (ره) من انصراف السبق بسكون الباء إلى صورة الرهن، و يكون ظاهر نفيه، فساده كما هو مقتضى النهى عن المعاملة- لا يمكن المساعدة عليه، فإنه لا وجه للانصراف بعد كونه بمعناه المصدري عاما يشمل المسابقة مع الرهن و بدونه، و المسابقة بلا رهن كثيرة لا نادرة حتى يتوهم أن ندرتها موجبة له.

(1) ذكر في بعض الروايات أن الشطرنج و النرد ميسر و قمار، و ظاهره كون اللعب بهما ميسرا، حتى فيما لم يكن في البين عوض،

لان كونهما مع العوض قمارا لا يحتاج الى البيان، إلا أن هذا الحكم تعبدي. و الغرض بيان حرمة اللعب بهما و لو بلا عوض، و اما لان القمار بمعناه العرفي يصدق عليهما بدون العوض، فلا معين له، و لا يمكن التمسك بأصالة الحقيقة، لإثبات عدم دخالة العوض، لانه لا اعتبار بها مع العلم بالمراد كما لا يخفى.

(2) قد ذكرنا سابقا أن لفظ القمار بمعناه المصدري لا يزيد على سائر الألفاظ الدالة على المعاني الحدثية في أن الآلة لا تكون مقومة و داخلة في مفاهيمها، بخلاف العوض، فإنه داخل في مفهومها. و الشاهد لذلك الاستعمالات العرفية. و أما ما ذكره المصنف (ره)- من أن إطلاق آلة القمار عليها موقوف على عدم دخول الآلة في مفهوم القمار، أو ما ذكره السيد الخوئي طال بقاؤه من أن لازم دخول الآلة في معنى القمار عدم صدقه على المراهنة بالآلات المخترعة جديدا و لزوم الدور- فلا يمكن المساعدة على شي ء من ذلك، فإنه يمكن أن لا يكون المأخوذ في معنى القمار خصوص الآلات في ذلك الزمان، بل الأعم منها بحيث يعم الآلة المخترعة فعلا، و- أخذ الآلة كذلك في اللعب بحيث يكون نفس الآلة خارجا عن دائرة المعنى و التقييد بها داخلا- لا يوجب أى محذور لا الدور و لا غيره، فإنه على ذلك يكون معنى لفظ

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 223

[بقي في المقام أمران]

______________________________

القمار الحصة من المراهنة لا مطلقا، و اضافة تلك الآلات الى القمار تكون بمعنى في، كما في قولنا، العوض و الرهن في القمار.

بقي في المقام أمران: (الأول) ان حكم المبارأة المتعارفة المسماة بكرة القدم و الطائرة أو السلة) و غيرها التي يعين فيها

الجائزة من الحكومات أو الأندية للفائزين، و لا يكون اللعب فيها بآلات القمار، و الأظهر جوازها تكليفا و وضعا، فتكون الجائزة للفائز كأسا كانت أو غيره، و ذلك فان المحكوم عليه بالحرمة هو القمار و المراهنة و اللعب بالآلات المعدة للقمار. و المفروض عدم كون المبارأة لعبا بآلات القمار، كما ان عنوان القمار أو المراهنة لا ينطبق عليها، حيث أن المعتبر فيهما كون المال من المغلوب، و لا يعمان ما إذا كانت هبة من شخص ثالث للفائز، كما صرح بذلك بعض أهل اللغة، و يظهر أيضا بمراجعة الاستعمالات العرفية، و ان لم يكن هذا جزميا، فلا أقل من احتماله، و هذا يمنع عن الرجوع الى إطلاق خطاب حرمة القمار أو المراهنة، و إذا جاز اللعب صح تملك الجائزة أخذا بإطلاق دليل الهبة أو الجعالة أو غيرهما.

(الثاني): في حكم شراء الأوراق المرسومة في عصرنا المسماة بأوراق اليانصيب (بليط بخت آزمايى) و لا ينبغي الريب في بطلان بيعها و شرائها، حيث ان الأوراق لا تكون بنفسها أموالا، نظير الأوراق النقدية و الطوابع المالية و البريدية، ليكون أخذها من شراء الشي ء المحكوم عليه بالحلية تكليفا و وضعا، بل يكون إعطاء المال و بذله باعتبار الرقم الموجود في كل ورقة، لاحتمال وقوع الجائزة على ذلك الرقم، و لذا لو تلفت الورقة بان احترقت عند من يحتجزها، و ثبت ذلك عند المؤسسة، فإنها ربما تعطى الجائزة للشخص المزبور بوقوعها على ذلك الرقم. و الحاصل ان المبادلة واقعا بين المال و تلك الجائزة المحتمل وقوعها على الرقم، و الورقة سند لها، و هذا لا يكون بيعا صحيحا، فان المعتبر فيه وجود المبيع و العلم به، فيكون المقام نظير الشبكة المطروحة المحتمل

وقوع الصيد فيها، فإنه لا يصح تملك العوض بإزاء

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 224

[القيادة حرام]

القيادة حرام (1)

______________________________

الصيد المحتمل، بل هذا أشبه بالقمار، و يكون نظير القطعات من الخشب أو غيرها التي يكون في كل منها رقم، و يعين لبعض تلك الأرقام بعض الأموال و تطرح في الكيس، و يعطى انسان درهما أو أكثر و يخرج منها قطعة بداعي وقوع المال على الرقم فيها.

و الحاصل ان شراء الأوراق مندرج في البيع الفاسد فلا تكون الجائزة به ملكا لمشتري الورقة، و لو أخذها وجب المعاملة معها معاملة الأموال المجهول مالكها.

نعم مجرد شراء تلك أوراق لا يكون محرما تكليفا، لاعتبار اللعب في صدق القمار قطعا أو احتمالا، و معه لا يمكن الجزم بانطباق عنوان القمار عليه. هذا إذا لم يكن بذل المال لوكلاء المؤسسة بداعي التعاون في بناء المستشفيات و الجسور و غير ذلك من المصالح العامة، و الا فلا إشكال في جواز الإعطاء تكليفا و اللّه سبحانه هو العالم.

(1) لا ريب في حرمة الوساطة و السعى بين الشخصين لجمعهما على الوطء المحرم، و يكون أخذ المال بذلك أكله بالباطل، كما لا ينبغي الريب في كونها من الكبائر في الجملة، لقوله سبحانه إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفٰاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا. و أن للحاكم تعزير الساعي بما يراه مصلحة لنظام البلاد، و مناسبا لتأديبه.

و أما ثبوت الحد الشرعي- و نفيه عن المصر الذي هو فيه فضلا عن حلق رأسه و إشهاره- فلم يثبت. نعم ذكر الحد و النفي في رواية الكليني عن على بن إبراهيم عن أبيه عن محمد بن سليمان عن عبد اللّه بن سنان، إلا أن الرواية- لضعفها سندا- لا يمكن

الاعتماد عليها، و إن وصفها المصنف (ره) بالصحيحة، فإن الراوي عن عبد اللّه بن سنان لو لم يكن محمد بن سليمان الديلمي الضعيف، فلا أقل من كونه محتملا، ثم انه على تقدير اعتبار الرواية فلا يختص المذكور فيها بالرجل، بل يعم المرأة أيضا، لظهورها في كون المراد بالقواد فيها الجنس الشامل لها. و قد ذكرنا نظير ذلك في بعض ما ورد في محظورات الإحرام، و قلنا أن المحرم في الرواية باعتبار ظهوره

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 225

[القيافة]

و في المصباح هو الذي يعرف الآثار (1) و في المحكي عن الخصال (2)

______________________________

في الجنس يعم المرأة قال: «قلت لأبي عبد اللّه (ع): أخبرني عن القواد ما حده؟

قال: لا حد على القواد، أ ليس انما يعطى الأجر على ان يقود؟ قلت: جعلت فداك إنما يجمع بين الذكر و الأنثى حراما: قال: ذاك المؤلف بين الذكر و الأنثى حراما فقلت هو ذاك، قال يضرب ثلاثة أرباع حد الزاني خمسة و سبعين سوطا و ينفى من المصر الذي هو فيه» «1».

(1) يعني القائف من يعرف آثار الإنسان و علاماته كما إذا نظر الى آثار القدم الباقية على الأرض بعد المشي، فيعرف أنها منسوبة الى أى شخص، و زاد في مجمع البحرين و أنه يعرف شبه الإنسان بأخيه و أبيه الى غير ذلك، و اقتصر في الإيضاح و الميسية على الثاني، و ذكرا أنها عبارة عن إلحاق بعض الناس ببعض. و كيف كان فيقيد حرمتها بما إذا رتب عليها الأثر الحرام، و الا فلا حرمة بالظن بنسب شخص أو العلم به، و لذا نهى في الاخبار عن الإتيان و الأخذ بقول القائف. و ظاهر الأخذ هو

ترتيب الأثر، كما أن ظاهر الإتيان ذلك كما لا يخفى.

(أقول) نذكر في التعليقة الآتية فساد هذا الاستشهاد، و ان تعلق النهي بالإتيان و الأخذ باعتبار كون النهى طريقيا لا حكما نفسيا، و مع الإغماض فغاية ما يستفاد هو اعتبار ترتيب الأثر لا ترتيب الأثر المحرم كما هو المدعى.

(2) ما ذكره (ره) في وجه حرمتها من رواية الخصال «2» لا يمكن الاعتماد عليه، فإنه رواها عن أبيه عن سعد بن عبد اللّه عن يعقوب بن يزيد عن محمد بن ابى عمير عن على بن أبي حمزة، عن ابى بصير عن ابى عبد اللّه (ع). و على بن أبي حمزة البطائني ضعيف، و مع ذلك لا دلالة لها على الحرمة، فإن عدم الحب

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجزء (18) الباب: (5) من أبواب حد السحق و انقياده- الحديث (5)

(2) الخصال الباب: (1) من أبواب الصفات المحمودة و المذمومة.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 226

[الكذب حرام]
اشارة

الكذب حرام (1).

______________________________

لا يلازمها ما لم يكن في البين قرينة عليها من مناسبة الحكم و الموضوع و نحوها. و كذا ما ذكره عن مجمع البحرين، مع أنه لا يزيد على الرواية المرسلة. نعم في صحيحة محمد بن قيس عن ابى جعفر (ع) «كان أمير المؤمنين (ع) يقول: لا تأخذ بقول عراف و لا قائف و لا لص و لا أقبل شهادة فاسق الا على نفسه» «1» و لكن النهي في أمثال ذلك ظاهر في الطريقي المقتضي لعدم اعتبار قول القائف، فلا يكون مما يحرز به نسب الشخص شرعا، و لا يكون موجبا لرفع اليد عن مثل قاعدة (الولد للفراش و للعاهر الحجر) أو غير ذلك. و أما فعل القيافة باخبار القائف،

فإن كان اعتقاده جزميا، فلا يكون الاخبار موجبا لفسقه على فرض عدم حصول حرام آخر، كالقذف، و إن كان اعتقاده ظنيا كان اخباره الجزمى عن نسبه كذبا و قولا بغير علم، و هذا الحرام لا يوجب حرمة القيافة أيضا بأن يكون اعتقاده الظني حراما آخر.

ثم ان المصنف (ره) حكى عن العامة افتراءهم على رسول اللّه بأخذه بقول القافة، و ذكر أن ذلك قد أنكر عليهم في الاخبار بشهادة ما عن الكافي عن على بن إبراهيم عن أبيه و على بن محمد القاساني جميعا عن زكريا بن يحيى بن النعمان الصيرفي قال: «سمعت على بن جعفر.» و زكريا بن يحيى مجهول، و مع ذلك لا دلالة فيها على نفى رجوع النبي (ص) الى قول القائف، أضف اليه ان الرواية لا تخلو عن شي ء و هو رد مثل على بن جعفر على امامه (ع) في نفى ولده، حتى على تقدير عدم كون النفي من القذف، و كذا اشتمال الرواية لكشف أخوات الإمام (ع) وجوههن للقافة، و لا أظن تصديق أحد بمناسبة ذلك لمنزلتهن.

(1) لا يكون الإجماع التعبدي في مثل المقام مما يعلم فيه مدرك المجمعين، بل يكون الإجماع مدركيا، و هو ليس أحد الأدلة. و أما العقل فلا استقلال له بقبح مطلق الكذب، و حتى مع عدم ترتب فساد عليه من تلف عرض أو مال أو غيره من المفاسد ليكون حكمه به كاشفا بقاعدة الملازمة عن حرمته. نعم حرمته مطلقا مستفادة من

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجزء (8) الباب: (14) من أبواب آداب السفر- الحديث: (2)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 227

..........

______________________________

الكتاب العزيز و الاخبار.

و كيف كان فالكلام فيه يقع في جهتين: (الاولى) في كونه

من الكبائر مطلقا أو في الجملة (الثانية)- في مسوغاته اما الجهة الأولى، فقد ذكر في وجه كونه من الكبائر أمور:

(الأول)- رواية الصدوق (ره) في عيونه عن عبد الواحد بن محمد بن عبدوس النيشابوري العطار، عن ابى الحسن على بن محمد بن قتيبة، عن الفضل بن شاذان، عن الرضا (ع) و رواه ايضا عن الحاكم ابى جعفر محمد بن نعيم بن شاذان عن عمه ابى عبد اللّه محمد بن شاذان، قال: «قال الفضل بن شاذان.».

(الثاني) رواية الأعمش «1» و لكن رواية الأعمش ضعيفة باعتبار جهالة سند الصدوق (ره) اليه، و في سند رواية العيون ايضا ضعف باعتبار عدم ثبوت التوثيق لعبد الواحد، و نقل الصدوق (ره) عنه مترضيا لا يدل على توثيقه، و ذلك فان الصدوق لا ينحصر مشايخه بالثقات و العدول، و الدعاء لا دلالة له على التوثيق، و كذا لم يثبت توثيق للحاكم محمد ابن نعيم.

(الثالث) موثقة محمد بن مسلم عن ابى جعفر (ع)، قال: ان اللّه عز و جل جعل للشر أقفالا، و جعل مفاتيح تلك الأقفال الشراب، و الكذب شر من الشراب «2» و كونها موثقة باعتبار وقوع عثمان بن عيسى في سندها و هو واقفي، و مقتضى كون الكذب شرا من شرب الخمر المعدود من الكبائر، و تعيين الحد على شاربها كون الكذب ايضا مثله.

(أقول) لازم كون الكذب كذلك اختيار شرب الخمر عند دوران الأمر بينهما بالإكراه عليه أو على الكذب، اللهم إلا أن يقال بجواز الكذب في هذا الحال، لانه يدفع

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجزء (11) الباب: (46) من أبواب جهاد النفس- الحديث: (36)

(2) وسائل الشيعة الجزء (8) الباب: (138) من أبواب أحكام العشرة- الحديث: (3)

إرشاد الطالب إلى التعليق على

المكاسب، ج 1، ص: 228

..........

______________________________

به الضرر، و لا يكون من مورد التزاحم ليكون جواز دفع الإكراه به دليلا على عدم كونه أهم من شرب الخمر و لا مثله. و مما ذكرنا يظهر الحال في المرسل الوارد فيه أن الكذب يعادل سبعين زنية أهونها كمن يزني بأمه، و قد تقدم الكلام في مثل هذه الروايات المعلوم عدم مطابقة ظاهرها للواقع، و ان اللازم الإغماض عنها على تقدير صحة إسنادها، فضلا عن المرسلة و نحوها.

(الرابع)- قوله عز من قائل إِنَّمٰا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لٰا يُؤْمِنُونَ بِآيٰاتِ اللّٰهِ باعتبار أن نفى الايمان عن المفتري و جعله بمنزلة الكافر مقتضاه كون الكذب كبيرة (أقول) لا دلالة في الآية على كون مطلق الكذب كذلك، فان الافتراء أخص منه، نعم دعوى اختصاص الآية بالافتراء في أصول الدين لا وجه لها، فان مورد النزول لا يكون مخصصا أو مقيدا لعموم الحكم أو إطلاق الآية.

و يمكن الاستدلال على حرمة الكذب و كونه كبيرة بقوله سبحانه وَ اجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ و وجه الاستدلال على الحرمة ما ذكرنا سابقا من ظهور الزور في البطلان و اتصاف القول بالباطل يكون باعتبار بطلان معناه، و عدم تطابقه مع الخارج كما هو المراد بالكذب. و ظاهر الأمر بالاجتناب عن فعل حرمته، كما في الأمر بالاجتناب عن الخمر و الميسر و عبادة الأوثان إلى غير ذلك. و أما كونه كبيرة، فلان الامام (ع) استشهد في صحيحة عبد العظيم الحسنى «1» لكون شرب الخمر كبيرة بان اللّه عز و جل نهى عنها كما نهى عن عبادة الأوثان. و مقتضى الاستشهاد المزبور ان يكون الكذب ايضا من الكبائر لأن اللّه نهى عنه كما نهى عن عبادة الأوثان بقوله عز من قائل

فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثٰانِ وَ اجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ.

و الحاصل أن المتفاهم العرفي من الصحيحة المباركة أن الموجب لكون شرب الخمر كبيرة نهى اللّه عز و جل عنه في الكتاب المجيد، نظير النهى عن عبادة

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجزء (11) الباب: (46) من أبواب جهاد النفس- الحديث: (2)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 229

و يؤيده ما روى عن النبي (ص) (1) نعم في الاخبار ما يظهر منه عدم كونه على الإطلاق كبيرة (2)

______________________________

الأوثان. و هذا التنظير في التعبير يجري في الكذب ايضا كما لا يخفى. و مما ذكرنا يظهر وجه كون القمار كبيرة و ان ذلك باعتبار النهى عنه في الكتاب المجيد نظير النهى عن عبادة الأوثان.

و بعبارة أخرى الاستشهاد الوارد في الصحيحة بيان لكون الكذب و القمار كبيرة فلا يصح التمسك بالإطلاق المقامى لسائر الروايات، لنفى كونهما كبيرتين، حيث أنه لا يتم الإطلاق فيها بعد ورود البيان و القيد، كما أنه لا يصح الأخذ بإطلاق هذه الصحيحة لنفى بعض ما ورد في سائر الروايات أنها كبيرة. و الحاصل أن الإطلاق بمعنى السكوت في مقام البيان لا يدل على شي ء، مع ورود البيان في رواية أخرى أو خطاب آخر.

(1) أى انه يؤيد كون الكذب على الإطلاق كبيرة سواء ترتب عليه فساد أم لا، المروي عن النبي (ص) في وصيته لأبي ذر «1» و وجه التأييد أن الأكاذيب المضحكة لا يترتب عليها مفسدة كبيرة، بل لا يترتب على بعضها أي مفسدة.

(2) و سندها «2» لا يخلو عن ضعف. و ما ذكر المصنف (ره)- من حملها على كون الخاص من الكبائر الشديدة- لا يمكن المساعدة عليه، فان اعتبار هذا النحو من الحمل إبطال لقانون حمل

المطلق و المقيد. و الصحيح ان يقال انه لا يجرى التقييد في موارد استغراق الحكم و انحلاله مع توافق المطلق و المقيد و عدم اختلافهما في النفي و الإثبات، كما في المقام، بل يؤخذ بكل من المطلق على المقيد. نعم لو قيل بمفهوم الوصف لكان المورد من موارد حمل المطلق و المقيد. و دعوى دلالتها على المفهوم بالعدد لا يخفى ما فيها، فان المذكور في الرواية من قبيل التعداد لا ذكر العدد، مع أن

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجزء (7) الباب: (140) من أبواب أحكام العشرة- الحديث: (4)

(2) وسائل الشيعة الجزء (8) الباب: (139) من أبواب أحكام العشرة- الحديث (5)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 230

فان قوله ما من أحد يدل على ان الكذب (1) و عن الحارث الأعور عن على (ع) (2)

[الوعد و حكمه]

لا بد ان يراد به النهى عن الوعد مع إضمار عدم الوفاء (3).

______________________________

في دلالة العدد على المفهوم تأملا بل منعا.

(1) لم يظهر منه كون مجرد الكذب لمما أو صغيرة حتى يوجب التقييد في إطلاق ما دل على كونه من الكبائر، بل ظاهره أن مجرد الكذب أمر يبتلى به عامة الناس، فلا يجرى على الإنسان بمجرده ما ذكر في حق الكذاب في مثل قوله سبحانه:

إِنَّ اللّٰهَ لٰا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذّٰابٌ حيث أن أعراض اللّه عن انسان و إضلاله مجازاة لا يترتب على مجرد الكذب، بل على من يكون مطبوعا عليه، بحيث لو أراد أن يخبر فيكذب، و هذا لا ينافي كون الكذب مطلقا من الكبائر.

(2) و ظاهره عدم حرمة الكذب في نفسه، بل الحرمة للفجور، و هو الاستمرار على الكذب، كما هو ظاهر قوله: (و ما يزال أحدكم يكذب

حتى يقال كذب و فجر، و إذا استمر على الكذب حتى يغلب الكذب على حكاياته و إخباراته، يقال عند اللّه أنه كذاب) «1» و الظهور المزبور خلاف المتسالم عليه من حرمة الكذب في نفسه، أضف الى ذلك ضعف السند.

(3) أقول ربما يحكى المتكلم عن عزمه الموجود حال تكلمه، فيكون المحكي قصده المتعلق بفعله الاستقبالي، كما إذا قال مخاطبا يا زيد، انى عازم على بناء مسكن لك في الشهر الآتي، و كلامه هذا اخبار عن أمر نفساني يكون صدقه و كذبه باعتبار ذلك الأمر. و هذا كما لا يكون إنشاء لا يكون متضمنا له ايضا، و من يرى وجوب الوفاء بالوعد الذي هو من قسم الإنشاء لا يعم عنده الوجوب لهذا الفرض، و ربما يحكى عن نفس فعله الاستقبالي، و يكون اخباره عن الحصول فيما بعد كالاخبار عما مضى، و في هذه الصورة يكون صدق خبره أو كذبه دائرا مدار تحقق ذلك الأمر

______________________________

(1) وسائل الشيعة: الجزء (8) الباب (140) من أبواب أحكام العشرة- الحديث: (2)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 231

..........

______________________________

في المستقبل و عدمه، و لو كان معتقدا بفعله استقبالا، و أخبر بوقوعه، فلا بأس به.

و لا يجب عليه جعل خبره صادقا بفعله في المستقبل.

فان مع ترك الفعل و ان يتصف خبره السابق بالكذب الا ان دليل حرمة الكذب لا يعمه.

فان ظاهره حرمة جعل الكذب و إيجاده بمفاد كان التامة لا جعل الخبر الصادر سابقا كاذبا، و لذا ذكرنا في باب موانع الصلاة أن المبطل لها من الزيادة جعل الزائد بمفاد كان التامة لا جعل ما كان من الصلاة زائدا كما في العدول من سورة أو ذكر أو غيرهما إلى سورة أو

ذكر أو غيرهما، حيث انه بعدوله يحصل وصف الزيادة للمعدول عنه، و هذا لا دليل على مانعيته.

و الحاصل أن هذه الصورة أيضا خارجة عن الوعد الذي هو قسم من الإنشاء فلا يجب الفعل فيها لو قيل باختصاص وجوب الوفاء بالوعد الذي هو من قسم الإنشاء. نعم لو أنشأ العهد و الالتزام بالفعل للغير كان العهد المزبور بإنشائه و إظهاره من حقيقة الوعد، و يمكن أن يقال بوجوب الوفاء به للاية و الرواية. و المراد بالآية قوله سبحانه كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللّٰهِ أَنْ تَقُولُوا مٰا لٰا تَفْعَلُونَ «1» و لكن ظاهرها حرمة القول بلا عمل، لا وجوب العمل بالقول، فلا يجوز الوعد لمن لا يفي بوعده، لا أنه بعد الوعد يجب الوفاء به، و لا يلتزم القائل بوجوب الوفاء بحرمة نفس الوعد مع عدم الوفاء، فالمراد بالآية صورة الاخبار عن فعله الاستقبالي، مع عدم قصد الفعل أو أمر الناس و ترغيبهم الى ما لا يفعله، من قبيل قوله سبحانه أَ تَأْمُرُونَ النّٰاسَ بِالْبِرِّ وَ تَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ «2» و على تقدير دلالتها على ذلك فلا يختص الوجوب بالوعد الذي هو من قسم الإنشاء بل تعم الصورة الثانية من الاخبار.

______________________________

(1) سورة الصف (61) الاية: (3).

(2) سورة البقرة (2) الاية: (44)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 232

ثم ان ظاهر الخبرين الآخرين خصوصا المرسلة حرمة الكذب حتى في الهزل (1)

______________________________

و أما الروايات فظهورها في لزوم الوفاء بالوعد كالسند في بعضها تام الا أنه لا بد من رفع اليد عنها، فان مثل الوعد مما يبتلى به عامة الناس، و لو كان وجوب الوفاء به ثابتا لكان من الواضحات، و المتسالم عليه، مع ان المعروف عند العلماء عدم وجوب

الوفاء به، و لذا عنوان الباب في الوسائل بالاستحباب، و في حسنة هشام بن سالم قال: «سمعت أبا عبد اللّه (ع) يقول عدة المؤمن أخاه نذر لا كفارة له، فمن اخلف فبخلف اللّه بدء، و لمقته تعرض، و ذلك قوله تعالى. يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مٰا لٰا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللّٰهِ أَنْ تَقُولُوا مٰا لٰا تَفْعَلُونَ «1» و ظاهر تنزيل الوعد منزلة النذر وجوب الوفاء بالأول أيضا، غاية الأمر انه ليس في مخالفتها كفارة (أي كفارة مخالفة النذر) و في حسنة شعيب العقرقوفي عن ابى عبد اللّه (ع)، قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: «من كان يؤمن باللّه و اليوم الآخر فليف إذا وعد» «2» ثم إن ما ذكرنا من الأقسام في الوعد يجري في الوعيد ايضا، غير أنه لا يستحب الوفاء به، بل لا يجوز في بعض الموارد.

(1) خلاصة الكلام في المقام أنه لو كان الهازل قاصدا للحكاية و كان غرضه من تلك الحكاية إضحاك الناس، فكلامه كذب حقيقة، حيث ان الداعي لا دخل له في حرمته، و ظاهر كذب الهزل في الخبرين أي في مرسلة سيف بن عميرة و رواية حارث الأعور «3» هو هذا. و أما إذا كان تكلمه بلا قصد الحكاية، بل من ترديد ألفاظ لها صور و معان في الأذهان، و كان غرضه من ترديدها اضحاكهم، فهذا غير داخل في الكذب، و لا يعمه ما ورد في كذب الهزل، حيث انه لا يكون اخبارا حتى يكون كذبا

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجزء (8) الباب: (109) من أبواب أحكام العشرة- الحديث (2).

(2) وسائل الشيعة الجزء (8) الباب: (109) من أبواب أحكام العشرة- الحديث (3).

(3) وسائل الشيعة

الجزء (11) الباب: (140) من أبواب أحكام العشرة حديث:

(1 و 3)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 233

ثم انه لا ينبغي الإشكال (1)

[التورية و حكمها]

و اعترض جامع المقاصد على قول العلامة (2)

______________________________

هزلا أو جدا (و بعبارة أخرى) ذكر الكذب في الخبرين و في النبوي الوارد في وصيته (ص) لأبي ذر قرينة على كون المراد من الهزل و إضحاك الناس صورة الحكاية، و كذا الحال في الخبرين. نعم لا بأس بالالتزام بكراهة الهزل في غير صورة الحكاية، باعتبار أن المؤمن لا يشتغل بالهزل و الباطل.

(1) إذا كان غرض المتكلم من ذكر الاستعارة إظهار ما في المستعار له من الوصف كالحسن و القبح و غيرهما من الخصوصيات و الاعتبارات، بأن يكون غرضه حكايتها، كان صدق كلامه أو كذبه دائرا مدار تلك الخصوصيات أو عدمها، و كذا في المبالغة في الكم و المقدار، بأن كان غرضه من ذكر العدد بيان القلة أو الكثرة و عدمهما.

(2) قال العلامة في القواعد في مسألة الوديعة (إذا طالبها ظالم بأنه يجوز الحلف كاذبا، و يجب التورية على العارف بها) انتهى. و ظاهر ذلك وجوب التورية مع الحلف كاذبا على العارف بها. و هذا بظاهره التزام باجتماع الكذب و التورية، و لذا ذكر في جامع المقاصد عند شرح العبارة ان العبارة لا تخلو عن مناقشة، حيث تقتضي ثبوت الكذب مع التورية.

و الحاصل أن المناقشة مبينة على عدم كون التورية كذبا كما هو الصحيح، فلا يعمها ما دل على حرمة الكذب، و ذلك فان المتكلم لا يكون في مواردها قاصدا لحكاية أمر على خلاف الواقع، بل يكون قصده الى ما هو حاصل في الواقع، و لكن السامع لا ينتقل اليه من كلامه، بل

ينتقل الى ما هو ظاهره، و يتخيل أنه بصدد حكاية حصول ذلك الظاهر، و من هنا أنه لا يكون من التورية ما إذا أراد المتكلم ظاهر كلامه، و كان ذلك الظاهر مطابقا للواقع، و لكن لم يفهم السامع الظاهر، و تخيل أمرا آخر لا يطابق الخارج، كما إذا قال للسائل: ليس عندي مال، و فهم السائل أنه فقير لا يملك مالا. و وجه عدم كون ذلك تورية أنه يعتبر في التورية كون مراد المتكلم خلاف ظاهر

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 234

و يدل على سلب الكذب عن التورية (1)

______________________________

الكلام، و ما ربما يقال من ان مناط حرمة الكذب و هو إغراء السامع موجود في التورية أيضا- لا يمكن المساعدة عليه، فإنه لم يعلم أن تمام ملاك حرمته هو الإغراء. نعم لو انطبق على التورية عنوان محرم آخر كعنوان غش المؤمن في المعاملة و نحوها تكون محرمة بذلك العنوان.

(1) و ربما يورد على ما ورد في قضية إبراهيم على نبينا و على آله و عليه السلام ان التعليق المزبور لا يخرجه إلى التورية حتى يكون صادقا، حيث أن قوله بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ. إِنْ كٰانُوا يَنْطِقُونَ «1» جملة شرطية يكون الصدق و الكذب فيها دائرين مدار ترتب الجزاء على الشرط لا على حصول الطرفين خارجا أو عدمه، و الترتب في الكلام المزبور مفقود، فإنه لو كان الأوثان تنطق فرضا، لما كان ايضا الكسر مستندا الى كبيرهم، فالقضية الشرطية غير صادقة.

و أجاب عن ذلك السيد الخوئي طال بقاه بأن الشرط في القضية قيد للحكاية لا لاستناد الكسر الى كبيرهم، و المفهوم أنه حكايتى عن استناد الكسر الى كبيرهم معلقة على تكلم الأوثان. و المفهوم

أنه على تقدير عدم تكلمهم لا حكاية لي عن استناد الكسر إليهم حتى تتصف بالصدق أو الكذب. و فيه ما لا يخفى، فان مفاد القضية الشرطية ترتب مضمون الجزاء على حصول مضمون الشرط، و كما أن حصول النهار- في قولنا إن كانت الشمس طالعة فالنهار موجود- بنفسه معلق على طلوع الشمس لا أن حكاية وجودها معلق على طلوعها، بأن لا يكون للمتكلم حكاية على تقدير عدم طلوعها، كذلك في المقام نفس استناد الكسر الى كبيرهم معلق على تكلم الأوثان.

هذا أولا و (ثانيا) أنه لا يخرج الكلام المزبور عن الكذب بإرجاع الشرط الى الادعاء و الحكاية، حيث أن مقتضى التعليق المزبور أنه على تقدير تكلم الأوثان فرضا، فالكسر منتسب الى كبيرهم، مع أنه على تقدير النطق ايضا لم يكن في البين ذلك

______________________________

(1) سورة الأنبياء (21) الاية: (63)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 235

..........

______________________________

الانتساب. و (ثالثا)- أنه قد ورد ما يظهر منه أن نفى الكذب عن قول إبراهيم و يوسف على نبينا و آله و عليهما السلام من قبيل الحكومة و الادعاء. و المراد نفى حرمته حيث وقع في مقام الإصلاح و الهداية، فيكون من قبيل نفى الربا بين الوالد و الولد، فراجع روايتي الحسن الصيقل و عطاء «1».

و الظاهر أنه على تقدير صحة رواية الاحتجاج و صدورها عن المعصوم (ع) يراد من الشرطية الشرطية الاتفاقية لا الحقيقية، و يكون الغرض من تلك الاتفاقية مجرد نفى المقدم لانتفاء التالي، و لهذه القضية الشرطية نظائر في العرف فلاحظها، مثلا يقول أحد الفاسقين للآخر في مقام تذكية نفسه انى انسان خير لا مورد في، للقدح، و يقول ذلك الآخر إن كنت عادلا فانا معصوم، فإنه

ليس غرضه إثبات العصمة لنفسه حتى على تقدير كون المادح عادلا، بل غرضه نفى عدالته بنفي عصمة نفسه. و قد يقال: إن التورية كذب، حيث ان العبرة في كون الكلام كذبا بظهوره لا بمراد المتكلم. و فيه أن الصدق و الكذب من أوصاف الاخبار و الحكاية، و لا قوام للحكاية إلا بالقصد، كما هو الحال في جميع الأمور الإنشائية و القصدية. نعم يكون ظاهر الكلام عند الجهل بمراد المتكلم طريقا اليه، فينسب السامع الى المتكلم الكذب بهذا اللحاظ، حيث يرى مراده المكشوف بأصالة الظهور غير مطابق للواقع، فيقول إنه قد كذب، كما قد يقال إن الكذب عبارة عن عدم مطابقة المراد لاعتقاد المتكلم، و الصدق مطابقته له، كما نسب ذلك الى النظام و مال اليه بعض الأعاظم.

و يستدل على ذلك بمثل قوله سبحانه إِذٰا جٰاءَكَ الْمُنٰافِقُونَ قٰالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللّٰهِ، وَ اللّٰهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ، وَ اللّٰهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنٰافِقِينَ لَكٰاذِبُونَ «2» حيث لو كانت العبرة في الصدق و الكذب مطابقة مضمون الكلام للخارج و عدمها، لما كان ما قال المنافقون

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجزء (8) الباب: (141) من أبواب أحكام العشرة- الحديث: (4 و 7)

(2) سورة المنافقون (63) الاية (1)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 236

..........

________________________________________

تبريزى، جواد بن على، إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، 4 جلد، مؤسسه اسماعيليان، قم - ايران، سوم، 1416 ه ق

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب؛ ج 1، ص: 236

______________________________

كذبا، و بأنه لا ينسب الكذب الى مثل ما يذكره الفقيه في رسالته العملية من الأحكام حتى فيما إذا كان المذكور فيها اشتباها و مخالفا للأحكام الواقعية. فلا يقال ان إخباراته كذب، و انه قد كذب،

بل يقال إنه أخطأ و اشتبه، و ذلك باعتبار أن ما يذكره فيها مطابق لما يعتقده الى غير ذلك و لكن لا يخفى ما فيه حيث أن الشهادة إظهار للعلم بالشي ء و الإفتاء عبارة عن إظهار نظره و اجتهاده في الواقعة، فقول القائل أشهد بذلك هو بمنزلة قوله ان لي علما و يقينا به، فيكون الخارج الذي يقاس اليه مطابقة المراد و عدمها هو الاعتقاد و العلم فمع تطابقهما يكون كلامه صادقا و في عدمه كاذبا، و كذا قول المفتي بأن الواقعة الفلانية حكمها كذا، إظهار لفتواه و نظره في تلك الواقعة، و يكون خبره صادقا مع كون خبره مطابقا لنظره و اجتهاده، حتى فيما إذا اشتبه و أدى الى خلاف الحكم الواقعي و هكذا و هكذا.

بقي في المقام أمر، و هو أن الواقع إذا كان من الأمور الراجعة إلى الدين اعتقاديا أو عمليا، فالأخبار به من غير علم محرم كما يستفاد ذلك من قوله سبحانه آللّٰهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللّٰهِ تَفْتَرُونَ «1» و بعبارة أخرى لا ينحصر المحرم بما كان الاخبار به على خلاف الواقع، بل يعم إسناد شي ء الى اللّه سبحانه من غير حجة على انتسابه اليه تعالى بل إذا أظهر نظره في حكم الواقعة من غير حجة عليه يكون إظهاره إفتاء من غير علم فهو في نفسه محرم حتى فيما إذا أصاب الواقع اتفاقا. و يدل عليه غير واحد من الروايات: (منها)- صحيحة أبي عبيدة قال قال أبو جعفر (ع): «من أفتى الناس بغير علم و لا هدى من اللّه لعنته ملائكة الرحمة و العذاب و لحقه وزر من عمل بفتياه» «2» و نحوها غيرها و أما إذا كان الواقع من

غير تلك الأمور فالأخبار به مع الشك، من الشبهة المصداقية للكذب، لما تقدم من أن الميزان في اتصاف الخبر بالكذب

______________________________

(1) سورة يونس (1) الاية: (95)

(2) وسائل الشيعة الجزء (18) الباب: 4 من أبواب صفات القاضي- الحديث:- (1)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 237

[مجوزات الكذب]
[أحدهما الضرورة إليه]

أحدهما الضرورة إليه (1).

______________________________

مخالفة مضمونه للواقع، لا مجرد عدم العلم بمطابقته له. و لا يمكن الحكم بحرمة الاخبار مع الشك و استظهارها مما ورد في حرمة الافتراء على اللّه و رسوله، فإن حرمة الثاني لا تلازم حرمة الأول، و لكن مع ذلك لا تصل النوبة عند الشك إلى أصالة الحلية، لدلالة بعض الروايات على حرمته، كرواية على بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عن آبائه في حديث قال: «ليس لك أن تتكلم بما شئت، لأن اللّه عز و جل يقول لٰا تَقْفُ مٰا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ» «1» فان ظاهرها عدم جواز الاخبار بشي ء مع عدم العلم به، و لا يبعد اعتبارها سندا. و في صحيحة هشام بن سالم، قال: «قلت لأبي عبد اللّه (ع):

ما حق اللّه على خلقه؟ قال: أن يقولوا ما يعلمون و يكفوا عما لا يعلمون، فإذا فعلوا ذلك أدوا الى اللّه حقه» «2» و ظاهرها ايضا لزوم كف الإنسان عما ليس له به علم، بل لو لم تكن في البين مثل الروايتين لكان مقتضى استصحاب عدم حدوث الشي ء عدم جواز الاخبار بحدوثه.

(لو قيل): على ذلك فيجوز مع الشك في الحدوث الاخبار بعدم حدوثه أخذا بالاستصحاب المزبور (قلنا)- نعم و لذا ذكروا في بحث تعارض البينة على طهارة شي ء مع اخبار ذي اليد بنجاسته، تقديم البينة على أخباره، إلا إذا كانت البينة مستندة الى

الأصل، ثم ان باستصحاب عدم حدوثه ينحل العلم الإجمالي بحرمة الاخبار إما عن ثبوته أو عن عدمه، لما تقرر في محله من ان جريان الأصلين المثبت و النافي في طرفي العلم يوجب انحلاله، فلا يكون بالاخبار عن النفي بأس.

(1) لا ينبغي الريب في كون الكذب كسائر المحرمات في ارتفاع حرمته بالإكراه و الاضطرار، كما هو مقتضى حديث رفع الإكراه و الاضطرار، و قوله (ع)

______________________________

(1) وسائل الشيعة: الجزء (18) الباب: (4) من أبواب صفات القاضي- الحديث: (36)

(2) وسائل الشيعة: الجزء (18) الباب: (4) من أبواب صفات القاضي- الحديث: (10)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 238

..........

______________________________

ما من شي ء إلا و قد أحله اللّه لمن اضطر اليه. و ذكر المصنف (ره) في جوازه للضرورة قوله سبحانه إِلّٰا مَنْ أُكْرِهَ وَ قَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمٰانِ «1» فان مقتضاه عدم البأس بإنكار الحق و إظهار خلافه عند الإكراه و لكن دلالة الآية على ارتفاع حرمة الكذب عند الإكراه بالفحوى فان عدم جواز الإنكار في موردها باعتبار حرمة الشهادة بالكفر و وجوب الإقرار و الشهادة باللّه و رسوله لا باعتبار حرمة الكذب و بهذا يظهر الحال في قوله سبحانه لٰا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكٰافِرِينَ أَوْلِيٰاءَ «2» فإن عدم جواز أخذ الكافر وليا ليس من حرمة الكذب، بل هو محرم آخر يرتفع حرمته بالإكراه.

ثم انه و ان اعتبر في تحقق الاضطرار الى الكذب عدم التمكن من التورية، فإن الاضطرار الى الجامع بين الكذب و التورية من قبيل الاضطرار الى شرب أحد ما يعين لرفع عطشه المهلك، و أحدهما متنجس و الآخر طاهر في أن الاضطرار الى الجامع- باعتبار إمكان إيجاده في ضمن فرده الحلال- لا يكون من الاضطرار الى الحرام، إلا

أنه في في المقام روايات يستفاد منها عدم اعتبار العجز عن التورية في جواز الكذب.

(منها)- صحيحة إسماعيل بن سعد الأشعري عن ابى الحسن (ع) (عن رجل يخاف على ماله من السلطان، فيحلف لينجو به منه، قال: لا جناح عليه، و سألته هل يحلف الرجل على مال أخيه كما يحلف على ماله؟ قال: نعم» «3» و موثقة زرارة قال قلت لأبي جعفر (ع): «نمر بالمال على العشار، فيطلبون منا أن نحلف لهم و يخلون سبيلنا، و لا يرضون منا الا بذلك؟ قال: فاحلف لهم فإنه أحل من التمر و الزبد» «4» فإنه و ان لم يذكر كذب الحلف فيهما، إلا أنه المراد، فان السؤال عن جواز الحلف صادقا لدفع الضرر بعيد، خصوصا بقرينة الجواب بأنه أحل من

______________________________

(1) سورة النحل (16) الاية: (106).

(2) سورة آل عمران (3) الاية: (28).

(3) وسائل الشيعة الجزء (61) الباب: (12) من أبواب الايمان- الحديث: (1)

(4) وسائل الشيعة الجزء (61) الباب: (12) من أبواب الايمان- الحديث: (6)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 239

..........

______________________________

التمر و الزبد، و في رواية السكوني عن جعفر عن أبيه عن آبائه عن على (ع)، قال قال رسول اللّه (ص): «احلف باللّه كاذبا و نج أخاك من القتل» «1» الى غير ذلك.

و مقتضى إطلاق مثل هذه عدم الفرق في جواز الحلف لدفع الضرر، بين التمكن من التورية و عدمه، و في مقابل ذلك رواية سماعة عن ابى عبد اللّه (ع) قال:

«إذا حلف الرجل تقية لم يضره إذا هو أكره أو اضطر اليه، و ليس شي ء مما حرم اللّه الا و قد أحله لمن اضطر إليه» «2» فإن مقتضى مفهومها عدم جواز الكذب مع عدم الاضطرار و

الإكراه، كان في البين دفع ضرر أولا، و النسبة- بينها و بين الروايات المجوزة للكذب لدفع الضرر- العموم من وجه، فإنه يشمل مفهوم هذه ما إذا لم يكن في الكذب دفع الضرر، كما تشمل تلك الروايات ما إذا كان دفع الضرر منحصرا بالكذب كما في فرض الغفلة عن التورية، و يجتمعان فيما إذا لم ينحصر دفع الضرر بالكذب كما في فرض التمكن من التورية، فإن مقتضى المفهوم عدم جوازه لعدم الاضطرار اليه، و مقتضى تلك الروايات جوازه و بما ان دلالة كل منهما بالإطلاق فيسقط الإطلاق من الجانبين، و يرجع الى إطلاق دليل حرمة الكذب.

(لا يقال) لا وجه لسقوط الإطلاق منهما فيما إذا كانت في البين قرينة على دخول مورد الاجتماع في مدلول أحدهما، فإن لزوم حمل الروايات المجوزة على الصورة النادرة و هي عدم التمكن من التورية قرينة على التحفظ بإطلاقها، (فإنه يقال) لا يكون عدم التمكن من التورية و لو باعتبار غفلة المتكلم عنها نادرا. اللهم إلا يقال: إن مفهوم رواية سماعة أخص مطلق بالإضافة إلى الروايات المتقدمة، فإن قوله (ع) فيها (إذا حلف الرجل تقية) لا يعم غير موارد دفع الضرر، فيكون تعليق جواز الكذب فيه على الاضطرار بالقضية الشرطية ظاهرا في عدم جواز دفعه به، مع

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجزء (16) الباب: (12) من أبواب الايمان- الحديث: (4)

(2) وسائل الشيعة الجزء (16) الباب: (12) من أبواب الايمان- الحديث: (18)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 240

..........

______________________________

عدم الاضطرار، و يقيد به إطلاق الروايات السابقة، و لعله لذلك أمر المصنف (ره) بالتأمل، و لكن الأظهر عدم اعتبار العجز عن التورية في جواز الكذب، فان بعض روايات الحلف كاذبا قد وردت في

دفع الضرر المالي عن الغير، كما في صحيحة إسماعيل المتقدمة، و مثل هذه لا تكون من مورد الاضطرار، لان دفع هذا الضرر عن الغير لا يكون واجبا ليتحقق عنوان الاضطرار اليه. و مقتضى إطلاق الصحيحة جواز هذا الحلف مع التمكن من التورية و عدمه، و بهذا يرفع اليد عن إطلاق مفهوم رواية سماعة، فيقال: لا يجوز الكذب من غير اضطرار الا الكذب لدفع الضرر المالي عن الغير، فإنه جائز مع التمكن من التورية و عدمه، و إذا جاز الكذب لدفع الضرر المالي عن الغير مع التمكن منها جاز لدفع الضرر عن نفسه ايضا، لعدم احتمال الفرق في الجواز و عدمه بين دفع الضرر عن نفسه و غيره.

هذا مع أن رواية سماعة ضعيفة سندا لا يمكن الاعتماد عليها. و ذكر الإيرواني (ره) في وجه جواز الكذب لدفع الضرر مع التمكن من التورية و عدمه ان الكذب عبارة عن التلفظ بألفاظ و القصد الى معنى منها لا يطابق الواقع و الإكراه على الكل كما يكون رافعا لحرمة الكل كذلك الإكراه على الجزء يكون رافعا لحرمته التبعية، و بما أن الألفاظ المزبورة جزء من الكذب بل عمدته، و باعتبار الإكراه أو الاضطرار إليها ترتفع حرمتها التبعية فيجوز قصد المعنى منها لان مجرد قصد المعنى بدون التلفظ ليس بحرام، و التلفظ في الفرض باعتبار ارتفاع حرمته كالعدم، فيكون الفرض كما إذا كان في البين القصد المجرد.

و لكن لا يخفى ما فيه، فان مجرد التلفظ بالألفاظ لا يكون محرما و لو تبعا حتى ترتفع حرمته بالإكراه أو الاضطرار، كما هو حال الجزء في سائر الموضوعات المحرمة المركبة و إنما يكون الجزء حراما ضمنا مع حصول الكل، فتكون الألفاظ محرمة في

خصوص فرض قصد معنى منها لا يطابق ذلك المعنى الواقع، و مع التمكن من

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 241

ثم ان أكثر الأصحاب مع تقييدهم جواز الكذب (1)

______________________________

التورية يكون الاضطرار أو الإكراه على الجامع بين الحلال و الحرام، فيعود الكلام السابق.

(1) هذا اشكال على أكثر الأصحاب المعتبرين في جواز الكذب العجز عن التورية. و حاصله أنهم فرقوا بين الكذب في الحلف و الخبر، و بين المعاملات و سائر الأقوال المحرمة كالسب و التبري، حيث اعتبروا العجز عن التورية في جواز الأول دون الثاني، فإنه لا تصح المعاملات المكره عليها، و لا يكون السب أو التبري محرما مع الإكراه حتى مع التمكن من التورية، فيقال عليهم بأن المكره بالفتح على البيع مثلا مكره على التلفظ لا على إرادته، فإذا اراده مع تمكنه على التورية يكون البيع باختياره و رضاه، فاللازم الحكم بصحته و دافع عنهم المصنف (ره) بان المجوز للكذب في الحلف أو في الاخبار طرو عنوان الاضطرار، و تحقق هذا العنوان موقوف على العجز عن التورية، بخلاف المعاملات و سائر الأقوال، فإن الطاري عليها عنوان الإكراه، و لا يعتبر في تحققه العجز عنها، كما إذا أمره الجائر ببيع ماله أو بالتبري عن دينه فباع أو تبرأ للتخلص من وعيده يكون فعله مكرها عليه و محكوما في الأول بالفساد و في الثاني بالجواز.

(أقول) لازم ما ذكر (ره) الحكم بجواز شرب الخمر فيما إذا أمر به الجائر مع تمكنه على التفصي من شربها بالتورية، و لو بشرب مائع يوهم الجائر انه خمر و لا احتمل الالتزام بذلك منه (ره) أو من غيره. و الصحيح عدم الفرق بين الاضطرار و الإكراه في عدم تحقق

عنوانهما، مع إمكان التفصى بالتورية أو بسائر المحللات، بلا فرق بين المعاملات و غيرها، و أنه لا يرتفع بمجرد الإكراه، الرضا المعتبر في المعاملات، كما لا يرتفع ذلك الرضا في موارد الاضطرار، و أن الوجه في صحة المعاملة مع الاضطرار إليها و الحكم ببطلانها مع الإكراه عليها، هو ان الحكم بفسادها في مورد الاضطرار خلاف الامتنان، فلا يشملها حديث الرفع بخلاف مورد

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 242

و يستحب تحمل الضرر المالي الذي لا يجحف (1)

______________________________

الإكراه، فإن الرفع فيه موافق له فيعمها حديث الرفع، و إذا أمره الجائر بالمعاملة و أمكن التفصي عنها بالتورية أو بغيرها، و مع ذلك أنشأ المعاملة بقصدها حكم بصحتها أخذا بإطلاق دليل نفوذها، و لا يكون في البين حكومة لحديث الرفع، و هذا بخلاف الحلف أو الاخبار كذبا، فإنه جائز في مورد دفع الضرر حتى مع إمكان التورية أو إمكان التفصي بغيرها، لما تقدم من دلالة الروايات الخاصة على هذا الجواز، و و يترتب على ذلك أنه لو أراد الذهاب الى بلد يكون له طريقان، و علم انه لو سلك الطريق الفلاني يتعرض له الجائر، فلا بد في التخلص عن ضرره من الحلف كذبا دون ما إذا سلك الطريق الآخر، فلا يتعرض له، فإنه يجوز سلوك الطريق الأول و الحلف له كذبا. و ما في الكلام المصنف (ره)- من اعتبار العجز عن التفصي بغير التورية في جواز الكذب- لا يمكن المساعدة عليه.

(1) يطلق الضرر على النقص في المال أو العرض أو النفس، و على عدم النفع و ظاهر الروايات المتقدمة و حديث رفع الإكراه جواز الكذب في مورد الضرر بالمعنى الأول دون الثاني، فإنه لا مقتضى

لارتفاع حرمة الكذب فيه. و الضرر في كلام مولانا أمير المؤمنين (ع): (علامة الايمان أن تؤثر الصدق حيث يضرك على الكذب حيث ينفعك) بالمعنى الثاني بقرينة مقابلته للنفع، مع أن الروايات المرخصة في دفع ضرر الغير بالكذب أخص مطلق بالإضافة الى هذا الكلام الشامل لمطلق الضرر فيرفع اليد بها عن إطلاقه على تقدير تماميته.

نعم يمكن الاستدلال على استحباب تحمل الضرر المالي بما ورد في الحلف باللّه صادقا من استحباب تحمل الضرر و الإغماض عن الحلف، و إذا كان تحمله و ترك الحلف الصادق مستحبا يكون تحمله و الإغماض عن الحلف الكاذب كذلك بالأولوية، الا أن التعدي إلى مطلق الاخبار كذبا مشكل، لما يظهر من بعض الروايات من كون ملاك الاستحباب إجلال اللّه سبحانه بترك الحلف باسمه صادقا أو كاذبا، و

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 243

ثم ان الأقوال الصادرة عن أئمتنا (1)

______________________________

في رواية السكوني عن ابى عبد اللّه (ع) قال: «قال رسول اللّه (ص): من أجل اللّه ان يحلف به أعطاه خيرا مما ذهب منه» «1» و نحوها غيرها.

ثم انه لا يخفى ان جواز الكذب لدفع الضرر مختص بما إذا كان الضرر من الظلم و التعدي عليه، و لا يجوز لمطلق دفعه كالضرر في المعاملة، فإذا توقف بيع ماله بلا خسارة على كذبه في رأس المال، فلا يجوز الكذب، لان جوازه إما لرفع الاضطرار أو الإكراه، و المفروض انتفاؤهما، حيث أن الاضطرار يتوقف على وجوب دفع الضرر المزبور، و الضرر المالي يجوز تحمله، و حديث لا ضرر لوروده مورد الامتنان لا يعم المقام، بل يختص بما إذا كان في رفع التكليف الضرري امتنانا، و لا امتنان في تجويز الكذب لمؤمن الموجب

لاغراء المؤمن الآخر، بل لا يجوز التورية في مثل أخباره برأس المال باعتبار كونه غشا كما مر سابقا.

(1) (أقول) لا بأس بالحمل على الاستحباب لو كان الحمل عليه أخذا بالظهور كما إذا ورد في رواية اغتسل الجمعة، و علمنا أن غسل الجمعة غير واجب، و دار أمر الرواية بين الحمل على مثل التقية أو الاستحباب، فتحمل على الاستحباب، و ذكرنا في الأصول من ان خصوصية الاستحباب أو الوجوب غير داخلة في مدلول الصيغة، بل مدلولها البعث نحو الفعل و ينتزع الوجوب من عدم ثبوت الترخيص في الترك، كما ينتزع الاستحباب من ثبوت ذلك الترخيص. و إذا انضم المستفاد من الصيغة أى البعث الى الاغتسال إلى ما هو معلوم من الخارج من جواز تركه ثبت الاستحباب.

و أما إذا لم يكن الحمل على الاستحباب أخذا بالظهور، كما إذا ورد في رواية ان المذي ناقض، و دار أمرها بين ان يراد بالناقض فيها ما هو ظاهره من بطلان الوضوء بالمذي للتقية، و بين استحباب الوضوء بعد خروجه، فلا يكون مجرد النسب بشأنهم قرينة عرفية على ارادة الاستحباب، و يترتب على ذلك انه لا يتيسر لنا الحكم باستحباب

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجزء (16) الباب: (1) من أبواب الايمان- الحديث: (3)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 244

[الثاني من مسوغات الكذب إرادة الإصلاح]

الثاني من مسوغات الكذب إرادة الإصلاح (1)

______________________________

الوضوء بعد خروج المذي بمجرد العلم بان ظاهر الكلام المزبور غير مطابق للحكم الواقعي، مع أنه إذا جاز الاخبار عن خلاف الواقع لرعاية التقية كما هو الفرض، فلا تكون ارادة مثل الاستحباب أليق بحالهم و ما ورد في بعض الموارد لا يدل على الضابط لما يصدر عنهم عليهم السلام في جميع موارد التقية، و

لا يبعد أن يكون الأمر بالوضوء بعد خروج المذي من هذا القبيل، حيث ان ظاهر ذلك الأمر الإرشاد إلى ناقضية المذي، و مجرد العلم بعدم كونه ناقضا لا يكون قرينة على حمل ذلك الأمر على الاستحباب.

(1) يدل عليه غير واحد من الروايات (منها) صحيحة معاوية بن عمار عن ابى عبد اللّه (ع)، قال: «المصلح ليس بكذاب» «1» و رواية المحاربي عن جعفر بن محمد عن آبائه عن النبي (ص)، قال: «ثلاثة يحسن فيهن الكذب، المكيدة من الحرب، و عدتك زوجتك، و الإصلاح بين الناس» «2» الى غير ذلك. و مقتضى إطلاقها عدم الفرق بين التمكن من التورية و عدمه، فيكون هذا تخصيصا آخر في أدلة حرمة الكذب على قرار تخصيص الكذب لدفع الضرر، و بعض الاخبار- و منها رواية المحاربي- متضمنة لجواز الكذب في الوعد للزوجة أو الأهل، و لكنها بحسب الظاهر ضعيفة سندا، فلا يمكن الاعتماد عليها في رفع اليد عن إطلاق دليل حرمة الكذب، بل عن السيد الخوئي (طال بقاه) عدم دلالة تلك الاخبار على جواز الكذب في الوعد الذي يكون من قبيل الاخبار، كالأخبار عن فعله الاستقبالي مع علمه بتركه في ذلك الزمان، و إنما مدلولها ترك الوفاء بوعده الإنشائي يعنى التعهد للعيال أو الزوجة بالفعل، و هذا لا يتصف بالصدق أو الكذب ليكون حراما، و لا بأس بالتعهد و ترك الوفاء به ما لم يكن في ضمن المعاملة. نعم لو قيل بوجوب الوفاء بالعهد الابتدائي

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجزء (8) الباب: (141) من أبواب أحكام العشرة- الحديث: (3)

(2) وسائل الشيعة الجزء (8) الباب: (141) من أبواب أحكام العشرة- الحديث: (2)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 245

[الكهانة حرام]

الكهانة حرام

(1)

______________________________

يكون الوعد للزوجة أو العيال مستثنى. و فيه أن عد الوعد للأهل في الرواية من افراد الكذب قرينة على كون المراد به الوعد الاخبارى، و حمل الكذب فيها على البناء على عدم الوفاء بالوعد الإنشائي خلاف ظاهرها، خصوصا بملاحظة أن جواز الخلف في الوعد الإنشائي الابتدائي لا يختص بالوعد للزوجة أو الأهل كما تقدم.

(1) يقع الكلام أولا في حكم الكهانة و اخرى في اخبار الكاهن عن الحوادث و ثالثة في رجوع الغير الى الكاهن في الاطلاع على الحادثة. أما الكهانة فهو الاعتقاد بالحوادث في الكون المستقبلة منها و الماضية بإلقاء جن يكون تابعا للكاهن أو اطلاع الكاهن عليها من مقدمات يكون الاستدلال بها على تلك الحوادث محتاجا إلى فطنة النفس و زكائها كالانتقال إليها من كلام السائل أو حاله أو فعله. و قد يطلق على المطلع عليها من نحو هذه المقدمات اسم العراف، كما يطلق على التابع من الجن اسم الرأي بفتح الراء، و قد يكسر اتباعا للهمزة مأخوذ من الرأي أي النظر و الاعتقاد، فيقال فلان رئي القوم أى صاحب رأيهم.

و لعله يظهر واقع الكهانة و حقيقتها من رواية الطبرسي في الاحتجاج في جملة الأسئلة التي سئلها الزنديق أبا عبد اللّه (ع)، قال الزنديق: «فمن أين أصل الكهانة؟

من أين يخبر الناس بما يحدث؟ قال (ع): إن الكهانة كانت في الجاهلية في كل حين فترة من الرسل، كان الكاهن بمنزلة الحاكم يحتكمون اليه فيما يشتبه عليهم من الأمور بينهم، فيخبرهم بأشياء تحدث، و ذلك من وجوه شتى فراسة العين، و ذكاء القلب، و وسوسة النفس، و فطنة الروح، مع قذف في قلبه، لان ما يحدث في الأرض من الحوادث الظاهرة فذلك يعلم الشيطان و يؤديه

إلى الكاهن و يخبره بما يحدث في المنازل و الأطراف. و أما اخبار السماء، فان الشياطين كانت تقعد مقاعد استراق السمع، إذ ذلك، و هي لا تحجب و لا ترجم بالنجوم، و إنما منعت من استراق السمع لئلا يقع في الأرض سيب تشاكل الوحي من خبر السماء، فيلبس على أهل الأرض

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 246

..........

______________________________

ما جاءهم عن اللّه تعالى لإثبات الحجة و نفى الشبهة، و كان الشيطان يسترق الكلمة الواحدة من خبر السماء بما يحدث اللّه في خلقه، فيختطفها، ثم يهبط بها الى الأرض، فيقذفها الى الكاهن، فإذا قد زاد كلمات من عنده، فيخلط الحق بالباطل، فما أصاب الكاهن من خبر مما كان يخبر به هو ما أداه إليه شيطانه مما سمعه، و ما أخطأ فيه فهو من الباطل ما زاد فيه، فمنذ منعت الشياطين عن استراق السمع انقطعت الكهانة، و اليوم إنما تؤدى الشياطين الى كهانها اخبار الناس بما يتحدثون، و الشياطين تؤدى الى الشياطين ما يحدث في البعد من الحوادث من سارق سرق، و من قاتل قتل، و هم بمنزلة الناس صدوق و كذوب.

ذكر المصنف (ره) احتمالين في قوله مع قذف في قلبه: (الأول)- كونه قيدا لفطنة الروح، فيكون الحاصل أن المنشأ لخبر الكاهن عن الحوادث أمور شتى، (منها) ما يرجع الى نفسه فقط، كفراسة عينه و ذكاء قلبه و وسوسة نفسه، و (منها) ما يرجع الى المجموع من فطنة روحه و قذف الشيطان في قلبه، و يساعد هذا الاحتمال ما عن النهاية من قوله و قد كان في العرب كهنة، فمنهم من كان يزعم أن له تابعا من الجن يلقى اليه الاخبار، و منهم و من

كان يزعم أنه يعرف الأمور (الحوادث) بمقدمات و أسباب يستدل بها (بالمقدمات) على مواقعها (على موارد الحوادث و مواضعها) من كلام من سأله أو فعله أو حاله (بيان للمقدمات) فان ظاهر هذا الكلام إمكان كون المنشأ في اخبار الكاهن الأمر الراجع الى نفسه فقط.

(الاحتمال الثاني) كونه قيدا لجميع ما ذكر فيكون الحاصل ان منشأ اخبار الكاهن هو المجموع من الأمر الراجع الى نفسه و قذف الشيطان، و جعل (ره) قوله- فيما بعد (فإذا قد زاد كلمات من عنده فيخلط الحق بالباطل)- قرينة على هذا الاحتمال، و كان هذا باعتبار أن المستفاد من قوله (فإذا قد زاد) أن الكاهن يزيد في خبره كلمات من عنده، فيكون الخطاء فيه باعتبار هذا الخلط.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 247

..........

______________________________

و لكن لا يخفى أن ظاهر قوله: (فإذا قد زاد) ظاهره بيان وجه خطأ خبر الكاهن بالحوادث المستقبلة، و أن الخطأ فيه باعتبار ما زاده الكاهن من عنده، لا الكلمة التي ألقاها اليه شيطانه من خبر السماء، و لا يرجع الى بيان وجه خطائه في مطلق اخباره حتى بالحوادث الماضية التي يمكن أن يكون منشأ خبره بها فراسة عينه أو ذكاء قلبه، و يكون إطلاق الكاهن عليه باعتبار أن الاخبار بتلك الحوادث فقط مرتبة من الكهانة في مقابل الكهانة الكاملة المنتفية، بعد منع الشياطين عن استراق السمع، لان وقوع الخطأ في اخباره بهذه الحوادث يمكن أن يكون لكذب الشياطين، فإنهم بمنزلة الناس منهم صدوق و كذوب.

و كيف كان فقد يذكر في المقام عدم الخلاف في حرمة الكهانة بمعنى تحصيل الاعتقاد أو الاطلاع على الحوادث بما تقدم، كما لا خلاف في حرمة الاخبار بها و الرجوع فيها الى

الكاهن، و في رواية أبي بصير عن ابى عبد اللّه (ع)، قال: «من تكهن أو تكهن له فقد بري من دين محمد (ص)» «1» و في سندها على بن أبي حمزة البطائني و هو ضعيف، و مع ذلك لا دلالة لها على حرمة مجرد اخباره بالحوادث احتمالا أو ظنا، مع عدم عنوان آخر معه، كاتهام مؤمن و نحوه و في رواية ابن إدريس في مستطرفات السرائر نقلا عن كتاب المشيخة للحسن ابن محبوب عن الهيثم، قال:

«قلت لأبي عبد اللّه (ع): إن عندنا بالجزيرة رجلا ربما أخبر من يأتيه يسأله عن الشي ء يسرق أو شبه ذلك، فقال قال رسول اللّه (ص): من مشى الى ساحر أو كاهن أو كذاب يصدقه بما يقول فقد كفر بما انزل اللّه من كتاب» و ذكر المصنف ره ظاهر هذه الصحيحة حرمة الاخبار عن الغائبات بالجزم سواء كان بالكهانة أو بغيرها لدلالتها على ان المخبر بها ساحر أو كاهن أو كذاب و الكل حرام.

و فيه أن الرواية ضعيفة لا صحيحة، فإن رواة كتاب الحسن بن محبوب لابن إدريس مجهولون لنا، (ثانيا) ان ظاهرها حرمة تصديق قول الكاهن، و التصديق في الأمارات الموهومة أو المعتبرة ظاهره التصديق العملي أي ترتيب الأثر على قوله،

______________________________

(1) وسائل الشيعة: الجزء (12) الباب: (26) من أبواب ما يكتسب به- الحديث: (2)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 248

[اللهو حرام]

اللهو حرام (1).

______________________________

كاتهام شخص بالسرقة أو بالقتل و نحوهما. و أما نفس اخبار الكاهن فلا دلالة للرواية على حكمه أصلا.

و الحاصل أنه لا اعتبار باخبار الكاهن و لا يثبت به كون فلان سارقا أو كون شي ء ملكا لفلان، أو غير ذلك و لا يجوز اتهام مؤمن به.

و أما غير ذلك كالأخبار بحادثة ماضيا أو مستقبلا فان حصل الاعتماد بها جزما أو ظنا فيصح الاخبار بها جزما أو ظنا، و مع عدم الاعتقاد يدخل الاخبار بها في الكذب موضوعا أو حكما على ما تقدم، من غير فرق بين كون المنشأ للاعتقاد الحدس أو الرمل أو الجفر أو غير ذلك. و ما يظهر من المصنف (ره)- من حرمة النظر و التأمل لاستظهار الحوادث في غير الرمل و الجفر- كما ترى.

(1) يظهر من جماعة حرمة اللهو مطلقا، و يستدل على ذلك بوجوه: (الأول) إيجاب التمام على من يكون سفره للصيد تنزها، و قد ذكر في بعض ما يدل عليه من الروايات (إنما خرج في لهو لا يقصر) و لكن هذا الوجه غير تام، لعدم الملازمة بين وجوب التمام و حرمة السفر. و قد تقدم الكلام في ذلك سابقا، و قلنا انه يظهر من بعض الأصحاب أن السفر للصيد تنزها و بطرا من أفراد السفر للمعصية، و لكنه غير صحيح.

(الوجه الثاني) رواية الأعمش الواردة في الكبائر «1» فإن من الوارد فيها الملاهي التي تصد عن ذكر اللّه عز و جل كالغناء و ضرب الأوتار، و ذكر الغناء مثالا للملاهي قرينة على أنها جمع الملهى مصدر ميمي أو الملهي وصف من باب الأفعال، لا جمع الملهاة اسم الإله فتكون ظاهرة في حرمة اللهو، و حملها- على جمع اسم الآلة و تقييد الغناء بكونه مقارنا باستعمال تلك الآلات حتى يصح مثالا للجمع من اسم الآلة بلا قرينة- غير ممكن. نعم الرواية ضعيفة سندا، فلا يمكن الاعتماد عليها.

(الوجه الثالث) رواية العيون «2» حيث عد فيها من الكبائر الاشتغال بالملاهي

______________________________

(1) وسائل الشيعة: الجزء (11) الباب: (46) من أبواب

جهاد النفس و ما يناسبه- الحديث: (36)

(2) وسائل الشيعة: الجزء (11) الباب: (46) من أبواب جهاد النفس و ما يناسبه- الحديث: (33)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 249

[مدح من لا يستحق المدح]

مدح من لا يستحق المدح (1)

______________________________

و فيه أن ظاهر الملاهي بلا قرينة هو الجمع من اسم الآلة، و الاشتغال بها عبارة عن اللهو بها، و لا شبهة في حرمة استعمال تلك الآلات. و إنما الكلام في المقام في حرمة مطلق اللهو، هذا مع أن في سند الرواية ضعف كما تقدم سابقا.

(الوجه الرابع) ما ورد في بعض روايات حرمة القمار من قوله كل ما الهى عن ذكر اللّه فهو الميسر) و لكن هذا العموم بظاهره لا يمكن الأخذ به، فان لازمه حرمة الاشتغال بالافعال التي لا يكون الإنسان مع الاشتغال بها متذكرا للّه تعالى و حمله على غير ظاهره يحتاج إلى قرينة معينة، و كذا لا دلالة فيما ورد في أن لهو المؤمن من الباطل، فإنه لا ظهور للباطل في الحرمة.

و المتحصل انه ليس في البين ما يمكن الاعتماد عليه في تحريم مطلق اللهو نعم لا كلام في حرمة اللهو باستعمال الآلات المعدة له من ضرب الأوتار و غيرها.

هذا بالإضافة إلى اللهو و أما اللعب فقد تقدم أنه ايضا بإطلاقه غير محرم، بل المحرم اللعب بالآلات المعدة للقمار أو بغير تلك الآلات. و لكن مع الرهن. و لا يبعد ان يعم اللعب مثل أفعال الأطفال الناشئة عن غير القوى الشهوية، بخلاف اللهو، فإنه يختص بالأفعال التي يكون الداعي إليها تلك القوى، و لذا ذكر سبحانه في قوله أَنَّمَا الْحَيٰاةُ الدُّنْيٰا لَعِبٌ وَ لَهْوٌ وَ زِينَةٌ وَ تَفٰاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَ تَكٰاثُرٌ فِي الْأَمْوٰالِ اللعب أولا و

اللهو ثانيا و الزينة و التفاخر بالأموال و الأولاد ثالثا، و نظير اللهو اللغو، بل لا يبعد ترادفهما، و أنه لا حرمة فيه حتى يندرج في أحد العناوين المحرمة كالغناء و القمار و نحوهما كما لا يخفى.

(1) ذكر العلامة في المكاسب المحرمة مدح من لا يستحق المدح، و ذكر المصنف (ره) في وجه حرمته حكم العقل بقبحه المستكشف منه حرمته شرعا بقاعدة الملازمة.

(أقول) لم يحرز حكم العقل بالقبح على مجرد المدح، كما لا دلالة على حرمته في آية النهي عن الركون الى الظالم، لان مجرد المدح ليس من الركون

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 250

[و معونة الظالمين في ظلمهم حرام]

و معونة الظالمين في ظلمهم حرام (1)

______________________________

اليه، و إن كان يظهر ذلك من صاحب الوسائل (ره)، حيث أورد في باب حرمة مدح الظالم ما يكون متضمنا للاية، بل لو كان مجرد المدح ركونا لكان محرما و لو كان الجائر مستحقا له ببعض أعماله، و أما النبوي «من عظم صاحب الدنيا و أحبه طمعا في دنياه سخط اللّه عليه و كان في درجته مع قارون في التابوت الأسفل من النار «1» فضعيف سندا و باطل مضمونا لجواز تعظيم المزبور و عدم كونه موجبا لعقاب فضلا عن العقاب الوارد فيه. و اما النبوي الآخر «من مدح سلطانا جائرا و تخفف أو تضعضع له طمعا فيه كان قرينه في النار «2»» فمدلوله حرمة التواضع و التخاذل للسلطان الجائر طمعا فيه و أن كان مستحقا للمدح ببعض اعماله و لعل حرمته باعتبار كون التواضع له ترويجا له و تشييدا لسلطانه.

و كيف كان فلو انطبق على مدح من لا يستحق مدحا عنوان محرم كعنوان الكذب، كما إذا سرد له اشعارا تتضمن

مدائح على خلاف الواقع كان محرما و أخذ المال بها أكلا له بالباطل، و كذا فيما انطبق عليه عنوان ترويج الباطل و نحوه كما لا يخفى.

(1) ذكره (ره) في المقام أمورا ثلاثة: (الأول) إعانة الظالم على ظلمه (الثاني) كون الشخص من أعوان الظلمة، و كل منهما محكوم بالحرمة، بل قيل إن اعانة الظالم على ظلمه من الكبائر، كما هو ظاهر رواية ورام بن أبي فراس، قال «قال عليه السلام: من مشى إلى ظالم ليعينه و هو يعلم أنه ظالم، فقد خرج عن الإسلام «3» و لكن ضعفها بالإرسال، و عدم دلالتها على خصوص الإعانة على

______________________________

(1) الوسائل الشيعة الجزء (12) الباب: (42) من أبواب ما يكتسب به- الحديث (14).

(2) وسائل الشيعة: الجزء (12) الباب. (43) من أبواب ما يكتسب به الحديث (1)

(3) الوسائل الشيعة الجزء (12) الباب: (42) من أبواب ما يكتسب به- الحديث (15).

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 251

..........

______________________________

الظلم، و شمولها لإعانة الظالم- و لو على فعله المباح- مانع عن الاعتماد عليها نعم ورد كونها كبيرة في روايتي الأعمش و الفضل بن شاذان الواردتين في تعداد الكبائر «1» و فيهما ايضا ضعف كما تقدم، و لكن حرمتها مسلمة و تدل عليها الروايات الكثيرة.

(منها) صحيحة عبد اللّه بن سنان، قال: «سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول: من أعان ظالما على مظلوم لم يزل اللّه عليه ساخطا حتى ينزع من معونة «2» و قريب منها غيرها. و ما ذكرناه- في مسألة بيع العنب ممن يعلم أنه يصنعه خمرا من عدم الحرمة لمجرد اعانة الغير على الحرام الصادر منه، بل المحرم هو التعاون على الحرام، بان يجتمع اثنان أو أكثر على إيجاد

الحرام بان، يصدر ذلك الحرام عن مجموعهم، بخلاف الإعانة التي لا يقصد المعين الا عمله الذي يمكن للغير التوصل به الى الحرام، و بعبارة أخرى الحرام يصدر عن ذلك الغير، و الصادر عن المعين مقدمة من مقدمات ذلك العمل- لا يجري في إعانة الغير على ظلمه، فان الإعانة هذه بنفسها محرمة كمن وضع سوطا بين يدي ظالم يريد ضرب الآخر، و في النبوي «و من علق سوطا بين يدي سلطان جائر جعله اللّه حية طولها سبعون الف ذراع فيسلطه اللّه عليه في نار جهنم خالدا فيها مخلدا» «3» و كذا لا ينبغي الريب في حرمة كون الشخص من أعوان الظلمة على تفصيل يأتي في بحث الولاية من قبل الجائر.

(الأمر الثالث) اعانة الظالم على فعله المباح و قد يظهر من بعض الأخيار حرمتها، كرواية يونس بن يعقوب، قال: «قال لي أبو عبد اللّه (ع) لا تعنهم على بناء مسجد» «4» و في معتبرة ابن ابى يعفور عن ابى عبد اللّه (ع) قال: «إذ دخل عليه رجل

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجزء (11) الباب: (4) من أبواب جهاد النفس- الحديث: (33 و 36)

(2) وسائل الشيعة الجزء (11) الباب: (80) من أبواب جهاد النفس- الحديث: (5)

(3) الوسائل (الجزء 12) الباب: (42) من أبواب ما يكتسب به الحديث (10)

(4) الوسائل (الجزء 12) الباب: (42) من أبواب ما يكتسب به الحديث (8)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 252

..........

______________________________

فقال. جعلت فداك إنه ربما أصاب الرجل منا الضيق أو الشدة، فيدعى إلى البناء يبنيه أو النهر يكريه أو المسناة يصلحها فما تقول في ذلك؟ قال: ما أحب أني عقدت لهم عقدة أو وكيت لهم وكاء و أن لي ما بين

لابتيها و لا مدة بقلم، إن أعوان الظلمة يوم القيمة في سرادق من نار حتى يحكم اللّه بين العباد» «1» و وجه اعتبارها سندا أن بشيرا من مشايخ ابن ابى عمير، فيعمه التوثيق العام المذكور في عدة الشيخ (ره) و المسناة ما يبنى على وجه السيل و يقال له السد، و الوكاء ما يشد به رأس القربة، فقوله و وكيت لهم وكاء، أى أشد لهم رباط القربة و الواو- في قوله: (و ان لي ما بين لابتيها)- حالية بمعنى أنى لا أحب ما ذكر و إن كان لي في مقابله ما بين لابتي المدينة، و اللابتين تثنية اللابة، و هي أرض ذات أحجار سود، و كأن المراد بهما الجبلان في ناحيتي المدينة. و قوله: (و لا مدة بقلم) أى لا أحب أخذ المداد بالقلم لهم مرة، و السرادق الخيمة.

و الحاصل أن المذكور في الرواية من قبيل إعانة الظالم على الفعل المباح أو على ما يعمه. و في معتبرة السكوني عن جعفر بن محمد عن آبائه، قال: «قال رسول- اللّه (ص): إذا كان يوم القيمة فنادى مناد أين أعوان الظلمة، و من لاق لهم دواة، أو ربط كيسا، أو مد لهم مدة قلم؟ فاحشروهم معهم» «2».

و رواية محمد بن عذافر عن أبيه قال: «قال أبو عبد اللّه (ع): يا عذافر نبئت أنك تعامل أبا أيوب و الربيع، فما حالك إذا نودي بك في أعوان الظلمة؟ قال: فوجم أبى، فقال أبو عبد اللّه (ع)- لما رأى ما أصابه-: أي عذافر إنما خوفتك بما خوفني اللّه عز و جل، قال محمد فقدم أبى، فما زال مغموما مكروبا حتى مات».

و رواية صفوان بن مهران الجمال، و لا يبعد كونها

موثقة، قال: «دخلت على

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجزء (12) الباب: 42 من أبواب ما يكتسب به- الحديث: (6)

(2) وسائل الشيعة الجزء (12) الباب: (42) من أبواب ما يكتسب به- الحديث: (11)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 253

..........

______________________________

ابى الحسن الأول (ع)، فقال لي: يا صفوان كل شي ء منك حسن جميل ما خلا شيئا واحدا، قلت جعلت فداك أي شي ء؟ قال: إكراؤك جمالك من هذا الرجل، يعنى هارون، فقال: و اللّه ما أكريته أشرا و لا بطرا و لا للصيد و لا للهو، و لكني أكريته لهذا الطريق، اى طريق مكة، و لا أتولاه بنفسي، و لكن أبعث معه غلماني، فقال لي:

يا صفوان أ يقع كراؤك عليهم؟ قلت: نعم جعلت فداك، قال فقال لي: أ تحب بقاءهم حتى يخرج كراؤك؟ قلت: نعم، قال من أحب بقاءهم فهو منهم، و من كان منهم ورد النار.»

و لكن ظاهر هذه جواز المعاملة و إعانتهم على الفعل المباح، و ذلك فإنه لو كانت معاملة الجائر حراما، لم يكن وجه لقوله (ع) أ يقع كراؤك عليهم و أ تحب بقاءهم حتى يخرج كراؤك، بل كان المتعين أن يقول (ع): إن الإكراء منهم حرام حتى فيما إذا لم يكن للهو و البطر، و عدوله (ع)- عن ذلك إلى ما في الرواية- قرينة واضحة على أن وجه النهى عن المعاملة هو حب الشخص بقاءهم. و من الظاهر أن هذا النحو من الحب- الذي هو في الحقيقة حب لاستيفاء حقه منه- لا يكون محرما، خصوصا فيما إذا علم أنه على تقدير ذهاب هذا الظالم يخلفه ظالم آخر مثله أو أخبث منه و كيف كان فالمستفاد من الرواية كون التجنب عن الجائر

أولى.

(لا يقال) ينافيه قوله (ع): «و من أحب بقاءهم فهو منهم، و من كان منهم فقد ورد النار» حيث ان مقتضاه كون هذا القسم من الحب ايضا محرما (فإنه يقال) ذكر ذلك في الرواية باعتبار إمكان كون الحب المفروض فيها منشأ للحب الذي يسلك الشخص به في عداد الجائرين، فيدخل النار. و مثل ذلك ما في معتبرة ابن ابى يعفور، حيث أن التعبير فيها بقوله (ع): «ما أحب» لا دلالة فيه على الحرمة، و ما في ذيلها- من أن أعوان الظلمة يوم القيمة في سرادق من النار- لا يصلح أن يكون قرينة على الحرمة، لأن الشخص لا يدخل بالمفروض في الرواية في عنوان أعوان الظلمة، فيكون ذكره

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 254

[النجش]

النجش بالنون المفتوحة (1)

______________________________

باعتبار أنه ربما يترتب- على التقرب الى أبوابهم بمثل ما ذكر من الأعمال- الدخول في ذلك العنوان الموجب لاستحقاق النار. و ما في معتبرة السكوني: «إذا كان يوم القيمة نادى مناد أين أعوان الظلمة و من لاق لهم دواة أو ربط كيسا» محمول بقرينة رواية صفوان و غيرها على كون ربط الكيس و نحوه من إعانتهم على الظلم، كما إذا كان ما في الكيس من أموال الجور: و يحمل مثل رواية يونس بن يعقوب الوارد فيها النهى عن إعانتهم على بناء المسجد على صورة ترويج أمرهم و تشييد سلطانهم، فلا يمكن التعدي إلى مثل بيع الطعام منه لسد جوعه و جوع عياله، فان جواز مثل هذه المعاملة و الإعانة لعله من الضروريات.

(1) النجش- بفتح النون و سكون الجيم أو فتحها أيضا- هي الزيادة في ثمن المتاع ممن لا يريد شراءه لغرض إيهام السامع المريد لشرائه

حتى يزيد بزيادته، كان ذلك بالمواطاة مع البائع أو بدونها. و ذكر المصنف (ره) أن حرمته مقتضى حكم العقل و النقل، فإنه قد ورد النهى عنه بقوله (ص): «و لا تناجشوا» كما ورد اللعن في النبوي الآخر على الناجش و المنجوش له. و استقلال العقل بقبحه باعتبار كونه غشا و تلبيسا و إضرارا. فتتم حرمته بالملازمة.

و فيه أنه لا دليل على حرمة مجرد التلبيس ما لم يكن غشا في المعاملة أو كذبا.

و أما الإضرار فلا يكون الا بشراء المشترى لا بفعل الناجش. نعم فعله يوجب غفلة المشتري عن قيمة المبيع، فيوقع نفسه في الضرر بشرائه، فيكون فعله غشا، و تختص حرمته بما إذا كان المشترى مسلما. و بذلك يظهر أنه لا مجال لدعوى الإجماع، فإنه على تقديره يمكن أن يكون مدركه ما دل على حرمة الغش، لا النبوي، كي يدعى أنه جابر لضعفه، هذا مع أن النبوي مختص بصورة المواطاة بقرينة اللعن فيه على المنجوش له، حيث انه لا موجب له إلا مواطاته مع الناجش.

ثم ان حرمة النجش حتى في صورة المواطاة لا توجب بطلان المعاملة، لعدم

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 255

[النميمة محرمة]

النميمة محرمة بالأدلة الأربعة (1)

______________________________

اقتضاء النهى عن المعاملة تكليفا فسادها، و كذا الحال في مدح السلعة كذبا أو لإيقاع الغير في الضرر من جهة الغش، فان هذا و إن كان محرما، الا أنه لا يوجب بطلان المعاملة و أما إذا كان المدح صدقا فلا وجه لحرمته، خصوصا فيما إذا لم تكن في البين مواطاة، بل لو أغمض عن سند النبوي، فشمول معنى النجش لذلك غير محرز كما لا يخفى.

(1) ذكر (ره) أن النميمة من الكبائر، كما هو مقتضى

ورود اللعن و الوعيد عليه بالعذاب في الكتاب المجيد، قال عز من قائل وَ يَقْطَعُونَ مٰا أَمَرَ اللّٰهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولٰئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَ لَهُمْ سُوءُ الدّٰارِ «1». و النمام قاطع لما أمر اللّه به ان يوصل من تأليف قلوب المؤمنين و بسط المحبة فيما بينهم. و فيه أن ظاهر أمر اللّه بصلته وجوبها. و من الظاهر عدم وجوب الصلة مطلقا، فلا دلالة للاية على حرمة النميمة في غير مورد الصلة الواجبة.

و بعبارة أخرى غاية ما يستفاد من الآية حرمة النميمة بين شخصين أو أشخاص يكون كل منهما أو منهم مكلفا بالصلة مع الآخر أو الآخرين، بل يمكن أن يقال:

ظاهر الآية حرمة قطع الصلة بأن يترك الصلة مع ذي رحمه، و لا نظر لها إلى النميمة أصلا، كما أن مجرد النميمة لا تكون فسادا في الأرض، كما إذا أوقع الخلاف بين المتحابين من غير أن يترتب على التفرقة بينهما فساد آخر، فان هذا الإيقاع نميمة، و لكن لا يصدق عليه أنه فساد في الأرض، و كذا الحال في الآية الثانية، فإن ظاهرها- بملاحظة صدرها- إيقاع الفتنة بين المؤمنين و تفريق صفوفهم في مقابل الكفار، فان هذا أكبر من قتل المؤمن. و لا يترتب ذلك على كل نميمة حتى تقتضي حرمتها مطلقا، قال عز من قائل:

______________________________

(1) سورة الرعد (13) الاية: (25).

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 256

و قيل إن حد النميمة (1)

[النوح بالباطل]

النوح بالباطل (2)

______________________________

يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرٰامِ قِتٰالٍ فِيهِ، قُلْ قِتٰالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَ صَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللّٰهِ وَ كُفْرٌ بِهِ وَ الْمَسْجِدِ الْحَرٰامِ وَ إِخْرٰاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللّٰهِ وَ الْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ «1».

و

بتعبير ثالث لا يكون مطلق إيقاع الخلاف بين اثنين أكبر من قتل المؤمن و التعبير بأنها أكبر من القتل قرينة واضحة على ان المراد بها الفتنة الخاصة، و هي إيقاع الخلاف و التشتت في صفوف المسلمين، بداعي تضعيفهم في مقابل الكفار و يستدل ايضا على حرمتها بقوله سبحانه هَمّٰازٍ مَشّٰاءٍ بِنَمِيمٍ «2» و عن السيد الخوئي طال بقاه أن مدلولها حرمة المبالغة في النميمة و لا تدل على حرمة أصلها و فيه أنه لا دلالة لها على حرمتها أصلا لا مع المبالغة و لا بدونها، بل هي واردة في بيان حكم آخر، و هو عدم جواز الاتباع و الطاعة للحلاف الهماز المشاء بنميم مناع للخير معتد أثيم.

نعم لا ينبغي الريب في حرمتها مطلقا و يكفي في إثباتها الروايات: كصحيحة على بن جعفر عن أبى الحسن عليه السلام، قال: «حرمت الجنة على ثلاثة مدمن خمر، و النمام، و الديوث و هو الفاجر «3» و صحيحة محمد بن قيس عن ابى، جعفر عليه السلام، قال: «الجنة محرمة على القتاتين المشائين بالنميمة «4»

(1) لا عبرة في صدق النميمة بكراهة الكشف، بل المعيار في صدقه نقل ما يكون وقيعة بين المنقول عنه و المنقول اليه.

(2) لا ينبغي الريب في جواز النياحة على الميت ما لم تكن باطلة أى مدحا كذبا، فإنها مع كونها مقتضى الأصل فيجوز أخذ الأجرة عليها، نظير سائر الأعمال المحللة، يدل عليه ما ورد في جواز أخذ الأجرة عليها، و في صحيحة أبي بصير، قال: «قال أبو عبد اللّه عليه السلام: لا بأس بأجر النائحة التي تنوح على الميت» «5»

______________________________

(1) سورة البقرة (2)- الاية (217).

(2) سورة القلم (68)- الاية (11)

(3) وسائل الشيعة: الجزء (11) الباب: (166)

من أبواب أحكام العشرة- الحديث: (9)

(4) وسائل الشيعة: الجزء (11) الباب: (166) من أبواب أحكام العشرة- الحديث: (2)

(5) وسائل الشيعة: الجزء (12) الباب: (17) من أبواب ما يكتسب به- الحديث: (7)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 257

..........

______________________________

و المراد النياحة التي لا تكون كذبا فإنه لا يحتمل جواز الكذب تكليفا، و جواز أخذ الأجرة عليه وضعا، بل مرسلة الصدوق قال: «قال عليه السلام: لا بأس بكسب النائحة إذا قالت صدقا» «1» و هذه لضعف سندها تصلح للتأييد. و في خبر عذافر قال: «سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام، و سئل عن كسب النائحة؟ فقال: تستحله بضرب احدى يديه على الأخرى» «2» و ظاهرها عدم جواز أخذ الأجرة على نفس النياحة، بل تكون الأجرة بإزاء عملها أى ضرب احدى يديه بالأخرى عند نياحتها و هذا لضعف سنده غير صالح لمعارضة صحيحة أبي بصير.

و في صحيحة حنان بن سدير، قال «كانت امرأة معنا في الحي، و لها جارية نائحة، فجاءت الى أبى، فقالت: يا عم أنت تعلم أن معيشتي من اللّه، ثم من هذه الجارية، فأحب أن تسأل أبا عبد اللّه عليه السلام عن ذلك، فان كان حلالا، و إلا بعتها و أكلت من ثمنها، حتى يأتي اللّه بالفرج، فقال لها أبى: و اللّه أنى لأعظم أبا عبد اللّه عليه السلام أن أسأله هذه المسألة قال فلما قدمنا عليه أخبرته أنا بذلك، فقال أبو عبد اللّه عليه السلام: تشارط؟ فقلت: و اللّه ما أدرى تشارط أم لا، قال: قل لها لا تشارط و تقبل ما أعطيت «3» و هذه الصحيحة في نفسها ظاهرة في كراهة المقاطعة، فإنه مع كون النياحة مباحة، فلا بأس بالمشارطة، و

لا أقل من حملها عليها جمعا بينها و بين صحيحة أبي بصير المتقدمة.

و الحاصل أنه لا ينبغي التأمل في جواز النياحة و أخذ الأجرة عليها، و في صحيحة يونس بن يعقوب عن ابى عبد اللّه عليه السلام، قال: قال لي أبي يا جعفر أوقف لي من مالي كذا و كذا لنوادب تندبني عشر سنين بمنى أيام منى» «4»

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجزء (12) الباب: (17) من أبواب ما يكتسب به- الحديث: (9)

(2) وسائل الشيعة الجزء (12) الباب: (17) من أبواب ما يكتسب به- الحديث: (4)

(3) وسائل الشيعة الجزء (12) الباب: (17) من أبواب ما يكتسب به- الحديث: (3)

(4) وسائل الشيعة الجزء (12) الباب: (17) من أبواب ما يكتسب به- الحديث: (1)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 258

[الولاية من الجائر]
اشارة

الولاية من الجائر (2).

______________________________

(2) التصدي للعمل من قبل الجائر حرام بلا خلاف ظاهر. و يستدل عليه بقوله سبحانه وَ لٰا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا «1» و لكن لا يخفى أن التولي من قبيل ركون الظالم اليه، لا من ركونه الى الظالم. نعم مقتضى غير واحد من الروايات عدم جوازه. و في معتبرة ابن ابى يعفور عن ابى عبد اللّه عليه السلام:

«ان أعوان الظلمة يوم القيامة في سرادق من النار حتى يحكم اللّه بين العباد» «2» و موثقة السكوني عن جعفر بن محمد عن آبائه، قال: «قال رسول اللّه: إذا كان يوم القيامة نادى مناد أين أعوان الظلمة، و من لاق لهم دواة أو ربط كيسا أو مد لهم مدة قلم، فاحشروهم معهم» «3» و في موثقة الأخرى إياكم و أبواب السلطان و حواشيها، فإن أقربكم من أبواب السلطان و حواشيها أبعدكم من اللّه عز و جل،

و من آثر السلطان على اللّه أذهب اللّه عنه الورع و جعله حيرانا» «4» و في رواية الكاهلي عن ابى عبد اللّه (ع) «من سود اسمه في ديوان ولد سابع، حشره اللّه يوم القيامة خنزيرا» «5» الى غير ذلك.

و في مقابلها ما يظهر منه أن حرمته من جهة الحرام الخارجي، و أنه لا بأس به ما لم يكن منه التصدي لعمل محرم أو ارتكاب حرام آخر أثناء كونه عاملا للجائر، كرواية داود الزربي، قال: «أخبرني مولى لعلى بن الحسين (ع)، قال: كنت بالكوفة فقدم أبو عبد اللّه (ع) الحيرة، فأتيته فقلت جعلت فداك: لو كلمت داود بن على أو بعض هذه الولايات، فقال: ما كنت افعل- الى ان قال-: جعلت فداك ظننت أنك إنما كرهت ذلك مخافة أن أجور أو أظلم، و أن كل امرأة لي طالق، و كل مملوك لي حر و على و على إن ظلمت أحدا أو جرت عليه، و أن أعدل، قال: كيف

______________________________

(1) سورة يونس (10) الاية: (13)

(2) وسائل الشيعة الجزء (12) الباب (42) من أبواب ما يكتسب به الحديث: (6)

(3) وسائل الشيعة الجزء (12) الباب (42) من أبواب ما يكتسب به الحديث: (11)

(4) وسائل الشيعة الجزء (12) الباب (42) من أبواب ما يكتسب به الحديث: (13)

(5) وسائل الشيعة الجزء (12) الباب (42) من أبواب ما يكتسب به الحديث: (9)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 259

..........

______________________________

قلت؟ فأعدت عليه الأيمان، فرفع رأسه الى السماء، فقال: تناول السماء أيسر عليك من ذلك» «1» بناء على أن ذلك إشارة الى ما تعهد به السائل من عدم ظلمه أحدا بل استمراره على العدل، فتكون الرواية ظاهرة في جواز التولي لو لا

محذور الجوز على الناس أو نحوه من سائر المحاذير.

و لكن الرواية ضعيفة سندا و إن وصفها المصنف (ره) بالصحة، و وجه ضعفها أن داود بن زربي و ان كان من مشايخ ابن ابى عمير، إلا أن الراوي له- و هو مولى على بن الحسين- مجهول. و احتمال رجوع اسم الإشارة إلى ترخيص الامام عليه السلام و تكلمه في دخوله في بعض الولايات- لئلا تكون لها دلالة على جواز الدخول لو لا ارتكاب المحرمات- ضعيف. و وجه ضعفه عدم مناسبة ذلك لقوله (ع) كيف قلت؟ و لا لإعادته الايمان المغلظة.

و ذكر الإيرواني (ره) انه لا دلالة في الرواية على جواز الدخول في ولايتهم، بل و لا اشعار حتى بناء على رجوع لفظ ذلك إلى ترك الظلم و العدل، لأن السائل كان من العامة كما هو مقتضى حلفه بالطلاق و العتاق. و عليه فلا يمكن للإمام (ع) التصريح ببطلان حكومتهم، و حرمة كون الشخص معينا. و لهذه الجهة عبر عن عدم الجواز بذلك التعبير.

و فيه ان حمل الكلام على رعاية التقية خلاف الأصل، و الحلف بالطلاق و العتاق لا تكون قرينة على ذلك، كما يظهر ذلك لمن راجع الروايات الواردة في ذلك الحلف، حيث يظهر منها أن بطلانه لم يكن في ذلك الزمان ظاهرا كظهوره في زماننا.

و الحاصل أن مجرد الحلف في ذلك الزمان لم يكن قرينة على كون الحالف عاميا. و صحيحة أبي بصير قال: «سألت أبا جعفر (ع) عن أعمالهم؟ فقال لي: يا أبا-

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجزء (12) الباب (45) من أبواب ما يكتسب به- الحديث: (4)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 260

[المجوزات لقبول الولاية عن الجائر]
[القيام بمصالح العباد]

القيام بمصالح العباد (1)

______________________________

محمد لا و لا مدة قلم،

إن أحدكم لا يصيب من دنياهم شيئا إلا أصابوا من دينه مثله» «1» حيث أن ظاهرها أن محذور كون الشخص عاملا ما يترتب عليه من ارتكاب الحرام، أو كون الشخص معينا على ظلمهم.

و صحيحة الحلبي عن ابى عبد اللّه (ع)، قال: «و سألته عن رجل مسكين خدمهم رجاء أن يصيب معهم شيئا فيعينه اللّه به، فمات في بعثهم، قال: هو بمنزلة الأجير، إنه انما يعطى اللّه العباد على نياتهم» «2» و فيه أن هذه الصحيحة تدل على جواز العمل لهم مع الحاجة إلى المال لقوت نفسه و عياله، سواء كان ذلك بالدخول في ولايتهم أو العمل لهم بدونه، فيحمل على الثاني بقرينة ما ورد في حرمة كون الشخص في ديوانهم، مع أن في جواز الدخول في ديوانهم عند الضرورة لتأمين المعاش كلام تأتي الإشارة اليه.

و أما صحيحة أبي بصير فلا دلالة لها على الجواز، حيث أن أصابتهم من دينه كما يكون بارتكابه الحرام كذلك يكون بمجرد كونه معدودا من أعوانهم. و الحاصل أنه لا دلالة لها على كون المراد من أصابتهم الدين ارتكاب الشخص الحرام الخارجي كما لا يخفى.

(1) يجوز التولي من قبل الجائر فيما إذا كان في توليه نفع المؤمنين أو دفع الضرر عنهم. و يشهد لذلك مثل صحيحة على بن يقطين قال: «قال لي أبو الحسن موسى بن جعفر عليهما السلام: إن اللّه تبارك و تعالى مع السلطان أولياء يدفع بهم عن أوليائه» «3» فإن مع كون المتولي من أولياء اللّه لا يحتمل حرمة التولي. و في صحيحة زيد الشحام، قال: «سمعت الصادق جعفر بن محمد عليهما السلام يقول: من تولى

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجزء (12) الباب: (42) من أبواب ما يكتسب به-

الحديث: (5)

(2) وسائل الشيعة الجزء (12) الباب: (48) من أبواب ما يكتسب به- الحديث: (2)

(3) وسائل الشيعة الجزء (12) الباب: (46) من أبواب ما يكتسب به- الحديث: (1)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 261

..........

______________________________

امرا من أمور الناس، فعدل و فتح بابه و رفع ستره و نظر في أمور الناس، كان حقا على اللّه عز و جل ان يؤمن روعته يوم القيامة و يدخله الجنة» «1».

و من الظاهر أن تولى الأمر في مثل زمانه (ع) كان من قبل الخلفاء و ولاتهم، و ذكر المصنف (ره) ظهور بعض الاخبار في عدم جواز الدخول في الولايات، و لكن إيصال النفع المؤمنين كفارة له. و في مرسلة الصدوق (ره) «قال الصادق (ع): كفارة عمل السلطان قضاء حوائج الاخوان» «2» و في رواية أبي سلمة «فإن وليت شيئا من أعمالهم، فأحسن إلى إخوانك، فواحدة بواحدة» «3».

و فيه انه لا يمكن الالتزام بأن التولي- حتى في فرض نفع المؤمنين- محرم و لكن الشخص لا يعاقب عليه، فإنه ينافي ذلك مثل صحيحة زيد الشحام، و ايضا ليس عدم جواز التولي مع إيصال النفع إلى المؤمنين من المتزاحمين، لان إيصال النفع على إطلاقه لا يكون واجبا لتقع المزاحمة بين وجوبه و حرمة التولي، فلا بد من الالتزام بأن نفع المؤمنين أو دفع الضرر عنهم عنوان يكون معه التولي محكوما بالجواز، بل بالوجوب في بعض الأحيان.

و في رواية أبي بصير عن ابى عبد اللّه (ع)، قال: «سمعته يقول: ما من جبار الا و معه مؤمن يدفع اللّه عز و جل به عن المؤمنين، و هو أقلهم حظا في الآخرة يعني أقل المؤمنين حظا في الآخرة» «4» و مقتضى إطلاقها عدم الفرق

بين كون الداعي إلى دخوله في ديوان الجبار إيصال النفع إليهم أو غيره، كما لا يبعد كونها معتبرة، فإن مهران بن محمد بن ابى نصر من مشايخ ابن ابى عمير.

و عن النجاشي في ترجمة محمد بن إسماعيل بن بزيع عن ابى الحسن الرضا (ع) قال: «فان للّه في أبواب الظلمة من نور اللّه به البرهان، و مكن له البلاد ليدفع بهم عن

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجزء (13) الباب: (46) من أبواب ما يكتسب به- الحديث: (7)

(2) وسائل الشيعة الجزء (13) الباب: (46) من أبواب ما يكتسب به- الحديث: (3)

(3) وسائل الشيعة الجزء (13) الباب: (46) من أبواب ما يكتسب به- الحديث: (9)

(4) وسائل الشيعة الجزء (12) الباب: (44) من أبواب ما يكتسب به- الحديث: (4)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 262

و لو أمن من ذلك (1)

______________________________

أوليائه و يصلح اللّه بهم أمور المسلمين، إليهم ملجأ المؤمنين من الضر، و إليهم مرجع ذوي الحاجة من شيعتنا، بهم يؤمن اللّه روعة المؤمنين في دار الظلمة، أولئك المؤمنون حقا، أولئك أمناء اللّه في أرضه، أولئك نور اللّه في رعيته يوم القيمة تضي ء منه القيامة، خلقوا و اللّه للجنة، و خلقت الجنة لهم، فهنيئا لهم، ما على أحدكم ان لو شاء لنال هذا كله، قال قلت بما ذا جعلني اللّه فداك؟ قال: يكون معهم يسرنا بإدخال السرور على المؤمنين من شيعتنا فكن منهم يا محمد» «1».

و مقتضى الجمع بين هذه الرواية و رواية أبي بصير حمل رواية أبي بصير على ما لم يكن الداعي إلى التولي مجرد نفع المؤمنين، كما إذا تولى لتنظيم معاشه، و يكون من قصده نفع المؤمنين أو دفع الضرر عنهم خلاله. و وجه

الحمل أن رواية النجاشي ظاهرها الترغيب الى الدخول في صحبة الجبار بداعي الوصول الى الثواب الموعود، فيرفع بها اليد عن إطلاق رواية أبي بصير كما لا يخفى.

(1) أى أنه لو أمن من الاعتماد على الحرام و الاستمرار على ارتكابه. و تمكن من الأمر بالمعروف و النهى عن المنكر استحب له قبول الولاية. و بما ان مقتضى وجوب الأمر بالمعروف و النهى عن المنكر وجوب قبول الولاية في الفرض، فوجه في المسالك الاستحباب بأن كون المتولي بصورة النائب عن الجائر، و شمول النهى عن الدخول في ديوانهم له لو لم يقتضيا المنع في الفرض، فلا أقل من اقتضائهما عدم وجوب التولي.

و فيه أنه لو جرى محذور ترويج الجائر و النهى عن الدخول في ديوانهم، فمقتضاهما عدم جواز التولي، لا أنه يستحب، و مع عدم جريانهما لا مانع من وجوبه مقدمة للأمر بالمعروف و النهى عن المنكر الواجبين.

______________________________

(1) رجال النجاشي- (ص 255)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 263

و يمكن توجيهه بان نفس الولاية (1) و يمكن توجيه عدم الوجوب (2)

______________________________

(1) أى توجيه عدم وجوب التولي بأن مقتضى أدلة وجوب الأمر بالمعروف و النهى عن المنكر وجوبهما، حتى في الفرض، كما أن ما دل على حرمة ترويج الظلمة و تسويد الاسم في ديوانهم حرمتها كذلك، فيكون وجوب الأمر بالمعروف و النهى عن المنكر مع حرمة التسويد من المتزاحمين.

و لا معين لترجيح أحدهما على الآخر، فيكون المكلف مخيرا بينهما، مع استحباب رعاية الأصلح منهما.

أقول لا يخفى ما فيه، فان مقتضى ذلك سقوط وجوب الأمر بالمعروف و النهى عن المنكر، و بقاء حرمة التولي، و ذلك فإنه- مع فرض شمول دليل النهى عن الدخول في ديوانهم للمورد-

لا يتمكن المكلف من الأمر بالمعروف و النهى عن المنكر، حيث أن كل تكليف مشروط بالقدرة، و مع حرمة مقدمة الشي ء لا يكون ذلك الشي ء مقدورا. و هذا غير ما ذكر في الكفاية، لجريانه حتى فيما إذا قيل بأن القدرة المأخوذة في وجوب الأمر بالمعروف و النهى عن المنكر عقلية.

و الحاصل ان إطلاق النهي عن التسويد في ديوانهم حاكم على أدلة وجوب الأمر بالمعروف و النهى عن المنكر، و هذا يجري في كل متزاحمين يكون المحرم منهما مقدمة للآخر، و لم تحرز الأهمية أو لم تحتمل في خصوص جانب ذلك الآخر. نعم على تقدير الإتيان بالمقدمة عصيانا، يجب ذلك الآخر على ما هو المقرر في بحث الترتب

(2) كان هذا القائل جعل المقام من موارد تعارض الدليلين بالعموم من وجه، حيث أن مقتضى أدلة تحريم الدخول في ديوان الظلمة حرمته في الفرض أيضا، كما أن ما دل على وجوب الأمر بالمعروف و النهى عن المنكر وجوبهما، فيرفع اليد عن إطلاق كل منهما، فتكون النتيجة تخيير المكلف بين ترك الدخول في ولايتهم أو القيام بالأمر بالمعروف و النهى عن المنكر.

و بعبارة أخرى يرفع اليد عن ظهور كل منهما في عدم جواز تركه بقرينة الآخر

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 264

..........

______________________________

و يقال باستحباب الدخول في ولايتهم أخذا بظهور الترغيب، و بذلك يرتفع الاشكال عن جواز مقدمة الواجب بالمعنى الأخص. و وجه الارتفاع: هو سقوط المقدمة عن وجوبها، باعتبار وقوع المعارضة بين ما دل على وجوب الأمر بالمعروف و النهى عن المنكر، و بين دليل حرمة الدخول في ديوان الظلمة.

و أورد عليه المصنف (ره) بوجوه: (الأول) أن الحكم- في تعارض الدليلين بالعموم من وجه-

هو سقوطهما، و الرجوع الى الأصول أي إلى الأدلة الأخرى لا التخيير بينهما، و مقتضى الأصول في الفرض اباحة الدخول في ولايتهم، لأصالة الإباحة، و وجوب الأمر بالمعروف و النهى عن المنكر، لاستقلال العقل بوجوبهما كما هو المقرر في محله.

(أقول): لو كان العقل مستقلا بوجوب الأمر بالمعروف و النهى عن المنكر حتى في الفرض، لكان قرينة قطعية على جواز التولي، و تقييد إطلاق دليل التحريم و لم تصل النوبة في إثبات الجواز إلى أصالة الحل.

(الثاني) أن التخيير- على تقديره في تعارض الدليلين حتى بالعموم من وجه- هو التخيير الظاهري لا الواقعي. و المراد بالتخيير الظاهري الأخذ بأحد الدليلين لا التخيير الواقعي كما هو ظاهر الأصحاب في المقام (الثالث) أنه لا يمكن في المتعارضين بالعموم من وجه إبقاؤهما على ظاهرهما في موردي افتراقهما، بان يراد من الأمر الوجوب، و من النهى التحريم، و يرفع اليد عنهما بالإضافة إلى مورد اجتماعهما، بان يراد من الأمر الترخيص في الفعل، و من النهى الترخيص في الترك فان هذا يستلزم استعمال كل من الأمر و النهى في الإلزام و الترخيص. و هذا من استعمال اللفظ في معنيين.

(أقول) استفادة الجواز من دليل حرمة التولي ليس من جهة استعمال النهي في الإلزام و الترخيص، بل برفع اليد عن إطلاق النهى و تقييده بصورة عدم القيام

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 265

..........

______________________________

بالأمر بالمعروف و النهى عن المنكر، كما أن استفادة الجواز من دليل وجوب الأمر بالمعروف بتقييده بما إذا لم يكن في البين محذور التولي من الجائر، و أين هذا من استعمال النهي أو الأمر في الإلزام و الترخيص.

(الرابع) أن ما دل على استحباب التولي و إيصال النفع إلى

المؤمنين و الدفع عنهم أخص مطلق بالإضافة الى ما دل على حرمة الدخول في ولايتهم، فيرفع اليد به عن إطلاق دليل التحريم، و يلاحظ دليل الترخيص مع أدلة وجوب الأمر بالمعروف و النهى عن المنكر. و من الظاهر أن دليل استحباب التولي يثبت الاستحباب بما هو هو، فلا ينافي وجوبه مقدمة للأمر بالمعروف و النهى عن المنكر، كما هو الحال في سائر المستحبات التي قد تقع مقدمة للواجب.

و بعبارة أخرى ما دل على حرمة التولي مخصص في صورة نفع المؤمنين، فلا يشمل ذلك الدليل صورة الدخول في ولايتهم و القيام بالأمر بالمعروف و النهى عن المنكر أو غيرهما من مصالح المسلمين. و على ذلك فيعم الفرض ما دل على وجوب الأمر بالمعروف و النهى عن المنكر، على ما هو المقرر في بحث انقلاب النسبة.

(أقول) هذا الوجه الأخير هو الصحيح في تقديم ما دل على وجوب الأمر بالمعروف و النهى عن المنكر، لا لأن المقام من المتعارضين بالعموم من وجه، بل لان المقام- مع قطع النظر عن هذا الوجه- من موارد التزاحم، و أن ما دل على تحريم التولي موجب لانتفاء القدرة على الأمر بالمعروف و النهى عن المنكر، إلا أن مع ورد التخصيص لأدلة حرمة التولي في صورة نفع المؤمنين لا يكون في البين تزاحم، حيث أن الأمر بالمعروف و النهى عن المنكر من نفع المؤمنين أو أولى منه.

ثم انه لا يختص جواز التولي عن الجائر بالجائرين في ذلك الزمان، بل يعم

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 266

[الثاني مما يسوغ الولاية الإكراه عليه]
اشارة

الثاني مما يسوغ الولاية الإكراه عليه (1)

______________________________

الجائرين في كل زمان، فإنه- مع بعد الاختصاص، لجريان مصلحة الدفع عن المؤمنين و إيصال النفع إليهم

في جميع الأعصار- يقتضيه إطلاق صحيحة زيد الشحام المتقدمة فلاحظ.

ثم إنه يظهر من بعض الاخبار جواز التولي و الدخول في أعوان الظلمة، فيما إذا لم يتمكن المكلف من تأمين معاشه من طريق آخر و في موثقة عمار عن ابى عبد اللّه (ع) «سئل عن أعمال السلطان يخرج فيه الرجل؟ قال: لا إلا أن لا يقدر على شي ء يأكل و يشرب، و لا يقدر على حيلة، فإن فعل فصار في يده شي ء، فليبعث بخمسه الى أهل البيت» «1» (لا يقال): ينافي ذلك ما تقدم من الروايات الدالة على اعتبار نفع المؤمنين و دفع الضرر عنهم (فإنه يقال): مقتضى الجمع بين هذه و بين مثل صحيحة زيد الشحام المتقدمة هو كون كل من نفع المؤمنين و الضرورة إلى مؤنة نفسه و عياله مستثنى من حرمة كون الشخص من أعوان الظلمة، لأن الصحيحة تدل على جواز التولي مع إيصال النفع إلى المؤمنين، و الدفع عنهم، و عدم جواز غير ذلك، كما أن الموثقة تدل على جواز الدخول مع الضرورة، و على عدم جوازه في غيرها، فيرفع اليد عن إطلاق عدم جواز في كل منهما بالجواز الوارد في الأخرى.

و كيف كان فالجواز في فرض الضرورة لتأمين معاشه غير مذكور في كلماتهم، و إلا لكان الإفتاء به في محله، و حمل عدم التمكن فيها على الاضطرار الرافع للتكليف و الموجب لحل أكل الميتة فيه ما لا يخفى، فلاحظ و تدبر.

(1) يحصل الإكراه بأمر الجائر الشخص بكونه عاملا له، مع إيعاده على تركه بما يكون ضررا عليه نفسا أو عرضا أو مالا، أو إضرارا بمن يعد ضرره ضررا عليه. و استدل المصنف (ره) على جواز قبول الولاية من الجائر مع الإكراه

بقوله سبحانه:

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجزء (12) الباب: (48) من أبواب ما يكتسب به- الحديث: (3)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 267

[ينبغي التنبيه على أمور]
[الأول كما يباح بالإكراه نفس الولاية المحرمة، كذلك يباح به ما يلزمها من المحرمات الأخر]

كما يباح بالإكراه (1)

______________________________

إِلّٰا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقٰاةً بعد قوله لٰا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكٰافِرِينَ أَوْلِيٰاءَ «1».

و العجب أنه (ره) لم يستدل على حرمة كون الشخص من أعوان الظلمة و تسويد الاسم في ديوانهم بالآية، مع تمسكه بالاستثناء فيها على جوازه مع الأكرة، فإن لازم هذا تسليم دلالتها بصدرها على حرمة قبول الولاية من الجائر. و لكن لا يخفى ما فيه فان مدلول الآية عدم جواز اختيار المسلم الكافر وليا له، سواء كان ذلك الكافر ظالما أو عادلا بحسب دينه، فلا يجوز للمسلم أن بجعل الكافر قيما لاطفاله الصغار، لدلالة الآية بصدرها على ذلك. و الكلام في مسألة عدم جواز كون الشخص من أعوان الظلمة عدم جواز قبول الولاية من قبلهم، سواء كان الظالم مسلما أو كافرا. و الحاصل أنه لا يستفاد حرمة كون الشخص من أعوانهم من الآية المباركة ليدل الاستثناء فيها على ارتفاع حرمته عند الإكراه عليه.

(1) لا يكون نفع المؤمنين إلا موجبا لجواز كون الشخص من أعوان الظلمة.

و أما يلزمه في بعض الموارد في فعل سائر المحرمات، فلا يجوز به، بل لو كان نفعهم أو دفع الضرر عنهم واجبا، لكان مع المحرم الآخر من المتزاحمين، فيجري عليهما أحكام التزاحم. و هذا بخلاف الإكراه على الولاية المحرمة، فإنه كما تجوز الولاية بالإكراه كذلك ترتفع حرمة ما يلازمها من سائر المحرمات على حد سواء. نعم إذا كان ما يلازمها من قبيل الإضرار بالغير ففي شمول حديث الرفع له إشكال، و وجهه أن الحديث وارد في الامتنان على الأمة، فيختص الرفع بمورد

يكون الرفع فيه امتنانا. و في المقام ليس كذلك، فان نفى حرمة الإضرار بالغير و إن كان امتنانا على المكره بالفتح، و لكنه خلافه على الآخر المتضرر به.

هذا و اختار المصنف (ره) جواز قبول الولاية و جواز الإضرار بالغير، و ذكر في وجهه أمورا: (الأول)- عموم رفع ما استكرهوا عليه. و قد ظهر عدم صحة هذا

______________________________

(1) سورة آل عمران (3) الاية: (28)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 268

..........

______________________________

الوجه، و أن حديث الرفع لا يعم مثل المقام، بلا فرق بين ما إذا توجه الضرر بإرادة المكره بالكسر الى الغير أو لا و ذلك فان توجه الضرر الى الغير بحسب إرادة الجائر لا يقاس بتوجه الضرر اليه تكوينا الذي لا يجب فيه دفع الضرر عنه بتحمل الضرر و ذلك فان مع توجهه بإرادة المكره بالكسر الى الغير يكون الإضرار بمباشرة المكره بالفتح. و يضاف إليه الإضرار، فلا يجوز، بخلاف توجه الضرر الى الغير تكوينا.

و دعوى ضعف نسبة الإضرار إلى المكره بالفتح، ضعيفة و إلا لم يسند القتل ايضا الى المباشر المكره كما لا يخفى.

و على ذلك فنفى حرمة الإضرار لا يكون مدلولا لحديث الرفع، حيث ذكرنا أن الرفع في مثل المقام لا يناسب الامتنان على الجميع. هذا مع أن توجه الضرر في الفرض الى الغير بحسب إرادة الجائر محل تأمل بل منع، فان المفروض رفع الجائر يده عن الغير بتحمل المكره بالفتح الضرر، و هذا كاشف عن تعلق إرادة الجائر بالجامع بين الضررين.

و الحاصل أنه لا يجوز الإضرار بالغير في فرض جواز تحمل الضرر، نعم إذا كان الضرر المخوف على نفسه هو القتل، و إضرار الغير ماليا يتعين الإضرار، لدلالة ما ورد في

التقية على ذلك، و كون المقام من المتزاحمين.

ثم انه (ره) قد أورد على نفسه بأنه كيف الفرق بين ما إذا توجه إرادة الجائر بإضرار الغير، فلا يجب على المكره بالفتح دفع الضرر عنه بتحمله، بل تجوز له المباشرة في الإضرار، و بين ما إذا توجه إرادة الجائر بإضراره، فلا يجوز له دفعه عن نفسه بإضرار الغير.

و بعبارة أخرى لو كان مقتضى رفع الإكراه الجواز في الأول لكان مقتضى رفع الاضطرار جواز الإضرار في الثاني أيضا، فيكون الإضرار بالغير كسائر المحرمات التي يدفع المكلف بها الضرر عن نفسه.

و أجاب بأن رفع حرمة الإضرار بالغير في الصورة الأولى موافق للامتنان،

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 269

..........

______________________________

بخلاف رفع الإضرار بالغير في الصورة الثانية، فإنه ينافيه.

و فيه أنه قد ظهر فساد الجواب مما سبق، فلا حاجة الى الإعادة، كما ظهر منه فساد التشبث في إثبات الجواز في الصورة الأولى بحديث نفى الضرر، و وجه الظهور أن نفى الحكم الضرري كنفي الحكم الإكراهي للامتنان. و لا امتنان في نفى ضرر عن مكلف بتجويز الإضرار بمكلف آخر.

(الأمر الثاني)- أن حرمة قبول الولاية في الفرض أو حرمة ما يلازمها من الإضرار بالغير تكليف حرجي يرتفع بدليل نفى الحرج. و هذا الوجه ايضا غير صحيح، فان رفع التكليف الحرجي ايضا للامتنان على المؤمنين، و لا امتنان في رفع تكليف يكون نتيجته جواز الإضرار بالغير.

(الأمر الثالث)- قوله (ع): «انما جعلت التقية لتحقن به الدماء، فإذا بلغت الدم فلا تقية» «1» باعتبار أن مفهوم القضية الشرطية جواز التقية بغير اراقة الدم من سائر المحرمات، و منها الإضرار بالغير مالا.

و فيه أن المراد بالتقية فيه التقية بمرتبتها العليا، و هو التحفظ على النفس

من التلف، بقرينة التعليل، فمفهوم الشرطية أن التقية اى التحفظ على النفس من التلف موجبة لجواز كل محرم حتى الإضرار بالغير مالا أو عرضا، و إنما لا تجوز التقية و التحفظ على النفس من التلف بإراقة الدم و إتلاف نفس آخر، و التحفظ على الضرر المالي و نحوه خارج عن مدلوله منطوقا و مفهوما.

ثم إنه مع جواز الإضرار بالغير مالا في مقام المزاحمة لا يرتفع ضمان إتلاف ذلك المال كما في سائر موارد الإتلاف نعم لو قلنا بجواز الإضرار بالغير مالا باعتبار عدم وجوب تحمل الضرر عنه بدعوى شمول حديث رفع الإكراه أو دليل نفى الحرج، فلا يكون في البين ضمان، فإن إيجاب التدارك و الضمان مرادف لا يجاب

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجزء (11) الباب (31) من أبواب الأمر بالمعروف و النهى عن المنكر- الحديث (2)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 270

..........

______________________________

تحمل الضرر المتوجه الى الغير. و قد فرض نفى وجوب تحمله بحديث رفع الإكراه أو دليل نفى الحرج.

قد يقال انه يرتفع عند الإكراه حرمة ما يكون من قبيل الإضرار بالغير لوجه آخر، و هو أن المستفاد من قوله سبحانه إِلّٰا مَنْ أُكْرِهَ وَ قَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمٰانِ «1» مع الانضمام الى الروايات الواردة في التقية عموم التقية و شمولها للتحفظ على النفس و المال و العرض و أن الشارع قد جوزها، إلا إذا كانت بإراقة الدم، أ لا ترى انه يجوز التقية بتكذيب النبي و سبه و التبري منه، مع أن التكذيب و السب تنقيص و تعرض لعرض النبي (ص)، و كذا سب الامام و التبري منه (ع) و عرضهما أعظم الاعراض.

فما الظن بعرض زيد و عمرو و غيرهما من الافراد.

و في

معتبرة مسعدة بن صدقة قال: «قلت لأبي عبد اللّه (ع): أن الناس يروون أن عليا قال على منبر الكوفة أيها الناس إنكم ستدعون إلى سبي فسبوني، ثم تدعون إلى البراءة منى، فلا تبرأوا منى، فقال ما أكثر ما يكذب الناس على على (ع)، ثم قال: انما قال إنكم ستدعون إلى سبي فسبوني ثم تدعون إلى البراءة مني و إني لعلى دين محمد و لم يقل و لا تبرأوا منى، فقال له السائل: أ رأيت إن اختار القتل دون البراءة فقال: و اللّه ما ذلك عليه و ما له الا ما مضى عليه عمار بن ياسر، حيث أكرهه أهل مكة.» «2» حيث لم يقيد (ع) جواز السب و التبري بخصوص ما كان الضرر المخوف على تركها هو القتل.

و لا يخفى أن مثل هذه المعتبرة حاكمة على بعض ما ورد في نهيه (ع) عن التبري منه، لانه مع شمول دليل الاعتبار لهذه الرواية لا يبقى موضوع لدليل الاعتبار في تلك الروايات الوارد فيها النهى عن التبري من على (ع)، حيث يعلم بعدم صدورها

______________________________

(1) سورة النحل الآية (106)

(2) وسائل الشيعة: الجزء (11) الباب: (29) من أبواب الأمر بالمعروف و النهى عن المنكر- الحديث (2)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 271

بالفرق بين المثالين في الصغرى (1)

______________________________

عنه (ع) و كونها كذبا.

(أقول): لا بأس بالتمسك بحديث رفع الإكراه أو نفى الضرر في الحكم بجواز تكذيب النبي و الوقيعة فيه عند الإكراه، حيث أن رفع حرمته عند الإكراه عليه لا ينافي امتنان على الأمة، و لا يكون إضرارا بهم، و جوازه عند الإكراه مستفاد من الآية قبل الحديث، بل يستفاد مما ورد في جواز الإفتاء تقية، فإنه في

معنى تجويز الافتراء على اللّه سبحانه في تلك الحال، و مما ورد في جواز الكذب و الحلف باللّه كاذبا لدفع الضرر عنه أو عن غيره من المؤمنين، و كذا لا بأس بدفع الضرر على نفسه أو عن غيره بالكذب على الآخرين أيضا، فإنه لا يزيد على الكذب و الافتراء على اللّه و على سب الامام و التبري منه. و قد تقدم دلالة معتبرة مسعدة و نحوها على جواز السب أو التبري. و أما الإضرار بالغير بنحو آخر كالتعرض لعرض شخص بالزنا مع زوجته أو بنته أو نحوه لدفع الضرر المالي أو العرضي عن نفسه أو الإضرار بالغير مالا لدفع الضرر المالي عن نفسه، كل ذلك لا دليل على جوازه، بل لا بد من ملاحظة التزاحم و رعاية جانب الأهمية أو محتملها.

و لو اضطر الى نهب مال الغير للتحفظ على نفسه من الهلاك أو القتل، فإنه يجوز، للتزاحم. و لكن يكون ضامنا لذلك المال، لعدم حكومة حديث رفع الاضطرار أو الإكراه في المقام، حتى يرفع الضمان ايضا. و يترتب على كون هذه الموارد من التزاحم أنه لو اضطر إلى أكل طعام الغير لا يجوز قهر المالك فيما إذا كان المالك ايضا مضطرا اليه، بخلاف ما إذا قيل بحكومة حديث دفع الاضطرار و نفى الضرر، اللهم إلا أن يدعى استفادة عدم جواز القهر مما ورد في عدم مشروعية التقية بإراقة دم الغير، فان القهر على المالك في الفرض اراقة لدمه كما لا يخفى.

(1) و الفارق هو الذي بشير اليه بقوله (بان الضرر في الأول) المراد بالأول ما إذا توجه الضرر الى شخص و أراد دفعه عن نفسه بالإضرار بالغير. و هذا الفرض صغرى للكبرى المتقدمة، بخلاف الثاني،

و هو ما إذا توجه الضرر ابتداء الى الغير،

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 272

[الثاني ان الإكراه يتحقق بالتوعد بالضرر على ترك المكره عليه ضررا متعلقا بنفسه أو عرضه أو عرضه أو بأهله]

الثاني ان الإكراه يتحقق (1)

______________________________

فإنه لا تكون صغرى لتلك الكبرى.

(1) قد ظهر مما تقدم أن الموجب لجواز قبول الولاية بل جواز ارتكابه سائر المحرمات هو الخوف من مخالفة الجائر فيما أمر به من ترتب الضرر على نفسه أو ما يتعلق به نفسا أو عرضا أو مالا. و أما مع الخوف من ترتب الضرر على بعض المؤمنين فلا يتحقق عنوان الإكراه. نعم يجوز له معه قبول الولاية لما ورد من جواز قبولها لإيصال النفع إليهم و الدفع عنهم، و هل يجوز الدفع عنهم بارتكاب سائر المحرمات التي لا تكون من قبيل الإضرار بالغير المعبر عنها في كلام المصنف (ره) بالمحرمات الإلهية؟ ظاهر كلامه (ره) ذلك، حيث ذكر أنه لو خاف على بعض المؤمنين جاز له قبول الولاية المحرمة، بل غيرها من المحرمات الإلهية التي أعظمها التبري من أئمة الدين، و تمسك في ذلك بخير الاحتجاج.

و لا يخفى ما فيه فإنه لا دليل على تقييد إطلاقات المحرمات لمجرد دفع الضرر المالي مثلا عن بعض المؤمنين، و كيف يمكن الالتزام بجواز شرب الخمر في مجلس الجائر أو غيره أو اللواط معه و غير ذلك من الموبقات لدفع الضرر المالي بل العرضي عن زيد؟ و أما التبري فهو- نظير الكذب و الافتراء و الحلف كاذبا لدفع الضرر عن المؤمن- جائز، و جوازه لا يلازم جواز ارتكاب سائر المحرمات، فلا دلالة في مثل خبر الاحتجاج «1» على ذلك، حيث أن المذكور فيه و هو التبري صورة مع التولي قلبا ليس من أعظم المحرمات حتى يؤخذ بالفحوى.

نعم لو كان الضرر المخوف على بعض

المؤمنين مثل تلف النفس كان جواز ارتكاب سائر المحرمات باعتبار وقوع التزاحم بينها و بين وجوب احياء النفس المحترمة، فيجوز في ذلك الإضرار ببعض المؤمنين مالا للتحفظ على نفس الآخرين،

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجزء (11) الباب: (29) من أبواب الأمر بالمعروف و النهى عن المنكر- الحديث: (11)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 273

و اما الإضرار بالعرض بالزنا و نحوه (1)

______________________________

و يكون ذلك مع الضمان كما مر آنفا.

قال في القواعد: (و تحرم الولاية من الجائر إلا مع عدم التمكن من الأمر بالمعروف و النهى عن المنكر، أو مع الإكراه بالخوف على النفس أو المال أو الأهل، أو على بعض المؤمنين، فيجوز ايتمار ما يأمره إلا القتل) و قد شرح هذه العبارة بعض الأساطين، فقال: (الا مع الإكراه بالخوف على النفس من تلف أو ضرر في البدن أو المال المضر بحال الشخص تلفه أو حجبه أو العرض من جهة النفس أو الأهل أى بالخوف على عرض نفسه أو عرض أهله أو الخوف فيما عد الوسط على بعض المؤمنين، فيجوز حينئذ ايتمار ما يأمره) انتهى.

و المراد ما عد الوسط في عبارة القواعد، و الوسط في تلك العبارة الضرر المالي، فيكون ما عداه الضرر على النفس أو الأهل، و بما أن الضرر على أهل بعض المؤمنين داخل في الضرر على المؤمنين، لأن عنوان بعض المؤمنين يعم أهلهم أيضا، يكون حاصل عبارة القواعد- على ما ذكره الشارح- أنه يجوز الإضرار بالغير أو ارتكاب سائر المحرمات غير القتل، فيما إذا خاف على نفسه أو ماله أو عرضه، أو خاف على نفس مؤمن آخر.

(1) أى انه لو كان دفع الضرر عن بعض المؤمنين نفسا بالإضرار بعرض ذلك البعض أو البعض

الآخر بالزنا و نحوه، ففي جواز هذا الإضرار لدفع ضرر تلف النفس عن الغير تأمل، و وجهه انه لا دليل على وجوب دفع الضرر النفسي عن الغير بمثل الزنا.

(أقول) لو كان ارتكاب محرم آخر كالزنا مقدمة لدفع الضرر النفسي عن مؤمن كما هو الفرض، فان لم يحرز أهمية وجوب الإنقاذ، بأن احتمل الأهمية في كل منهما، كان إطلاق دليل حرمة تلك المقدمة حاكما على ما دل على وجوب إنقاذ النفس المحترمة، حيث أنه بإطلاق دليل حرمتها يثبت عدم التمكن من الإنقاذ. و أما

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 274

و ان كان متعلقا بالمال (1) و ان كان متعلقا بالعرض (2)

[الثالث ذكر بعض مشايخنا المعاصرين أنه يظهر من الأصحاب أن في اعتبار عدم القدرة على التفصي من المكره عليه و عدمه]

الثالث ذكر بعض مشايخنا (3).

______________________________

إذا أحرز الأهمية لأنقاذها، أو احتمل الأهمية له لا للمحرم الآخر تعين الإنقاذ، للعلم بسقوط الإطلاق عن خطاب حرمة المقدمة كما لا يخفى.

(1) عطف على قوله ان كان متعلقا بالنفس، أي إذا كان الدفع عن بعض المؤمنين دفعا للضرر المالي عنهم، فلا يجوز هذا الدفع بالإضرار بالغير حتى بالمال اليسير، فان ارتفاع حرمة الإضرار بالغير يحتاج الى رافع، و هو غير موجود فإنه لا يكون المورد من موارد الاضطرار أو إكراه، باعتبار عدم توجه الضرر الى الشخص أو الى من يتعلق به على الفرض.

(2) عطف على قوله ان كان متعلقا بالنفس بمعنى أنه إذا كان الضرر المدفوع عن بعض المؤمنين هو الضرر العرضي، ففي جواز دفعه بالإضرار به أو مؤمن آخر مالا أو بالعرض الأخف تأمل، و لكن دفعه بالإضرار بالنفس أو بالعرض الأعظم غير جائز بلا تأمل.

(3) يجوز قبول الولاية مع الإكراه، و كذا يباح معه ما يلازمها من سائر المحرمات على تفصيل قد تقدم في

الأمر السابق، و لا يتحقق الإكراه إلا مع خوف الضرر في مخالفة المكره بالكسر، و إذا أمكن مخالفة أمره واقعا بلا خوف ضرر فيها، لما كان في البين إكراه، و يعبر عن ذلك بإمكان التفصي، و العجز عنه بهذا المعنى مقوم لعنوان الإكراه، و ليس شرطا زائدا على تحققه، و على ذلك فلا فرق بين قبول الولاية و فعل سائر المحرمات في عدم ارتفاع حرمتهما مع إمكان التفصي.

نعم إذا فرض من قبولها نفع المؤمنين و الدفع عنهم، جاز قبولها، لان ذلك بنفسه موجب لجواز الدخول في الولايات، و لكن في إباحة سائر المحرمات و عدمها تفصيل قد مر و لا حاجة الى إعادته.

قال في الشرائع: (إذا أكرهه الجائر على الولاية، جاز له الدخول و العمل

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 275

..........

______________________________

بما يأمره مع عدم القدرة على التفصي منه، الا الدماء المحترمة، فإنه لا تقية فيها) و الظاهر ان فرض الإكراه شرط في جواز الدخول في الولاية، و عدم القدرة على التقضي شرط في جواز العمل بما يأمره الجائر، و أن المراد بالإكراه و عدم إمكان التقضي واحد كما فهمه المصنف (ره).

و ذكر في المسالك في شرح العبارة ان المستفاد منها أمران: (أحدهما)- اعتبار الإكراه (ثانيهما)- عدم إمكان التفصي، و موردهما مختلف، فان مورد اعتبار الإكراه قبول الولاية، و مورد عدم إمكان التفصي سائر المحرمات. ثم أورد على العبارة بأنه لا وجه لاعتبار عدم إمكان التفصي أصلا، بل المعتبر تحقق الإكراه بالإضافة إلى سائر المحرمات. و أما قبول الولاية فلا يعتبر في جوازه حتى الإكراه.

(أقول الموجب لجواز قبول الولاية من قبل الجائر أمران: إيصال النفع إلى المؤمنين و الإكراه، و إذا فرض

انتفاء الأول تعين اعتبار الإكراه، فلا وجه لما ذكره من عدم اعتبار الإكراه في جواز قبولها، و كأنه (ره) توهم أن مراد المحقق من عدم القدرة على التفصي هو انتفاء القدرة و الاختيار رأسا المعبر عنه بالإلجاء فذكر أن هذا أخص من الإكراه، و لا يعتبر في ارتفاع الحرمة عن المحرمات أصلا و قد توهمه ايضا صاحب الجواهر الذي نسب الخلاف فيه الى الأصحاب، و أن لهم في اعتباره ثلاثة أقوال و الشاهد لذلك ما ذكره أخيرا من أنه على القول باعتبار عدم إمكان التفصي لو توقف المخالفة على بذل مال كثير لزم البذل، ثم قال:

(و هو أحوط بل أقرب) و وجه الشهادة أن وجوب البذل على ذلك القول لا يتم إلا إذا أريد بعدم إمكان التفصي الإلجاء و عدم القدرة على الترك أصلا.

ثم لا يخفى أنه لو قيل بجواز الدخول في الولاية من الجائر للضرورة أى لتأمين المعاش لنفسه و عياله، فهو فيما إذا لم يكن الدخول فيما ملازما لارتكاب

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 276

[الرابع قبول الولاية مع الضرر]

الرابع قبول الولاية مع الضرر المالي (1)

[الخامس لا يباح بالإكراه قتل المؤمن]

الخامس لا يباح بالإكراه (2)

______________________________

محرم آخر، بأن كان عاملا له في عمل مباح، و الا فلا موجب لارتفاع حرمة ذلك العمل الآخر فتدبر.

(1) ذكر (ره) أن قبول الولاية مع الضرر المالي الذي لا يضر بالحال جائز بمعنى الإباحة لا بمعنى الوجوب، فإنه يجوز للإنسان تحمل ذلك الضرر، فان الناس مسلطون على أموالهم.

(أقول) تقييد الرخصة في كلامه بالضرر المالي الذي لا يضر بالحال مقتضاه وجوب قبول الولاية مع الخوف من الضرر المضر بالحال، و هذا لا يمكن المساعدة عليه، فان الناس مسلطون على أموالهم.

(لا يقال) انه لا يجوز تمكين الجائر من المال، سواء كان قليلا أو كثيرا فإن أخذه المال باعتبار كونه غصبا و عدوانا على الغير محرم، و لذا يجب عليه رد ذلك المال، و يكون تلفه عليه، و إذا كان وضعه اليد على المال محرما، يكون تحمل المكره بالفتح الضرر المالي اعانة له على ظلمه (فإنه يقال) نعم تسليم المكره بالفتح المال اليه اختيارا غير جائز كما ذكر، و أما إتلافه أمواله قبل وصول الجائر إليها حتى لا يكون له مال فغير لازم، لما ذكرنا سابقا في بحث الإعانة على الحرام أن التجارة و نحوها ليستا من قبيل الإعانة على أخذ العاشر. و اما الفرار عن الجائر فيما إذا أراد قتله فهو باعتبار وجوب التحفظ على النفس من الهلاك، و هذا التحفظ غير واجب بالإضافة إلى الأموال كما لا يخفى، بل قبول الولاية- مع عدم المضر بالحال و كذا ارتكاب محرم آخر مع كونه يسيرا يتعارف تحمله- مشكل فان مثل هذا الضرر لا يكون موجبا لارتفاع التكليف بقاعدة نفى الضرر أو حديث الرفع.

(2) ذكر (ره) في هذا

الأمر أن الإكراه على قتل مؤمن لا يكون موجبا لجواز قتله، حتى فيما إذا كان الضرر المخوف على نفسه هو القتل، بلا خلاف ظاهر، و

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 277

..........

______________________________

مقتضى حديث رفع الإكراه أو دليل نفى الحرج و ان كان هو الجواز، و كون الإكراه على قتل مؤمن مثل الإكراه على سائر المحرمات، الا أن النص الصحيح قد دل على عدم مشروعية التقية بإراقة دم الغير، و ذلك النص بالإضافة إلى حديث رفع الإكراه أو دليل نفى الحرج من قبيل الخاص الى العام، حيث لا يحتمل عدم جواز قتل المؤمن للتقية و جوازه في مقام الإكراه عليه.

(أقول) قد ذكرنا أنه لا يجري في مثل المقام لا حديث رفع الإكراه و لا قاعدة نفى الحرج أو نفى الضرر، لان تجويز الإضرار بالغير مالا أو عرضا أو نفسا خلاف الامتنان على ذلك الغير. و أما نفى مشروعية التقية بإراقة الدم ففي روايتين (إحداهما) صحيحة محمد بن مسلم عن ابى جعفر عليه السلام (انما شرعت التقية ليحقن بها الدم، فإذا بلغ الدم فلا تقية) «1» و (ثانيتهما) موثقة أبي حمزة الثمالي عن الصادق عليه السلام: «انما جعلت التقية ليحقن بها الدم، فإذا بلغت التقية الدم فلا تقية» «2» و يطلق التقية على ستر الإنسان مذهبه للتحفظ على نفسه أو غيره من إضرار المعتدى مالا أو نفسا، و يطلق على ستر مذهبه تحفظا على نفسه أو غيره من خصوص ضرر القتل. و المراد بالتقية في الروايتين هو الثاني، و مدلولها أنه لا يشرع التحفظ على نفسه أو نفس غيره بإراقة دم مؤمن، و لكن لا بأس به بفعل سائر المحرمات.

و ذكر الإيرواني (ره) (أن

التقية عبارة عن تحفظ المتقى بالكسر على دمه و مفاد الروايتين أمر ارتكازي، و هو أنه إذا لم تثمر التقية في حفظ دم المتقى بالكسر بأن علم أنه يراق على كل تقدير فلا تقية بل لا بد من إظهار الحق و الواقع قولا أو فعلا) و أجاب السيد الخوئي طال بقاه بأن لهذا الاحتمال مجالا في الصحيحة و أما الموثقة فالمذكور فيها بلوغ التقية يعني التحفظ على نفسه من التلف إلى اراقة

______________________________

(1) رواهما في الوسائل في الباب: (31) من أبواب الأمر بالمعروف

(2) رواهما في الوسائل في الباب: (31) من أبواب الأمر بالمعروف

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 278

و لو كان المؤمن مستحقا لحد (1) مما ذكرنا يظهر سكوت الروايتين عن حكم دماء أهل الخلاف (2).

______________________________

الدم، فيكون المراد اراقة دم الغير لا محالة.

(أقول) لا مجال لذلك الاحتمال حتى في الصحيحة، لأنه لو كان المراد البلوغ الى دم المتقى بالكسر لكان قوله عليه السلام فلا تقية من قبيل السماء فوقنا من توضيح الواضح، بخلاف ما كان المراد به دم غيره، فإنه يكون من الحكم التعبدي و بعبارة أخرى الظاهر اتحاد الروايتين في المفاد.

(1) بناء على أن اجراء الحدود من وظيفة الحاكم يكون قتل سائر الناس نظير قتل غير أولياء المقتول، إلا إذا أذن لهم الحاكم أو كان الحد نظير حد سب النبي (ص) أو الإمام عليه السلام مما يجوز لكل مكلف القيام به.

(2) لازم ما ذكره (ره) جواز قتل المخالف فيما إذا أكره عليه، و لو كان الضرر المخوف على تركه الضرر المالي غير المضر بالحال، لان مقتضى حديث رفع الإكراه جواز الإضرار بالغير و لو بالقتل. و المفروض عدم دلالة الروايتين بالإضافة

إلى المخالف. و لا أظن التزامه (ره) أو التزام غيره بجواز قتله في الفرض. نعم ذكر في آخر كلامه أن حكم كل دم غير محترم بالذات حكم سائر المحرمات، و المراد أن لا يكون فيه الاحترام الثابت لدم المؤمن.

و الحاصل أنه بناء على ما ذكرنا من عدم شمول دليل رفع الإكراه أو الضرر للموارد التي يكون الرفع فيها مخالفا للامتنان على الأمة، يحكم في الفرض بعدم الجواز، و لكن لا يرتبط ذلك بالناصب و الكافر ممن لا حرمة لدمه أصلا، أو ليس له احترام دم المسلم كالذمي. و لو توقف التحفظ على دم مؤمن على اراقة دم المخالف كان المقام من موارد التزاحم بين وجوب احياء النفس و حرمة القتل. و ربما يقال بعدم التفصيل في الدماء، لان المسلمين متكافئون في الدم، كما يدل على ذلك مثل صحيحة عبد اللّه بن ابى يعفور عن ابى عبد اللّه (ع) قال: «قال رسول اللّه (ص)- حيث

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 279

..........

______________________________

خطب الناس في مسجد الخيف- نضر اللّه عبدا سمع مقالتي فوعاها- الى ان قال-:

و المسلمون إخوة تتكافأ دماؤهم و يسعى بذمتهم أدناهم» «1» و دعوى اختصاصها بموارد القصاص- كما عن السيد الخوئي طال بقاه- يدفعها ملاحظتها، فإنه ليس في صدرها أو ذيلها ما يشير الى فرض القصاص.

و كيف كان فلو لم يتعين قتل المخالف و احياء المؤمن فلا يبعد جواز ذلك كما هو مقتضى عدم احتمال الأهمية في ترك قتل المخالف. اللّهمّ إلا أن يقال لا دليل في الفرض على وجوب احياء نفس المؤمن، بل مقتضى إطلاق الآية حرمة قتل المسلم و اراقة دمه. و قد مر أنه مع احتمال عدم الجواز

في ناحية المقدمة يكون إطلاق دليل حرمتها حاكما على وجوب ذيها و يمكن ان يكون الدليل عليه النهى عن الإيقاع في التهلكة.

(لا يقال): إن مقتضى قوله (ع) (إنما جعلت التقية ليحقن بها الدم) جواز ارتكاب كل محرم بالتقية إلا إراقة دم المؤمن، فأراقه دم المخالف باقية في المستثنى منه (فإنه يقال): المراد بالتقية في مثل الروايتين التقية عن المخالفين، كما يجده من راجع الأخبار الواردة في مشروعيتها و لزوم رعايتها، و لا يتصور رعاية هذه التقية بإراقة دم المخالف ليقال بأن مقتضى الروايتين جوازها. و إذا جاز عم الجواز صورة الإكراه أيضا باعتبار عدم احتمال الفرق بين صورتي الإكراه و التقية كما لا يخفى.

ثم إن ظاهر قوله (ع) في الروايتين: (ليحقن بها الدم) الدم المبقي للحياة، فلا يعم المستثنى ما إذا توقفت التقية أى التحفظ على الدم المبقي لحياة مؤمن على الإضرار بمؤمن آخر بإيراد النقص على أعضائه، بل يكون هذا الإضرار داخلا في المستثنى منه، فيحكم بجوازه للتقية. و إذا جاز عند التقية جاز عند الإكراه أيضا، باعتبار عدم احتمال الفرق بين صورتي الإكراه و التقية. و بهذا يظهر الحال فيما إذا توقفت التقية أى التحفظ على الدم المبقي على الإضرار بمؤمن آخر عرضا أو مالا،

______________________________

(1) الكافي المجلد الأول: الصفحة (403) الحديث: (1)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 280

[هجاء المؤمن حرام]

هجاء المؤمن حرام (1)

______________________________

فإنه جائز بمقتضى عموم الروايتين، لجواز التقية لحقن الدم، و إذا جاز هذا الإضرار بالتقية جاز عند الإكراه عليه ايضا، باعتبار عدم احتمال الفرق بين الصورتين كما ذكرنا. و على الجملة فالحكم- بجواز الإضرار بالمؤمن أو غيره مالا أو عرضا أو في بدنه عند الإكراه عليه- يستفاد من الروايتين

بضم ما ذكرنا من عدم احتمال الفرق بين صورتي التقية و الإكراه، لا من حديث رفع الإكراه أو دليل نفى الحرج أو نفى الضرر ليقال أنها لا تشمل صورة عدم كون الرفع امتنانيا. و اللّه سبحانه هو العالم.

ثم إن المصنف (ره) جعل للبحث عن قبول ولاية الجائر خاتمة ذكر فيها ما رواه الشهيد الثاني (ره) في رسالته المسماة بكشف الريبة عن أحكام الغيبة، بإسناده عن الشيخ الطوسي عن المفيد عن جعفر بن محمد بن قولويه عن أبيه عن سعد بن عبد اللّه عن احمد بن محمد بن عيسى عن أبيه محمد بن عيسى الأشعري عن عبد اللّه بن سليمان النوفلي، و الرواية متضمنة لقصة على عليه السلام و تجسم الدنيا له، فلا بد من حمل ذلك على كونه بعد وفاة النبي صلى اللّه عليه و آله و قبل أخذ فدك من فاطمة سلام اللّه عليها مع أن عبد اللّه بن سليمان النوفلي مجهول فراجع.

(1) الهجاء ككساء الشتم بالشعر، كما عن بعض، و تعداد معايب قوم و ذكر معايبهم، كما عن بعض آخر. و يظهر من المصنف (ره) أن هجاء المؤمن ليس بعنوانه من المحرمات، بل حرمته باعتبار كونه همزا أو لمزا و أكل لحم و تعييرا و اذاعة سر، و لا يبعد اتحاد عنوان الهمز أو اللمز مع التعيير، و اتحاد أكل لحمه مع اذاعة سره، و ربما ينطبق عليه عنوان البهتان، بناء على أن الهجاء ضد المدح فيعم ذكر المعايب الموجودة في الشخص و التي ليست فيه، فيكون ذكرها بهتانا.

و الحاصل أنه تختلف الموارد، ففي بعضها ينطبق على الهجاء بعض العناوين المشار إليها، و في بعضها الآخر ينطبق عليه بعضها الآخر، و لو كان

ذكر شخص بعيب ظاهر للإهانة و الاستخفاف أ نطبق عليه عنوان التعيير لا عنوان الغيبة، و هكذا. و احترز بالمؤمن عن

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 281

[الهجر]

الهجر بالضم و هو الفحش (1)

______________________________

المخالف فإنه قد تقدم في البحث عن حرمة الغيبة أن جواز اغتيابه باعتبار كونه ممن القى جلباب الحياء لتظاهره بالفسق بإنكاره قولا و عملا ما هو عماد الدين، و أهم أركانه يعنى ولاية أهل البيت سلام اللّه عليهم. و لا يبعد جواز هجوه ايضا، فيما إذا كان قاصرا، فإنه على ما تقدم من الفاسق المبدع.

و يظهر من المصنف (ره) أنه يقتصر في هجو الفاسق المبدع بذكر المعايب الموجودة فيه. و حمل ما ورد من قوله (ع): «باهتوهم لكيلا يطمعوا في اضلالكم» على سوء الظن بهم و اتهامهم بما يحرم اتهام المؤمن به، بأن يقال: لعله سارق أو زان و لا يخفى ما فيه، فان هذا بالإضافة إلى دليل حرمة الكذب من الخاص أو المقيد بالإضافة إلى العام أو المطلق، فيرفع اليد عنهما بالقرينة على التقييد أو التخصيص أضف الى ذلك أن جواز هذا الكذب مستفاد من فحوى ما دل على جواز الحلف كاذبا لدفع ضرر المعتدى عن مال أخيه المؤمن، حيث ان ضرر المعتدى على دينه اولى بالدفع منه.

(1) الهجر بضم الهاء هو الفحش، و يظهر من المصنف (ره) أن البذاء بفتح الباء مرادف له، حيث استدل على حرمة الفحش بصحيحة ابى عبيدة عن ابى عبد اللّه (ع) قال: «البذاء من الجفاء و الجفاء في النار» «1» و يظهر من صاحب الوسائل (ره) أنه غير الفحش، حيث جعل لحرمة الفحش بابا و لحرمة البذاء بابا آخر، و كأن البذاء

عنده عدم مبالاة الشخص بما يقول أو يقال فيه، و الفحش هو ذكر نفسه أو غيره ببعض الأفعال التي يقبح ذكرها، كقوله: يا ديوث و يا زاني و نحوهما. و تؤيد ذلك الروايات التي وصف الفحاش فيها بكونه بذيا، و في رواية سليم بن قيس: «أن اللّه حرم الجنة على كل فحاش بذي ء قليل الحياء لا يبالي ما قال و ما قيل له» «2» و كيف كان فلا

______________________________

(1) وسائل الشيعة: الجزء (11) الباب: (72) من أبواب جهاد النفس و ما يناسبه- الحديث: (3)

(2) وسائل الشيعة: الجزء (11) الباب: (72) من أبواب جهاد النفس و ما يناسبه- الحديث: (2)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 282

[النوع الخامس مما يحرم الاكتساب به ما يجب على الإنسان]

الخامس مما يحرم الاكتساب به ما يجب على الإنسان (1)

______________________________

إشكال في حرمة الفحش و عدم مبالاة الشخص في قوله، و لكن كونها بمرتبة ما في رواية سليم و نحوها لم تثبت. و اللّه سبحانه هو العالم.

(1) المنسوب إلى الشهرة عدم جواز الأجرة على العمل الواجب، بل عن جماعة دعوى الإجماع عليه، قال في الشرائع: (الخامس)- مما يحرم الاكتساب به ما يجب على الإنسان، كتغسيل الموتى و تكفينهم و تدفينهم و نسب في المسالك هذا المنع إلى الشهرة. و الظاهر أن مراده شهرة حرمة الاكتساب بتجهيز الموتى، حيث جواز السيد (ره) أخذ الأجرة عليه بدعوى أن التجهيز تكليف على الولي، و لا يجب على غيره.

و الحاصل أن المنع عن أخذ الأجرة على التجهيز مبنى على مسلك المشهور القائلين بتوجه التكليف به الى عامة المكلفين، لا أن دعوى الشهرة راجعة إلى أصل مسألة عدم جواز الاكتساب بالعمل الواجب، لتكون مشعرة بالخلاف فيها.

ثم إن مورد الكلام في المقام ما إذا

كانت في الواجب منفعة عائدة إلى باذل الأجرة، كما لو كان كفائيا و أراد سقوطه منه كتعليم صيغة النكاح أو إلقائها على طرفي النكاح، فان تعليمها كإلقائها على طرفيه من الواجب الكفائي، و باعتبار انتفاع باذل الأجرة تخرج المعاملة عن عنوان أكل المال بالباطل.

و بعبارة أخرى الكلام في المقام فيما إذا اجتمع الشرائط المعتبرة في الاستيجار.

و يقع البحث في أن وجوب عمل على المكلف مانع عن جواز أخذه الأجرة عليه من المنتفع بذلك العمل أم لا، فمثل صلاة الظهر لا يجوز أخذ الأجرة عليها، لا لوجوبها، بل لأن أخذ الأجرة عليها من أكل المال بالباطل.

و يستدل على عدم الجواز بأمور (الأول)- منافاة أخذ الأجرة للإخلاص المعتبر في العبادة، و لكن هذا لا يثبت المدعى، لاقتضائه عدم جواز أخذ الأجرة على العبادة و لو مع ندبها، و جواز أخذ الأجرة على غيرها و لو كان واجبا. و أجيب أيضا عنه.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 283

..........

______________________________

بأن تعدد الوجوب المتعلق أحدهما بالفعل ابتداء و الثاني بعنوان الوفاء بالعقد يؤكد الإخلاص، و لا ينافيه.

و أورد المصنف (ره) على هذا الجواب بان لازمه التفصيل في أخذ العوض على العمل، فيجوز بعنوان الإجارة، و لا يجوز بعنوان الجعالة، فإنه بالاستيجار يجب العمل على الأجير وفاء بالمعاملة، فيتضاعف وجوبه، فيتأكد الإخلاص، بخلاف الجعالة، فإنه لا يجب فيها العمل، فيكون العوض بها منافيا للإخلاص المعتبر.

(أقول): لا مجال لهذا الإيراد، فإنه إذا فرض أن تضاعف الوجوب و لو بعنوان الوفاء بالمعاملة يؤكد الإخلاص، فلازمه عدم منافاة أخذ العوض على العمل للإخلاص المعتبر فيه، فيكون أخذه بعنوان الجعالة أيضا جائزا. غاية الأمر أنه لا يكون في فرضها تأكد الإخلاص باعتبار عدم

وجوب الوفاء بالجعالة.

و أورد (ره) على الجواب (ثانيا) بأنه إن أريد ان تضاعف الوجوب يوجب تأكد اشتراط العبادة بقصد القربة فهو غير صحيح، لان وجوب الوفاء بالمعاملة توصلي فكيف يوجب تأكد اشتراط قصد القربة في العمل، و إن أريد أن قصد القربة من المكلف مع تعدد الوجوب في الفعل، و لو مع الاختلاف في التوصلية و التعبدية يكون آكد، فهو خلاف الوجدان، فإنه شاهد بان العمل الذي لا يترتب عليه الأجرة من الغير، بل يصدر عن المكلف مجانا يكون القربة فيه أخلص.

و أورد عليه (ثالثا) بأن وجوب الوفاء بالمعاملة و إن كان توصليا يسقط بالإتيان بذات العمل، إلا أن الثواب على موافقة هذا الوجوب موقوف على قصد القربة الحاصل بالعمل بما أنه ملك للغير، و يستحقه عليه، و قصد القربة في الوجوب التعبدي المتعلق به ابتداء هو العمل بما أنه حق للّه تعالى، فلا يجتمع قصد القربة في الوجوب التعبدي مع قصد الامتثال الى وجوب الوفاء بالمعاملة.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 284

و أما تأتي قصد القربة (1)

______________________________

(أقول): هذا الإيراد أيضا غير صحيح، و ذلك فان مجرد العمل- بقصد أنه ملك الغير و يستحقه عليه ذلك الغير- لا يصحح الإخلاص المعتبر في استحقاق الثواب، بل لا بد من كون العمل المعنون بالعنوان المزبور بداعي أمر الشارع بالوفاء و تسليم العمل، فيستحق الثواب على هذا الفرض، و لا يعم تسليم ملك الغير إليه بسائر أغراضه الدنيوية. و يوضح ما ذكرنا ما إذا ندم الأجير بحيث لو لا أمر الشارع بالوفاء بالعقد لم يعمل، و يترك للطرف الأجرة، و لكن دعاه الى العمل مع هذا الندم خوفه من مخالفة أمر الشارع بتسليم ملك الغير.

و مع تسليم ملك الغير اليه بالعمل كذلك تحصل القربة المعتبرة في العبادة، فأين المنافاة بين القربتين.

(1) أخذ (ره) في تقريب إمكان قصد القربة في العبادات المستأجر عليها، و أن جواز أخذ الأجرة على النيابة فيها لا يلازم جواز أخذها على نفس العبادات. و ذكر ما حاصله: أن الصادر- في موارد تلك العبادات عن المكلف- أمران (أحدهما)- النيابة أي تنزيل الأجير نفسه منزلة المنوب عنه (ثانيهما) عمله العبادي، و يكون أخذ الأجرة على الأول- حيث أنه مستحب نفسي توصلي، باعتبار كونه إحسانا إلى المنوب عنه.

(أقول): إن أراد (ره) ان تنزيل نفسه منزلة المنوب عنه فعل خارجي، و الصلاة مثلا فعل آخر و لا يرتبط أحدهما بالآخر أصلا، و أن الإجارة في موارد الاستيجار على العبادة تقع على الأول، فيرده أن لازم ذلك فراغ ذمة الأجير و استحقاقه المطالبة بالأجرة بمجرد قصده النيابة أي اعتبار نفسه منزلة المنوب عنه.

(لا يقال): تنزيل نفسه منزلته و إن يكون مورد الإجارة إلا أن الفعل المفروض كونها عبادة مأخوذ في متعلق الإجارة بنحو القيدية، فتكون الصلاة مثلا خارجة عن متعلق الإجارة، و لكن تقيد النيابة بكونها فيها داخل فيه، و على ذلك فلزوم الإتيان بالصلاة و عدم فراغ ذمة الأجير بدونها باعتبار توقف متعلق الإجارة عليها (فإنه يقال) قد تقرر في محله أن الداعي إلى الإتيان بالمقدمة واقعا يكون هو الداعي إلى ذيها،

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 285

فان قلت يمكن للأجير (1)

______________________________

و الصلاة- على ما ذكر مقدمة- لمتعلق الإجارة، فيكون الداعي إلى المتعلق و هو استحقاق الأجرة داعيا إلى الصلاة أيضا فهذه هي المنافاة الموهومة.

و إن أراد أن الموجود خارجا شي ء واحد، غاية الأمر ان فيه

جهتان و عنوانان (أحدهما) متعلق الإجارة و لم يؤخذ فيه قصد القربة (ثانيهما) ما أخذ فيه قصدها، و لكن لم تتعلق به الإجارة، كما يظهر ذلك من قوله فيما بعد: (فان قلت): الموجود خارجا من الأجير ليس إلا الصلاة) فلا يمكن المساعدة عليه أما (أولا) فلا ان الاستيجار على العبادة صحيح حتى فيما إذا لم يقصد الأجير النيابة بالمعنى المتقدم، كمن يقضى ما على الميت و يأتي بالعبادة إفراغا لذمته، و ان شئت قلت قضاء ما على ذمة الغير من العبادة كقضاء ما على ذمته من الدين، و كما أن أداء دينه لا يتوقف على قصد النيابة عنه، كذلك أداء ما على ذمته من العبادة و أما (ثانيا): فلان تعدد العنوان مع الاتحاد بحسب الوجوب لا يفيد في رفع المنافاة الموهومة بين أخذ الأجرة على العمل و الإخلاص فيه، و ذلك فان المطلوب في العبادات و الغرض منها لا يحصل الا بكون الداعي إلى إيجادها أمر الشارع و طلبه، فلا بد من تحقق العبادة بداعي أمر الشارع بها، و إذا فرض الاتحاد خارجا فكيف يكون ذلك الوجود مع أخذ الأجرة عليه بداعي القربة.

(1) و هذا جواب آخر عن الاستدلال على عدم جواز أخذ الأجرة على الواجبات، باعتبار أن أخذها مناف لقصد التقرب المعتبر في العبادة. و حاصل الجواب عدم المنافاة بينهما، فإنه يمكن أن يكون داعي المكلف إلى العبادة أمر الشارع بها، بحيث لو لا أمر الشارع و طلبه لم يأت بها، حتى مع بذل الأجرة عليها، و إذا فرض الإتيان بها كذلك يحصل قصد التقرب و يستحق الأجرة عليها، فأين المنافاة.

و ناقش (ره) في هذا الجواب بقوله: (قلت: الكلام في أن مورد الإجارة) و

حاصله أنه يعتبر في صحة الإجارة- أي في دخول الأجرة في ملك الأجير بإزاء العمل المستأجر عليه- أن يكون العمل بحيث يمكن للأجير الإتيان به بداعي أنه ملك المستأجر،

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 286

فإن قلت يمكن ان يكون (1)

______________________________

فان العمل كذلك تسليم لذلك العمل اليه، و لا يتحقق هذا الشرط فيما استوجر على العبادة، لأن الصلاة على ميت مثلا بداعي أنها ملك لباذل الأجرة لا تجتمع مع الإتيان بها بداعي أمر الشارع بها.

(أقول): ليس في البين ما يقتضي هذا الاعتبار في نفس الإجارة، بل القصد المزبور دخيل في حصول عنوان الوفاء بالمعاملة، و لكن لا بخصوصه، بل بنحو يعم كون قصد الوفاء بها داعيا أو توصيفا للعمل، بأن يقصد الأجير العمل المملوك للغير، و يأتي به بداع آخر. و بعبارة أخرى لا يلزم ان يكون قصد الوفاء بالمعاملة محركا نحو العمل، بل يكفى كونه بنحو التوصيف، و على ذلك فيمكن للمكلف قصد العمل المملوك للغير بداعي أمر الشارع بذلك العمل ابتداء. نعم لقائل أن يقول أن مع فرض حصول الشي ء بدون الإجارة- كما هو مقتضى عمل المكلف بداعي الأمر به ابتداء- يكون أخذ العوض عليه من أكل المال بالباطل، باعتبار عدم غرض عقلائي في أخذه و إعطائه، و هذا غير دعوى منافاة أخذ العوض مع التقرب كما لا يخفى، و سيأتي التعرض لذلك إن شاء اللّه تعالى.

(1) و هذا ايضا جواب عن الاستدلال المتقدم أي منافاة أخذ الأجرة على العمل للإخلاص المعتبر فيه. و تقريره أن قصد الأجرة على العمل كقصد التخلص من الفقر أو المرض في بعض العبادات، فإنه كما يكون في مثل ذلك غرضه من عمله هو التقرب الى

اللّه سبحانه، و غرضه من تقربه اليه سبحانه بعمله هو الوصول إلى الغني أو الشفاء أو غير ذلك من المقاصد الدنيوية، كذلك يكون في المقام غرضه من عمله التقرب الى اللّه سبحانه، و غرضه من تقربه اليه بالعمل المفروض الوصول إلى الأجرة المقررة في المعاملة.

و الحاصل أن استحقاق مطالبة الأجرة من قبيل الداعي إلى الداعي، أى غرض الغرض، كما كان الغني أو الشفاء كذلك.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 287

..........

______________________________

و أورد (ره) على هذا الجواب بالفرق بين المقامين، و أن سائر المقاصد الدنيوية المترتبة على بعض العبادات أحيانا لا تنافي القربة المعتبرة في العبادة، باعتبار أن طلبها من اللّه تعالى في نفسه محبوب له سبحانه، بخلاف طلب الأجرة عن الغير، فإنه لا يلائم قصد القربة في العمل، بل ينافيه كما مر. و بهذا يظهر أن عبادة جل الخلائق للّه سبحانه تخلصا من عذاب الآخرة أو وصولا إلى الجنة لا تنافي قصد القربة فيها، فان قصد التخلص من عذاب الجحيم أو الوصول إلى الجنة من قبيل الداعي غير المنافي للقربة، و كل ذلك مطلوب للّه سبحانه.

(أقول) إيراده (ره) غير تام، فان غرض الأجير من تقربه الى اللّه سبحانه بعمله هو استحقاق أخذ الأجرة في حكم الشارع، لا مجرد أخذ المال. و المنافي لقصد القربة في العمل هو الثاني دون الأول، و لذا يأتي بالعمل في غياب المستأجر، و بعد أخذه الأجرة منه خوفا من عذاب ربه و حسابه في حقوق الناس. و المقام يشبه بيع الإنسان داره في مورد الاضطرار، فإنه يقصد بيعها حقيقة لغاية الوصول الى غرضه الأصلي أي التمكن من قضاء حاجته.

فتحصل مما ذكرنا أنه لا منافاة بين العمل للآخر بالاستيجار،

و بين قصد القربة في ذلك العمل، سواء كان واجبا تعبديا أو مستحبا كذلك، و أن تحسين المصنف (ره) الاستدلال على عدم جواز أخذ الأجرة بالمنافاة بين قصد القربة و بين الأخذ المزبور غير صحيح، بل بناء على ما ذكرناه في الأصول من أن قصد التقرب المعتبر في العبادة ليس خصوص الفعل بداعي الأمر المتعلق به، بل مطلق اضافة العمل الى اللّه سبحانه، فتكون الصلاة على ميت بداعي الاستحقاق الأجرة المقررة بإزائها شرعا عبادة، لحصول القربة المعتبرة فيها بفرض الداعي، و هو استحقاق الأجرة شرعا، و على ذلك فلو لم يلتفت الأجير إلى استحباب الصوم أو الصلاة عن الميت، بل صام أو صلى بغرض استحقاقه شرعا الأجرة المقررة لهما، حكم بصحة عمله و وقوعها عبادة، بلا

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 288

نعم قد استدل على المطلب بعض الأساطين (1)

______________________________

حاجة الى حديث الداعي إلى الداعي ليقال أنه لا يجري في صورة الغفلة عن استحباب نفس العمل أو وجوبه كما لا يخفى.

(1) استدل على عدم جواز أخذ الأجرة على الواجب بوجه آخر، و هو المنافاة بين وجوب العمل ابتداء و تمليكه للآخر بالإجارة و نحوها، بدعوى أن إيجاب الشارع الفعل على مكلف بمعنى تمليك ذلك الفعل للّه تعالى، فيما إذا كان من قبيل حقوق اللّه، و بمعنى تمليكه للغير فيما إذا كان من حقوق الناس، بأن يكون ذلك العمل ملكا لذي الحق، كما في أمر الشارع بتجهيز الميت، فإنه يثبت بذلك للميت حق على الأحياء، و مع الإيجاب كذلك لا يمكن للمكلف تمليك ذلك العمل من آخر بالإجارة و نحوها، فإنه يكون نظير ما إذا آجر نفسه لدفن ميت من شخص، و أراد

إيجار نفسه ثانيا من شخص آخر لدفن ذلك الميت. و هذا الوجه ايضا ضعيف، فإن الإيجاب و ان كان أمرا اعتباريا على الصحيح كالملكية، إلا أن سنخه غير سنخ الملكية في الأموال، فلا يمتنع اجتماعه معها.

و ذكر المصنف (ره) أن هذا الوجه باعتراف الخصم يختص بالواجب العيني.

و أما الكفائي فاستدل على عدم جواز أخذ الأجرة عليه بأن الفعل متعين أى واجب عليه، فلا يدخل في ملك آخر، و بأن المستأجر لا ينتفع بالعمل الذي يملكه أو يستحقه غيره بإيجاب الشارع، فإنه بمنزلة أن يقول للأجير استأجرتك لغاية أن أتملك منفعتك المملوكة لك، كما في الواجب من حق اللّه أو لغيرك كما في الواجب من حق الناس انتهى.

(أقول) هذا بعينه هو الوجه السابق، و لم يظهر الفرق بينهما، كما أنه لم يظهر وجه اعتراف المستدل باختصاص ما ذكره أولا بالواجب العيني. نعم يظهر من السابق أن مرجع إيجاب الشارع العمل الذي ليس من حقوق الناس الى كون ذلك العمل مملوكا للّه سبحانه، و في حقوق الناس مرجعه الى كونه مملوكا لذلك الغير، و ذكر

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 289

عد الإجماع الذي لم يصرح به الا المحقق الثاني (1) فالذي ينساق اليه النظر (2)

______________________________

في الكفائي أن إيجاب الشارع بمنزلة كون ذلك العمل مملوكا لنفس الأجير أو غيره، و لذا أورد المصنف (ره) على الأخير بأن العمل بعد وقوع الإجارة عليه لا يكون ملكا لنفس الأجير، بل يدخل في ملك المستأجر إلى آخر ما ذكره. و الحاصل أن هذا الفرق ايضا بلا موجب كما لا يخفى.

(1) الأمر الثالث- في عدم جواز أخذ الأجرة على الواجبات- دعوى الإجماع، فهو على تقدير تحققه غير صالح

للاعتماد، فضلا عن عدم ثبوته، و ذلك لاحتمال كون مدركهم في عدم الجواز الأمرين المتقدمين أو غيرهما مما لم يتم شي ء منها عندنا.

و ذكر النائيني (ره) في المقام وجها رابعا لعدم جواز أخذ الأجرة على الواجبات و ان كانت توصلية، و هو أن من شرط الإجارة أن يكون متعلقها مقدورا يمكن للمكلف فعله و تركه، و مع إيجاب الفعل لا يمكن له تركه، حيث ان الممتنع الشرعي كالممتنع العقلي.

و فيه أن الدخيل في تمامية الإجارة تمكن المكلف من تسليم العمل الذي هو مورد الإجارة، لا التمكن بمعنى آخر، و إيجاب الفعل لا ينافي هذا التمكن، و لذا لو وقع شرطا في ضمن عقد لازم صح و ترتب عليه أثره. نعم مع التحريم لا يمكن تسليمه، فلا يعمه مثل قوله سبحانه أَوْفُوا بِالْعُقُودِ حيث لا يمكن الأمر بالوفاء بالإجارة مع النهى عن الفعل كما لا يخفى.

(2) ذكر (ره) (أولا) انه لا ملازمة بين صحة الإجارة و صحة العمل أى كونه مسقطا للتكليف، و (ثانيا) أن في جواز أخذ الأجرة على الواجبات تفصيلا.

و حاصل كلامه (أولا)- انه ربما تكون الإجارة صحيحة مع حصول الامتثال كما إذا كان الواجب تعبديا كتغسيل الميت، و قيل بعدم منافاة أخذ الأجرة للإخلاص في العمل أو مع سقوط التكليف بالعمل من دون حصول الامتثال، كما في الواجب التوصلي المأخوذ عليه الأجرة، بناء على عدم منافاة وجوب الفعل لأخذ الأجرة

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 290

..........

______________________________

عليه، و قد يسقط التكليف عند العمل، من غير أن يكون مصداقا للواجب، كما إذا كان فيه ملاكه من غير تعلق التكليف به لمانع. و ربما تكون الإجارة صحيحة مع بطلان العمل، سواء بقي

التكليف المتعلق به بحاله أو سقط لأمر آخر، كما إذا استأجره للصلاة على ميت بغرض تعلم صلاة الموتى، و قيل بمنافاة أخذ الأجرة للإخلاص المعتبر في العبادة، فإنه إذا صلى على ذلك الميت استحق الأجرة، و لكن يحكم ببطلانها، فتجب الصلاة عليه مع الإخلاص.

و حاصل كلامه (ثانيا)- انه لو كان الواجب عينيا تعيينيا لم يجز أخذ الأجرة عليه، سواء كان توصليا أم تعبديا، فإنه مع وجوب الفعل كذلك يكون المكلف مقهورا عليه من جانب الشارع، فيجبر عليه في صورة امتناعه، فلا تكون لعمله حرمة حتى يصح له أخذ الأجرة. و حاول (ره) دفع ما ربما يمكن أن يذكر في المقام بصورة النقض، و هو تجويز الشارع للوصي و قيم الأطفال أخذ أجرة المثل على عملهما «1» مع أن إنفاذ الوصية أو القيام بمصالح الأيتام واجب عيني تعييني عليهما.

و وجه الدفع أن ذلك التجويز حكم شرعي نظير حكم الشارع للمار بجواز اكله من ثمار الأشجار الواقعة في طريقه، و ليس من قبيل المعاوضة على العمل ليستظهر منها عدم منافاة أخذ الأجرة مع وجوب الفعل على المكلف كما ذكر.

(أقول): إذا فرض أن في فعل المكلف غرضا للآخرين، و أن الواجب عليه هو الفعل مطلقا لا الفعل مجانا و بلا عوض، فلا يكون أخذ العوض و تمليك عمله للغير من الأكل بالباطل، فان الموجب لصدقه أخذ قيد المجانية في متعلق الأمر. و المفروض خلافه. و القهر عليه من باب الأمر بالمعروف لا يوجب سقوط عمله عن المالية، كما أن القهر على بيع ماله في المخمصة لا يوجب سقوطه عنها. نعم إذا كان تعبديا فقد يتبادر الى الذهن منافاة أخذ الأجرة عليه للإخلاص المعتبر فيه، و لكن قد مر

دفعه

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجزء (12) الباب: (72) من أبواب ما يكتسب به- الحديث: (5)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 291

..........

______________________________

و أن مع كون الغرض هو استحقاق الأجرة شرعا يحصل التقرب المعتبر في العبادة.

و ما ورد في جواز أخذ الوصي أو القيم من مال اليتيم كصحيحة هشام «1» مقتضاها عدم منافاة وجوب الفعل تعيينا مع أخذ الأجرة عليه، فان ظاهرها الأخذ بعنوان اجرة المثل لا مجرد تجويز الأكل منه، نظير تجويز الأكل للمار من ثمرة طريقه. نعم قد ذكر الأكل بالمعروف في الآية و الروايات الأخر، و لكن تكون صحيحة هشام حاكمة عليها و محددة لذلك المقدار فراجع.

ثم قال (ره): (و إن كان الواجب تخييريا فمع كونه توصليا، فلا بأس بأخذ الأجرة على خصوص أحد فرديه، لعدم كونه مقهورا عليه، بل مخيرا بينه و بين فرده الآخر، و كذا الحال فيما إذا كان تعبديا، و قلنا بما أن خصوصية الفرد غير مأخوذة في متعلق الأمر فالإتيان بالقدر المشترك بداعي الأمر به لا ينافي أخذ الأجرة على تلك الخصوصية، و يوضح ذلك ملاحظة ما إذا كان المكلف بحيث لا يأتي بالقدر المشترك في ضمن أى فرد و لو اعطى له الأجرة على بعض الافراد، و إنما يكون أمر الشارع بالقدر المشترك داعيا له إلى الإتيان به، و بما أن خصوصية الافراد خارجة عن متعلق الأمر فيأتي بالقدر المشترك في ضمن خصوصية معينة لأخذه الأجرة عليها. و لا يقاس ذلك بالإتيان بخصوصية العمل رياء، حيث أن العمل يبطل حتى فيما إذا كان الرياء في خصوصية ذلك العمل. و وجه عدم القياس ما دل على أنه سبحانه خير شريك لا يقبل عملا يكون له و

لغيره، بل يتركه للغير، و هذا فيما إذا كانت الخصوصية التي أتى بها رياء متحدة مع العمل خارجا، كالصلاة في أول الوقت أو في المسجد، فإنه يحكم ببطلانها حتى فيما إذا كانت أصل الصلاة للّه و اختيار المسجد أو أول الوقت للرياء. و أما إذا كان لها وجود آخر، كما إذا صلى للّه و أتى بتعقيباتها رياء، فلا يوجب ذلك بطلان أصل الصلاة.

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجزء (12) الباب: (72) من أبواب ما يكتسب به- الحديث: (5)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 292

ثم انه يفهم من أدلة وجوب الشي ء (1)

______________________________

(أقول): مقتضى هذا الكلام عدم الفرق بين الواجب التخييري الشرعي و بين الواجب التعييني الذي يكون التخيير بين افراده عقليا في أنه يجوز فيها أخذ الأجرة على خصوص بعض الافراد، و تعرض (ره) للواجب الكفائي، و قال لا بأس بأخذ الأجرة عليه مع كونه توصليا، فإنه مع الاستيجار يملك المستأجر ذلك العمل و يستند اليه و يكون عملا له، فيستحق ثوابه و يسقط التكليف عن الأجير و عن غيره، لقيام المستأجر به و لو بغير المباشرة. و من هذا القبيل الاستيجار لتطهير المسجد أو للجهاد و نحوهما. و أما إذا كان الواجب الكفائي تعبديا، فلا يجوز أخذ الأجرة عليه لا لوجوب الفعل عليه، و إلا لم يجز أخذ الأجرة على التوصلي أيضا بل باعتبار منافاة أخذ الأجرة للإخلاص المعتبر فيه. و ما ذكر- في وجه جوازه أخذ الأجرة على خصوص بعض افراد الواجب التخييري من خروجه عن متعلق الأمر- لا يجري في الكفائي نعم لو كان الواجب الكفائي التعبدي قابلا للنيابة، بأن ينزل الأجير نفسه منزلة الغير، فيأتي بالفعل عن ذلك الغير، فيكون المقام

من قبيل الاستيجار على النيابة في العبادات. و قد تقدم جوازه، و لكن مشروعية النيابة محتاجة إلى دليل خاص، و على تقدير قيامه في مورد يكون خارجا عن محل الكلام. فان الكلام في المقام في جواز العمل عن نفسه، و تمليك ذلك العمل للغير بالإجارة و نحوها، كالخياط تكون خياطته عن نفسه، و لكنها ملك الغير.

و حاصل البحث في المقام أن إيجاب عمل على مكلف يوجب سقوطه عن المالية شرعا، لا يجوز تمليكه للغير بالأجرة أو أن وجوبه عليه لا يوجبه ما لم يجب عليه ذلك العمل مجانا. و في مورد النيابة يأتي العامل بالعمل عن الغير، و مشروعية هذه تحتاج الى دليل. و الا فالأصل عدم احتساب عمله عملا للغير.

(1) بأن يستفاد أن الغير يستحق الفعل عليه بحكم الشارع و إيجابه، ففي مثل ذلك يكون أخذ الأجرة عليه من أكلها بالباطل، فإن إيجاب الفعل كذلك بمعنى إيجابه مجانا و لعله من هذا القبيل تجهيز الميت و إنقاذ الغريق و معالجة الطبيب المرض

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 293

ثم إن في المقام اشكالا مشهورا (1)

______________________________

المهلك.

(أقول) مجرد استحقاق الغير الفعل لا يقتضي المجانية، حتى لا يجوز أخذ العوض على المعالجة و الإنقاذ و نحوهما، و إلا لم يجز أخذ العوض لمن يطعم الناس في المخمصة، بل يجب عليه بذله مجانا و ذلك لان البذل واجب تعييني لا يقبل أخذ العوض عليه، و الطعام مورد حق للمضطرين، و لذا يجوز لهم بل يجب وضع اليد عليه في صورة امتناع مالكه عن بذله.

(1) الإشكال في وجه جواز أخذ الأجرة على الصناعات التي يتوقف عليها نظام البلاد فان تلك الصناعات من الواجب الكفائي، بل من

الواجب العيني عند عدم قيام من تكون بقيامه كفاية، فكيف يجوز أخذ الأجرة عليها. و أجيب عن ذلك بوجوه.

(الأول) الالتزام بتخصيص القاعدة المتقدمة أي قاعدة عدم جواز أخذ الأجرة على الواجب، و رفع اليد عنها باعتبار الإجماع و سيرة العقلاء المتدينين منهم و غيرهم.

(الثاني) إنكار تلك القاعدة في غير العبادات. و يظهر ذلك من كل من ذكر جواز أخذ الأجرة على القضاء، بلا تقييد بصورة عدم تعينه على القاضي.

(الثالث) جواز أخذ الأجرة على تلك الصناعات بعد سقوط وجوبها بقيام من به الكفاية عليها، فإنه يكون أخذها على غير الواجب- و فساد هذا الوجه أوضح، فإن لازمه الحكم بفساد أخذ الأجرة على الجماعة القائمة بها قبل سقوط وجوبها، مع جريان السيرة القطعية على القيام بها بالأجرة في كل عصر، من غير نظر الى سقوط وجوبها بفعل الآخرين و عدمه.

(الرابع) الالتزام بعدم جواز أخذ الأجرة على عمل يكون بعنوانه محكوما بالوجوب، كتجهيز الموتى و تعليم الأحكام و أما العمل المحكوم عليه بالوجوب بعنوان حفظ النظام لا بعنوان نفسه، فلا مانع من أخذ الأجرة عليه. و هذا الوجه

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 294

..........

______________________________

ايضا بلا موجب، فإنه لم يظهر الفارق بين العمل الواجب بعنوانه و بين الواجب بعنوان آخر.

(الخامس) الفرق بين تلك الصناعات و غيرها من الواجبات، بدعوى أن عدم جواز أخذ الأجرة على الصناعات يوجب اختلال النظام، فان كل واحد يختار من تلك الصناعات ما هو أسهل، و يترك الصعب أو الأصعب على الآخرين لأن الداعي إلى الإقدام على الأعمال الشاقة الصعبة هو الطمع في الأجرة فتسويغ أخذ الأجرة عليها لطف، أى تقريب للعباد إلى موافقة التكليف بإقامة النظام، لا أنه ينافي هذا

التكليف.

و أجاب المصنف (ره) عن ذلك بعدم انحصار وجه الاقدام على الأعمال الصعبة بالطمع في الأجرة، بل ربما يكون اقدام الشخص باعتبار عدم معرفته بغيرها أو كونه ناشئا في ذلك العمل الشاق، كالفلاح. و لكن لا يخفى ما فيه.

(السادس) دعوى أن تلك الصناعات من قبيل الواجب المشروط فيكون وجوبها مشروطا ببذل العوض عليها، سواء كانت الصنعة الواجبة من الواجب العيني باعتبار انحصار من به الكفاية، أو من الواجب الكفائي كما في صورة تعدده و عدم انحصاره، و على كل فلا تكون تلك الصنعة واجبة على المكلف قبل إعطاء العوض بعنوان الإجارة أو الجعالة، بل بإعطائه يحصل شرط وجوبها عينا أو كفاية.

و بعبارة أخرى لا تكون الصنعة- حال قرار الأجرة لها بالإجارة أو الجعالة- واجبة حتى تكون تلك الأجرة على العمل الواجب، و الجواب عن هذا الوجه ظاهر، فان الواجب على الطبيب مثلا احياء النفس و انقاذها من الهلكة، سواء بذل على طبابته العوض أم لا.

(السابع) أن وجوب تلك الصناعات غيري باعتبار توقف اقامة النظام

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 295

فهو من قبيل رجوع الوصي بأجرة المثل (1) فهو بوصف كونه مستحبا على المكلف لا يجوز أخذ الأجرة عليه (2).

______________________________

عليها و من الظاهر عدم توقف إقامته على العمل مجانا ليجب العمل كذلك، بل الموقوف عليه بذل النفس للعمل و لو مع العوض.

ثم ذكر هذا القائل أنه إذا بذل المريض الأجرة للطبيب وجب عليه المعالجة و ان لم يبذل مع أداء ترك العلاج الى هلاكه أجبره الحاكم حسبة على بذلها. و الفرق بين هذا الوجه و الوجه الرابع هو أن الصناعات على هذا الوجه واجبات غيرية، بخلاف الوجه الرابع فإنها عليه واجبات نفسية،

و لكن ليس وجوبها بعناوينها الأولية، بل بالعنوان الطارئ عليها، و هو عنوان التحفظ على النظام.

و كيف كان فهذا الوجه ايضا فاسد، فإنه لا يجب على المريض بذل الأجرة حتى يجبر عليه مع امتناعه، بل الطبابة واجبة على الطبيب، بذل له الأجرة أم لا، و على ذلك فيكون للمريض و غيره إجبار الطبيب على الطبابة من باب الأمر بالمعروف.

و الحاصل أن هذا الوجه على تقدير تماميته يدل على جواز أخذ الأجرة و بذلها، لا على وجوبهما، مع ان التفرقة- بين الواجب الغيري و النفسي بجواز أخذ الأجرة على الأول دون الثاني- غير تامة.

(1) ظاهر قوله سبحانه فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ «1» جواز أخذ المرأة الأجرة على إرضاعها، سواء كان باللباء أو غيره، فان تمت دعوى منافاة أخذ الأجرة لوجوب الفعل، فلا بد من تقييد الآية بالإرضاع بغير اللبأ. و التعبير بالأجر فيها ظاهر في ثبوته من جهة المعاوضة، لا أنه حكم شرعي و تعبد خاص كجواز أكل المار من ثمرة طريقه، حتى لا يمكن التعدي، كما لا يخفى.

(2) قد تقدم عدم منافاة أخذ الأجرة على عمل مع قصد التقرب في ذلك

______________________________

(1) سورة الطلاق (65) الاية (6)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 296

..........

______________________________

العمل، و أنه لو كان سائر شرائط الإجارة حاصلة لما كان اشتراط قصد التقرب فيه موجبا لبطلانها، حيث أن الأجير لو أتى بالعمل- بداعي استحقاق الأجرة شرعا لئلا يبقى الدين على عهدته و يبتلى يوم القيمة بحسابه- كان هذا بنفسه نحو تقرب الى اللّه سبحانه، لا أنه ينافي التقرب في ذلك العمل، و على ذلك فلو استأجر من يصلح للإمامة لإعادة صلاته حتى يقتدى به، صح الاستيجار، و لا

ينافي قصد التقرب المعتبر في أصل الصلاة و إعادتها.

نعم الاستيجار للعبادة للّه سبحانه- أصالة و إهداء ثوابها للآخر- يحتاج الى دليل على المشروعية. لا مشروعية الاستيجار فقط، بل مشروعية إهداء الثواب و نفوذه و قد قام الدليل عليها في الصلاة و الحج و الصدقة و نحوها في الجملة و بعد الدليل على المشروعية يجوز المعاملة على الإهداء بنحو الهبة المشروطة، حيث أن المعاملة عليه بنحو الاستيجار لا يخلو عن مناقشة، كما أن النيابة تحتاج الى دليل على المشروعية في الأفعال التي لا تنتسب الى غير الفاعل، و لا تقبل التوكيل كالصيام و الاغتسال و نحوهما، لا في مثل الحلق و الذبح و نحوهما من الأفعال التي تنتسب الى غير المباشر بالتوكيل، فإن النيابة فيها مقتضى الإطلاق في خطاب الأمر بتلك الأفعال.

ثم انه ليست النيابة منحصرة بتنزيل النفس منزلة الغير كما يظهر من المصنف (ره) بل النيابة في مثل الصلاة و الصوم عن الميت كأداء دين الغير. فكما أن من تقوم بأداء دين غيره لا ينزل نفسه منزلة المدين، بل يقصد الأداء بما في ذمته كذلك المصلى عن الغير يقصد الصلاة التي في ذمة الميت، و تلك الصلاة لم يؤخذ فبها قيد المباشرة، كما أخذ هذا القيد في الصلاة التي في عهدة الحي، كما هو ظاهر خطابات التكاليف. و لذا لا تصح النيابة عن الحي في الصلاة و نحوها.

و في صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما (ع) قال: «سألته عن رجل أدركه

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 297

..........

______________________________

رمضان و هو مريض، فتوفي قبل أن يبرأ قال: ليس عليه شي ء، و لكن يقضى عن الذي يبرأ ثم يموت قبل أن يقضى» «1» فإن

ظاهرها اشتغال عهدة الميت، و فعل الآخرين قضاء عنه، و لا يكون ذلك الا لعدم اعتبار المباشرة فيما يعتبر في عهدة الميت و يترتب على كون النيابة هي التنزيل أو ما ذكرناه إمكان الاستدلال- على عدم منافاة أخذ الأجرة على عمل مع التقرب المعتبر فيه- بما ورد في جواز الاستيجار للحج و العمرة، فإنه بناء على إنكار التنزيل تكون الأجرة بإزاء نفس الحج و العمرة و أما بناء على التنزيل، فقد تقدم عن المصنف (ره) دعوى أن الأجرة بإزاء التنزيل لا الحج و العمرة. و التنزيل أمر مستحب توصلي، فلاحظ.

(لا يقال) و يترتب ايضا أنه إذا ارتكب النائب عن الغير في الحج حال إحرامه موجب الكفارة كانت الكفارة على المنوب عنه (فإنه يقال): بل تجب على النائب على التقديرين، فان المنزل منزلة فعل المنوب عنه هو نفس الإحرام و سائر أعمال الحج لا ما يرتكبه النائب في أثنائها كما لا يخفى. و فيما إذا لم يكن على المنوب عنه اشتغال أصلا، كما في الحج أو الصلاة ندبا عن الميت، فيمكن في مثلهما القول بالتنزيل كما لا يخفى.

و الحاصل أنه ورد في النيابة عن الغير في الحج و العمرة بنحو الاستيجار بعض الروايات، و حملها على الاستيجار على المقدمات خلاف ظاهرها، بل مقتضى الحمل المزبور يعنى وقوع الإجارة على نفس المقدمات هو استحقاق الأجرة بالإتيان بها، و ان لم يترتب عليها ذوها. و في موثقة عمار بن موسى الساباطي عن ابى عبد اللّه (ع)، قال: «سألته عن الرجل يأخذ الدراهم ليحج بها عن رجل، هل يجوز أن ينفق منها في غير الحج؟ قال إذا ضمن الحجة، فالدراهم له يصنع بها

______________________________

(1) وسائل الشيعة: الجزء (7) الباب:

(23) من أبواب أحكام شهر رمضان- الحديث: (2)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 298

ثم انه كما يستحق الغير بالإجارة (1)

______________________________

ما أحب و عليه حجة» «1» حيث أن ظاهرها وقوع المعاملة على نفس الحج كما هو معنى ضمانه، و بما انه لا يحتمل الفرق بين الحج و سائر العبادات التي قد أحرزت مشروعية النيابة فيها، كقضاء الصلاة و الصوم و نحوهما عن الميت، فيكون الاستيجار عليها كالاستيجار للحج.

(1) ذكر (ره) أنه كما لا يجوز تمليك العمل الواجب عليه للغير بالأجرة، كذلك لا يجوز صرف ما يملكه الغير عليه لنفسه، بأن يأتي لنفسه بعنوان العبادة ما استحقه الغير عليه، كما إذا استوجر لإطافة صبي أو مغمى عليه، فلا يجوز أن ينوي الإطافة طوافا لنفسه أيضا، و كذا فيما إذا استوجر لحمل الغير في طواف ذلك الغير فلا يجوز أن ينوي لنفسه الطواف في تلك الأشواط. و هذا هو المراد من الاستيجار للحمل مطلقا، و جوز بعضهم الطواف لنفسه فيما إذا استوجر لحمل الغير في طواف نفسه، و هذا هو المراد من الاستيجار للحمل في طوافه، و وجه الجواز في هذه الصورة عدم كون الأشواط للغير، بل ما يملكه الغير عليه هو نفس الحمل فيها، نظير ما إذا استوجر لحمل شي ء آخر فيها بخلاف الصورتين الأولتين، فإن الأشواط فيهما مستحقة للغير.

(أقول): الصحيح هو عدم الفرق بين الصور الثلاث، فيجوز أن ينوي فيها الطواف لنفسه، و ذلك فان كون شخص أجيرا في عمل لا يقتضي إلا تمليك ذلك العمل فقط للمستأجر، لا بمقدماته و مقارناته، و لذا يجوز اجارة نفسه لآخر فيهما، و على ذلك فالحركة المخصوصة مقدمة لإطافة الغير، أى جعل الغير طائفا، كما أنها

مقدمة لحمل الآخر في طواف ذلك الآخر، فيجوز صرفها لنفسه بقصده الطواف لنفسه.

نعم لو استوجر للحمل لا في طوافه بأن يكون أجيرا لحمل المستأجر بشرط

______________________________

(1) وسائل الشيعة: الجزء (8) الباب (10): من أبواب النيابة في الحج- الحديث: (3).

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 299

قال في المسالك هذا إذا كان الحامل (1).

______________________________

أن لا يكون الحامل طائفا حال الحمل. و هذه صورة رابعة، فقصد الحامل فيها الطواف لنفسه مخالفة للشرط، و باعتبارها يكون منهيا عنه فيفسد. و يحتمل أن يكون هذا الاشتراط تقييدا لمتعلق الإجارة، بأن يملك المستأجر الحمل عليه حال عدم طوافه لنفسه و بقصد كل من الحامل و المحمول الطواف ينتفي مورد الإجارة فلا يستحق على المستأجر شيئا، و ترك الحامل مورد الإجارة و ان كان محرما، إلا أن طوافه لنفسه لا يكون منهيا عنه حتى يفسد، و وجه عدم النهى عنه عدم اقتضاء الأمر بالشي ء النهي عن ضده الخاص، فلا بد في الحكم من ملاحظة أن العقد على الاشتراط أو على التقييد.

ثم إنه ليس مما تقدم ما إذا حج الأجير لنفسه ندبا في سنة الإجارة، و ذلك فان تركه الحج عن المنوب عنه و إن كان من ترك الواجب، لوجوب تسليم العمل المملوك للغير اليه، إلا أن الحج لنفسه في تلك السنة ضد خاص لما وجب عليه بالإجارة، و الأمر بالشي ء لا يقتضي النهي عن ضده الخاص، بل يمكن شمول الاستحباب لذلك الضد بنحو الترتب.

ثم إنه لو قيل بأن مقتضى الإجارة على عمل تمليكه بمقدماته، فلا بأس أيضا بقصد الطواف لنفسه في الصورة الثلاث المتقدمة، باعتبار أن قصد الأجير الطواف لنفسه بحركته الاستقلالية فيها من قبيل الانتفاع بملك الغير، لا

التصرف فيه، و الانتفاع بملك الغير ما لم يمكن تعديا و تصرفا فيه غير ممنوع، كالاستظلال بظل الغير أو الاستنارة بنوره و هكذا و هكذا.

(1) أى جواز احتساب حركته المخصوصة و قصده بها الطواف لنفسه يختص بالموارد التي لا يملك المحمول فيها تلك الحركة، كما إذا كان الحامل متبرعا أو حاملا بجعالة، حيث لا يملك في الجعالة باذل العوض العمل على الآخر، أو كان أجيرا للحمل في طوافه، بمعنى أنه آجر نفسه للغير لحمله حال الطواف لنفسه، فإنه يمكن في جميع ذلك أن ينوي كل من الحامل و المحمول الطواف لنفسه.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 300

..........

______________________________

و أما إذا استؤجر للحمل مطلقا، أى أنه آجر نفسه لحمل الغير، و لم يقيد في الإجارة بكون الحمل حال الطواف لنفسه، فلا يصح ان ينوي الحامل الطواف لنفسه، لان حركته المخصوصة مستحقة للغير في صورة الإطلاق، باعتبار توقف طواف المحمول عليها، فلا يصح صرف تلك الحركة لنفسه.

و أورد الإيرواني (ره) على الفرق و ذكر أنه لا يختلف الحكم بين كونه أجيرا لحمل الغير في طواف نفسه، و بين كونه أجيرا لحمل الغير بلا تقييد، بكون الحمل حال طواف نفسه، و وجه عدم الاختلاف أنه لو كان أجيرا لحمل الغير على نحو الاشتراط و التعليق، بمعنى انه على تقدير طوافه لنفسه كان عليه أن يحمل الغير، فهذا من التعليق في الإجارة، و ان كان أجيرا لحمله لا على نحو الاشتراط و التعليق استحق المستأجر عليه الحركة المخصوصة باعتبار توقف الحمل عليه، و لا يجوز للأجير أن ينوي بتلك الحركة الطواف لنفسه.

و لكن الصحيح كما ذكرنا عدم دخول مقدمات الحمل في متعلق الإجارة، فإن إطافة الصبي أو

المغمى عليه هي جعل الصبي أو المغمى عليه طائفا فيعتبر فيهما شرائط الطواف من الطهارة و غيرها.

و بعبارة أخرى يكون طواف الصبي أو المغمى عليه هي الحركة التبعية، و حركة الأجير مقدمة لطوافهما، و كذا الحال في اشتراط حمله في طوافه أو مطلقا و إلزام الأجير- بالمقدمة على تقدير امتناعه- لا يقتضي دخول تلك المقدمة في ملك المستأجر، ليكون صرفها على نفسه من التصرف في ملك الغير، فيكون منهيا عنه.

و مما ذكرنا يظهر أنه ليس الجواز لبعض الروايات الواردة في إطافة الصبي أو غيره في طواف نفسه، و وجه الظهور عدم فرض الاستيجار في موردها لتصلح جوابا عن المناقشة بأن صرف الأجير الحركة المخصوصة على نفسه من التصرف فيما يستحقه الغير.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 301

ثم إنه قد ظهر مما ذكرناه (1)

______________________________

(1) قد بنى (ره) على أن أخذ الأجرة على عمل لا يجتمع مع قصد التقرب بذلك العمل، سواء كانت عبادة واجبة أو مستحبة، و فرع على ذلك عدم جواز أخذ الأجرة على الأذان، فإنه لانتفاع الغير به كإحراز دخول الوقت، أو الاكتفاء به في الصلاة، يقع مورد الإجارة، و لكن بما أنه من قبيل العبادة، فلا يصح أخذ الأجرة عليه، حتى فيما إذا كان للاعلام فقط، بناء على أن أذان الإعلام ايضا كأذان الصلاة من العبادة، بمعنى أن الاعلام بدخول الوقت مستحب كفائي، و لا يحصل هذا الإعلام إلا بالأذان الواقع بنحو العبادة.

و بعبارة أخرى لا يصح الاعتماد عليه في دخول الوقت إلا فيما وقع على نحو العبادة، و لا يكون طريقا معتبرا الى دخولها في غير هذه الصورة، و يذكر في المقام روايات يستظهر منها عدم جواز أخذ الأجرة

عليه، كموثقة زيد بن على عن آبائه عن على عليهم السلام «أنه أتاه رجل، فقال له: و اللّه إني أحبك للّه، فقال له: و لكني أبغضك للّه، قال: و لم؟ قال: لأنك تبغي في الأذان و تأخذ على تعليم القرآن أجرا» «1» و في سندها عبد اللّه بن منبه و الظاهر أنه اشتباه من النساخ.

و الصحيح منبه بن عبد اللّه. و قد ذكر النجاشي أن حديثه صحيح، و وجه الصحة كون الراوي عنه محمد بن الحسن الصفار الذي يروى عن المنبه في سائر الروايات و لكن في دلالتها على عدم الجواز تأمل، فإن بغضه عليه السلام يمكن لاستمراره على الكراهة، و يشهد لها ما في ذيلها (و سمعت رسول اللّه (ص) يقول من أخذ على تعليم القرآن اجرا كان حظه يوم القيمة: فإن التعليل يناسب الكراهة كما لا يخفى.

و عن السيد الخوئي طال بقاه أن دلالتها على المنع بضميمة ما ورد من أنه عليه السلام لا يبغض الحلال، و فيه أنه لم أظفر على رواية معتبرة يكون ظاهرها ذلك. نعم ورد في روايات الربا أنه عليه السلام كان لا يكره الحلال، و ظاهرها خلاف

______________________________

(1) وسائل الشيعة الباب: (30) من أبواب ما يكتسب به- الحديث (1)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 302

و من هنا يظهر وجه ما ذكروه في هذا المقام (1)

______________________________

المقطوع، فإنه عليه السلام كان يكره المكروهات الشرعية قطعا، مع كونها محللة. و حسنة حمران الواردة في فساد الدنيا و فيها قال (ع): «و رأيت الأذان بالأجر و الصلاة بالأجر «1».

و فيه انه لا دلالة لها ايضا على المنع، بل و لا دلالة على الكراهة، فإنها في مقام بيان علامة فساد

الأرض، لا بيان موجبات فسادها، و يمكن كون الحلال المخصوص علامة لفسادها، كقوله عليه السلام فيها «و رأيت المؤمن صامتا لا يقبل قوله» فان صمت المؤمن مع عدم قبول قوله لا يكون حراما، بل و لا مكروها. و روايتي محمد ابن مسلم و العلاء بن سيابة عن ابى جعفر عليه السلام، قال: «لا تصل خلف من يبتغى على الأذان و الصلاة أجرا، و لا تقبل شهادته» «2» و لا بأس بدلالتهما على المنع فان الحكم بفسق آخذ الأجر على الأذان أو الصلاة المراد بها الإمامة لا يكون الا مع حرمة الفعل أو بطلان المعاملة، إلا أنهما ضعيفتان سندا. و إن وصف السيد اليزدي (ره) رواية محمد بن مسلم بالصحيحة، و الأظهر أنه لا بأس بأخذ الأجرة على الأذان و تعليم القرآن، لعدم المنافاة بين أخذ الأجرة على عمل، و كونها عبادة مع أن تعليم القرآن ليس من العبادة و الروايات، كما مرت ضعيفة سندا أو دلالة، و لكن الأحوط الترك و اللّه. سبحانه هو العالم.

(1) الوجه هو ذكر الصلاة في حسنة حمران و قد تقدم ظهورها في الأجر على الإمامة، و لكن ذكرنا عدم دلالتها على المنع. و أما ما ذكره (ره)- من أن الانتفاع بالإمامة موقوف على تحققها بقصد الإخلاص إذ المأموم لا يجوز له الاقتداء إلا بإمام تكون صلاته صحيحة، و قصد الإخلاص لا يجتمع مع أخذ الأجرة- فلا يمكن المساعدة عليه، فان ما يفيد الغير في المقام هي صحة صلاة الإمام، حتى يقتدى بصلاته.

و أما كون إمامته بالقربة، فلا يعتبر في جواز الاقتداء و على ذلك فلو كان المكلف

______________________________

(1) وسائل الشيعة: الباب (41) من أبواب الأمر بالمعروف الحديث (6)

(2) وسائل الشيعة

الجزء الباب (32) من أبواب الشهادات- الحديث (602)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 303

تحمل الشهادة (1)

______________________________

بحيث يأتي بالصلاة بداعي الأمر بها و لو منفردا، و لا يأتي بها حتى مع إعطاء الأجرة عليها لو لا أمر الشارع بها، فيكون أخذ أجرته على خصوصية صلاته لا على أصلها، و تلك الخصوصية لم تؤخذ في متعلق الأمر بالطبيعة، فلا بأس بذلك الأخذ غاية الأمر لا يثاب على إمامته فتدبر.

(1) تعرض (ره) لأخذ الأجرة على تحمل الشهادة، و ذكر عدم جوازه بناء على وجوب التحمل عند الدعوة إليه، كما هو مقتضى الصحيح الوارد في تفسير قوله سبحانه وَ لٰا يَأْبَ الشُّهَدٰاءُ إِذٰا مٰا دُعُوا «1» و كذا لا يجوز أخذ الأجرة على أدائها و الوجه في عدم الجواز هو كون كل من الأداء و التحمل حقا للمشهود له، فيستحقهما على الشاهد، فيكون أخذ الشاهد الأجرة على الأداء أو التحمل من مبادلة حق شخص بمال ذلك الشخص. و هذا أكل المال بالباطل، بل ينطبق عنوان الأكل بالباطل حتى فيما لو أخذ المال عن آخر يجب عليه أيضا الأداء أو التحمل كفاية، حيث أن طلب المال لأداء حق الغير اليه، سواء كان المطلوب منه المال، صاحب الحق أو غيره أكل لذلك المال بالباطل.

(أقول) في كون الاستجابة للتحمل أو الأداء مجانا حقا للمشهود له تأمل. و ذكر السيد الخوئي طال بقاه أن الوجه في عدم جواز أخذ الأجرة استفادة المجانية من دليل وجوبهما، فان قوله سبحانه:- وَ لٰا يَأْبَ الشُّهَدٰاءُ إِذٰا مٰا دُعُوا مع الإغماض عن الرواية أيضا يعم الدعوة الى التحمل و الأداء. و مقتضى إطلاق النهي عدم جواز الإباء حتى مع عدم بذل الأجرة.

و فيه أنه

يمكن دعوى كون متعلق النهي الدعوة المتعارفة و إذا كانت الدعوة المتعارفة الى التحمل أو الشهادة بالأجر كانت الدعوة إليها كالدعوة إلى الخياطة أو البناء في أن وجوب استجابتهما لا يقتضي المجانية. و يشهد لذلك ملاحظة صدر الآية، فإن قوله

______________________________

(1) سورة البقرة (2) الاية (282).

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 304

بقي الكلام في شي ء (1)

______________________________

سبحانه وَ لٰا يَأْبَ كٰاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمٰا عَلَّمَهُ اللّٰهُ- لا يقتضي وجوب الكتابة على الكاتب مجانا.

(لا يقال) ان بينهما فرقا فإن الكتابة في الدين مستحبة، فلا بأس بأخذ الأجرة عليها، بخلاف الاستجابة لأداء الشهادة أو تحملها (فإنه يقال): الاستجابة إلى الكتابة مثل الاستجابة للتحمل أو الأداء واجبة، مع أن مقتضى الإطلاق عدم جواز المطالبة بالأجرة للتحمل و الأداء، لا عدم جواز أخذها مع إعطائها كما هو المطلوب في المقام و في مثل الأجرة على القضاء، كما لا يخفى.

هذا و يمكن أن يقال بعدم تعارف أخذ الأجرة على تحمل الشهادة أو أدائها، و ليس لهما مالية، فيكون أخذها من أكل المال بالباطل نعم لو توقف التحمل أو الأداء على بذل المال لقطع المسافة و نحوه، لم يجب البذل من كيسه، و الوجه في ذلك: أن مقتضى قاعدة نفى الضرر عدم وجوب التحمل أو الأداء في الفرض، حتى فيما إذا قال المشهود له: اصرف المال و على تداركه، فان مجرد التزامه بالعوض لا يوجب انتفاء الضرر، حيث انه ربما لا يصل اليه العوض، لعدم وفاء المشهود له بالتزامه.

(1) ذكر جماعة من الأصحاب في الواجبات و المستحبات التي لا يجوز أخذ الأجرة عليها أنه يجوز ارتزاق مؤديهما من بيت المال، و ليس المراد أخذ الأجرة و العوض من بيت

المال على عملهم، فإنه لا فرق في عدم الجواز بين الأخذ من بيت المال أو من غيره، بل يكون إعطاء العوض من بيت المال، باعتبار عدم كونه ملكا شخصيا للمعطى، اولى بعدم الجواز، فليكن مرادهم أنه إذا قام المكلف بتلك الأعمال التي لا يمكنه- مع القيام بها- الكسب المناسب، فيقرر له من بيت المال ما يكفيه من مؤنة نفسه و عياله مع فقره، زاد على اجرة عمله أم نقص بعنوان المساعدة، و أما مع غناه، فان كان ذلك العمل واجبا عليه، فلا يجوز لولي المسلمين الإعطاء

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 305

[خاتمة تشتمل على مسائل]

[الأولى: بيع المصحف]

صرح جماعة (1)

______________________________

من بيت المال، فإن عدالة القاضي تمنعه عن ترك القضاء الواجب عليه، فيكون إعطاؤه مع غناه من إتلاف بيت المال. و هذا بخلاف البذل لمثل المؤذن و الامام الراتب ممن يقوم بالمستحبات، فإنه يجوز فيما إذا كان تركه موجبا لترك الأذان و الإمامة و نحوهما، و لا يكون من إتلاف بيت المال بلا جهة، بل القاضي فيما إذا أراد الارتحال من البلد الى الآخر للقضاء في ذلك البلد، و كانت الحاجة إليه في البلد أشد، فإنه لا بأس بالبذل له، فإنه من صرف بيت المال في سبيل صلاح المسلمين.

(1) ذكر جماعة من القدماء و المتأخرين عدم جواز بيع المصاحف، و مرادهم- كما أوضح في الدروس- بيع خطه، و كانت حرمة بيعه مشهورة بين الصحابة على ما هو ظاهر نهاية الأحكام، حيث تمسك في إثباتها باشتهارها بين الصحابة، و يدل عليه ظاهر جملة من الروايات.

(منها)- رواية سماعة عن الشيخ (ره) بإسناده عن محمد بن احمد ابن يحيى عن ابى عبد اللّه الرازي عن الحسن بن على بن أبي

حمزة عن زرعة عن سماعة بن مهران قال: «سألت أبا عبد اللّه (ع) يقول: لا تبيعوا المصاحف، فان بيعها حرام، قلت: فما تقول في شرائها؟ قال: اشتر منه الدفتين و الحديد و الغلاف، و إياك أن تشترى منه الورق، و فيه القرآن مكتوب» «1» و هي ضعيفة، و ليست بالموثقة، فإن أبا عبد اللّه الزراري هو محمد بن أحمد الجاموراني الزراري، و قد استثناه ابن الوليد عن روايات محمد بن احمد بن يحيى، و في استثنائه دلالة على ضعفه، كما ان ضعف الحسن بن على بن أبي حمزة أظهر من أن يذكر، فتوصيف المصنف (ره) الرواية بالموثقة غير تام.

______________________________

(1) وسائل الشيعة: الجزء (12) الباب: (31) من أبواب ما يكتسب به- الحديث: (11)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 306

..........

______________________________

و (منها)- رواية عبد الرحمن بن سيابة عن ابى عبد اللّه (ع)، قال: «سمعته يقول: أن المصاحف لن تشترى، فإذا اشتريت، فقل إنما اشترى منك الورق، و ما فيه من الأديم، و حليته، و ما فيه من عمل يدك بكذا و كذا» «1» و في موثقة سماعة عن ابى عبد اللّه (ع)، قال: «سألته عن بيع المصاحف و شرائها؟ قال: لا تشتر كتاب اللّه، و لكن اشتر الحديد و الورق و الدفتين، و قل: أشترى منك هذا بكذا و كذا» «2».

و لكن في مقابلها ما يظهر منه الجواز، كصحيحة أبي بصير، قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن بيع المصاحف و شرائها؟ فقال: إنما كان يوضع عند القامة و المنبر، و قال: كان بين الحائط و المنبر قدر ممر شاة أو رجل، و هو منحرف، فكان الرجل يأتي فيكتب البقرة، و يجي ء آخر، فيكتب

السورة كذلك كانوا، ثم إنهم اشتروا بعد ذلك، فقلت: فما ترى في ذلك؟ قال: أشتريه أحب الى من أن أبيعه» «3» و نحوها موثقة روح بن عبد الرحيم، و زاد فيها «قلت: فما ترى أن اعطى على كتابته أجرا؟ قال: لا بأس، و لكن هكذا كانوا يصنعون» «4».

و مقتضى الجمع بين الطائفتين هو حمل المانعة على الكراهة. و لكن ذكر المصنف (ره) أن صحيحة أبي بصير لا تصلح ان تكون قرينة على صرف النهي في سائر الروايات إلى الكراهة، فإن مدلولها أنه لم يكن في الصدر الأول تحصيل المصاحف بالشراء، و انما حدث ذلك أخيرا. و أما كيفية بيعها و شرائها و هل هو مثل سائر الكتب أم لا؟ فلا دلالة لها على المماثلة الا بالإطلاق أى السكوت في مقام البيان فيرفع اليد عن ذلك بمثل رواية عبد الرحمن المتقدمة الدالة على الكيفية المعتبرة في بيع المصاحف و شرائها، بل هذا الإطلاق أيضا يمكن منعه بعدم كون الرواية

______________________________

(1) وسائل الشيعة: الجزء (12) الباب: (31) من أبواب ما يكتسب به- الحديث: (1).

(2) وسائل الشيعة: الجزء (12) الباب: (31) من أبواب ما يكتسب به- الحديث: (2).

(3) وسائل الشيعة: الجزء (12) الباب: (31) من أبواب ما يكتسب به- الحديث: (8).

(4) وسائل الشيعة: الجزء (12) الباب: (31) من أبواب ما يكتسب به- الحديث: (4).

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 307

بقي الكلام في المراد من حرمة البيع (1).

______________________________

في مقام البيان من جهة الكيفية ليمكن دعوى إطلاقها.

و بهذا يظهر الحال في رواية عنبسة الوراق، قال: «سألت أبا عبد اللّه (ع)، فقلت: إني رجل أبيع المصاحف، فإن نهيتني لم أبعها، فقال أ لست تشترى ورقا و تكتب فيه؟

فقلت: بلى و أعالجها، فقال لا بأس بها» «1» فان ظهور هذه في جواز بيع المصاحف كسائر الكتب بالإطلاق و بالسكوت في مقام البيان، فيرفع اليد عنه بالبيان الوارد في الروايات المتقدمة.

(أقول): لا بد من رفع اليد عن الاخبار المانعة بحملها على الكراهة، فإنه قد ورد في موثقة روح بن عبد الرحيم المتقدمة نفى البأس عن الكتابة بالأجر، و لو لم يكن لخط القرآن مالية، باعتبار عظمته لم تكن كتابته من الأعمال التي لها قيمة.

و الحاصل أنه لا يحتمل الفرق بين الأجر على كتابة القرآن و بين بيعه، و جواز الأول كاشف عن جواز الثاني. هذا مع أن ظاهر السؤال في مثل صحيحة أبي بصير بقوله (فما ترى في شرائها) هو السؤال عن جواز شراء المصاحف بالنحو المتعارف في سائر الكتب، فيكون جوابه عليه السلام بالجواز راجعا الى ذلك النحو، و هذا من الظهور الوضعي لا الإطلاقي ليتوقف على تمامية مقدماته، و ذلك فإن دلالة اللفظ الموضوع للكتاب عليه بالوضع و اضافة البيع اليه ظاهرة بمقتضى وضع الإضافة، في تعلقه بعنوان ذلك الكتاب كما لا يخفى.

(1) لا يخفى أن المصحف كسائر الكتب تكون خطوطه وصفا مقوما له، و لا يمكن كون الوصف مطلقا مقوما كان أم غيره ملكا لشخص، و موصوفه ملكا للآخر. بل لو كان الوصف في الشي ء حاصلا بعمل الآخر، و كان بأمر من مالك

______________________________

(1) وسائل الشيعة: الجزء (12) باب: (31) من أبواب ما يكتسب به- الحديث: (5)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 308

..........

______________________________

ذلك الشي ء أو باستئجاره فيستحق العامل الأجرة عليه، و الا فلا احترام لفعله، و لا يكون له على مالكه أجرة أصلا، و على ذلك فلو كان

النهى عن بيع المصاحف لزوميا كان المراد بمتعلق النهى، ملاحظة خطوطها في أخذ العوض عليها، على ما تقدم سابقا في النهي عن بيع الجارية المغنية، و في النهي عن بيع آلات اللهو.

و الحاصل ان المراد بالنهي عن بيع المصاحف هو المنع عن بيع الأوراق بملاحظة كونها موصوفة بالكتابة القرآنية. و بهذا يظهر أن ما ذكره المصنف (ره)- من أن النقوش ان لم تعد من الأعيان المملوكة عرفا، بل من صفات المنقوش الذي تتفاوت قيمته بوجودها و عدمها، فلا حاجة الى النهي عن بيع الخط، فإنه لا يقع بإزائه جزء من الثمن ليقع في حيز النهى- لا يمكن المساعدة عليه، لما ذكرنا من كون الخطوط وصفا مقوما، نظير بيع آلات اللهو، و ان النهى مقتضى عدم جواز لحاظ هذا الوصف في مقام المبادلة، على ما تقدم في بيع الآلات.

نعم ذكرنا أنه لا بد من حمل النهى على الكراهة أى على كراهة إيقاع المعاملة على المصحف بما هو مصحف، و أن اللازم في التخلص من هذه الكراهة جعل الثمن بإزاء الأوراق بما هي أوراق، و الثمن المأخوذ و ان كان زائدا على ثمن الأوراق، و الزيادة بداعي اتصاف تلك الأوراق بالكتابة القرآنية، الا أنه لا يذكر هذه الجهة في العقد، بل يذكر فيه عنوان الأوراق و الحديد، و بعد انتقال الأوراق إلى المشتري يكون مالكا لها بما هي مصحف، حيث تقدم تبعية الخطوط، و انه لا يمكن كونها ملكا لشخص، و الأوراق ملكا لآخر.

(لا يقال) لا فرق بين النهي في المقام و بين النهى عن بيع آلات اللهو، غاية الأمر عدم المالية في تلك الآلات باعتبار خستها، و في المصحف باعتبار عظمته، كما يرشد الى ذلك، قوله

في مضمرة عثمان بن عيسى: «لا تشتر كلام اللّه» و على ذلك يكون النهى عن بيع المصحف نظير النهى عن بيع تلك الآلات حقيقيا، لا راجعا الى

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 309

ثم ان المشهور بين العلامة (1)

______________________________

صورة العقد كما تقدم، نعم يجوز بيع الأوراق و الحديد من المصحف نظير بيع المواد من الآلات.

(فإنه يقال) ان تجويز بيع المصحف في صحيحة أبي بصير المتقدمة و تجويز أخذ الأجرة على كتابته في موثقة روح بن عبد الرحيم قرينة على اختلاف الحكم في المقام، و أن إيقاع المعاملة على المصحف كايقاعها على سائر الكتب مكروه، و لا بد من التخلص عن الكراهة من إيقاعها على الأوراق و الحديد، فيكون هذا حكما راجعا إلى صورة العقد، و لا يتعين بيع المصحف بقيمة الأوراق و الحديد، كما كان يتعين ذلك في بيع الآلات، على تأمل كما لا يخفى.

و أما ما ذكره المصنف (ره)- من فرض كون خطوط المصحف من الأعيان في مقابل أوراقه- فغير صحيح، و على تقديره فيرد عليه ما أورده (ره) من انه لو قيل ببقاء تلك الخطوط على ملك البائع بعد بيعه الأوراق، لزم شركة البائع و المشترى في المصحف بالقيمة، و لا يمكن الالتزام بها. و ان انتقلت إلى المشترى، فان كان انتقالها بجزء من الثمن فهو عين بيع المصحف، و لا يكون للنهى عنه معنى الا الحمل على الكراهة، و ان كان انتقالها قهرا تبعا للاوراق، فهو خلاف مقصود المتبايعين، فان قصدهما إعطاء العوض و أخذه في مقابل المصحف المركب من الأوراق، و الخطوط، فلا بد من إرجاع النهي إلى التكليف الصوري أى التكليف الراجع إلى صورة المعاملة، بأن يجعل

الخطوط فيها بعنوان الشرط في البيع، لا الجزء من المبيع.

(1) المشهور بين العلامة و المتأخرين عنه- على ما قيل- عدم جواز بيع المصحف من الكافر، حتى بالوجه الذي يجوز بيعه من المسلم بذلك الوجه، و احتمل المصنف (ره) أن يكون مستندهم في عدم الجواز أمرين (الأول) فحوى ما دل على عدم جواز تملك الكافر المسلم.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 310

..........

______________________________

(أقول) الفحوى ممنوعة، فإنه لو كان أصل الحكم ثابتا بان لا يصح تملك الكافر العبد المسلم، فهو باعتبار أن- ملك الكافر المسلم و عدم تمكن المسلم على تصرفاته و أفعاله إلا برخصة منه- ولاية للكافر على المسلم، و لا يجرى ذلك في ملك الكافر المصحف، و بعبارة أخرى لو لم يكن هذا هو الملاك جزما فلا أقل من احتمال كونه الملاك، و معه لا يمكن دعوى الفحوى. و أما أصل الحكم فإنه روى الشيخ (ره) في نهايته عن حماد بن عيسى عن ابى عبد اللّه عليه السلام أن أمير المؤمنين عليه السلام أتى بعبد ذمي قد أسلم، فقال: اذهبوا فبيعوه من المسلمين و ادفعوا ثمنه الى صاحبه، و لا تقروه عنده «1» فيقال ظاهر هذه الرواية عدم سلطان للكافر على إقرار المسلم في ملكه.

و فيه أنه لا بد في المسألة من الاعتماد على وجه آخر، فان هذه الرواية لضعف سندها بالرفع لا يمكن الاعتماد عليها (لا يقال): سند الشيخ الى حماد مذكور في المشيخة، و ليس فيه ضعف (فإنه يقال) لم يحرز أن الشيخ رواها في النهاية عن كتاب حماد، و ملاحظة المشيخة تنفع فيما إذا أحرز أن روايته عن كتابه، و الإحراز بالإضافة إلى روايات التهذيب و الاستبصار فقط، لذكره في

أول التهذيب ببدء الرواية باسم صاحب الكتاب الذي يروى عنه، و بدؤه- (ره) في التهذيب بمحمد بن يحيى مرفوعا عن حماد- قرينة على عدم أخذه الرواية من كتاب حماد و الا لكان المناسب بدء السند به لا بمحمد بن يحيى و لعل قوله سبحانه لَنْ يَجْعَلَ اللّٰهُ لِلْكٰافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا «2» كاف في ذلك الحكم، فتأمل.

(الأمر الثاني) قوله (ع): (الإسلام يعلى و لا يعلو عليه) أقول هذا نبوي مرسل، و لا يمكن الاعتماد عليه، و مدلوله إن كان إثبات العلو للإسلام بحسب مقام الإثبات و البرهان، فهذا صحيح، و لكن لا يرتبط بالمقام، و إن كان علوه بحسب

______________________________

(1) الوسائل الشيعة: الجزء (12) الباب: (28) من أبواب عقد البيع- الحديث (1)

(2) سورة النساء (4) الاية: (141)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 311

المحترم لاسمائه (1) الدراهم المضروبة (2)

[الثانية جوائز السلطان و عماله]
اشارة

________________________________________

تبريزى، جواد بن على، إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، 4 جلد، مؤسسه اسماعيليان، قم - ايران، سوم، 1416 ه ق

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب؛ ج 1، ص: 311

جوائز السلطان و عماله (3)

[الأولى ما لا يعلم بأن في جملة أموال هذا الظالم مالا محرما يصلح لكون المأخوذ منه]

______________________________

تشريع الأحكام، فهذا لا يقتضي عدم جواز بيع المصحف للكافر، فان مجرد تملكه لا يكون علوا للكفر على الإسلام، كما أن مجرد تملك مسلم الإنجيل لا يكون علوا للإسلام على الكفر. نعم لا يجوز إعطاء المصحف بيد الكافر، فيما إذا كان الإعطاء تعريضا للمصحف الشريف للنجاسة الموجبة لهتكه، و هذا غير بحث الملكية الحاصلة بالبيع و نحوه.

(1) بصيغة الفاعل أى الكافر الذي يرى الحرمة لاسمائه تعالى.

(2) بناء على تسرية الحكم، فلا يجوز بيع الدراهم من الكافر، حتى فيما إذا لم تكن مالية للسكة الموجودة عليها، كالدراهم المأخوذة للتبرك و المكتوب عليها اسم النبي (ع) أو غيره من المعصومين عليهم السلام، فان بيعها باعتبار موادها أى الذهب و الفضة و إن كان نظير بعض الحلويات أو الصابون المصنوع بصورة الحيوان، فيباع في السوق باعتبار موادها، إلا ان المفروض في المصحف عدم جواز بيعه من الكافر، حتى باعتبار أوراقه و حديده، و لازم التعدي إلى الدراهم المفروض التبرك بسكتها عدم جواز بيعها حتى باعتبار مادتها.

(3) للمال المأخوذ من الجائر أو عماله مجانا أو معاوضة صور أربع: (الاولى) عدم العلم تفصيلا و لا إجمالا بوجود الحرام في أمواله (الثانية) عدم العلم لا تفصيلا و لا إجمالا بالحرام في المأخوذ منه مع العلم الإجمالي بالحرام في أمواله (الثالثة) العلم تفصيلا بحرمة المأخوذ منه، و أنه ليس للجائر (الرابعة) العلم إجمالا بوجود الحرام في المأخوذ منه، و أنه مشتمل على مال الغير.

أما الصورة الأولى فقد ذكر

المصنف (ره) فيها جواز الأخذ و التصرف، للأصل و الإجماع و الاخبار الآتية، و ينبغي أن يراد بالأصل قاعدة اليد، فان مقتضاها كون الجائر مالكا لما في يده، فيكون تصرفاته فيه نافذة. و أما أصالة الصحة فلا يمكن إجراؤها مع الإغماض عن قاعدة اليد، فإنها لا تجري فيما إذا لم تحرز سلطنة الشخص

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 312

..........

______________________________

شرعا على التصرف، كما في المقام، فإنه لا دليل على اعتبارها غير السيرة الجارية على حمل المعاملات الصادرة عن الغير على الصحة، و المقدار المحرز من السيرة موارد إحراز السلطنة، و على ذلك فمن المحتمل ان لا يكون الجائر سلطانا على تمليك المال المفروض باعتبار عدم كونه مالكا له. و أما الاستصحاب، فمقتضاه عدم جواز الأخذ، و عدم كون المال ملك الجائز و الإجماع لا يصلح للاعتماد عليه، فإنه لا يكون إجماعا تعبديا، بل من المحتمل- لو لم يكن من المقطوع به- أن المدرك لافتائهم بالجواز قاعدة اليد أو غيرها، كما لا حاجة في هذه الصورة الى الاخبار، فإن الجواز على القاعدة، إلا أن يراد أن في الأموال المأخوذة من السلطان الجائر أو عماله شبهة حرمة تكليفا، حتى فيما إذا أحرز باليقين بأن المأخوذ ملكه شخصا، و هذه الشبهة مدفوعة بأصالة الحل و الاخبار الآتية.

ثم ذكر المصنف (ره) أنه ربما يوهم بعض الاخبار أن حل المال في هذه الصورة مشروط بثبوت مال حلال للجائر، كرواية الاحتجاج عن الحميري أنه «كتب الى صاحب الزمان عجل اللّه فرجه يسأله عن الرجل يكون من وكلاء الوقف، مستحل لما في يده، و لا يتورع عن أخذ ماله، ربما نزلت في قرية هو فيها أو أدخل منزله، و

قد حضر طعامه، فيدعوني إليه، فان لم آكل عاداني عليه، فهل يجوز لي ان آكل طعامه و أتصدق بصدقة، و كم مقدار الصدقة؟ و إن أهدى هذا الوكيل هدية الى رجل آخر، فيدعوني إلى أن أنال منها، و أنا أعلم أن الوكيل لا يتورع عن أخذ ما في يده، فهل على فيه شي ء إن أنا نلت منه؟ الجواب إن كان لهذا الرجل مال أو معاش غير ما في يده، فاقبل بره و الا فلا «1» و لا يخفى أن ظاهر الخبر صورة العلم بحرمة مال الجائر، و فرض مال حلال

______________________________

(1) وسائل الشيعة: الجزء (12) الباب: (51) من أبواب ما يكتسب به- الحديث: (15)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 313

[اما الثانية ما يعلم ثبوت الحرام في أمواله و يحتمل كون الجائزة منه]

اما الثانية (1)

______________________________

له فيها، باعتبار أن لا يكون حرمة المأخوذ محرزة تفصيلا، لا أن وجود مال حلال له شرط تعبدي في جواز المأخوذ منه.

(1) (الصورة الثانية) و هي ما يعلم ثبوت الحرام في الأموال التي بيد الجائر و يحتمل كون الجائزة من ذلك الحرام، فيجوز في هذه أيضا أخذ الجائزة تكليفا و وضعا، لجريان قاعدة اليد في الجائزة، و لا تكون معارضة باليد على سائر أمواله، سواء احتمل الآخذ الابتلاء بها بعد ذلك، أم لا، و ذلك فان عدم جواز التصرف بالإضافة إلى سائر الأموال محرز تفصيلا، فإنها إما ملك الجائر واقعا، و باعتبار عدم إذنه في التصرف فيها تكون حراما. و أما ملك لغيره، فلا يجوز التصرف فيها بدون اذن ذلك الغير، و أما بالإضافة إلى الجائزة، فلا علم بحرمتها، فتكون موردا لقاعدة اليد بلا معارض. نعم في مثل ما إذا خيره الجائر في أخذ أحد أثوابه المعلومة حرمة بعضها إجمالا،

يدخل الفرض في الصورة الرابعة.

(لا يقال): ان العلم الإجمالي في هذه الصورة منجز، و ذلك فان العلم التفصيلي بحرمة سائر أموال الجائر، لكونها ملك الغير أو انها ملكه، و باعتبار عدم إذنه يحرم التصرف فيها، لا يوجب جريان قاعدة اليد في المأخوذ، لسقوطها بالعلم الإجمالي بحرمة المأخوذ أو عدم جواز الاخبار و الشهادة على كون سائر أمواله ملكا له.

و الحاصل أن ليده على سائر أمواله أثرا فعليا، و هو جواز الاخبار و الشهادة على كونه مالكا له (فإنه يقال) إذا علم وجود الحرام في سائر أمواله، و احتمل كون المأخوذ أيضا حراما، فلا بأس بإجراء قاعدة اليد في المأخوذ. نعم إذا علم حرمة بعض أمواله و تردد ذلك البعض بين كونه جائزة أو ما هو عند الجائر، فلما ذكر من دعوى العلم الإجمالي بحرمة المأخوذ أو عدم جواز الاخبار بملكية سائر ما في يده وجه، فإنه يكون ايضا ليده على سائر أمواله أثر، و هو جواز الاخبار بكونها ملكا له.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 314

..........

______________________________

ثم إن هذا الوجه كما ترى يجرى حتى في الشبهة غير المحصورة، و التي لا يمكن عقلا فيها ابتلاء المكلف بتمام أطرافها، فلا يحل المأخوذ فيها، لسقوط قاعدة اليد، و يكون عدم الجواز مقتضى استصحاب الفساد.

ثم انه قد صرح جماعة بكراهة أخذ الجائزة من الجائر، و عن العلامة الاستدلال عليها باحتمال كونها حراما في الواقع، و للنهى عن ارتكاب المشتبه في مثل قولهم:

(دع ما يريبك) و للترغيب في تركها في مثل قولهم: (من ترك الشبهات نجى من المحرمات) و بعضهم زاد على هذا الاستدلال وجوها.

(منها) أن أخذ المال من الجائر و عماله سبب لمحبتهم، فان القلوب مجبولة

على حب من أحسن إليها.

و (منها) أنه تترتب على أخذ المال من الجائر أو عماله مفاسد لا تخفى، كما يفصح عن ذلك ما في صحيحة أبي بصير من قوله عليه السلام: «إن أحدكم لا يصيب من دنياهم شيئا إلا أصابوا من دينه مثله» «1».

و (منها) رواية عبد اللّه بن الفضل عن أبيه عن الكاظم موسى بن جعفر سلام اللّه عليه: «و اللّه لو لا انى أرى من أزواجه بها من عزاب بني أبي طالب لئلا ينقطع نسله ما قبلتها أبدا» «2» فإنها ظاهرة في مرجوحية أخذ المال لو لا الجهة المذكورة.

و لكن لا يصلح شي ء من ذلك لإثبات الكراهة، و ذلك فان ظاهر اخبار الاحتياط و التوقف في الشبهات هو الإرشاد إلى موافقة التكاليف الواقعية، و الترغيب في إدراك ثواب طاعتها، و التحرز عن محذور مخالفتها. و هذا لا يختص بخصوص الجائزة، بل يعم كل الشبهات حتى المال المأخوذ من العدول. و أما أن أخذ المال من الجائر يوجب حبه فليس كذلك، فان بين المحبة لهم و أخذ المال منهم العموم من وجه،

______________________________

(1) وسائل الشيعة: الجزء (12) الباب: (42) من أبواب ما يكتسب به- الحديث: (5)

(2) وسائل الشيعة: الجزء (12) الباب: (42) من أبواب ما يكتسب به- الحديث: (5)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 315

ثم انهم ذكروا ارتفاع الكراهة بأمور (1) و منها إخراج الخمس (2)

______________________________

فقد يأخذه عوضا عن متاعه في معاملة اضطر إليها. و أما ترتب المفسدة فلا شهادة له في صحيحة أبي بصير، فإنها ناظرة إلى إعانة الظالم، و كون الشخص من أعوان الظلمة على ما تقدم سابقا.

و رواية قبول الامام عليه السلام هدية هارون، لا يمكن الاعتماد عليها، لضعفها

سندا و دلالة، فإنها واردة في مورد خاص، فلعل المال المفروض كان من المجهول مالكه، و مورده التصدق به عن مالكه، و لو لم يكن صرف ذلك المال في تزويج عزاب بني أبي طالب بعنوان الصدقة عن مالكه، لم يكن يأخذه الإمام عليه السلام، و مثل هذا لا يرتبط بالمقام.

و الوجوه التي زادوها على استدلال العلامة مقتضاها- على تقدير تماميتها- كراهة الأخذ حتى مع إحراز كون المال ملك الجائر واقعا، كما أن ما ذكره العلامة مقتضاه كراهة الأخذ حتى مع إحراز كون المال ملك الجائر واقعا، و كراهة الأخذ و التصرف في مطلق المال المشتبه من دون خصوصية للمأخوذ من الجائر.

(1) (الأول) أخبار الجائر بأن المال ملكه واقعا، و لكن قد ظهر مما تقدم أن الكراهة- على تقديرها- لا ترتفع بذلك، فان الموجب لها إما اشتباه المال، و لا يرتفع الاشتباه باخبار العدل، فضلا عن الجائر، و ما ذكره المصنف (ره)- من أن الموجب للكراهة هو كون المال مظنة الحرمة، و مع اخبار الجائر الثقة بكونه ملكا له يخرج المال عن كونه مظنة الحرمة- لا يمكن المساعدة عليه، فان أخبار الاحتياط و التوقف عند الشبهات لا تختص بصورة كون المال مظنة الحرام، بل تعم مطلق ما يحتمل حرمته واقعا. و اما الوجوه المذكورة فقد ذكرنا أن مقتضاها ثبوت الكراهة حتى مع العلم بحلية الجائزة.

(2) (الثاني) إخراج الخمس عن المال المأخوذ من الجائر و لا يخفى أن

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 316

..........

______________________________

إخراج الخمس في المال المختلط حكم إلزامي لا حكم استحبابي حتى يتعدى الى المقام.

و ثانيا أن الخمس في المال المختلط ثابت بعنوان التصدق بالمال المجهول مالكه، فيما إذا لم يعلم

قدر المال و صاحبه، و ليس من الخمس المعروف كما عليه المشهور. و على كل تقدير، فالحكم، باستحباب إخراج الخمس- في المقام المفروض فيه احتمال كون جميع المال حراما واقعيا، نظرا الى ثبوته في المال المختلط- قياس مع الفارق، فان التصدق بمقدار الخمس في المال المختلط باعتبار أن عين ذلك إن كان مال الغير فيكون الواجب إيصاله الى صاحبه بالتصدق عنه، و إن كان مال الغير غيره، فيجوز لمن في يده، المال المجهول مالكه، تبديل ذلك المال، و التصدق بالبدل، فالتصدق بالخمس إيصال لمال الغير اليه على كل تقدير، بخلاف المقام المحتمل فيه كون المأخوذ بتمامه مال الغير كما لا يخفى.

و اما الموثقة المسئول فيها عن عمل السلطان- «يخرج فيه الرجل، قال عليه السلام: لا إلا أن لا يقدر على شي ء يأكل و يشرب، و لا يقدر على حيلة فإن فعل فصار في يده شي ء فليبعث بخمسه الى أهل البيت عليهم السلام» «1»- فلا يمكن الاستدلال بها على استحباب الخمس. و الوجه في ذلك أنه يدور الأمر فيها بين رفع اليد عن إطلاقها و حملها على لزوم بعث الخمس في المقدار الزائد على المئونة، بقرينة مثل صحيحة على بن مهزيار الدالة على كون الخمس بعد مؤنة الرجل و عياله، و بين إبقاء الإطلاق على حاله، و حمل الأمر بالبعث على الاستحباب و المتعين هو التقييد كما هو المقرر في بحث الإطلاق و التقييد.

و بهذا يظهر الحال فيما دل على وجوب الخمس في الجائزة، و أنه بقرينة أن المال الواحد لا يخمس مرتين، يحمل على كونه بالإضافة إلى الزائد على المئونة.

______________________________

(1) وسائل الشيعة: الجزء (12) باب (48) من أبواب ما يكتسب به- الحديث: (3).

إرشاد الطالب إلى

التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 317

و ان كانت الشبهة محصورة (1)

______________________________

(1) قد ذكرنا أن العلم الإجمالي يكون في الصورة الثانية منجزا للحرام الواقعي (تارة) و غير منجز له (أخرى) و الجائزة فيها مع عدم منجزيته محكومة لقاعدة اليد، بأنها كانت ملك الجائر، و قد انتقلت الى الآخذ، بخلاف ما إذا كان العلم الإجمالي منجزا، كما إذا أراد أخذ شي ء من تلك الأموال مقاصة، أو أذن الجائر في أخذ شي ء منها بنحو التخيير، فإنه لا يجوز مع ذلك العلم الإجمالي.

قال في الشرائع: (جوائز السلطان الجائر إن علمت حراما بعينها فهي حرام و ذكر في المسالك في شرح العبارة: (ان التقييد بالعين إشارة إلى جواز أخذها، و إن علم أن في أمواله مظالم، كما هو مقتضى حال الظالم، و لا يكون حكمه حكم المال المختلط بالحرام في وجوب اجتناب الجميع، للنص على ذلك) فيقع الكلام في مراده من النص، فإن أراد الروايات الدالة على الترخيص و البراءة في الشبهات نظير قوله (ع): (كل شي ء حلال حتى تعرف الحرام منه بعينه) فقد ذكر المصنف (ره) أن المقرر في محله حكومة قاعدة الاحتياط عليها.

و فيه ما لا يخفى، فان دليل البراءة بشموله لمورد يكون واردا على قاعدة الاحتياط دون العكس، فان الموضوع في قاعدة الاحتياط احتمال العقاب، و مع ثبوت الترخيص في ارتكاب مشتبه لا يكون احتمال عقاب أصلا. و الصحيح عدم جريان الروايات الدالة على الترخيص في موارد العلم الإجمالي بالتكليف، لاستقلال العقل بكفاية العلم الإجمالي في وصول ذلك التكليف، و لا يمكن الترخيص القطعي في مخالفة التكليف الواصل، فتكون تلك الروايات مقيدة عقلا، و على من جوز أخذ الجائزة في صورة العلم الإجمالي المنجز الالتزام بأن

الشبهة المحصورة كالشبهة البدوية في عدم تنجز التكليف أصلا، كما عليه شرذمة من متأخري المتأخرين، إلا ان لا يكون كلامه ناظرا إلى صورة العلم الإجمالي المنجز، و شي ء من هذين لا يناسب تفسير المسالك، فان ظاهره أن لجائزة السلطان خصوصية مستفادة من النص، و

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 318

..........

______________________________

باعتبارها تفترق عن سائر موارد العلم الإجمالي بالحرام. و لا يجرى فيها وجوب الاحتياط الثابت في المال المختلط.

و إن أراد من النص صحيحة أبي ولاد، فقد ذكر المصنف (ره) فيها ثلاثة احتمالات، و ليس عليها خصوصية لجوائز السلطان، قال أبو ولاد: «قلت لأبي عبد اللّه (ع)، ما ترى في رجل يلي أعمال السلطان، و ليس له مكسب إلا من أعمالهم و انا أمر به و انزل عليه، فيضيفني و يحسن الى و ربما أمر لي بالدراهم و الكسوة، و قد ضاق صدري من ذلك؟ فقال: خذ منها فلك المهنأ و عليه الوزر» «1» و الاحتمالات (أولها) كون الواصل الى الشخص من العامل مالا مشتبها بالشبهة البدوية، فإن العامل المفروض باعتبار حرمة عمله، يكون كسبه محرما، و حلية طعامه أو هديته للغير، باعتبار احتمال كونهما من أمواله الشخصية. بالاقتراض أو الشراء في الذمة، لا من أجرة عمله.

و (ثانيها)- ان يعلم الآخذ بكون المأخوذ من أجرة عمل العامل. و بما أن الأجرة تكون من الخراج أو المقاسمة المباحة للشيعة، فيجوز للأخذ تملكها و التصرف فيها، فله المهنأ، بخلاف العامل، فإنه لا يحل له، فيكون عليه وزرها، إذ لو فرض أن المال من غير الخراج و المقاسمة، يكون محرما على الآخذ ايضا، باعتبار كونه إما ملكا شخصيا للسلطان و قد أعطاه للعامل اجرة على عمله

الحرام، أو ملكا لسائر الناس وقع بيد العامل جورا، فلا يكون الإطعام به أو هديته من المالك الشرعي، حتى يحل للأخذ.

و (ثالثها) كون الواصل من الأموال الموجودة عند العامل المعلوم إجمالا حرمة بعضها، و حلية المأخوذ باعتبار أصالة الصحة الجارية في إطعام العامل

______________________________

(1) وسائل الشيعة: الجزء (12) الباب: (51) من أبواب ما يكتسب به- الحديث (1)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 319

..........

______________________________

و إحسانه، و لا تعارض بأصالة الصحة في سائر الأموال التي عنده، لأن أصالة الصحة فيها لا تكون ذات أثر بالإضافة إلى السائل.

(أقول) قد مر أنه لا مجرى لأصالة الصحة في أمثال المقام من موارد الشك في السلطنة على التصرف، فإن العمدة في وجه اعتبارها هي السيرة التي لم يحرز جريانها في موارد الشك في سلطنة الفاعل. نعم لا بأس بالأخذ بقاعدة اليد بالإضافة إلى المأخوذ من مثل العامل المفروض، و لا تعارض باليد على سائر الأموال التي عنده على ما مر، كما يمكن أن يكون وجه حل المأخوذ للسائل كونه من المال المجهول مالكه، و قد أجاز عليه السلام تصرف السائل فيه بالتملك أو غيره صدقة عن مالكه، فيكون المال وزرا على العامل لجوره في أخذه، و مهنا للأخذ كما لا يخفى.

و مما ذكرناه يظهر الحال في رواية أبي المغراء أو غيرها قال: «أمر بالعامل فيجيزني بالدراهم آخذها؟ قال: نعم، و قلت أحج بها؟ قال: و حج بها» «1» فان المفروض كون المأخوذ مجرى لقاعدة اليد، و مقتضاها جواز تملك ذلك المال و صحة التصرفات الجارية عليه.

(لا يقال): لا بد من حمل الجواز في هذه الاخبار على الحلية الواقعية. و (بعبارة أخرى) تكون مثل صحيحة زرارة و محمد بن

مسلم جميعا عن ابى جعفر عليه السلام، قال: «جوائز السلطان لا بأس بها» «2» خاصة يرفع بها اليد عن عموم ما دل على حرمة أكل مال الغير بلا رضاه، و يكون المورد نظير ما ورد في لقطة الحيوان: من جواز تملكها مطلقا، و في لقطة غيره، من جواز تملكها بعد تعريف سنة، و ما ورد في جواز أكل المار من الثمار من طريقه، حتى مع إحراز عدم رضا صاحبه.

______________________________

(1) الوسائل باب: (51) من أبواب ما يكتسب به- الحديث: (2).

(2) الوسائل باب: (52) من أبواب ما يكتسب به- الحديث: (5).

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 320

..........

______________________________

(فإنه يقال) المراد بالحلية في الروايات المشار إليها هي الظاهرية، بشهادة مثل صحيحة ابى عبيدة الحذاء، قال عليه السلام فيها في جواب السؤال عن الشراء من السلطان: «و ما الإبل إلا مثل الحنطة و الشعير و غير ذلك لا بأس به حتى تعرف الحرام بعينه» «1» فإنها شاملة للجائزة. و عدم البأس فيها مقيد بعدم عرفان الحرام، نظير سائر الخطابات المتضمنة للاحكام الظاهرية. و يلزم على القائل بالحلية الواقعية الالتزام بها حتى في صورة العلم تفصيلا بحرمة الجائزة، أخذا بإطلاق نفى البأس عن الجائزة.

و ربما يظهر الالتزام بذلك من المحقق الإيرواني، و لكن مع عدم عرفان مالكه، نعم يمكن دعوى الحلية الواقعية في موردين: (أحدهما) ما إذا أخذ الربا مع جهله بحرمته، بلا فرق بين كون ذلك الربا مخلوطا بغيره أو متميزا و (ثانيهما) إذا وصل مال الى يد الوارث، مع علمه بأن فيه ربا، فان جميع المال يكون حلالا للوارث، مع اختلاطه، و في صحيحة أبي المغراء عن أبى عبد اللّه عليه السلام، قال:

«كل ربا أكله الناس

بجهالة، ثم تابوا، فإنه يقبل منهم إذا عرف منهم التوبة، و قال: لو أن رجلا ورث من أبيه مالا، و قد عرف أن في ذلك المال ربا، و لكن اختلط في التجارة بغير حلال كان حلالا طيبا، فليأكله، و إن عرف منه شيئا أنه ربا فليأخذ رأس ماله، و ليرد الربا و أيما رجل أفاد مالا كثيرا قد أكثر فيه الربا، فجهل ذلك ثم عرفه، فأراد أن ينزعه فما مضى له، و يدعه فيما يستأنف» «2».

و مثلها صحيحة الحلبي عن ابى عبد اللّه عليه السلام، قال: «أتى رجل أبا عبد اللّه عليه السلام، فقال انى ورثت مالا، و قد علمت أن صاحبه الذي ورثته منه قد كان

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجزء (12) باب: (52) من أبواب ما يكتسب به- الحديث: (5)

(2) وسائل الشيعة: الجزء (12) الباب: (5) من أبواب الربا- الحديث: (2- 3).

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 321

و أوضح ما في الباب (1)

[الثالثة أن يعلم تفصيلا حرمة ما يأخذه]

فلا إشكال في حرمته حينئذ على الآخذ (2)

______________________________

يربى، و قد عرف ان فيه ربا، و استيقن ذلك، و ليس يطيب لي حلاله لحال علمي فيه، و قد سألت فقهاء العراق و أهل الحجاز، فقالوا لا يحل اكله؟ فقال أبو جعفر عليه السلام: إن كنت تعلم بان فيه مالا معروفا ربا، و تعرف اهله فخذ رأس مالك ورد ما سوى ذلك، و إن كان مختلطا فكله هنيئا، فإن المال مالك و اجتنب ما كان يصنع صاحبه.» «1»

و قريب منها غيرها، و لكن الحكم في الوارث خلاف المشهور، بل لم يحضرني الآن قول به من الأصحاب، غير ما ربما يستظهر من كلام ابن الجنيد، حيث قال في جملة كلام له:

(أو ورث مالا يعلم ان صاحبه يربى، و لا يعلم الربا بعينه فيعزله، جاز له اكله و التصرف فيه إذا لم يعلم فيه الربا) فتأمل و كيف كان فلا يجرى ذلك في سائر المال المختلط بالحرام.

و بهذا يظهر أن ما عن السيد اليزدي (ره)- من استشهاده على عدم وجوب الاجتناب عن المال المختلط بالحرام بهذه الروايات- لا يمكن المساعدة عليه.

(1) أى أن الأوضح- من جهة الدلالة على أن جوائز السلطان ليست بخارجة عن قاعدة الشبهة المحصورة لأجل النص- عبارة السرائر، حيث قال: (إذا كان يعلم أن فيه شيئا مغصوبا، إلا أنه غير متميز العين، بل هو مخلوط في غيره من أمواله أو غلاته التي يأخذها على جهة الخراج، فلا بأس بشرائه منه، و قبول صلته، لأنها صارت بمنزلة المستهلك، لانه غير قادر على ردها بعينها) انتهى.

و وجه كونها أوضح عدم استناد ابن إدريس في تجويز الجائزة إلى النص، بل اعتمد فيه على قاعدة الاستهلاك و عدم إمكان رد المال بعينه.

(2) اى أنه لا إشكال في أن وقوع المال بيد الجائر لا يكون موجبا لحله على الآخذ و يقع الكلام في فروض.

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجزء (12) الباب: (5) من أبواب الربا- الحديث: (3)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 322

..........

______________________________

(الأول)- ما إذا علم بحرمة المال قبل أخذه و ذكر المصنف (ره) عدم جواز الأخذ في ذلك بغير نية الرد الى المالك، بلا فرق بين أخذه اختيارا أو تقية. و الوجه في عدم الجواز أن الأخذ بغير تلك النية تصرف لم يعلم رضا صاحبه به، كما أن الشارع لم يأذن فيه، بل قد منع عن التصرف في مال الغير، و رفع الاضطرار أو مشروعية التقية

لا يوجب جواز ارتكاب محرم لم يطرأ الاضطرار على خصوصه، بل على الجامع بينه و بين ما هو محلل، كما إذا اضطر الى شرب أحد ماءين لرفع عطشه المهلك أحدهما طاهر و الآخر متنجس، فإنه لا يجوز له شرب المتنجس بعنوان الاضطرار اليه، حيث إنه لم يطرأ على شربه، و لذا يجب على المصلى مع المخالفين تقية السجود على الأرض مع تمكنه عليه، بلا محذور، كما إذا كان المكان مفروشا بما يصح السجود عليه.

و ذكر المحقق الإيرواني (ره) عدم جواز الأخذ حتى بنية الرد الى المالك، فيما إذا أحرز عدم رضاه بأخذه مطلقا، بل لا يجوز مع الشك في رضا المالك بأخذه بنية الرد اليه، حيث أنه يحرز بالاستصحاب عدم رضاه بالأخذ، و لا يكون وضع اليد على المال بنية الرد الى المالك مع عدم رضاه، إحسانا إليه ليقال بحكومة قوله سبحانه مٰا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ «1» على أدلة عدم حل التصرف في مال الغير بلا رضاه، و لذا لو باع الأجنبي مال أحد بثمن أغلى مما يريد المالك بيعه به، لا يحكم بصحته أخذا بقوله مٰا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ و كذا لو أراد تزويج بنته من أحد، و زوجها الأجنبي من آخر، مع كون تزويجها منه أصلح بمراتب، فإنه نكاح فضولي.

(أقول) لو أحرز رضا المالك بالبيع المزبور أو رضا الأب بذلك النكاح حكم ايضا بكونهما من العقد فضولا، فيحتاج في نفوذه إلى الإجازة، و ذلك فان قوله سبحانه- مٰا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ- لا يصحح استناد البيع الى المالك أو استناد

______________________________

(1) سورة التوبة (10) الاية: (91)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 323

..........

______________________________

النكاح إلى الزوجة أو وليها لتعمها أدلة

الإمضاء.

و عن السيد الخوئي طال بقاه التفرقة بين صورة إحراز عدم رضا المالك بالأخذ و لو مع نية الرد اليه، و بين الشك في رضاه، و أنه لا يجوز الأخذ في الأول و يجوز في الثاني، بدعوى أنه مع إحراز عدم الرضا يكون مقتضى (الناس مسلطون على أموالهم) عدم الجواز، حيث ان الأخذ معه معارضة لسلطنة المالك و عدوان على ملكه، و لذا لا يجوز دق باب الغير مع منعه عن دقة. و هذا بخلاف صورة عدم منعه، فإنه لا بأس به، و لا يكون فيه أى معارضة لسلطنة المالك و عدوان على ماله.

(أقول): الصحيح ما يظهر من المصنف (ره) من جواز الأخذ بنية الرد الى المالك حتى في صورة إحراز عدم رضا المالك بالأخذ، فإن الأخذ مع تلك النية إحسان إلى المالك، و إنقاذ لماله، فلا ينافي احترام المال، ا لا ترى أنه لا يكون إنقاذ المال الغريق عدوانا على مالكه، حتى فيما إذا لم يرض بإنقاذه من التلف، و لا يكون عدم رضاه به بداع غير عقلائي مانعا عن صدق الإحسان على أخذه، و التحفظ عليه من التلف، كذا الحال في فرض دق باب الغير فيما إذا كان ذلك لإنقاذ مالهم من الهلاك، و إخماد النار الواقعة على بيتهم، و هكذا و هكذا.

و الحاصل أن ما دل على حرمة مال الغير و عدم جواز التصرف فيه بلا رضا مالكه منصرف عن مثل هذه التصرفات التي تكون انقاذا لمال الغير، فيكون مثل قوله سبحانه مٰا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ حاكما بلا معارض. و بهذا يظهر أن الجواز في الفرض باعتبار إذن الشارع في ذلك التصرف، و بما أن أخذ المال إحسان إلى المالك، فيكون

في يد الآخذ أمانة شرعية يترتب عليه أحكامها الآتية.

هذا كله فيما إذا علم بكون المال ملك الغير قبل أخذه و أما إذا علم ذلك بعد أخذه بنية التملك، فان كان هذا العلم بعد تلفه، فلا إشكال أيضا في ضمانه، كالصورة التي أخذه بنية التملك مع علمه بالحال، و إنما الفرق بينهما في استحقاق العقاب على

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 324

..........

______________________________

الأخذ فيها، بخلاف صورة علمه بالحال بعد تلفه، فإنه لا استحقاق مع الحلية الظاهرية.

و أما إذا علم بالحال و قصد الرد الى المالك ثم تلف المال في يده، فقد ذكر المصنف (ره) أن مقتضى حدوث الضمان عند الأخذ أن يكون المورد من موارد استصحاب الضمان، عكس ما ذكره في المسالك من أن المستصحب هو عدم الضمان، بل الحكم بعدم الضمان مناف لما ذكره- في مسألة تعاقب الأيدي على مال الغير- من عدم الفرق في إيجاب اليد الضمان بين وضعها على مال الغير، مع العلم بالحال أو مع الجهل، فان هذا الكلام كما ترى يقتضي كون اليد في المقام، حين حدوثها موجبه للضمان، فيستصحب.

و ذكر السيد اليزدي (ره) في تعليقته على المقام: (أنه بعد علمه بالحال و قصده رد المال الى مالكه، يرتفع عنوان العدوان عن اليد، و ينطبق عليها عنوان الإحسان المنافي للضمان) ورد عليه الإيرواني و السيد الخوئي بان طرو عنوان الأمانة الشرعية على اليد فيما بعد لا يوجب ارتفاع الضمان كما إذا تاب الغاصب و ندم عن عدوانه، و أراد رد المال الى مالكه، فتلف في طريق رده، فان المشهور أن عليه ضمان المال. و كذا فيما إذا وضع اليد على مال بقصد تملكه، جهلا بالحال. و أخذا بالحكم

الظاهري، كما إذا اشترى متاعا، ثم انكشف كونه غصبا و أراد إرجاعه إلى مالكه فتلف، فان وضع يده على المال لكونه تصرفا في مال الغير بلا رضاه حرام واقعا، و ارادة رده بعد كشف الحال لا تزيد على ارادة الرد في الغاصب النادم، كما هو المقرر في بحث تعاقب الأيدي على مال الغير. و السر في ذلك أن الأمانة الشرعية لا تثبت على المكلف الضمان، و (بعبارة أخرى) تلك الامانة لا تقتضي الضمان، فلا ينافي ثبوته بوجه آخر، و الوجه الآخر كون اليد حين حدوثها على المال موجبة للضمان. و هذا الضمان يبقى الى رد المال الى مالكه، كما هو ظاهر حديث (على اليد) نعم لو أخبر المالك بان عنده ماله، فاذن المالك في الإمساك به يكون هذا ردا للمال الى مالكه أي تخلية بينه

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 325

..........

______________________________

و بين المال، فيرتفع الضمان.

(أقول) الظاهر الفرق بين المثالين و بين المقام، و أنه لا بد من الالتزام بارتفاع الضمان في المقام دونهما، فان وضع اليد فيهما على مال الغير حرام بحسب الواقع فعلا أو ملاكا، كما هو المقرر في مسألة التوسط في الأرض المغصوبة و الندم بعده، فإنه بالندم و ارادة الخروج، لا يكون التوسط فيها بالخروج حلالا، بل هو حرام ملاكا و لو بحسب الواقع، بخلاف المقام فإن أخذ المال من الجائر بقصد الرد الى مالكه باعتبار كونه انقاذا لذلك المال حلال واقعا، فان كان قصد الرد من الأول يكون المال في يد الآخذ أمانة شرعية من الأول، و لا ضمان فيها لقوله سبحانه مٰا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ و إن كان قصد الرد بعد العلم بالحال كان الإمساك

بذلك المال الى رده الى مالكه حلالا واقعا، من حين القصد كما تكون يده عليه أمانة شرعية و بما أن عموم على اليد مخصص في موارد الأمانة المالكية أو الشرعية، سواء كان المال امانة من الأول أو في الأثناء، فلا مجال للأخذ به، و لذا لا أظن أن يلتزم أحد بالضمان، فيما إذا أعلن المالك بأن من كان ماله بيده فليمسك به الى رده اليه، و إذا كان هذا حال إذن المالك كان اذن الشارع واقعا كذلك. و قوله سبحانه مٰا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ ينفى الضمان لا أنه لا يثبته حتى لا يكون منافيا لإثبات الضمان باليد حين حدوثها.

و مما ذكرنا ظهر الفرق بين المقام و بين ما وضع يده على مال الغير عدوانا، ثم خرج من يده بعدوان شخص آخر، و تلف في يد ذلك الآخر، فان للمالك الرجوع الى كل منهما، و وجه الظهور أن اليد الحادثة توجب الضمان، و خروج المال عن يده بعد ذلك لا يمنع الضمان، بخلاف المقام، حيث ان طرو الامانة على اليد يقتضي عدم ضمانه، كما لا يخفى ايضا الفرق بين المقام و بين فرض اشتراء المتاع، ثم ظهور كونه غصبا في مسألة تعاقب الأيدي، حيث أنه لم يفرض فيها كون أخذ ذلك المال من البائع الفضولي انقاذا لذلك المال عن التلف، و لذا يكون أخذه أو إمساكه محرما

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 326

و على أى حال فيجب على المجاز رد الجائزة (1)

______________________________

واقعا، و كانت الحلية ظاهرية، بخلاف المقام، فإن إمساكه مع قصد الرد حلال واقعا، كما مر.

ثم إنه على تقدير تسليم عموم على اليد للمقام و معارضته بقوله سبحانه مٰا عَلَى

الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ تصل النوبة بعد سقوط الإطلاق من الجانبين إلى أصالة البراءة عن الضمان، لعدم المجال للاستصحاب في الشبهات الحكمية. هذا مع الإغماض عن أن حديث على اليد ضعيف سندا، فلا يصلح للاعتماد عليه، و العمدة في ضمان التلف في اليد، هي السيرة العقلائية التي لم تحرز ثبوتها في مثل المقام.

(1) ذكر (ره) الأحكام المترتبة على المأخوذ في الصورة الثالثة، منها وجوب رده الى مالكه فورا، و ذلك فان المقدار الزائد على المتعارف في الإمساك تصرف لم يعلم رضا مالكه به، و الشارع قد أذن في إمساكه بعنوان الإحسان إلى مالكه بإنقاذه كما تقدم. و الزائد على المتعارف لا يكون إحسانا اليه و لا دخيلا في إنقاذ ماله.

و (منها)- أن الواجب في الرد وجوب الإقباض، و يحتمل كفاية التخلية بين المال و مالكه.

(أقول) اللازم في موارد الأمانة هي التخلية بين المال و مالكه، و لو بإعلامه بكون المال عنده، و انه لا مانع من قبله في أخذه. و أما إيصال المال الى مالكه بحمله اليه، فلا دليل عليه. و المحرم حبس المال عن مالكه و الحيلولة بينهما، و لا يكون قوله سبحانه إِنَّ اللّٰهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمٰانٰاتِ، الآية «1» و كذا الروايات الظاهرة في هذه التخلية. نعم في مورد الاستيلاء على الأموال المنقولة عدوانا يجب إيصالها إلى مالكها، فإن إمساكها و لو مع التخلية تصرف لا يرضى به صاحبها و لا الشارع، و كذا الحال في موارد أخذ المال من مالكه لا للإحسان إليه، بل لمصلحة نفسه، كما في موارد العارية أو العين المستأجرة، فإن إبقاء العين فيهما تصرف لا يرضى به صاحبه.

______________________________

(1) سورة النساء (4) الاية. (580)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب،

ج 1، ص: 327

..........

______________________________

و المتحصل أن وجوب إيصال المال الى مالكه بالإقباض في هذه الموارد باعتبار أن الإمساك بالمال يعد تصرفا في مال الغير و منافيا لاحترامه. و هذا بخلاف الإمساك في مثل الوديعة أو المجهول مالكه، فإن الإمساك بالمال فيهما مع التخلية لا يعد تصرفا منافيا لاحترام المال. و لا يبعد أن تكون السيرة العقلائية ايضا على هذا القرار فلاحظ.

و (منها)- لزوم الفحص عن مالك المال في صورة احتمال الظفر به، فان لزومه باعتبار كون الفحص مقدمة للرد الواجب في مثل قوله سبحانه إِنَّ اللّٰهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمٰانٰاتِ إِلىٰ أَهْلِهٰا مع ورود الأمر بالفحص في بعض روايات الدين، و العين المجهول مالكها، بحيث يظهر منها أن لزومه حكم المال المجهول مالكه، كمعتبرة يونس ابن عبد الرحمن، قال: «سأل أبو الحسن الرضا (ع) و أنا حاضر- الى ان قال- رفيق كان بمكة فرحل منها إلى منزله، و رحلنا الى منزلنا، فلما أن سرنا في الطريق أصبنا بعض متاعه معنا، فأي شي ء نصنع به؟ قال: تحملونه إلى الكوفة، قال لسنا نعرفه و لا نعرف بلده و لا نعرف كيف نصنع؟ قال: إذا كان كذا فبعه و تصدق بثمنه، قال:

على من جعلت فداك؟ قال: على أهل الولاية» «1» فإن مقتضى مفهوم الشرطية في قوله: (إذا كان كذا) عدم جواز التصدق بالمال مع احتمال الظفر بمالكه و لو بالفحص.

و قريب منها صحيحة معاوية بن وهب عن ابى عبد اللّه (ع) «في رجل كان له على رجل حق، فقده و لا يدرى أين يطلبه، و لا يدرى أ حي أو ميت، و لا يعرف له وارثا و لا نسبا و لا ولدا، قال: اطلب، قال: إن ذلك قد

طال فأتصدق به؟ قال: اطلبه» «2» فان دعوى أن المستفاد منهما و من غيرهما حكم المال المجهول مالكه بحيث يعم الجائزة المأخوذة من الجائر قريبة جدا. و على ذلك فلا مجال لما ذكره المصنف (ره) من

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجزء (17) الباب (7) من أبواب اللقطة- الحديث (2)

(2) وسائل الشيعة الجزء (17) الباب (6) من أبواب ميراث الخنثى- الحديث (2)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 328

..........

______________________________

أنه يحتمل غير بعيد عدم وجوب الفحص عن مالك المال المأخوذ من الجائر، بأن يجوز التصدق به، أخذا بإطلاق بعض الاخبار الواردة في التصدق مع عدم معرفة صاحبه، كرواية أبي حمزة عن ابى عبد اللّه (ع)، و فيها: «فاخرج من جميع ما كسبت في ديوانهم، فمن عرفت رددت عليه ماله، و من لم تعرف تصدقت به» «1».

(أقول): قد ذكرنا ظهور الروايات في لزوم الفحص، و عليه فلا بد من رفع اليد عن إطلاق مثل هذه بحملها على صورة عدم الظفر على مالك المال بعد الفحص مع أن هذه لضعف سندها غير صالحة للاعتماد عليها.

و ذكر السيد الخوئي طال بقاه أن رواية على بن أبي حمزة يعارضها قوله سبحانه:

إِنَّ اللّٰهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمٰانٰاتِ إِلىٰ أَهْلِهٰا و المعارضة بالعموم من وجه، لشمول الآية للأمانات المالكية و الشرعية، و لكنها مختصة بصورة التمكن على الرد الى المالك، كما هو مقتضى الأمر بالرد اليه، و رواية أبي حمزة مختصة بالأمانات الشرعية، و لكنها مطلقة من جهة التمكن من الرد الى المالك و عدمه، فان مدلولها وجوب التصدق بالمال، سواء كان متمكنا من رده الى صاحبه بالفحص أم لا، ففي صورة التمكن من الرد بالفحص عنه تقع المعارضة بينهما، و بعد

تساقطهما يرجع الى ما دل على عدم جواز التصرف في مال الغير بلا رضاه، و أن حرمة ماله كحرمة دمه.

و فيه أنه لا تجتمع الآية و رواية أبي حمزة بحسب المورد أصلا، حتى يقال بتساقط إطلاقي وجوب أداء المال الى مالكه، و وجوب التصدق به و لو مع احتمال التمكن من الرد اليه بالفحص، حيث أن المال- المحكوم عليه في الرواية بوجوب التصدق به مع عدم عرفان مالكه- لا يكون من قسم الأمانات لا المالكية و لا الشرعية لتعمه الآية، فالصحيح في الجواب ما تقدم.

و (منها)- أنه لو ادعى المال شخص، ففي سماع دعواه سواء كانت مع توصيفه

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجزء (12) الباب: (47) من أبواب ما يكتسب به- الحديث: (1)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 329

..........

______________________________

المال أولا، حيث أنه تقبل دعوى المالكية فيما إذا كانت بلا معارض، أو مع توصيفه المال، تنزيلا للمقام باللقطة، أو يعتبر إحراز المالكية بطريق معتبر كالبينة أو الاطمئنان؟

وجوه الأظهر هو الأخير، كما هو مقتضى قوله سبحانه إِنَّ اللّٰهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمٰانٰاتِ إِلىٰ أَهْلِهٰا و قوله (ع) في موثقة أبي بصير: «حرمة مال المؤمن كحرمة دمه» «1» فان مقتضاها ايضا لزوم رد المال الى مالكه، و لا دليل على أن مجرد دعوى المالكية طريق شرعي إلى إحراز المالك، حتى مع توصيف المال، و حتى في باب اللقطة. و أصالة الصحة في دعواه لا تثبت أن المال ملكه، بل مدلولها عدم نسبة الكذب اليه بتلك الدعوى، كما هو مقتضى حمل فعل المسلم على الصحيح، بمعنى عدم صدور الحرام منه. نعم إذا لم يكن الشخص واضعا يده على المال حتى يجب عليه رده الى مالكه، فلا يبعد

أن يجوز له المعاملة مع مدعيه معاملة المالك، و في رواية منصور بن حازم عن ابى عبد اللّه (ع)، قال: «قلت عشرة كانوا جلوسا في وسطهم كيس فيه الف درهم، فسأل بعضهم بعضا أ لكم هذا الكيس؟ فقال كلهم: لا، و قال واحد منهم هو لي، فلمن هو؟ قال: للذي ادعاه» «2» و ظاهرها سماع دعوى الملكية، و لكنها ضعيفة سندا، فان محمد بن الوليد الواقع في سندها هو الخراز المعتبر أو الصيرفي الضعيف، كل محتمل، إلا أنها تصلح لتأييد ما ذكرنا، لان سماع الدعوى في الفرض مقتضى السيرة العقلائية كما لا يخفى.

ثم إنه إذا لم يكن الشخص مستوليا على مال الغير كما في الحيوان إذا دخل داره أو الثوب جاءت به العاصفة، فلا يبعد القول بعدم لزوم الفحص عن مالكه، بل يجب الرد إليه إذا عرفه و لو بعد حين، كما يشهد لذلك ذيل صحيحة أبي نصر، قال:

«سألت أبا الحسن الرضا (ع) عن الرجل يصيد الطير الذي يسوى دراهم كثيرة، و

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجزء (8) الباب: (152) من أبواب أحكام لعشرة- الحديث: (12)

(2) وسائل الشيعة الجزء (8) الباب (17) من أبواب كيفية الحكم- الحديث (1)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 330

..........

______________________________

هو مستوي الجناحين، و هو يعرف صاحبه ا يحل له إمساكه؟ فقال: إذا عرف صاحبه رده عليه، و إن لم يكن يعرفه و ملك جناحه فهو له، و إن جائك طالب لا تتهمه رده عليه» «1» و ظاهر عدم اتهامه الوثوق بقوله، و لكن في دلالتها على ما ذكرنا تأمل كما لا يخفى.

و (منها) أنه لو احتاج الفحص عن المالك الى بذل المال، فهل يجب الفحص و البذل على الآخذ

أم لا؟ لا ينبغي التأمل في وجوب الفحص على الآخذ، سواء كان الفحص موقوفا على صرف المال أو عدمه، و يقتضيه إطلاق الأمر بالطلب في مثل صحيحة معاوية بن وهب المتقدمة، و إطلاق وجوب الرد في الآية المباركة، و صرف المال من كيس المالك المجهول بالاستدانة عليه أو بيع بعض المال، و يكون المتصدي للبيع و الاستدانة الحاكم الشرعي أو وكيله و لكن لا دليل على شي ء من ذلك في موارد كون الأخذ بعنوان العدوان أو للجهل، بحيث لا يكون الآخذ معه محسنا إلى المالك. و حديث نفى الضرر لا ينفى وجوب الرد في تلك الموارد، لان صرف المال من كيس المالك أو عدم وجوب الرد الى المالك ضرر على المالك. و يختص جريان نفى الضرر بموارد كون النفي للامتنان.

نعم لو كان الأخذ إحسانا إلى المالك كما في موارد إنقاذ المال من التلف، يكون مقتضى آية نفى السبيل عدم وجوب صرف المال من كيس الآخذ، فتعين الاستدانة أو بيع بعض المال، و يباشر بذلك الحاكم أو وكيله من باب الحسبة، و بهذا يظهر الحال في اللقطة أيضا، فإن أخذها في موضع التلف يوجب كونه محسنا، فلا يجب عليه تحمل مؤنة إيصالها إلى مالكها أو أجرة تعريفها، بخلاف ما التقطها في موضع يؤمن عليها من التلف كما لا يخفى.

و (منها) أن الفحص عن المالك في المقام لا يقيد بالسنة، بل الجاري عليه حكم مطلق المال المجهول مالكه و هو وجوب الفحص، حتى يحصل الاطمئنان بعدم

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجزء (17) الباب: (15) من أبواب اللقطة- الحديث: (1)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 331

..........

______________________________

إمكان الظفر بالمالك المعبر عنه في بعض الكلمات باليأس. و ما

دام لم يحصل هذا اليأس، لا يجوز التصرف في المال بالتصدق، سواء كان ذلك قبل تمام السنة أو بعدها بخلاف اللقطة، فإنه يجوز التصرف فيها بالتصدق أو بالتملك بعد تمام سنة الفحص، و لو مع عدم اليأس عن الظفر بمالكها.

و بعبارة أخرى الاطمئنان بعدم الظفر بالمالك طريق معتبر الى عدم التمكن من رد المال الى صاحبه، فيسقط معه وجوب رده اليه بطلبه. و لا دليل على تنزيل المقام باللقطة. نعم ربما يذكر على ذلك رواية حفص بن غياث عن ابى عبد اللّه (ع) «عن رجل من المسلمين أودعه رجل من اللصوص دراهم و متاعا، و اللص مسلم هل يرد عليه؟ فقال: لا يرده، فإن أمكنه أن يرده على أصحابه فعل، و إلا كان في يده بمنزلة اللقطة يصيبها، فيعرفها حولا، فإن أصاب صاحبها ردها عليه، و الا تصدق بها، فان جاء طالبها بعد ذلك خيره بين الأجر و العزم.» «1»

و لكنها باعتبار الخدشة في سندها غير صالحة للاعتماد عليها، و لعله لذلك ألحقا في النهاية و التحرير الوديعة بمطلق المجهول مالكه، خلافا لما عن المصنف و غيره من التعدي من اللص الى مطلق الغاصب و الظالم، و عدم التعدي من الوديعة إلى غيرها.

نعم في السرائر فيما نحن فيه يعني في جوائز السلطان روى أنها بمنزلة اللقطة و لعل هذا مبنى على التعدي من مورد الرواية، لا أن في البين رواية أخرى واردة في جوائز السلطان، و دالة على أنها مع العلم بحرمتها بمنزلة اللقطة كما لا يخفى.

و (منها)- أن حكم المال فيما نحن فيه بعد اليأس عن الظفر بمالكه قبل الفحص أو بعده هو التصدق به عن مالكه، كما في سائر المال المجهول مالكه، و

الحكم بالتصدق هو المشهور، و في السرائر (أن الجائزة مع العلم بحرمتها ترد إلى أربابها

______________________________

(1) وسائل الشيعة: الجزء (17) الباب: (18) من أبواب اللقطة- الحديث: (1)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 332

..........

______________________________

فان لم يعرفهم و اجتهد في طلبهم فقد روى أصحابنا أنه يتصدق بها) و ذكر المصنف (ره) أن هذه المرسلة يجبر ضعف سندها بالشهرة المحققة، و يؤيد مضمونها أن التصدق أقرب طريق للإيصال إلى المالك. و لا يبعد دعوى كون التصدق بالمال عن مالكه مما يعلم رضا المالك به بشهادة الحال. و ما في السرائر- بعد نقل المرسلة من أن الأحوط حفظ المال و الوصية به- فهو إيقاع للمال في معرض التلف.

(أقول): من المحتمل قريبا أن يكون قول ابن إدريس انه قد روى أصحابنا (إلخ) من جهة استفادته من رواية على بن أبي حمزة المتقدمة، فلا مجال للقول بأنها رواية مرسلة مؤيدة باخبار اللقطة و بالخبر الوارد في كسب المال في ديوان بنى أمية و غيره، بل لا بد من ملاحظة تلك الاخبار و الإغماض عن دعوى وجود المرسلة كما لا يخفى.

و من العمدة في الباب معتبرة يونس المتقدمة المؤيدة ببعض الاخبار الوارد فيها الأمر بالتصدق كرواية على بن أبي حمزة المتقدمة، و بها يرفع اليد عن إطلاق الأمر بالطلب في صحيحة معاوية بن وهب الآمرة بطلب المالك، بأن يحمل وجوب الطلب على صورة عدم اليأس عن المالك، فلا تنافي وجوب التصدق بعد ذلك.

و ذكر المصنف (ره) تأييد الحكم بالأمر بالتصدق بما يجتمع عند الصياغين و قد ورد ذلك الأمر في روايتين لعلى بن ميمون الصائغ، قال: «سألت أبا عبد اللّه (ع) عما يكنس من التراب فأبيعه فما اصنع به؟

قال: تصدق به، فاما لك و اما لأهله، قلت: فان فيه ذهبا و فضة و حديدا، فبأي شي ء أبيعه؟ قال بعه بطعام، قلت: فان كان لي قرابة محتاج أعطيه منه؟ قال: نعم» «1» و في الأخرى، قال: «سألته عن تراب الصواغين و أنا نبيعه قال: أ ما تستطيع ان تستحله من صاحبه؟ قال: قلت لا، إذا أخبرته اتهمني، قال: بعه، قلت بأي شي ء نبيعه، قال بطعام، قلت: فأي شي ء أصنع به؟

______________________________

(1) وسائل الشيعة: الجزء (12) الباب: (16) من أبواب الصرف- الحديث (1)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 333

..........

______________________________

قال تصدق به، أما لك و إما لأهله، قلت: ان كان ذا قرابة محتاجا أصله، قال:

نعم» «1».

و لكنهما ضعيفتان سندا: و دلالة أما سندا، لعدم ثبوت وثاقة على بن ميمون الصائغ، نعم ذكر الكشي رواية في مدحه، الا أن راويها نفس على بن ميمون، و لا يصح إثبات وثاقة شخص أو مدحه برواية نفسه، و أما دلالة، فلان التصدق في الروايتين استحبابي فكيف تصلحان للتأييد، و الوجه في كونه استحبابيا ان المفروض فيها ملك للصائغ كلا أو بعضا، فلا يجب عليه التصدق بماله. و احتمال كون التصدق واجبا بالإضافة إلى حصة الآخرين فقط خروج عن ظاهرهما، فان ظاهرهما كون جميع المال محكوما بالتصدق به.

ثم إن في الرواية الثانية شبهة اخرى، و هي سقوط احترام مال الغير و جواز التصدق به بمجرد كون إيصاله اليه أو الاستحلال منه مورد التهمة. و هذا لا يمكن الالتزام به. و برواية ابى على ابن راشد، قال: «سألت أبا الحسن (ع)، قلت:

جعلت فداك اشتريت أرضا إلى جنب ضيعتي بألفي درهم، فلما وفرت المال خبرت أن الأرض وقف، فقال: لا يجوز

شراء الوقف و لا تدخل الغلة في ملكك، ادفعها الى من أوقفت عليه، قلت: لا اعرف لها ربا، قال: تصدق بغلتها» «2» و المراد بالغلة أما ثمرة البستان أو أجرة الأرض. و أما الزرع فإنه لمالك البذر لا لمالك الأرض حتى يتصدق به عنه. و الرواية لا بأس بها من حيث السند، لأن أبا على من الممدوحين على ما ذكر الشيخ ره و محمد بن جعفر روى عنه على بن إبراهيم في تفسيره، و لا تقصر في الدلالة على لزوم التصدق بمجهول المالك عن معتبرة

______________________________

(1) وسائل الشيعة: الجزء (12) الباب: (16) من أبواب الصرف- الحديث (2)

(2) وسائل الشيعة الجزء (13) الباب: (6) من أبواب أحكام الوقوف و الصدقات- الحديث: (1)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 334

..........

______________________________

يونس المتقدمة. و في مقابل ذلك كله ما يستظهر منه عدم وجوب التصدق بالمال المجهول مالكه، كصحيحة على بن مهزيار، حيث ذكر فيها من الغنيمة التي يجب فيها الخمس مال يؤخذ و لا يعرف له صاحب «1» و استظهر منه المحقق الهمداني جواز تملك مجهول المالك و كونه ملكا لمن يقع بيده، و أصر عليه الإيرواني (ره).

و لكن الصحيح أن الرواية في مقام بيان ما يجب فيه الخمس بعد فرض تملكه أو صيرورته ملكا، و انه مما يجب فيه الخمس هو المال المجهول مالكه، لا في مقام بيان صيرورة المال ملكا لمن يقع بيده، و على ذلك فيمكن أن يختص جواز تملك المال المجهول مالكه بمورد خاص، كاللقطة بعد تعريفها سنة، أو كون الآخذ فقيرا و نحو ذلك. و لذا لا يمكن الأخذ بالإطلاق في سائر ما ذكر فيها، كقوله (ع): «و مثل عدو يصطلم، فيؤخذ

ماله» حيث لا يجوز الحكم بجواز تملك مال العدو مطلقا، حتى فيما إذا كان مسلما، و موثقة هشام بن سالم، قال: «سأل حفص الأعور أبا عبد اللّه عليه السلام و أنا عنده جالس، قال: إنه كان لأبي أجير كان يقوم في رحاه. و له عندنا دراهم، و ليس له وارث؟ قال، أبو عبد اللّه (ع): تدفع الى المساكين، ثم قال رأيك فيها ثم أعاد عليه المسألة، فقال له مثل ذلك، فأعاد عليه المسألة ثالثة، فقال أبو عبد اللّه (ع) تطلب وارثا، فان وجدت وارثا و الا فهو كسبيل مالك» «2» و ظاهر هذه عدم وجوب التصدق بالمال المتعذر الوصول الى مالكه أو المجهول مالكه، بل يجوز إبقاؤه الى ان يجي ء له طالب. و لذا جمع السيد اليزدي (ره) بينهما و بين ما تقدم بحمل الأمر بالتصدق على الواجب التخييري.

و الحاصل أن المكلف بعد الفحص عن المالك و عدم الظفر به يكون مخيرا

______________________________

(1) وسائل الشيعة: الجزء (6) الباب: (8) من أبواب ما يجب فيه الخمس- الحديث (5)

(2) وسائل الشيعة الجزء (13) الباب: (22) من أبواب الدين و القرض- الحديث: (3)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 335

..........

______________________________

بين التصدق بالمال و بين إبقائه و الوصية بأن المال المزبور من المجهول مالكه.

و هذا مع احتماله الظفر به بعد ذلك- و لو باحتمال ضعيف- كما هو مقتضى الأمر بإبقاء المال لطالبه.

أقول لا يبعد أن يكون المال المسئول عن حكمه فيها من الكلى على الذمة، و الحكم فيه بالتصدق لا يكون لزوميا، بل يجوز تركه و الوصية به، و لا يكون على المكلف شي ء مع عدم مجي ء طالبه، غاية الأمر يتقيد ذلك بما بعد الفحص و الطلب

و اليأس، جمعا بينهما و بين مثل صحيحة معاوية بن وهب المتقدمة.

(لا يقال) قول السائل و له عندنا دراهم يحتمل الدين و العين، فإنه فرق بين قول القائل له علينا دراهم و قوله له عندنا دراهم، فالأول يختص بالدين و الثاني يعم العين و الدين و المذكور في الرواية هو الثاني (فإنه يقال): نعم و لكن هذه الرواية رواها الكليني بطريق آخر، و ظاهرها اختصاص الواقعة بالدين.

و الحاصل أن ظاهر ما تقدم وجوب التصدق بالعين المجهول مالكها بعد الفحص و اليأس عن الظفر به، و لا تصلح هذه الصحيحة لرفع اليد عنه، لعدم إحراز ظهورها في غير موارد الدين كما لا يخفى. و رواية نصر بن حبيب صاحب الخان، قال:

«كتبت الى عبد صالح (ع) لقد وقعت عندي مأتا درهم و أربعة دراهم، و انا صاحب فندق، و قد مات صاحبها و لم اعرف له ورثة، فرأيك في إعلامي حالها، و ما اصنع بها فقد ضقت بها ذرعا، فكتب اعمل فيها و أخرجها صدقة قليلا قليلا، حتى يخرج» «1» و ظاهرها تجويز للتصرف في المال المفروض فيها، و التصدق بمقداره قليلا قليلا من منافعه، و لكن الرواية ضعيفة سندا، و لا أعلم الإفتاء بمضمونها من أحد، و لعل المال كان لمن لا وارث له و انتقل الى الامام (ع) بالإرث، فاذن لمن بيده في التصرف فيه

______________________________

(1) وسائل الشيعة: الجزء (17) الباب: (6) من أبواب ميراث الخنثى- الحديث: (3)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 336

..........

______________________________

بالنحو المزبور، و رواية الهيثم بن ابى روح صاحب الخان، قال: «كتبت الى عبد صالح إني أتقبل الفنادق، فينزل عندي الرجل فيموت فجأة و لا أعرفه و لا اعرف

بلاده و لا ورثته، فيبقى المال عندي كيف اصنع به؟ و لمن ذلك المال؟ قال: اتركه على حاله» «1» و هذه أيضا ضعيفة سندا، و مع الإغماض عن سندها فيقيد إطلاق وجوب إبقاء المال بما لم يحصل اليأس عن صاحبه، و الا يتصدق به كما هو مقتضى الجمع بين هذه و ما تقدم. و يظهر من بعض الاخبار أن المال المجهول مالكه ملك للإمام (ع) فيجري عليه ما يجرى على سائر ماله (ع). و في رواية داود بن ابى يزيد عن ابى- عبد اللّه (ع) قال: «قال رجل: إني قد أصبت مالا و انى قد خفت فيه على نفسي، و لو أصبت صاحبه دفعته اليه و تخلصت منه؟ قال: فقال أبو عبد اللّه (ع): و اللّه لو أن أصبته كنت تدفعه اليه؟ قال: اى و اللّه، قال: فانا و اللّه ما له صاحب غيري، قال: فاستحلفه أن يدفعه الى من يأمره، قال: فحلف، فقال: اذهب فاقسمه بين إخوانك و لك الأمن مما خفت منه، فقال فقسمته بين إخواني» «2».

و ذكر المصنف (ره) أنه مع الإغماض عن الاخبار الواردة في حكم المال المجهول مالكه أو المتعذر الوصول اليه، يتعين على من يقع المال بيده دفعه الى الحاكم، لان له على المالك الغائب أو المجهول ولاية، و إذا دفعه اليه ينظر الحاكم إلى شهادة الحال، فلو أحرز رضاه بالتصدق أو الإمساك له فعل ذلك، و إذا لم يحرز رضاه بأحدهما جاز له كل منهما، كما هو الحال في جميع موارد دوران الفعل بين الوجوب و الحرمة، و لا يكون عليه ضمان، سواء أمسك المال أو تصدق به كما هو مقتضى تصرف الولي في المال لمصلحة المولى عليه،

و لكن يختص التخيير في

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجزء (17) الباب: (6) من أبواب ميراث الخنثى- الحديث: (4)

(2) الوسائل الشيعة الجزء (17) الباب: (7) من أبواب اللقطة- الحديث: (1)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 337

..........

______________________________

موارد دوران أمر الفعل بين الوجوب و الحرمة بما إذا لم يكن في البين أصل معين لأحد التكليفين. و في المقام أصالة الفساد في التصدق أو أصالة عدم رضا المالك بغير الإيصال إليه، تعين وجوب الإمساك. و أما بملاحظة تلك الاخبار فظاهرها عدم جواز الإمساك و وجوب التصدق، فيكون الإمساك تصرفا لا يعلم رضا صاحبه به و لا رضا الشارع.

ثم إنه بملاحظة الأخبار يجب التصدق على من يكون المال بيده، غاية الأمر لا تعتبر المباشرة في التصدق، بل يجوز له إيكاله إلى الحاكم، لأنه أعرف بموارد التصدق، و له على الفقراء ولاية، بأن يأخذ ما يجب دفعه إليهم من الصدقات الواجبة و غيرها. و يحتمل أن لا يجوز له التصدق، بل يجب دفع المال الى الحاكم أو الاستئذان منه، لان التصدق وظيفة الحاكم، و منشأ ذلك أن المذكور في الاخبار- و هو وجوب التصدق بالمال- هل هو من قبيل بيان وظيفة من يكون المال بيده، أو أن الأمر بالتصدق فيها باعتبار كون أمره (ع) توكيلا في التصدق، أو تكون الأخبار ناظرة إلى مصرف ذلك المال. و يؤيد كونها لبيان المصرف، أن جملة من الأفعال التي يكون القيام بها موقوفا على اذن الحاكم، مذكورة في الاخبار بطريق الحكم العام، أى لم يذكر أنها مختصة بما إذا كان باذن الحاكم، ككون إقامة البينة وظيفة المدعى، و الحلف وظيفة المنكر، و المقاصة من الممتنع للحق جائز و غير ذلك.

و الحاصل انه

لم يتم ظهور الاخبار في بيان وظيفة من يكون المال، بيده، بل يحتمل كون الوارد فيها توكيلا من الامام (ع) أو بيانا لمصرف المال. و عليه فالأحوط الاقتصار على المتيقن بالرجوع الى الحاكم الشرعي بالدفع اليه، أو الاستئذان منه، خصوصا بملاحظة رواية داود بن ابى يزيد الدالة على ان المجهول مالكه ملك الإمام المحمولة على ولايته (ع). و يتأكد هذا الاحتياط فيما كان المجهول مالكه من قبيل الكلي في الذمة، فإنه لا يتعين في العين الخارجية، إلا بقبض المستحق أو وكيله أو وليه.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 338

ثم إن مستحق هذه الصدقة (1)

______________________________

(أقول) نظير المقام ما ورد في التصدق باللقطة، و لو صح حمل الاخبار في المقام على التوكيل أو بيان المصرف لجرى ذلك في اخبار اللقطة أيضا، مع أنه لا أظن أن يلتزم بذلك المصنف (ره) أو غيره. و أما رواية داود بن ابى يزيد الظاهرة في كون مجهول المالك ملك الامام (ع)، فلضعف سندها لا يمكن الاعتماد عليها أو حملها على الولاية.

و الحاصل أنه مع ظهور الاخبار في أن وظيفة من بيده المال، التصدق به ليست للحاكم ولاية بالإضافة الى ذلك المال، فإن ولاية الحاكم على الغائب مستفادة من الحسبة، و مع ولاية غيره- على الإمساك بذلك المال و التحفظ به ما دام يحتمل الظفر بمالكه و بالتصدق بعده- لا مجال لإثبات الولاية له و مجرد كونه اعرف لا يصلح لإثبات الولاية، و الا لزم ولاية الأعرف على الفقراء و ان لم يكن حاكما.

(1) و حاصله أنه يعتبر في مستحق هذه الصدقة أيضا الفقر، لأن الأمر بالتصدق بمال ظاهره الأمر بإعطائه للفقير (أقول): يمكن ايضا استظهار اعتباره من قوله

سبحانه إِنَّمَا الصَّدَقٰاتُ لِلْفُقَرٰاءِ بدعوى عدم انصرافها إلى الزكاة الواجبة فتأمل.

و ذكر (ره) في وجه جواز إعطائه للهاشمي أن التصدق بالمال المجهول مالكه صدقة مندوبة من مالكه، و من يكون المال بيده، نظير الوكيل و الوصي مباشر لتلك الصدقة المندوبة، فلا بأس بتمليكه للهاشمي.

و في وجه عدم جواز إعطائه له أنه فرق بين المباشر في المقام و الوكيل و الوصي، حيث أن الوكيل و الوصي يقومان بالعمل بأمر الموكل و الموصى، فيستند عملها إليهما، بخلاف المقام فان قيام من بيده المال بالتصدق بحكم الشارع، فلا ينتسب هذا التصدق الى مالك المال، بل لا يحرز وقوعه عنه، فإنه ربما لا يرضى به بعد ظهوره، فيقع التصدق عن المباشر.

و فيه أن الممنوع إعطائه للهاشمي هي الزكاة المفروضة على الناس فقط،

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 339

ثم إن في الضمان لو ظهر المالك و لم يرض بالتصدق (1)

______________________________

و لا يكون منها الصدقة الواجبة في المقام، سواء قلنا بانتسابها الى مالك المال أو الى من بيده المال. و في معتبرة إسماعيل بن الفضل الهاشمي، قال: «سألت أبا عبد اللّه (ع) عن الصدقة التي حرمت على بنى هاشم ما هي؟ فقال: هي الزكاة، قلت فتحل صدقة بعضهم على بعض؟ قال: نعم» «1» و في صحيحة جعفر بن إبراهيم الهاشمي عن ابى عبد اللّه (ع)، قال: «قلت له: أ تحل الصدقة لبني هاشم؟ فقال: إنما الصدقة الواجبة على الناس لا تحل لنا، و أما غير ذلك فليس به بأس» «2» فإن تقييد الواجبة بالظرف أى على الناس، ظاهره الإشارة إلى الواجبة في مثل قوله عز من قائل أَقِيمُوا الصَّلٰاةَ وَ آتُوا الزَّكٰاةَ.*

ثم إنه يعتبر في استحقاق هذه الصدقة

ايضا الايمان، كما هو ظاهر صحيحة يونس المتقدمة.

(1) لو ظهر المالك و أظهر عدم رضاه بالتصدق، ففي ضمان المال وجوه:

(الأول) الضمان مطلقا (الثاني) عدمه مطلقا (الثالث) عدم الضمان فيما لم يترتب على المال يد ضمان من الأول، كما إذا أخذ المتصدق المال من الجائر بعنوان إنقاذه و إيصاله إلى مالكه المعبر عن ذلك بالأخذ حسبة، و الضمان في غيره، و وجه عدم الضمان مطلقا استصحاب براءة عهدة المتصدق، حيث لم يكن له ضمان قبل ظهور المالك و عدم رضاه بالتصدق.

و ذكر (ره) في الإيراد على ذلك (أولا) أن استصحاب البراءة يختص بما إذا لم يسبق يد ضمان الى المال، و الا فيستصحب الضمان لا عدمه و (ثانيا) ان الأوجه الضمان مطلقا، لاستصحاب الضمان فيما إذا كان حاصلا قبل التصدق، و يقدم هذا الاستصحاب على أصالة البراءة عن الضمان في سائر الموارد، باعتبار عدم القول

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجزء (6) الباب: (32) من أبواب المستحقين للزكاة:

- الحديث (5)

(2) وسائل الشيعة الجزء (6) الباب: (31) من أبواب المستحقين للزكاة:

- الحديث (3)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 340

..........

______________________________

بالفصل بين الموارد في الضمان، و كان جميع موارد التصدق بالمال المجهول مالكه كالمورد الواحد الذي يجري فيه استصحاب الضمان.

(أقول): غاية الأمر أن يكون في البين إجماع على عدم الفصل بين موارد التصدق بالمال المجهول مالكه بحسب حكمها الواقعي من الضمان و عدمه. و أما الحكم الظاهري، فيلاحظ تحقق الموضوع لأي أصل في كل مورد من موارد الشك، من استصحاب البراءة أو استصحاب الضمان أو غيرهما من الأصول هذا (أولا).

و (ثانيا) يمكن العكس بان يحكم بعدم الضمان في جميع الموارد إلحاقا لموارد استصحاب الضمان بموارد استصحاب عدم ثبوت

المال على العهدة بعدم القول بالفصل.

و (ثالثا) ان المراد بالضمان في المقام- ثبوت المال في العهدة بإظهار المالك عدم رضاه بالتصدق على قرار الضمان في اللقطة، و ليس لهذا الضمان حالة سابقة، فالضمان السابق قد انقطع بالتصدق، و حدوث غيره بعد ذلك مشكوك فيه.

و المتحصل أنه لو وصلت النوبة الى الأصل العملي في المقام فمقتضاه عدم الضمان مطلقا. نعم قد يقال بالضمان مطلقا أخذا بقاعدة إتلاف مال الغير.

(لا يقال): الإتلاف في المقام يكون باذن الشارع و أمره، و الإتلاف باذنه كالإتلاف بإذن المالك لا يوجب الضمان، كالإذن في أكل المار من الثمرة في طريقه: (فإنه يقال) يحتمل أن يكون اذنه في المقام في الإتلاف نظير اذنه في التصرف في اللقطة، و في إيداع الغاصب مال الغير عنده، فإنه لا يجوز له رده الى الغاصب، بل يجب عليه- بعد تعريف المال سنة كاملة- التصدق به مع الضمان، كما دلت عليه الرواية، بل ليس في المقام رواية دالة على التصدق بالمال ساكتة عن ذكر الضمان، مع ظهور المالك حتى يستظهر عدم الضمان من السكوت في مقام البيان.

(أقول): قد ذكرنا أن الضمان المطلوب في المقام- نظير الضمان المطلوب

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 341

..........

______________________________

في مورد التصدق باللقطة- لا يثبت بقاعدة الإتلاف، فإن مقتضى تلك القاعدة ثبوت المال بالتصدق، على عهدة المتلف و قد عبر المصنف (ره) عن ذلك بكون الإتلاف علة تامة للضمان. و المطلوب في المقام ثبوت المال على العهدة بإظهار المالك عدم رضاه بالتصدق، و قد عبر (ره) عن ذلك بالضمان المراعى بعدم اجازة المالك، و هذا الضمان يحتاج الى دليل آخر غير قاعدة الإتلاف، نظير ما قام عليه في اللقطة. و

الالتزام- في المقام ايضا بالضمان بمجرد التصدق و ارتفاعه بإجازة المالك لقاعدة الإتلاف- غير ممكن، لاستلزامه ثبوت المال على العهدة و عدم انتقال جميع التركة إلى الورثة، حتى فيما إذا لم يظهر المالك بعد التصدق ليظهر رضاه أو عدمه. و ما تقدم من عدم ثبوت رواية في المقام ساكتة عن الضمان عجيب، فإنه لم يكن من الضمان في الروايات المتقدمة، ذكر و لو كان في البين ضمان لورد ذكره في تلك الروايات، نظير وروده في اخبار باب اللقطة.

و الحاصل أنه لو لم يكن عدم الضمان مقتضى الإطلاق في الروايات المتقدمة فلا ينبغي الريب في أنه مقتضى الأصل. بل ذكر السيد الخوئي طال بقاه أن ثبوت الضمان في المقام بقاعدة الإتلاف غير ممكن، فان القول به يستلزم التسلسل، فإنه إذا تصدق بالمال المجهول مالكه يثبت بدله في ذمته. و بما أن البدل ايضا مالكه مجهول، يجب التصدق به ايضا. و يجرى الكلام في بدل هذا البدل، و هكذا.

و لا يقاس المقام باللقطة، فإن الثابت على الذمة لا تكون لقطة حتى يجب التصدق به ايضا.

و لا يخفى ما فيه، فان وجوب التصدق لا يكون حكما لأي مال مجهول مالكه نظير الأحكام العقلية حتى يوجب الالتزام به ذلك المحذور أو غيره بل حكم ورد في بعض الموارد، و تعدينا منها الى موارد اخرى من الأموال الخارجية، و الى الديون

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 342

[و اما الصورة الرابعة ما علم إجمالا اشتمال الجائزة على الحرام]

و اما الصورة الرابعة (1)

______________________________

التي تثبت على الذمة من غير ناحية التصدق. و الصحيح أن الضمان بقاعدة الإتلاف مختص بموارد الإتلاف على المالك، كمن يأكل طعام الغير للاضطرار و إنقاذ حياته، و لا تعم القاعدة موارد الإتلاف إحسانا إلى

المالك، كما في المقام، و الضمان بنحو آخر نظير الثابت في موارد اللقطة لم يقم عليه دليل. و الأصل عدمه و اللّه العالم.

(1) و هي ما إذا علم إجمالا باشتمال المأخوذ من الجائر على الحرام، و ذكر المصنف (ره) فيها فروضا: (الأول):- حصول الشركة بنحو الإشاعة بامتزاج الحلال و الحرام بنحو لا يمكن التمييز بينهما، كما في مزج أحد المائعين بالآخر مع العلم بقدر الحرام و مالكه (الثاني)- حصول الشركة كما ذكر و لكن مع الجهل بقدر الحرام و مالكه (الثالث) حصول الشركة مع العلم بقدر الحرام و جهل مالكه (الرابع) حصولها مع عرفان المالك، و جهالة مقدار الحرام (الخامس)- عدم إيجاب الاشتباه في الفرض الشركة، كما إذا كان المالان قيميين، و الحكم في الفرض الأول هو كون المأخوذ فيه ملكا للأخذ، و ذلك الغير، بنحو الإشاعة بالنسبة المعلومة، فلا يجوز لأحدهما التصرف فيه بدون رضا الآخر، و لكل منهما مطالبة الآخر بالقسمة.

و الحكم في الفرض الثاني، إخراج خمس المال على ما ذكر في كتاب الخمس، و في الفرض الثالث ما مر في الصورة الثالثة من صور الجائزة، فإن الفرض داخل فيها حقيقة، و في الفرض الرابع يجب التخلص من الحرام بالمصالحة مع مالكه، و في الفرض الخامس يكون تعيين المال الحرام بالقرعة، أو بيع جميع المال، فتحصل الشركة في ثمنه.

(أقول): ما ذكره- في الفرض الرابع من لزوم المصالحة مع مالك المال الحرام- غير صحيح، بل يحكم بان السهم المشاع في ذلك المال هو الأقل، أخذا بمقتضى يد الجائر الجارية على جميع المال، فإنه لم يعلم عدم مالكيته للمال إلا بالإضافة إلى السهم الأقل، و كذا لا يمكن المساعدة على ما ذكره في الفرض الخامس،

لأنه إذا

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 343

اعلم أن أخذ المال (1)

______________________________

كان الحرام و مالكه مجهولين يجرى فيه ما ذكروه في إخراج الخمس من المال المختلط، حيث أن المذكور يعم ما إذا لم يكن الاختلاط موجبا للشركة بنحو الإشاعة، و إذا كان مالكه معلوما و قدر الحرام مجهولا، كما إذا أخذ من الجائر ثلاث شياه، و علم بأن بعضها مال زيد، و ذلك البعض مردد بين كونه شاة أو شاتين، ففي مثل ذلك لا علم بمخالفة مقتضى يد الجائر الجارية عليها، إلا بالإضافة إلى الواحدة، فيكون تعيين تلك بالقرعة. و بهذا يظهر الحال فيما إذا كان القدر و المالك معلومين، فإنه باعتبار الاشتباه و عدم حصول الإشاعة يكون التعيين بالقرعة.

(1) إن أخذ ما بيد الظالم من المال يجرى عليه الأحكام الخمسة، و باعتبار نفس المال يكون فيه الكراهة و الوجوب و الحرمة. و الظاهر أن مراده تعلق الأحكام الخمسة بأخذ المال من الجائر باعتبار انطباق العناوين المختلفة على نفس ذلك الأخذ، ككونه مقدمة للإنفاق الواجب أو التوسعة لعياله، أو كونه ترويجا للباطل و الجور. و هكذا فيكون الأخذ متعلقا للاحكام الخمسة، حتى في فرض إحراز كون المال ملك الجائر واقعا. و مراده من نفس المال تعلق الحرمة أو الوجوب أو الكراهة بالأخذ من جهة المال، ككونه من المال المشتبه أو مال الغير مع عدم رضاه بالأخذ، أو كون أخذه انقاذا للمال المحترم من التلف، حيث يجب الأخذ معه حسبة، و الا فلا يتعلق حقيقة، الأحكام التكليفية التي منها الحرمة و الوجوب و الكراهة بغير الفعل.

و أما ما ذكره (ره) من أن استنقاذ حقوق السادة و الفقراء و لو بعنوان المقاصة من

موارد وجوب الأخذ من جهة المال، و يجوز هذا التقاص لآحاد الناس عند تعذر الاستيذان من الحاكم، (ففيه) بأن جواز التقاص لآحادهم يتوقف على ولايتهم على تلك الأموال، و لو عند تعذر الحاكم، و في ثبوت الولاية لهم تأمل، و لا يكفي في جوازه مجرد وجوب الأمر بالمعروف و النهى عن المنكر، و الا لجاز التقاص و لو عند التمكن من الاستيذان، لعدم اشتراط وجوب الأمر بالمعروف و النهى عن المنكر

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 344

من جملة ديونه (1)

______________________________

بالاستيذان، و لجاز لزيد ايضا التقاص من مال عمرو لشخص آخر من باب النهى عن المنكر. و لا أظن أن المصنف (ره) أو غيره يلتزم بذلك.

(1) حاصله أنه لا فرق في الدين الثابت في ذمة الجائر، بين ثبوته بالاقتراض أو شراء شي ء بذمته، أو تلف ما وضع عليه يده من أموال الناس عدوانا، أو إتلافها، فإن جميع ذلك دين يترتب عليه أحكامه.

و ذكر بعض الأساطين- و هو كاشف الغطاء على ما قيل- أن بدل متلفاته غصبا من المثل و القيمة و ان كان دينا حقيقة، نظير سائر ما عليه من الديون، إلا أنه لا يجرى بعد موت الجائر على ذلك البدل حكم الدين، بأن يكون خارجا عن التركة قبل الوصايا و الميراث، و ذلك لأمرين: (أحدهما) انصراف الدين عنه في مثل قوله عز من قائل مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهٰا أَوْ دَيْنٍ* «1» و (ثانيهما)- السيرة الجارية إلى يومنا هذا من عدم المعاملة مع ذلك البدل معاملة الدين، و على ذلك فلو أوصى الجائر بإخراجه كان كسائر وصاياه محسوبا من الثلث.

و فيه أنه لا وجه لدعوى الانصراف، فانا لم نجد فرقا بين

الثابت على ذمته بدلا عما أتلفه نسيانا أو غفلة من مال الغير، و بين ما أتلفه عدوانا، بأن يعم الأول، الدين في مثل قوله سبحانه، و لا يعم الثاني، و كذا لا نجد فرقا بين ما يتلفه الجائر عدوانا و ما يتلفه شخص آخر، و لو كان الدين منصرفا عنه لما جرى على البدل حكم الدين، حتى حال حياة الجائر، فإن انصراف الدين، لا يختص بآية الإرث، مع أنه لا ينبغي الريب في جريان أحكام الدين عليه حال حياته، كجواز التقاص عن البدل، كما يدل على ذلك موثقة داود بن زربي (رزين)، قال: «قلت لأبي الحسن موسى (ع) انى أخالط السلطان، فتكون عندي الجارية و الدابة الفارهة، فيبعثون فيأخذونها، ثم يقع لهم عندي المال، فلي أن آخذه؟ قال: خذ مثل ذلك و لا تزد عليه» «2» فان

______________________________

(1) سورة النساء (4)- الاية (11)

(2) وسائل الشيعة الجزء (7) الباب (61) من أبواب ما يكتسب به- الحديث (7)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 345

[الثالثة ما يأخذه السلطان المستحل لأخذ الخراج و المقاسمة من الأراضي باسمها]
اشارة

الثالثة ما يأخذه السلطان (1)

______________________________

الحكم فيها بالأخذ من غير استفصال عن بقاء العين التي أخذها الجائر أو أتلفها مقتضاه شمول الحكم لكلتا الحالتين، و كعدم تعلق الخمس بما زاد عن مؤنة سنته، فيما إذا كان البدل بمقدار الزائد عليها، و عدم حصول الاستطاعة للحج، فيما إذا كان البدل مساويا لما عنده من المال الكافي لمصارف حجه، الى غير ذلك.

و أما ما ذكره من السيرة، فلم يحرز أنها من المتشرعة المبالين للشرع الملتزمين به، و السيرة من غير المبالين لا قيمة لها. و يشهد لكونها من غير المبالين أنا لم نجد فرقا عندهم بين البدل المزبور و بين الثابت على ذمته

بسائر موجبات الضمان، كما أنهم لا يفرقون في المظالم الثابتة عليه بين عرفان المظلومين تفصيلا أو إجمالا. و من تتبع أحوال الظلمة و توريث أموالهم التي قد لا تكفي لأداء تلك المظالم المجتمعة عليهم طيلة حياتهم يعرف ذلك.

(1) تعرض (ره) في المسألة الثالثة من مسائل الخاتمة لما يؤخذ من السلطان المستحل للخراج و المقاسمة و الزكاة، و أنه يجوز أخذ هذه الأموال منه مجانا أو معاوضة. و ذكر أن مقتضى القاعدة عدم جواز الأخذ، لأن الجائر لا ولاية له على تلك الأموال، فتراضيه- مع من عليه الخراج أو الزكاة نظير تراضى الظالم مع مستأجر دار الغير في دفع مال اليه بعنوان الأجرة- فاسد، إلا أنه لا بد من رفع اليد عن هذه القاعدة و الالتزام بجواز الأخذ لما يأتي.

و المراد من الخراج ما عين للأرض أجرة من النقود أو غيرها، و من المقاسمة المعاملة مع الزارع بحاصل الأرض و البستان بالثلث أو بالربع أو نحوهما، و لا يخفى أنه لا وجه لتخصيص جواز أخذ الزكاة من الجائر بالإنعام، كما هو ظاهر عبارة المصنف (ره) بل يعم جميع أقسامها، كما أن ما ذكر (ره)- من أن ما يأخذه الجائر باق على ملك المأخوذ منه، و مع ذلك يجوز أخذه من الجائر- لا يمكن المساعدة عليه، و ذلك فان المال بأخذ الجائر يتعين في عنوان الخراج أو المقاسمة أو الزكاة،

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 346

..........

______________________________

و لا يتوقف تعينه فيها بأخذ الآخر من الجائر، و إلا لوجب على الزارع، الخراج أو المقاسمة أو الزكاة ثانيا مع تلف المال في يد الجائر، بل مع تلفه قبل وصوله الى يد المشتري أو المستحق. و هذا لا

يناسب الروايات الآتية في براءة ذمة الزارع و تعين الزكاة في المأخوذ بمجرد أخذ عامل السلطان.

ثم إن في المقام جهات: (الاولى) تقبل الزارع أو الفلاح الأرض من السلطان الجائر (الثانية)- في المال الذي يأخذه الجائر من الزارع أو الفلاح أو غيرهما بعنوان الخراج أو المقاسمة أو الزكاة (الثالثة) أخذ الآخرين تلك الأموال من الجائر مجانا أو بعنوان الشراء أو غيره من المعاملات. و الأظهر بحسب الروايات الحكم بالجواز في الجهات الثلاث، بمعنى أنه يجوز للزارع و الفلاح التصرف في تلك الأراضي و لو مع المعاملة مع السلطان الجائر أو عماله، على ما يأتي، و يكون ما يأخذه الجائر معنونا بعنوان الخراج أو المقاسمة أو الزكاة، و يدخل ما يأخذه الغير من الجائر من الخراج أو المقاسمة أو الزكاة، مجانا أو بعنوان الشراء و نحوه في ملكه، و كأن الوجه في جميع ذلك إمضاء الشارع تلك التصرفات، و ليس المراد جعل الولاية للجائر بالإضافة إليها، فإن الروايات غير ظاهرة في ولايته عليها، بل في مجرد إمضائها تسهيلا للأمر على الآخرين.

و الحاصل أنه لو كانت للجائر ولاية على تلك التصرفات، لما كان عليه وزر بالإضافة إليها، و إنما الوزر في إشغاله ذلك المنصب الذي لا يستحقه، بخلاف الالتزام بمجرد إمضاء الشارع تلك التصرفات تسهيلا للأمر على الآخرين، فإنه لا يكون في ذلك الإمضاء نفى وزر عن الجائر، نظير ما نذكر في تحليل الشارع الخمس للشيعة فيما إذا وقع بيد أحدهم المال الذي تعلق به الخمس عند غيره، كما إذا اشترى متاعا غير مخمس، فإنه يدخل ذلك المتاع بتمامه في ملك المشترى، كما هو مقتضى اخبار التحليل، و مع ذلك لا يجوز للبائع ذلك البيع تكليفا، و ينتقل

الخمس الى

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 347

و ان لم يعلم مستنده (1) و الاولى ان يقال (2)

______________________________

الثمن، و لو كان تمليك ذلك المتاع مجانا كان على الجائر ضمان إتلافه فلاحظ.

(1) المراد بالمستند حكمة الحكم و سره.

(2) الوجه في كونه اولى عدم كون الخراج و المقاسمة أو الزكاة ملكا للإمام (ع)، بل له ولاية بالإضافة إليها. ثم إن الأمور التي استند (ره) إليها في حكمه بالحل أربعة: (الأول)- الإجماع المنقول المؤيد بالشهرة المحققة (الثاني) لزوم الحرج بل اختلال النظام في الاجتناب عن الأموال المزبورة (الثالث) الروايات الواردة في جواز جائزة السلطان لآخذها، فإنه لا يحتمل عادة كونها من غير تلك الأموال (الرابع) الروايات الواردة في المعاملة مع السلطان أو عماله على تلك الأموال.

(أقول): اما الأمر الأول فقد تكرر في كلماتنا حال الاستناد إلى الإجماع في أمثال المقام مما يعلم أو يحتمل استناد المجمعين الى ما في أيدينا من الأدلة. و أما دعوى اختلال النظام، فلم يظهر وجه لزوم الحرج الشديد، فضلا عن لزوم الاختلال، و ذلك فان لزوم الاجتناب عن هذه الأموال على تقديره يوجب كونها كسائر الأموال المأخوذة من الرعية ظلما، و حيث أن الآخذ لا طريق له غالبا إلى إحراز الحرام أو تعيين مالكه، يكون من المال المشتبه أو المجهول مالكه، فيمكن للمالك التصرف فيها فيما إذا كان موردا لصرفه، و لو بالمعاملة مع مستحقيه. نعم عدم فراغ ذمة المكلف- من الحق الواجب عليه زكاة أو أجرة للأرض التي يعمل عليها و هي ملك المسلمين- يوجب الحرج عليه، و لكن مجرد لزومه لا يوجب الحكم بالبراءة و فراغ ذمته، لان رفع الحرج حكم امتنانى، و لا امتنان في التوسعة

لمكلف بتفويت حق أو مال على الآخرين. و تعين ما يأخذه الجائر زكاة أو خراجا، يوجب غالبا صرف الزكاة أو الخراج في غير موردهما، من فقراء الشيعة و مصالح المسلمين. و على تقدير تسليم شمول رفع الحرج فمقتضاه عدم وجوب الزكاة أو الخراج عليه ثانيا، لا ان المأخوذ أولا زكاة أو خراج.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 348

..........

______________________________

و الحاصل أن ما يأخذه الجائر زكاة أو خراجا ليس إلا كأخذ العشر في مثل زماننا من التجار و الكسبة و غيرهما، و كما أن لزوم الاجتناب عن العشور و بقاءها في ملك المأخوذ منهم لا يوجب حرجا على سائر الناس، لما أشرنا إليه من عدم عرفان مالكها غالبا، فتدخل في عنوان المجهول مالكه، فكذلك المأخوذ من الرعية زكاة أو خراجا كما لا يخفى.

(الأمر الرابع) و هي العمدة الروايات الواردة في شراء الخراج و المقاسمة و الزكاة من السلطان و عماله.

(منها)- صحيحة ابى عبيدة، قال: «سألته عن الرجل منا يشترى من السلطان من إبل الصدقة و غنم الصدقة، و هو يعلم أنهم يأخذون منهم أكثر من الحق الذي يجب عليهم؟ قال فقال. و ما الإبل إلا مثل الحنطة و الشعير و غير ذلك لا بأس به، حتى تعرف الحرام بعينه، قيل له فما ترى في مصدق يجيئنا فيأخذ منا صدقات أغنامنا، فنقول بعناها فيبيعناها، فما تقول في شرائها منه؟ فقال: إن كان قد أخذها و عزلها فلا بأس، قيل له فما ترى في الحنطة و الشعير يجيئنا القاسم فيقسم لنا حظنا و يأخذ حظه، فيعزله بكيل، فما ترى في شراء ذلك الطعام منه؟ فقال: إن كان قبضه بكيل و أنتم حضور ذلك، فلا بأس بشرائه

منه من غير كيل» «1».

و ذكر المصنف (ره) (أولا) أنها دالة على ان جواز أخذ الصدقات من السلطان و عماله، كان مفروغا عنه عند السائل، و لذا وجه سئواله الى خصوصيات الشراء من علم المشتري بأخذ العامل زائدا على الزكاة الواجبة على الرعية، و شراء الشخص الصدقة التي أخرجها أو شراء الحنطة و الشعير من القاسم بلا كيل، و ذكر (ثانيا)- أن في الرواية سئوالا و جوابا إشعارا إلى انه كان جواز أصل الشراء مفروغا عنه عند السائل و إلا لكان السؤال عن جواز أصل الشراء أولى، حيث ان الشراء بحسب القاعدة الأولية

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجزء (12) الباب (52) من أبواب ما يكتسب به- الحديث (5)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 349

و في وصفه (ع) للمأخوذ بالحلية (1) هو مزارع الأرض (2) و زاد عليه ما سكت (3)

______________________________

كان محكوما بالفساد، كما أن التصرف في الأموال المزبورة باعتبار بقائها في ملك المأخوذ منهم يكون محرما تفصيلا. و قوله (ع)- في الجواب عن السؤال الأول لا بأس بالشراء حتى تعرف الحرام- كاف في الدلالة على جواز أصل الشراء، فإنه لو لم يكن الشراء جائزا لما صح الجواب المزبور.

(أقول) لم يعلم وجه العدول عن الدلالة التي ذكرها أولا إلى التعبير بالاشعار ثانيا.

(1) أى أن تعلق نفى البأس- بالإبل و الغنم و غيرها من الأعيان- ظاهره عدم البأس بأخذها عن الجائر مجانا أو شراء أو بمعاملة أخرى، كما في سائر الأموال التي تضاف إليها الحلية، حيث أن الحلية لكونها حكما تكليفيا أو وضعيا يكون متعلقها الفعل أو المعاملة، و إضافتها في الخطاب الى العين باعتبار أن تعم جميع الأفعال أو المعاملات المناسبة لتلك العين، فلا

وجه لما قيل من اختصاص الحلية في الصحيحة بالشراء.

(2) أى ان المراد بالقاسم مالك الأرض أو وكيله الذي زارعها من العامل عليها.

(3) و حاصل ما ذكره الأردبيلي (ره) أن الفقرة الاولى من الرواية ظاهرة في جواز شراء الزكاة من عامل السلطان، و لكن لا بد من طرح هذا الظهور بقرينة حكم العقل و النقل بل الإجماع أيضا. و أما الفقرة الثانية و الثالثة، فلا ظهور لها في جواز شراء الزكاة أصلا، و ذلك فان المراد من قوله (ع): (و ما الإبل و الغنم الا مثل الحنطة و الشعير) كون جنس الإبل و الغنم كجنس الحنطة و الشعير و غير ذلك في جواز شرائها من بائعها، مع عدم إحراز أنها لغيره. و هذا مفاد قضية حقيقة لا تتكفل لإثبات موضوعها أو نفيه، و الصدقة المفروضة في السؤال يعلم حكم شرائها جوازا أو منعا من الكبرى، بعد إحراز حالها، و أنها مال مأخوذ من الزارع و الرعية بلا ولاية للعامل

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 350

..........

______________________________

على أخذها فتكون باعتبار العلم بأنها مال الغير حراما، و الحاصل أن المراد بالإبل في السؤال و إن كان خصوص إبل الصدقة الا أن المراد منه في الجواب جنسه، و التفكيك و إن كان خلاف الظاهر، حيث أن ظاهر الرواية تعلق نفى البأس في الجواب بالمفروض في السؤال، و أن المراد من الحرام هو المقدار الزائد على الحق، إلا أن هذا الظهور يرفع اليد عنه بالحمل على بيان الكبرى و القضية الحقيقية بقرينة العقل و النقل و الإجماع. و بيان الجواب بهذا النحو لرعاية التقية، حيث لا يمكن (ع) المنع عن المعاملة مع سلاطين ذلك الزمان و عمالهم

بالتنصيص به.

و أما السؤال الثاني فلا ظهور له في رجوعه الى شراء الزكاة من عامل السلطان بل راجع الى حكم شراء المكلف مطلق الزكاة التي أخرجها إلى مستحقها، و كذا السؤال الثالث، فإنه لا قرينة فيها على قسمة عامل السلطان مع زارع الأرض الخراجية بل من المحتمل كون المراد بالقاسم مالك الأرض أو وكيله الذي زارعها، و قوله (ره) في آخر كلامه فتأمل، لعله إشارة الى عدم مخالفة ظهور الفقرة الأولى للإجماع فإن المسلم عند الكل، حرمة المال المأخوذ بعنوان الزكاة على السلطان و عماله، لا على المشترى منهما و الجواز المستفاد من قوله عليه السلام، لا بأس به، راجع الى المشتري فقط.

(أقول): ما ذكره من قرينة العقل و النقل لا يمكن المساعدة عليه، فإنه ليس في العقل ما يمنع أن تكون الصحيحة أو غيرها ناظرة إلى إمضاء الشارع تصرفات الجائر للتوسعة على الآخرين، نظير تحليل الخمس للشيعة، كما أنه ليس في النقل ما يمنع عن ذلك، غير العمومات التي يرفع اليد عنها بالخصوصات.

و مما ذكرنا يظهر أن ما ذكره السيد الخوئي طال بقاه- من صراحة الفقرة الاولى في جواز شراء الصدقة من السلطان و عماله- غير تام، و أن دلالتها على الجواز

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 351

و منها رواية إسحاق بن عمار (1) رواية أبي بكر الحضرمي (2).

______________________________

لا يتجاوز حدود الظهور و معه لا حاجة أي إتعاب النفس في الفقرتين الأخيرتين و لو ان ظهور القاسم في من يكون شغله القسمة تام. و هذا لا ينطبق إلا على عامل السلطان كما لا يخفى.

(1) و هي مضمرة قال: «سألته عن الرجل يشترى من العامل، و هو يظلم؟

قال: يشترى منه ما

لم يعلم أنه ظلم فيه أحدا «1» و ظهورها في الشراء من عامل السلطان ما هو عامل فيه غير قابل للخدشة و حملها على السؤال عن معاملة الظلمة و الفسقة بعيد غايته.

(2) و سندها معتبر، فإن أبا بكر الحضرمي موثق بتوثيق عام باعتبار كونه من مشايخ ابن ابى عمير، و واقع في اسناد تفسير على بن إبراهيم و كامل الزيارة، قال (دخلت على ابى عبد اللّه (ع) و عنده إسماعيل ابنه، فقال: ما يمنع ابن ابى السماك أن يخرج شباب الشيعة.» «2» و المراد إخراجهم للعمل حتى يعملون له ما يعمل له سائر الناس.

و ذكر الأردبيلي (ره) عدم دلالة هذه ايضا على جواز أخذ الخراج و نحوه من السلطان و عامله، فإنه يمكن أن المراد من بيت المال في الرواية ما يجوز أخذه بأن يكون منذورا أو وصية لجماعة، منهم شباب الشيعة و أبو بكر الحضرمي. و كان إنفاذ الوصية أو النذر على ابن ابى السماك بحسب الوصية اليه أو النذر.

و لا يخفى ما فيه لظهور بيت المال فيما كان متعارفا في ذلك الزمان من الأموال المأخوذة خراجا أو مقاسمة أو زكاة أو جزية، و حملها على غير ذلك بلا قرينة بلا وجه، و ذكر السيد الخوئي طال بقاه أن الرواية دالة على جواز أخذ المستحق بمقدار نصيبه، بل مقتضاها عدم جواز الأخذ لغير المستحق. و المدعى جواز الأخذ مطلقا.

و فيه أن الاستدلال بالرواية في مقابل صاحب الرسالة و الأردبيلي، حيث منعا عن الأخذ

______________________________

(1) وسائل الشيعة: الجزء (12) الباب (53) من أبواب ما يكتسب به- الحديث (2)

(2) وسائل الشيعة: الجزء (12) الباب (51) من أبواب ما يكتسب به- الحديث (6)

إرشاد الطالب إلى التعليق على

المكاسب، ج 1، ص: 352

منها الأخبار الواردة في أحكام تقبل الرجل الأرض (1)

______________________________

حتى فيما إذا كان الآخذ مستحقا للخراج أو الزكاة اللهم إلا أن يقال جواز الأخذ المستحق لا يحتاج إلى الرواية، لأن المال بوصوله الى يده يصير خراجا أو زكاة، و إنما المحتاج إليها جواز الأخذ لغير المستحق، و لا دلالة في الرواية لا على جوازه و لا على منعه.

(لا يقال): هذه الرواية بفقرتها الاولى ظاهرة في جواز كون الشخص من أعوان الظلمة مع فقره، (فإنه يقال) لم يتوجه في الرواية طلب الدخول في ولايتهم الى شباب الشيعة حتى يتمسك بإطلاقه، بل الوارد فيها اللوم لابن ابى السماك بعدم استعماله شباب الشيعة، و لازم ذلك جواز عملهم له و لو في الجملة، فلا إطلاق لها من هذه الجهة، و لعل الجائز هو الدخول للعمل المباح مع نفع المؤمنين أو مع الاضطرار اليه لتامين معاشه على ما تقدم.

(1) ذكر السيد الخوئي طال بقاه أن ما دل- على جواز تقبل الأراضي الخارجية من السلطان- لا يكون دليلا على جواز أخذ الخراج أو الزكاة منه مجانا أو معاملة، فان الأراضي الخراجية الموجودة في أيدي الشيعة يدور أمرها بين أن تترك بحالها بلا انتفاع منها، حتى يكثر الغلاء و الفقر و الجوع فيهم، أو ان يعطى الشيعي خراجين خراجا للسلطان و خراجا للمستحق، و هذا إجحاف، أو يكتفى بالخراج الواحد للسلطان بإجازة معاملته، و هذا الأخير هو المتعين.

و فيه أنه يمكن أمر رابع و هو تحليل تلك الأراضي بمعنى إسقاط خراجها عن الشيعة، لئلا يكون إجحاف بهم. و إذا فرض اجازة معاملة السلطان على تلك الأراضي فيتعدى الى معاملته على خراجها، باعتبار عدم احتمال الفرق، مع أن الأراضي

قد عطف عليها أهلها، كما في صحيحة الحلبي، حيث قال (ع) فيها: «لا بأس أن يتقبل الرجل الأرض و أهلها من السلطان» «1» و تقبل أهل أراضي الخراج، هي المعاملة على جزية

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجزء (13) الباب: (18) من أبواب المزارعة، الحديث. (3)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 353

و منها الصحيح عن إسماعيل بن الفضل (1) لا يخلو عن قصور في الدلالة (2)

[ينبغي التنبيه على أمور]
[الأول ان ظاهر عبارات الأكثر مختص بما يأخذه السلطان]

ان ظاهر عبارات الأكثر (3)

______________________________

رؤوسهم أو ما يكون عليهم من الخراج.

(1) و دلالتها- على جواز شراء جزية الرؤوس و الخراج من السلطان- واضحة و لا يضر بها اشتمالها على خراج الطير و السمك و نحوهما مما لا خراج عليه، بل لعل المراد به أجرة الأرض التي قد تزيد، بلحاظ كون الأرض صالحة لصيد الطير و السمك و غيرهما.

(2) حيث أنه لم يعلم أن المراد بتمر عين ابن ابى زياد في رواية جميل بن صالح التمر المأخوذ من تلك العين بعنوان الخراج أو الزكاة، مع أن الرواية في سندها ضعف، حيث أن الراوي عن الامام (ع) و هو مصادف ضعيف فتدبر. و لم يعلم أن المراد بالطعام في صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج الطعام المأخوذ بعنوان الخراج أو الزكاة، و لعله من عائد الوقف المجهول أربابه أو نحوه كما لا يخفى.

(3) هل يختص جواز أخذ الخراج من السلطان الجائر بما يكون في يده أو يد عماله، بان تجري المعاملة عليه بعد وقوع الخراج بيدهما، أو أن الجواز يعم المعاملة، و هو على عهدة مستعمل الأرض؟

ذكر المصنف (ره) أن ظاهر أخبار جواز قبالة الأرض و جزية الرؤوس هو الثاني، و لكن لا يخفى أن ما دل على جواز تقبل الأرض

من السلطان لا يرتبط بجواز تملك ما على ذمة مستعملى الأرض بالشراء أو الحوالة، بمعنى جواز شراء ما عليهم من السلطان أو حوالة السلطان متقبل الأرض إلى مستعمليها، بأن يستوفى من هؤلاء المستعملين ما أعطاه للسلطان قرضا، بل يكون مدلولها جواز تملك منفعة الأرض بعنوان الإجارة أو غيرها. و إذا كانت منفعتها للمتقبل يكون ما يأخذه من مستعمل الأرض عوضا لتلك المنفعة المملوكة له، نظير الأرض التي يستأجر من مالكها الخاص، ثم يوجرها لثالث.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 354

..........

______________________________

و الحاصل ان جواز ما على ذمة مستعمل الأرض من الخراج لمتقبل الأرض بذلك لا يكون ملازما لجواز معاملة السلطان على الخراج قبل أخذه. نعم ما ورد في جواز تقبل جزية الرؤوس و تقبل خراج الأرض كاف في الدلالة على العموم.

(لا يقال): يعارضه ما في صحيحة أبي عبيدة المتقدمة، فإن فيها ما ظاهره اعتبار القبض و العزل، قال «فما ترى في مصدق يجيئنا فيأخذ منا صدقات أغنامنا فنقول بعناها فيبيعناها:، فما تقول في شرائها منه؟ فقال: إن كان قد أخذها و عزلها فلا بأس، قيل له فما ترى في الحنطة و الشعير يجيئنا القاسم، فيقسم لنا حظنا و يأخذ حظه بكيل، فما ترى في شراء ذلك الطعام منه؟ فقال: إن كان قد قبضه بكيل، و أنتم حضور ذلك فلا بأس بشرائه منه بغير كيل» و الفرق- بين الزكاة و الخراج بأن الزكاة مجعول الهى و لا تتعين في شي ء إلا بالأخذ و العزل، بخلاف الخراج، فإنه يكون على الذمة و يتعين بالجعل و القرار مع السلطان أو ولاته، فيمكن أن يعتبر الأخذ في المعاملة على الزكاة، و لا يعتبر في المعاملة على الخراج-

لا يخفى ما فيه، فان الزكاة تثبت في النصاب بنحو الإشاعة في المالية أو بنحو الكلي في المعين، و يجوز لولي الزكاة بيعها قبل أخذها أو عزلها من مالك النصاب أو غيره، و لو كانت معاملة الجائر عليها كمعاملة السلطان العادل نافذة، فلا يحتاج الى القبض أو العزل و اعتبار الأخذ و القبض في إمضاء معاملة الجائر عليها، و عدم اعتباره في معاملته على الخراج بعيد غايته.

و ذكر السيد الخوئي طال بقاه في الجواب عن المعارضة: أن المفروض في الصحيحة كون البائع عاملا للسلطان، و العامل بمنزلة الوكيل، و لم تحرز وكالته إلا في جمع الزكاة، لا في بيعها ايضا، و مع عدم الإحراز لا يحكم بصحة بيعه لعدم جريان أصالة الصحة في موارد عدم إحراز سلطنة الشخص على المعاملة. و إذا وصل المال الى يده فبقاعدة اليد يحكم بسلطانه على البيع ايضا، بناء على ما هو الصحيح من عدم اختصاص القاعدة بمورد احتمال ملك العين، بل يعم احتمال ملك

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 355

الظاهر من الأصحاب في باب المساقاة (1)

______________________________

التصرف ايضا.

و الحاصل أن التفصيل في الرواية بين أخذ الزكاة أو عزلها و بين عدمهما على القاعدة.

(أقول) هذا ايضا غير تام، لان السلطان الجائر ليس له ولاية المعاملة على الزكاة أو الخراج، حتى يعتبر في نفوذ معاملة عماله إحراز وكالتهم عنه بقاعدة اليد أو غيرها، و لا يختص إمضاء المعاملة تسهيلا للأمر على الآخرين بمعاملة السلطان ليلزم إحراز انتساب معاملة عماله اليه، بل الموضوع للجواز في الروايات معاملة السلطان و عماله، أحرزت وكالتهم عنه في معاملتهم أم لا.

و إن شئت قلت صحيحة الحذاء تشمل في اعتبار القبض، صورة العلم من

الخارج بأن العامل مفوض إليه أمر الزكاة في بيعها و نقل عينها. و لا يبعد أن يقال فرض الأخذ في الصحيحة باعتبار تعيين مقدار الزكاة و رفع الغرر عن بيعها، و كذا في دلالتها على أخذ الحنطة بالكيل، و حضور المشترى عنده، و لو لم تكن الرواية ظاهرة في ذلك فتحمل عليه جمعا، باعتبار عدم احتمال الفرق بين المعاملة على الخراج و المعاملة على الزكاة كما مر.

(1) إذا كان خراج الأرض على الساقي دون مالك الأشجار، كان دفع مالكها- الخراج إلى الجائر و سقوطه بذلك عن الساقي- من قبيل المعاملة مع السلطان على الخراج قبل وصوله الى يده، و لكن الأظهر كون الخراج على مالك الأشجار ابتداء، فإنه يستعمل الأرض و يستوفى منفعتها بأشجاره، فدفعه الخراج الى السلطان دفع لما عليه، لا عوض عما على الغير، حتى يقال: هذا الدفع شاهد لجواز المعاملة مع السلطان على ما بعهدة الغير من الخراج قبل أخذه. و من هذا القبيل المزارعة، و أنه يكون الخراج يعني أجرة الأرض على من تملك منفعتها بتقبلها من السلطان، و قوله (ره) و ظاهر الأصحاب مبتدأ و خبره إجراء ما يأخذه الجائر أى ان

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 356

و اما المأخوذ فعلا (1)

[الثاني يختص حكم الخراج من حيث الخروج عن قاعدة كونه مالا مغصوبا محرما بمن ينتقل إليه]

الثاني يختص حكم الخراج (2) مع أن في بعض الاخبار ظهورا في جواز الامتناع (3)

______________________________

ظاهر الأصحاب تنزيل ما يأخذه الجائر من مالك الأشجار منزلة ما يأخذه السلطان العادل في كونه عوضا عما على مستعمل الأرض أي الساقي. و هذا في معنى جواز معاملة السلطان على ما بذمة مستعمل الأرض قبل أخذه.

(1) أى ان الوجه في ذكر العلماء المأخوذ فعلا باعتبار أن هذه المسألة في

كلماتهم ذكرت بعنوان الاستثناء عن مسألة حرمة الجائزة، مع العلم بأربابها، و بما أن الجائزة لا تتحقق الا بالقبض فرضوا الأخذ في هذه المسألة أيضا.

(2) ذكر (ره) في هذا الأمر أنه ليس للجائر ولاية أخذ الخراج أو المقاسمة أو الزكاة، بحيث يجب على من عليه الحقوق دفعها اليه تعيينا أو تخييرا بينه و بين الدفع الى الحاكم الشرعي، بل الثابت من الروايات أن أخذ الجائر تلك الحقوق ممن عليه يوجب فراغ ذمته منها و أن المعاملة عليها مع الجائر محكومة بالصحة، و لا يستفاد منها أزيد من ذلك. نعم يظهر من جماعة منهم بعض الأساطين (كاشف الغطاء) خلاف ذلك، حيث قال: (و يقوى حرمة سرقة الحصة و خيانتها و الامتناع عن تسليمها، أو تسليم ثمنها بعد شرائها إلى الجائر، و إن حرمت عليه، و دخل تسليمها في الإعانة على الإثم بالبداية أو الغاية لنص الأصحاب على ذلك.

و لعل مراده بقوله و دخل تسليمها إلخ أن الأصل حرمة تسليم الحصة إلى الجائر، فإن تسليمها اليه ان كان دخيلا في تسلطه على رقاب المسلمين، فالدفع إليه إعانة على الإثم بحسب الحدوث، و ان لم يكن دخيلا فيه، كما إذا كان تسلطه عليهم من قبل بفعل الآخرين يكون الدفع إليه اعانة على الإثم بحسب الغاية، لأن الجائر يصرفها في غير مواردها، و قوله لنص الأصحاب تعليل للحكم في قوله: و يقوى حرمة سرقة الحصة.

(3) الرواية بحسب السند معتبرة، و دلالتها، باعتبار أن الثمن بعد فرض صحة

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 357

مخالف لظاهر العام (1)

______________________________

المعاملة المفروضة فيها يكون معنونا بعنوان المقاسمة، و تجويز الامام (ع) الامتناع عن تسليمها إلى الجائر يكون قرينة على عدم

ولايته على الخراج، فلا يكون حاله كحال السلطان العادل، و لكن لم يعلم أن الأرز المفروض كان من المقاسمة، فإنها في واقعة خارجية لم تعلم خصوصياتها، فلعله كان من مال الناصب، كما ذكره في الحدائق، و لم يظهر من أصحابنا التسالم على عدم اجراء حكم مال الكافر على أموال الناصب، بل الناصب على ظاهرهم محكوم بالكفر، فلا حرمة لنفسه و لا لماله. و إخراج الخمس من المال المأخوذ منه يكون بالإضافة إلى الزائد على مؤنة السنة، كما مر سابقا.

(1) و لعل مراده بالعام مدلول لفظ الشيعة، و المال المضاف إليهم هو المأخوذ من كل واحد منهم. و هذا المال هو الخراج و المقاسمة، فإن ما يؤخذ من جميع الشيعة فقيرهم و غنيهم و كبيرهم و صغيرهم هي أجرة الأرض التي كانوا يسكنون بها من الأراضي الخراجية، بخلاف المجعول عليهم ظلما، فإنه لا يعم جميع الشيعة حتى الزكوات، فإنها لا تؤخذ إلا ممن له نصاب المال الزكوي. و على ذلك فمقتضى العام حمل الأموال الواردة في الرواية على الخراج و المقاسمة. و هذا الحمل هو الاحتمال الثاني في كلام المحقق الكركي (ره).

نعم الزكوات و إن أدرجها المحقق المزبور في الاحتمال الثاني، إلا أنها داخلة في الاحتمال الأول، فإنها مأخوذة من بعض الشيعة ظلما، و ذلك فإنه لو قيل باجزاء المدفوع إلى الجائر عن الزكاة الواجبة كان الظلم على مستحقيها من فقراء أهل الولاية، حيث أن الجائر لا يخصهم بالزكاة، و إن لم نقل باجزائه عنها كانت الظلامة على مالك النصاب، لانه يجب عليه دفعها ثانيا. و هذا الظلم أظهر من الأول، لاحتمال أن يقال في فرض الاجزاء بأن الزكاة لا تكون ملكا للفقراء من أهل الولاية،

حتى تكون الظلامة عليهم، بل هم أحد الموارد الثمانية التي يصرف عليها الزكاة، و لذا ذكر (ره) خصوصا بناء على عدم الاجتزاء بها عن الزكاة.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 358

و فيما ذكر المحقق من الوجه الثاني (1)

______________________________

و كيف كان فليست الزكاة مالا مأخوذا من جميع الشيعة، بل أخذها ظلامة من الجائر على بعضهم (أقول): ينبغي أن يقال بالاجتزاء بالإضافة إلى الزكاة أيضا، كما يظهر ذلك مما دل على تجويز شراء الصدقة من السلطان و عماله و في صحيحة عيص بن قاسم عن ابى عبد اللّه (ع) في الزكاة، قال: «ما أخذ منكم بنو أمية، فاحتبسوا به و لا تعطوهم شيئا ما استطعتم، فان المال لا يبقى على هذا ان يزكيه مرتين «1» فان قوله- فان المال لا يبقى تعليل للاجزاء و جواز الاحتساب، لا لعدمه، كما يظهر من المصنف (ره)، و بها و بمثلها يرفع اليد عن الدلالة على عدم الاجزاء بحملها على استحباب الإعادة.

(1) أى ان ما ذكره المحقق- في بيان المراد من أموال الشيعة الواردة في رواية على بن يقطين من احتمال كونه الخراج و المقاسمة و الزكوات- فيه دلالة على أنه (ره) لا يرى وجوب دفع الخراج أو المقاسمة إلى السلطان، و لا يكون له ولاية كولاية السلطان العادل. و وجه الدلالة أنه لو كانت له هذه الولاية بحيث وجب دفع تلك الأموال إليه، لما أمكن أمر الإمام (ع) على بن يقطين بالاجتناب عن أخذها و لا أخذها علانية و استردادها سرا. و ربما يستظهر هذه الولاية من كلام مشايخه، و لكن لا يبعد كون مرادهم الامتناع عن أداء الخراج و جحوده رأسا حتى عن الحاكم العادل.

و وجه

عدم البعد تعليلهم حرمة الامتناع، بأن ذلك حق واجب عليه، فإنه ليس مقتضى هذا التعليل وجوب الدفع إلى الجائر، و لعل هذا الاحتمال بعينه ما فهمه المحقق من الكلام المنقول عن مشايخه. و يؤيد ذلك أنه بعد ما ذكر الاحتمالين في المراد من أموال الشيعة الواردة في الرواية نقل كلام مشايخه، و لم يشر الى أن ما ذكره- من الاحتمال الثاني في الرواية- مخالف لظاهر كلامهم و يؤيد أيضا ان هذا المحقق

______________________________

(1) وسائل الشيعة: الجزء (6) الباب: (20) من أبواب المستحقين للزكاة:

- الحديث: (3)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 359

و من تأمل إلخ فهو استشهاد (1) فلو احاله بها و قبل الثلاثة (2) يحرم على المالك المنع (3) و قد عرفت أن هذا مسلم نصا و فتوى (4).

______________________________

تعرض بعد نقل كلامهم لتولى الفقيه أمر الخراج في زمان الغيبة و ذكر أنه ليس عنده من الأصحاب تصريح في ذلك، و وجه التأييد أنه لو كان قد علم من كلامهم عدم جواز منع الخراج عن الجائر و ثبوت الولاية له، لذكر أنه لا يجوز عند مشايخه للفقيه المتصدي لأمر الخراج، و أن أمره عندهم راجع الى الجائر. و حمل كلامه (ره)- على صورة فقد السلطان الجائر، حتى لا ينافي ذلك ثبوت الولاية للجائر- حمل على فرض بعيد.

(1) هذا رفع لما يتوهم من التنافي في كلام المحقق، و ذلك فإنه (ره) أجاب عن السؤال (أولا) بقوله لا أعرف للأصحاب في ذلك تصريحا، ثم ذكر (و من تأمل في أحوال كبرائنا و هذا الأخير نوع تصريح من الأصحاب. و وجه الدفع أن قوله- و من تأمل في أحوال كبرائنا- استشهاد على أصل الحكم في المسألة،

و هو جواز المعاملة مع السلطان على الأراضي و خراجها، و غير مرتبط بالسؤال و الجواب أصلا.

(2) المراد بالثلاثة المحال و المحيل و المحال عليه، و هذا مبنى على اعتبار رضا المحال عليه في صحة الحوالة، و الا لكفى رضا المحيل و المحال.

(3) أى انه يحرم على من عليه الحقوق المزبورة الامتناع عن دفعها الى من تملكها بالمعاملة مع السلطان.

(4) (أقول): لم يعلم التسالم على ما ذكر، و مقتضى بعض الروايات المعتبرة تجويز للتصرف في الأراضي الخراجية للشيعة مجانا، و في صحيحة مسمع بن عبد الملك عن ابى عبد اللّه (ع): «يا أبا سيار الأرض كلها لنا، مما اخرج اللّه منها من شي ء فهو لنا- الى ان قال- كل ما في أيدي شيعتنا من الأرض فهم فيه محللون و محلل لهم، ذلك إلى أن يقوم قائمنا فيجيبهم طسق ما كان في أيديهم، و ترك الأرض في

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 360

ما ذكره من الوقف لا يناسب (1) و أما مع عدم استيلائه (2)

[الثالث: أن ظاهر الأخبار و إطلاق الأصحاب حل الخراج و المقاسمة المأخوذين من الأراضي]

و هو الذي يقتضيه نفى الحرج (3)

______________________________

أيديهم. و أما ما كان في أيدي غيرهم، فان كسبهم من الأرض حرام.» «1» فان هذه لو لم تكن ظاهرة في خصوص أرض الخراج، بقرينة فرض الخراج المعبر عنه بالطسق فلا ينبغي الريب في شمولها لها، حتى لو فرض وقوع المعارضة بينها و بين ما دل على ثبوت الخراج على مستعمل ارض الخراج بالعموم من وجه، لكان المرجع بعد تساقطهما في مورد اجتماعها و هو استعمال الشيعي أرض الخراج أصالة عدم اشتغال الذمة بالبدل. و قد نقل ذلك القول في المستند، و اختاره فراجع.

ثم إن الظاهر من قوله (ع): (الأرض كلها

و ما اخرج اللّه منها لنا) هو ثبوت الولاية لهم لا الملك، بقرينة مالكية غيرهم بعض الأرض، و ما يخرج منها كما لا يخفى.

(1) لا يخفى أنه يجوز وقف بعض المأخوذ من الجائر، كابل الصدقة، و ليس في كلام الشهيد (ره) عموم بالإضافة إلى وقف الأرض التي يتقبلها من السلطان، حتى يستشكل بأنه لا يصح وقفها باعتبار أنها لا تدخل في ملك الآخذ، بل لا يصح هذا الوقف من الجائر أيضا، فإنه لم يظهر من الاخبار المتقدمة إمضاء الشارع تصرفه في الأرض بوقفها أو تمليك قطعة منها لشخص معين فلاحظ.

(2) قد ورد النهي في صحيحة عيص بن القاسم المتقدمة عن إعطاء الزكاة للجائر و ظاهره عدم الاجتزاء به عن الزكاة الواجبة فيما إذا كان الإعطاء اختياريا، لقصور يد الجائر أو غيره. و بما أنه لا يحتمل الفرق بينها و بين الخراج، فلا يجوز إعطاء الخراج له ايضا اختياريا، بل يدخل الخراج بناء على عدم سقوطه عن الشيعي في الأموال التي يتصرف فيها حسبة. و القدر المتيقن من الجواز تصرف الحاكم مباشرة، أو الصرف في موارده بالاستيذان منه فتدبر.

(3) قد تقدم سابقا أن دليل نفى الحرج لا يصحح المعاملة، و لذا لو لم تكن في البين الأخبار الظاهرة في إمضاء معاملات الجائر على الأراضي و خراجها، لم يمكن

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجزء (6) الباب (4) من أبواب الأنفال- الحديث (12)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 361

و هذا الدليل و ان كان فيه ما لا يخفى (1) نعم بعض الاخبار (2)

[الرابع: ظاهر الأخبار و منصرف كلمات الأصحاب الاختصاص بالسلطان المدعي للرئاسة العامة و عماله]

مسوقة لبيان حكم آخر (3)

______________________________

تصحيحها بدليل نفيه، كما لا يمكن تصحيح معاملات سائر الغاصبين به.

(1) (أولا) بأن الخراج أجرة الأرض، فيثبت على الذمة،

و ما يحصل بالزرع ملك في المزارعة لمالك الأرض و الزارع معا، و في مورد الإجارة ملك للزارع.

و (ثانيا) أن الخراج حق للمسلمين، فإنه بدل منفعة الأرض التي يملكونها. و (ثالثا) أن دفع حق اللّه الى غير مستحقه لا يوجب فراغ الذمة، فيكون الدفع إلى الجائر كدفع الزكاة الى غير مستحقها. و الكلام المزبور من العلامة- و ان كان فيه الخلل- إلا أن ظاهره اختصاص الحكم بصحة المعاملة بالأراضي الخراجية عندنا. و أما الأنفال فالثمرة و الزرع فيها للزارع و مالك الأشجار، و تملك الأرض بالإحياء على ما يأتي.

(2) فإنه لا يبعد شمول مثل قوله (ع): «لا بأس بأن يتقبل الأرض و أهلها من السلطان.» للأراضي التي تكون من الأنفال و المجهول مالكها مما يتصرف فيها السلطان، بخلاف الأراضي المملوكة للأشخاص، كما في الأراضي التي أسلم أهلها طوعا، فإنها ملك لأربابها الذين أسلموا طوعا حتى عند المخالفين.

و الحاصل ان تصرفه فيها- كتصرفه في ملك شخصي لمسلم في كونه جورا و عدوانا- خارج عن موضوع الأخبار الواردة في قبالة الأرض و المعاملة على خراجها.

(3) أى ان الروايات المشار إليها ليست في مقام بيان إمضاء الشارع معاملة السلطان على الأرض أو خراجها، حتى يتمسك بإطلاق السلطان فيها في الحكم بعموم الجواز، و انه لا فرق في الإمضاء بين السلطان المخالف الذي يدعى لنفسه الزعامة الشرعية على عامة المسلمين، و بين المخالف أو الموافق الذين لا يدعون تلك الزعامة و الخلافة، فإن صحيحة الحلبي ناظرة- بعد الفراغ عن جواز قبالة الأرض من السلطان- الى جواز إدخال تقبل جزية الرؤوس في تقبل الأراضي التي يسكنها أهل الذمة، و أنه

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 362

لأن

المراد بشبهتهما (1)

______________________________

لا بأس بهذا الإدخال، فيرفع اليد بها عن ظاهر ما دل على عدم جواز ذلك.

و أما رواية الفيض بن مختار فهي ناظرة إلى بيان انه بعد تقبل الأرض من السلطان لا بأس بإعطائها لساكنيها بأكثر مما تقبل به. و بعبارة أخرى ليس فيها بيان جواز تقبل الأرض من السلطان، بل بيان حكم آخر بعد الفراغ عن الأول.

و أما صحيحة محمد بن مسلم و ابى بصير معا عن ابى جعفر (ع)، فهي ناظرة الى عدم ثبوت الزكاة على الزارع فيما يأخذه السلطان منه بعنوان الخراج. و أما أن أخذه بذلك العنوان أو معاملته عليه بعد أخذه ممضاة أم لا، فلا دلالة لها على ذلك أصلا، قال (ع) فيها: «كل ارض دفعها إليك السلطان، فما حرثته فيها فعليك مما اخرج اللّه منها الذي قاطعك عليه، و ليس على جميع ما اخرج اللّه منها العشر، إنما عليك العشر فيما يحصل في يدك بعد مقاسمته لك» «1».

(1) أى أن مرادهم بالشبهة في قولهم: (ما يأخذه الجائر لشبهة المقاسمة و الزكاة) هي شبهة استحقاق أخذهما الحاصلة من رعاية مذهب العامة، نظير شبهة استحقاقه سائر الأموال التي يأخذه من الرعية بعنوان كونه ولى الأمر، و هذه الشبهة لا تتصور في حق الموافق، لان مذهبه أن ما يأخذه من الرعية باسم الخراج أو الزكاة كسائر الأموال التي يؤخذ منهم ظلما، و لو كانت له شبهة فهي اعتقاده الشخصي: بأن له الأخذ من أموال الناس للتحفظ على نظام الحكومة و أمن البلاد، و لو كان هذا الاعتقاد بسبب صحيح كالاجتهاد و التقليد، فيجوز له الأخذ و التحفظ على ذلك النظام.

و الأمن، و الا لكان باطلا لا يصح لأحد ترتيب الأثر على

تصرفاته.

(أقول) لا يعتبر في السلطان أو عماله شبهة الاستحقاق بحسب المذهب، بل الروايات ظاهرة في إمضاء تصرفات السلطان و عماله في الأراضي الخراجية، و خراجها و مقاسمتها و الزكوات و جزية الرؤس، و ليس لنا سبيل إلى إحراز أن الزعماء في ذلك

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجزء (6) الباب: (7) من أبواب زكاة الغلات- الحديث: (1)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 363

فسر صاحب إيضاح النافع (1)

[الخامس لا يعتبر في حل الخراج المأخوذ ان يكون المأخوذ منه ممن يعتقد استحقاق الأخذ للأخذ]

لا يعتبر في حل الخراج المأخوذ ان يكون (2)

______________________________

الزمان كانوا معتقدين باستحقاقهم شرعا لتلك التصرفات. و لعل كان بعضهم- كما قيل- في هارون و مأمون على اعتقاد بأنهم ليسوا أهلا لها، و انما لم يتركوها لأهلها، لان حلاوة الزعامة كانت تمنعهم عن ذلك.

و الحاصل أن المتيقن من تلك الاخبار أن من كان له دعوى الزعامة الشرعية على عامة المسلمين، فتصرفاته و تصرفات عماله في الأموال المزبورة ممضاة، سواء كانت التصرفات لشبهة الاستحقاق أم لمجرد دعوى الولاية عليها. نعم قد تقدم عدم ورود الروايات لبيان هذا الإمضاء حتى يتمسك بإطلاقها بالإضافة الى غير هذا السلطان و عماله، كما لا يخفى.

(1) يعنى أنه فسر الجائر في كلام النافع بمن تقدم على أمير المؤمنين (ع)، و من تبع اثر أولئك الثلاثة. و من الظاهر أنهم كانوا يدعون الولاية الشرعية على المسلمين.

(2) هذا الأمر لبيان عدم الفرق- في الزارع المأخوذ منه الخراج أو نحوه- بين كونه مخالفا يعتقد ولاية السلطان على الرعية، أو كونه موافقا لا يرى للجور ولاية عليه أو على سائر المسلمين، فإنه يجوز في الصورتين أخذ الخراج منه أو عماله معاوضة أو مجانا، كما تبرأ ذمة الزارع من الحقوق الواجبة بأخذه أو أخذ عماله.

و يشهد لعدم الفرق إطلاق

بعض الاخبار الواردة في شراء الخراج أو الزكاة من السلطان أو عامله، فإنه لم يرد فيها اعتبار كون الزارع أو مالك النصاب مخالفا، بان يقال:

لا بأس بشراء الخراج فيما إذا لم يؤخذ من أصحابكم، بل المفروض في صحيحة الحذاء المتقدمة كون الزكاة مأخوذة من الشيعة، حيث أنه مما ورد فيها «قيل له فما ترى في مصدق يجيئنا فيأخذ منا صدقات أغنامنا، فنقول بعناها فيبيعناها، فما تقول في شرائها منه؟ فقال: إن كان أخذها و عزلها فلا بأس» و مثلها ما ورد في جواز احتساب الزكاة بما يأخذه السلطان و عماله، كما في صحيحة عيص بن القاسم المتقدمة.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 364

..........

______________________________

و اما ما ذكره المصنف (ره) من اختصاص رواية إسحاق بن عمار المتقدمة أيضا بالأخذ من الموافق، فلم يعلم وجهه، كذا بعض أخبار قبالة الأرض فراجع.

و أدرج البعض، المقام في قاعدة الإلزام، و ذكر أن حل الخراج- أو غيره بالأخذ من السلطان أو عماله مجانا أو معاوضة- مختص بما إذا كان المأخوذ منه مخالفا، و أن مقتضى إلزام المخالف بمقتضى مذهبه من ولاية السلطان عليه هو جواز المأخوذ منه لمن تلقاه من السلطان أو عماله معاملة أو مجانا.

و لا يخفى أنه على ذلك و إن اختص الحكم بما إذا كان المأخوذ منه مخالفا، إلا أن المال المأخوذ يعم غير الخراج و المقاسمة و الزكاة، كالمأخوذ من الرعية بعنوان الضريبة و العشور أو غيرهما، فان اعتقاد المخالف بولايتهم على رعاياهم في هذا الأخذ أيضا للحفظ على النظام و الأمن يكون مجوزا لإلزامه بمعتقده، و كذا يعم الحكم ما إذا لم يكن السلطان مدعيا للخلافة و الزعامة على عامة المسلمين.

و لكن الكلام

في اعتبار القاعدة المزبورة بإطلاقها، فنقول: إذا رأى المخالف على مذهبه كونه ملزما بحكم ينتفع من ذلك الحكم، الموافق، كما إذا انحصر الوارث من الطبقة الأولى بالبنت الواحدة التي ترى بمقتضى مذهبها أن النصف الباقي من تركة أبيها للعصبة، فيجوز لأخيها المؤمن أخذ ذلك النصف و إلزامها بمذهبها. و هذا في الإرث منصوص، و التعدي- إلى سائر الموارد التي يحتمل الفرق في الحكم بينها و بين الإرث- لا يخلو عن مناقشة، لضعف سند بعض ما ورد في ذلك الباب، مما يظهر منه الإطلاق، و كذا يلزم المخالف بالنكاح أو الطلاق الواقع على مذهبه، و إن كانا باطلين عندنا. و هذا أيضا مستفاد من النصوص. بل يلزم الكفار ايضا بالنكاح و الطلاق الواقعين على رسومهم، و ايضا ورد النص في جواز أخذ ثمن الخمر أو الخنزير من الكافر، فيما إذا باع الخمر أو الخنزير لمثله، و يتعدى الى سائر المعاملات الفاسدة من البيع و الإجارة و نحوهما. و أما القاعدة الكلية- التي يؤخذ بها في كل مورد و لو

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 365

[السادس ليس للخراج قدر معين]

السادس ليس للخراج قدر معين (1)

______________________________

مع احتمال الفرق في الحكم الواقعي فأقامه الدليل عليها مشكلة، فتدبر.

(1) هذا الأمر لبيان عدم التحديد لمقدار الخراج، بل بما أنه في الحقيقة أجرة الأرض التي تملكها المسلمون، فيكون كسائر الموارد تابعا لتراضى المتعاملين قل أو كثر. نعم إذا استعمل الأرض قبل المعاملة عليها كان على مستعملها اجرة المثل و أما تعيين الأجرة قبل استعمالها فيكون بالمعاملة فقط.

و ذكر (ره) أن هذا منسوب الى ظاهر الأصحاب. و يدل عليه قول ابى الحسن (ع) في مرسلة حماد بن عيسى: «و الأرض التي أخذت

عنوة بخيل و ركاب فهي موقوفة متروكة في يد من يعمرها و يحييها على صلح ما يصالحهم الوالي على قدر طاقتهم من الخراج النصف و الثلث و الثلثان، و على قدر ما يكون لهم صلاحا و لا يضر بهم.» «1»

و أنه يستفاد من هذه المرسلة تحديد الخراج أو المقاسمة في ناحية الكثرة بعدم إضرارهما بالزارع، بحيث يترك الفلاح الزراعة و لا يختارها إلا إجبارا. و على ذلك، فلو قبل الأرض بما يضره فيحتمل حرمة جميع ما يؤخذ من مستعمل الأرض، بأن يكون أصل المعاملة باطلة، و يحتمل حرمة المقدار الزائد أي فساد المعاملة بالإضافة الى ذلك المقدار.

و لكن الصحيح هو التفصيل، بأن مستعمل الأرض لو كان مختارا في استعمالها بلا حرج عليه في تركها كان مقدار الخراج ما تراضيا عليه، حتى فيما إذا كان زائدا على المتعارف و غير صلاح للزارع. و أما إذا كان مضطرا الى استعمالها، بأن كان تركها حرجا عليه، كما إذا كانت تلك الأرض مزرعة له مدة، بحيث يكون ارتحاله عنها شاقا عليه ففي مثل ذلك يحكم بفساد المعاملة أو فساد الزائد.

(أقول): الأظهر بطلان المعاملة في الصورتين، فان السلطان و عماله ليست لهم ولاية التصرف في تلك الأراضي بما يكون فيه إضرار بالمسلمين، و لم يمض من

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجزء (6) الباب (2) من أبواب الخمس الحديث (4)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 366

..........

______________________________

تصرفاتهم فيها ما يكون موجبا لترك الناس الأراضي التي كانوا يستعملونها و الالتجاء الى مكاسب اخرى بدلا عن الزراعة و توفير الغذاء للناس، و في ذلك فساد للبلاد و فقر لأهلها. و هذا نظير ما وكله الغير في بيع ماله أو إجارته بعوض محدود

في ناحية كثرته، و كان التحديد لغرض عقلائي، فباعه الوكيل أو آجره بأزيد من ذلك العوض، فإنه يكون البيع أو الإجارة باعتبار عدم وكالته فيهما باطلة. و أما احتمال بطلانها بالإضافة إلى المقدار الزائد فضعيف، فان التبعيض في المعاملة بحسب صحتها يختص بموارد انحلالها، كما إذا باع شيئين بصفقة واحدة، أو آجر العين مدة، فإن انحلال البيع بالإضافة الى كل منهما، و انحلال الإجارة بحسب أبعاض المدة صحيح.

و أما انحلالها بالإضافة الى بعض الثمن أو بعض الأجرة، بأن تتم المعاملة و يقع تمام المبيع بإزاء بعض الثمن أو تمام المدة بإزاء بعض الأجرة، فهذا ليس من انحلال المعاملة. و على ذلك يبتنى الحكم ببطلان البيع الربوي و عدم اختصاص البطلان بالمقدار الزائد، كما إذا باع خمسة كيلوات من الحنطة بعشرة كيلوات من حنطة أخرى، فإنه لا يمكن الحكم بصحة البيع بالإضافة إلى مبادلة خمسة كيلوات بخمسة، و بالبطلان بالإضافة إلى الخمسة الزائدة، فإن مبادلة الخمسة بالخمسة لم تنشأ حتى يعمها مثل قوله سبحانه أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ بل المنشأ مبادلة الخمسة بالعشرة، و هذه المبادلة إنما تنحل بالإضافة إلى مبادلة نصف الخمسة بنصف العشرة، و ربع الخمسة بربع العشرة و هكذا، بخلاف الربا في باب القرض، فإنه لا يوجب بطلان عقد القرض، فان القرض و الاقتراض في حقيقتهما تمليك المال و تملكه بالضمان، و معنى الضمان اشتغال الذمة بمثل ذلك المال في المثليات، و بقيمته في القيميات، فالزيادة تكون شرطا فيهما. و بما أن بطلان الشرط لا يوجب بطلان أصل العقد يصح القرض و الاقتراض و يبطل الشرط.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 367

[السابع ظاهر إطلاق الأصحاب أنه لا يشترط فيمن يصل إليه الخراج أو الزكاة من السلطان على وجه الهدية]

السابع ظاهر إطلاق الأصحاب (1)

______________________________

و يترتب على ما ذكرنا

أنه لو ترك المستعمل، الأرض التي تقبلها من السلطان بما يضره، لم يكن عليه شي ء لا الأجرة المسماة لفساد القبالة، و لا اجرة المثل، فان تلك الأجرة لا تثبت في صورة ترك استعمال الأرض و رفع اليد عنها.

(1) نسب (ره) في هذا الأمر إلى ظاهر كلمات الأصحاب عدم اعتبار الاستحقاق في من يأخذ الزكاة أو الخراج من السلطان أو عماله مجانا، و نقل عن المحقق الكركي نسبة ذلك الى إطلاق الاخبار، و ناقش فيه بأن الأخبار واردة في شراء الخراج أو الزكاة أو تقبل الأرض من السلطان، و لا يعتبر في المشتري أو المتقبل أمر زائد على ما في اشتراء سائر الأموال من سائر الأشخاص. و لعله أراد إطلاق ما دل على حل جوائز السلطان، و لكن الأخبار الواردة في حلها واردة في اشخاص خاصة، فيحتمل كونهم مستحقين لبيت المال.

و الحاصل أن الحكم بنفوذ تصرف الجائر في الخراج على الإطلاق بمعنى إمضاء تمليكه لغير مستحقيه أو إمضاء تفريقه على غير صلاح المسلمين مشكل، كما أن الحكم بنفوذ أخذه بأن يكون المأخوذ خراجا مطلقا و لو فيما إذا دفعه اليه مستعمل الأرض اختيارا أو تقبل الأرض منه كذلك، مع إمكان المراجعة إلى حاكم الشرع كان مشكلا (أقول): ورود أخبار حل الجوائز في أشخاص خاصة ممنوع، فان فيها ما يكون من قبيل سائر الإطلاقات، كما في صحيحة محمد بن مسلم و زرارة جميعا، قالا: «سمعناه يقول جوائز العمال ليس بها بأس» «1» نعم لا شهادة لها على ما ذكره المحقق الكركي (ره) و ذلك لما ذكرنا سابقا من أن الجائزة بمقتضى قاعدة اليد محكومة بكونها ملك الجائر، و أن الجواز في مثل الصحيحة حكم ظاهري تكون غايته

العلم بحرمتها، فلا يعم ما إذا أحرز كونها مغصوبة من شخص يعرفه الآخذ، أو أنها زكاة لا تحل لغير الفقير و هكذا.

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجزء (12) الباب: (51) من أبواب ما يكتسب به- الحديث: (5)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 368

[الثامن: أن كون الأرض خراجية يتوقف على أمور ثلاثة]
[الأول كونها مفتوحة عنوة]

الأول كونها مفتوحة عنوة (1)

______________________________

و كأن المحقق الكركي مع ذكره إطلاق بعض الاخبار و ظاهر الأصحاب في عدم اعتبار الاستحقاق في الآخذ اعتبر الاستحقاق فيه و رفع اليد عن إطلاق ذلك البعض، و استظهره من كلام العلامة، و ذكر في وجه اعتباره قوله (ع) في رواية الحضرمي:

«ما يمنع ابن ابى السماك أن يبعث إليك بعطائك، أما علم أن لك في بيت المال نصيبا» فان مقتضى ذلك ان حل بيت المال لأبي بكر باعتبار كونه ذا نصيب فيها.

و فيه أن قوله (ع) (أما علم) علة لتوبيخ ابن ابى السماك على تركه إرسال المال إلى السائل، فيستفاد منه حل بيت المال لمن يكون له فيها نصيبا و أما عدم الحل لمن لا نصيب له بإعطاء الجائر و تمليكه، فهذا خارج عن مدلوله.

و أما استظهاره الاعتبار من كلام العلامة، فلأن المأخوذ من الزارع و مستعمل الأرض بعنوان الخراج أو الزكاة خراج أو زكاة حقيقة، كما هو مقتضى كونهما حق اللّه و براءة ذمة المأخوذ منه من ذلك الحق، و إذا كان المأخوذ خراجا أو زكاة فيترتب عليه حكمهما من عدم جوازهما لغير مستحقهما.

و فيه أنه لا منافاة بين كون المأخوذ خراجا أو زكاة و جوازهما لغير مستحقهما بهبة السلطان أو عماله باعتبار إمضاء هذه التصرفات كما مر.

(1) أراضي الكفار- التي استولى عليها المسلمون بالقهر و القتال المعبر عنها بالمفتوحة عنوة- ملك للمسلمين على المشهور،

لا لاشخاصهم على نحو التوزيع، و لا لعنوانهم على نحو ملك الزكاة لعنوان الفقراء، بحيث يكون المأخوذ منها ملكا شخصيا للأخذ، بل تلك الأراضي تكون باقية على حالها حتى بعد أخذها و استعمالها.

و مقتضى تبعية المنفعة للعين دخول منافعها من الخراج و المقاسمة أو اجرة المثل في بيت مال المسلمين المحكوم عليها بلزوم صرفها في مصالحهم، و المتصدي لذلك من له الولاية عليهم على ما مر في ضمن الأمور المتقدمة.

و في صحيحة الحلبي قال: «سئل أبو عبد اللّه (ع) عن السواد ما منزلته؟ فقال:

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 369

..........

______________________________

هو لجميع المسلمين، لمن هو اليوم، و لمن لم يخلق بعد فقلت الشراء من الدهاقين؟

قال: لا يصلح إلا أن تشترى منهم على ان يصيرها للمسلمين، فإذا شاء ولى الأمر أن يأخذها أخذها، قلت فإن أخذها منه قال يرد عليه رأس ماله، و له ما أكل من غلتها بما عمل» «1».

و دلالة هذه على ما ذكر لا تحتاج إلى مؤنة، فان ارض السواد إما مفتوحة عنوة كما عليه المشهور، أو من ارض الصلح بشرط كونها للمسلمين، كما احتمله المصنف (ره) نعم البناء و الآثار لمستعمل تلك الأراضي، و لا تتبع رقبة الأرض، و لذلك يثبت للمستعمل حق بها، كما ربما يظهر ذلك من ذيل الصحيحة أيضا، و نحوها رواية أبي الربيع الشامي عن ابى عبد اللّه عليه السلام، قال: «لا تشتر من ارض السواد شيئا إلا من كانت له ذمة، فإنما هو في للمسلمين» «2» و المراد بمن له ذمة هو مستعمل الأرض أو الذي تقبلها بالمعاملة مع الوالي.

و بمثل هاتين الروايتين يرفع اليد عن الإطلاق و العموم في بعض الروايات الدالة على كون

الأراضي ملكا للإمام عليه السلام، كما في صحيحة عبد الملك من قوله عليه السلام «يا أبا سيار الأرض كلها لنا» «3» و ما في رواية أبي خالد الكابلي عن ابى جعفر عليه السلام، قال «وجدنا في كتاب على عليه السلام أن الأرض للّه يورثها من يشاء من عباده و العاقبة للمتقين، أنا و أهل بيتي الذين أورثنا اللّه الأرض و نحن المتقون، و الأرض كلها لنا، فمن أحيى أرضا من المسلمين فليعمرها، و ليؤد خراجها الى الامام من أهل بيتي، و له ما أكل منها «4».

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجزء (12) باب (21) من أبواب عقد البيع و شروطه- الحديث (4)

(2) وسائل الشيعة الجزء (12) باب (21) من أبواب عقد البيع و شروطه- الحديث (5)

(3) وسائل الشيعة الجزء (6) الباب: (4) من أبواب الأنفال- الحديث: (12)

(4) وسائل الشيعة الجزء (17) الباب: (3) من أبواب إحياء الموات- الحديث: (2)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 370

..........

______________________________

هذا مع أن المراد من اللام في (الأرض كلها لنا) الأعم من ملك العين و ملك التصرف، بشهادة قوله عليه السلام: (فما اخرج اللّه منها في شي ء فهو لنا) فإنه من الضروري أن ما يخرج من الأرض من الثمار و الزرع يكون ملكا لزراعها و غراسها، و رواية أبي خالد لا تخلو عن المناقشة في سندها.

(لا يقال) انها معارضة بما دل على ملك الأرض بالإحياء كصحيحة محمد بن حمران، قال: «سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول أيما قوم أحيوا شيئا من الأرض و عمروها فهم أحق بها و هي لهم «1»» (فإنه يقال) معارضة ذيل رواية الكابلي مع مثل الصحيحة لا تضر باعتبار صدرها الظاهر في كون كل الأراضي ملك

الامام عليه السلام.

و الحاصل انه لو فرض تمامية الروايتين بحسب السند و الدلالة، فلا بد من رفع اليد عن عمومهما بالتقييد الوارد في روايات الأنفال، و أن ملك الإمام هي الأراضي التي لم يجر عليها القتال كموثقة إسحاق ابن عمار، قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الأنفال؟ فقال: هي القرى التي قد خرجت و انجلى أهلها فهي للّه و للرسول، و ما كان للملوك فهو للإمام، و ما كان من الأرض بخربة لم يوجف عليه بخيل و لا ركاب، و كل ارض لا رب لها، و المعادن منها، و من مات و ليس له مولى، فما له من الأنفال «2».

في صحيحة حفص بن البختري، قال: «الأنفال ما لم يوجف عليه بخيل و لا ركاب أو قوم صالحوا أو قوم أعطوا بأيديهم، و كل أرض خربة و بطون الأودية، فهو لرسول اللّه، و هو للإمام من بعده يضعه حيث يشاء» «3» و قريب منها، غيرهما.

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجزء (17) الباب: (1) من أبواب إحياء الموات- الحديث: (4)

(2) وسائل الشيعة الجزء (6) الباب: (1) من أبواب الأنفال- الحديث: (20)

(3) وسائل الشيعة الجزء (6) الباب: (1) من أبواب الأنفال- الحديث: (1)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 371

..........

______________________________

فقد تحصل مما ذكرناه ان ما عن المحقق الإيرواني (ره) من أن الأراضي المفتوحة عنوة كسائر الأراضي ملك للإمام عليه السلام، و انما يكون للمسلمين الانتفاع بها- لا يمكن المساعدة عليه. نعم الأراضي- التي استولى عليها المسلمون بغير قتال، أو صالح أهل تلك الأراضي على كونها للإمام- تختص به (ع)، كما تدل عليه صحيحة حفص، و قريب منها غيرها، كرواية محمد بن مسلم عن ابى جعفر (ع)

قال: «سمعته يقول: الفي ء و الأنفال ما كان من أرض لم يكن فيه إراقة الدماء، و قوم صالحوا و أعطوا بأيديهم، و ما كان من أرض خربة أو بطون أودية، فهو كله من ألفي، فهذا للّه و لرسوله، فما كان للّه فهو لرسوله يضعه حيث يشاء و هو للإمام بعده» «1» رواها الشيخ بسنده الى على ابن الحسين بن فضال، و في سنده اليه ضعف، لوقوع على بن محمد بن الزبير فيه. و قد ذكرنا سابقا أن تجويز الامام (ع) العمل بكتب بنى فضال- على تقديره- لا يقتضي اعتبار كل خبر ثبت نقله عنها، و لو لم يثبت أو لم يكن رواتها بثقات، و إنما يقتضي أن فساد اعتقادهم لا يضر بجواز العمل برواياتهم فيما إذا حصل سائر شروط العمل بالخبر الواحد.

و الحاصل أن الرواية صالحة للتأييد فقط، و يلحق بالأراضي المفتوحة عنوة الأراضي التي صولح عليها، على أن تكون للمسلمين، كما هو مقتضى صحة الصلح و نفوذه، و لو صالحوا الكفار على بقاء أراضيهم في ملكهم جاز، و تكون- كالأراضي التي أسلم أهلها طوعا و رغبة- باقية في ملك أربابها، كما يدل على ذلك- مضافا الى كونه مقتضى نفوذ الصلح- صحيحة البزنطي، قال: «ذكرت لأبي الحسن (ع) الخراج و ما سار به أهل بيته، فقال العشر و نصف العشر على من أسلم طوعا، تركت أرضه في يده و أخذ منه العشر و نصف العشر فيما عمر منها. و ما لم يعمر منها، أخذه الوالي فقبله ممن يعمره، و كان للمسلمين، و ليس فيما كان أقل من خمسة أو ساق شي ء.

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجزء (6) الباب: (2) من أبواب الأنفال- الحديث: (12)

إرشاد الطالب إلى التعليق

على المكاسب، ج 1، ص: 372

يثبت الفتح عنوة بالشياع (1)

______________________________

و أما ما أخذ بالسيف فذلك الى الامام يقبله بالذي يرى، كما صنع رسول اللّه (ص) بخيبر، قبل أرضها و نخلها.» «1».

ظاهر قوله (ع) فذلك الى الامام أن له الولاية في التصرف فيها، لا أنه ملكه، فإنه فرق بين التعبير بأنه الى الإمام أو أنه للإمام (ع)، و الأول لا ينافي ما تقدم من أن المأخوذ عنوة ملك المسلمين، فإنه يكون ملكهم مع ثبوت الولاية للإمام (ع). نعم ما ذكر في الصحيحة- من أن الميتة من الأراضي التي أسلم أهلها طوعا ملك المسلمين- ينافي ما تقدم من كون الأراضي الميتة من الأنفال، فلا بد من حمل المذكور فيها على التقية كما قيل، أو حمل اللام على غير افادة الملك من سائر الانتفاعات. هذه أقسام الأرضين في كونها ملكا لأربابها أو للإمام (ع) أو للمسلمين.

(1) يثبت الفتح عنوة و كذا الصلح على كون الأرض للمسلمين بالشياع المفيد للعلم، و بشهادة العدلين، و لو كانت من قبيل الشهادة على الشهادة، و بالشياع المفيد للظن المتاخم للعلم المعبر عنه بالاطمئنان. و ذكر المصنف (ره) أن الاكتفاء بالشياع كذلك مبنى على اعتباره في كل مورد تكون إقامة البينة فيه عسرة، كنسب شخص أو كون مال وقفا أو ملكا مطلقا لا يتعلق به حق للآخرين، ككونه رهنا أو وقفا.

الصحيح أنه لو كان المراد بالظن المتاخم للعلم هو الاطمئنان فلا يختص اعتباره بصورة خاصة (ثم) إن العسر في إقامة البينة على إطلاق الملك مبنى على عدم كفاية اليد في الشهادة بالملكية المطلقة و إلا فلا عسر في إقامتها كما لا يخفى. و لا اعتبار لغير ما ذكر من الأمارات الظنية حتى قول

أهل التاريخ إلا إذا كان من قبيل خبر العدل أو الثقة، حيث أنه لا يمكن الاعتماد على تلك الظنون في مقابل أصالة عدم الفتح عنوة أو عدم الصلح على كون الأرض للمسلمين.

(لا يقال): الرجوع إلى أهل التاريخ في إحراز كون الأرض مفتوحة عنوة أو

______________________________

(1) وسائل الشيعة: الجزء (11) الباب: (72) من أبواب جهاد العدو- الحديث: (2)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 373

..........

______________________________

ارض صلح من قبيل الرجوع الى أهل الخبرة و لا يعتبر في الرجوع إليهم التعدد و العدالة بل يكفى كون أهل الخبرة ثقة (فإنه يقال): لم يحرز كون الحوادث في أطراف الأرض و أكنافها من الأمور التي يحتاج إدراكها إلى نظر و اجتهاد ليندرج المخبر بها في عنوان أهل الخبرة، بل الظاهر أن نقل تلك الحوادث لا يزيد على نقل سائر الأمور مما يكون نقلتها مجرد رواة لها.

(لا يقال): لا يمكن الرجوع الى أصالة عدم كون الأرض مفتوحة أو أرض صلح على أنها للمسلمين، فإنه يعارضها أصالة عدم كونها ملكا لسائر الناس (فإنه يقال) إذا دار أمر الأرض بين كونها ملكا لسائر الناس فعلا أو من المفتوحة عنوة أو صلحا، فالمعارضة صحيحة و يتساقط الأصلان، و تكون الأرض من المجهول مالكها. و أما فيما إذا احتمل أن لا يكون لها مالك فعلا، كما في أرض خربة لا يحتمل بقاء مالكها الأول عادة، و لا يعلم له وارث، فيجري أصلان و يحكم عليها بالأنفال. حيث أن مع أصالة عدم كونها من المفتوحة عنوة أو ملكا لسائر الناس تدخل الأرض في عنوان ما لا رب له، المحكوم عليه بكونه ملكا للإمام (ع)، كما في موثقة إسحاق بن عمار، قال:

«سألت أبا عبد اللّه

(ع) عن الأنفال؟ فقال: هي القرى التي خربت و انجلى أهلها- الى ان قال:- و كل ارض لا رب لها» «1».

ثم إن الرجوع الى الأصل أو الحكم بكونها لمالكها المجهول إنما هو على تقدير عدم اليد على تلك الأرض أو اعتراف ذي اليد بعدم كونها ملكا له، و إلا حكم بكونها ملكا لذي اليد، فإنها أمارة على الملك.

و الحاصل أنه لو أراد شراء الأرض، فمع يد البائع عليها يحكم بكونها ملكا له، و مع عدم اليد فلا بد من المعاملة معها معاملة المجهول مالكها أو الأنفال، و كذا ما إذا أراد استيجارها كما لا يخفى.

ثم إنه لا يبعد اعتبار شهادة العدل الواحد في الموضوعات أيضا، فإن الاعتناء

______________________________

(1) وسائل الشيعة: الجزء (6) الباب: (1) من أبواب الأنفال- الحديث: (20)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 374

..........

______________________________

بخبر العدل و الثقة عليه سيرة العقلاء في الأمور الراجعة إلى معاشهم و معادهم، بلا فرق في ذلك بين كون الخبر المزبور حاكيا عن الحكم أو الموضوع، و لم يردع عنها الشرع إلا في بعض الموارد، كالاخبار عن رؤية الهلال، كما يستفاد ذلك مما ورد من أنه لا عبرة فيها بغير شهادة رجلين عدلين، و مثلها ما إذا كان خبر العدل متضمنا للدعوى على الغير مالا أو حقا، فإنه لا يرفع اليد في تلك المقامات عن مقتضى قاعدة اليد أو أصالة الصحة و نحوهما بمجرد قيام خبر العدل، كما يستفاد ذلك من الاخبار الواردة في القضاء، بل لا اعتبار به في موارد قاعدة اليد مطلقا و لو لم تكن أخباره في موردها من قبيل الدعوى على الغير. و يؤيد- اعتبار خبر العدل بل الثقة فيما ذكرنا- في جواز

الاعتماد على أذان الثقة و اخبار الثقة عن زوجية امرأة يريد تزويجها، و التعبير بالتأييد باعتبار أنه لا يمكن التعدي منهما إلى سائر الموارد مع الإغماض عن السيرة المشار إليها، حيث أنهما من قبيل النص في مورد خاص.

(لا يقال) الاخبار بكونه زوجا لامرأة يريد الآخر تزويجها من قبيل الدعوى على الغير (فإنه يقال): الاخبار كذلك لا يكون من قبيل الدعوى بالإضافة الى من يريد تزويجها، و إنما تكون دعوى على المرأة، و ظاهر الرواية اعتبار خبر الثقة بالإضافة الى من يريد تزويجها، و هي ما رواه الشيخ بإسناده عن الحسين بن سعيد عن أخيه الحسن عن زرعة عن سماعة، قال: «سألته عن رجل تزوج جارية أو تمتع بها، فحدثه رجل ثقة أو غير ثقة أن هذه امرأتي، و ليست لي بينة، فقال: إن كان ثقة فلا يقربها، و إن كان غير ثقة فلا يقبل منه».

لا يقال ظاهر رواية مسعدة بن صدقه عدم العبرة في الموضوعات إلا بشهادة رجلين، قال: «سمعت أبا عبد اللّه (ع) يقول: كل شي ء لك حلال حتى تعرف انه حرام بعينه فتدعه من قبل نفسك، و ذلك مثل الثوب عليك قد اشتريته و هو سرقة، و المملوك عندك لعله حر قد باع نفسه أو خدع فبيع قهرا، أو امرأة تحتك و هي أختك

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 375

و أشكل منه إثبات ذلك باستمرار السيرة (1)

______________________________

أو رضيعتك، و الأشياء كلها على هذا حتى يستبين لك غير ذلك أو تقوم به البينة» «1» فإن مقتضى الحصر المستفاد منها عدم الاعتبار بغير شهادة العدلين، و لا يبعد كون الرواية موثقة لثبوت التوثيق العام لمسعدة، لوقوعه في أسناد تفسير على بن

إبراهيم و كامل الزيارات، و لكنها لا تصلح للردع عن اعتبار خبر الثقة في الموضوعات. و ذلك فان المراد بالبينة ليس خبر العدلين، بل من المحتمل لو لم يكن ظاهرا- انها ما يوضح الواقع كما تستعمل فيه لغة فلاحظ موارد استعمالها في القرآن. و المفروض أن خبر الثقة يوضح الواقع كما هو مقتضى السيرة المشار إليها.

و (ثانيا) دلالتها على عدم اعتبار خبر الثقة في الموضوعات حتى في غير موارد الدعوى على الغير و نحوها بالإطلاق أو العموم، فيرفع اليد عنه في غير تلك الموارد بالسيرة الجارية على الاعتناء بخبر الثقات على ما تقدم.

و الحاصل أنه لا بأس بالالتزام باعتبار خبر العدل أو الثقة في الموارد التي أشرنا إليها، و منها الاخبار عن كون الأرض مفتوحة عنوة أو أنها للمسلمين فيما إذا لم تكن على الأرض يد تقتضي كونها ملكا لذيها، كما إذا تقبلها الزارع من السلطان مع عدم يد لآخر يحتمل كونها له.

(1) الشاك في حال الأرض (تارة) مستعملها الذي يتقبلها من السلطان أو من يأخذ من السلطان خراجها مجانا أو معاملة (و اخرى) من يأخذ الخراج ممن تلقاه من السلطان و الشاك في الصورة الاولى لا يجوز له تقبل الأرض أو أخذ خراجها. و ما قيل- من أن استمرار يد السلاطين على أرض في العصور المتتالية كاشف عن كونها للمسلمين و إلا فلو كان وضع اليد عليها شيئا حادثا تعرض له أهل التواريخ- لا يمكن المساعدة عليه، و ذلك فإنه يمكن حدوث الوضع و عدم تعرضهم لنقله، كما أهملوا الحوادث الكثيرة. و مع الإغماض عن ذلك، فان عدم تعرضهم لحدوث يد السلطان

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجزء (12) الباب (4) من أبواب ما يكتسب به-

الحديث (4)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 376

..........

______________________________

عليها في زمان كذا لا يزيد على عدم تعرضهم لكون الأرض خراجية. و قد تقدم عدم الاعتبار بنص أهل اللغة بكون الأرض خراجية، و كذا لا يمكن الحكم بالجواز باعتبار حمل تصرف السلطان فيها على الصحيح، لأن الصحة تكليفا في فعله مقطوع العدم، حيث أنه لا يجوز له التصرف فيها و لا في خراجها، كانت للمسلمين أم لغيرهم. و الحمل على الصحة وضعا ايضا غير ممكن، لعدم إحراز ولايته على المعاملة عليها أو على أجرتها، و إحراز ولايته بقاعدة اليد- كما عن بعض- غير صحيح، للعلم بأن يده عليها أو على خراجها عدوانية، غاية الأمر المعتدى عليه مردد بين كونه من سائر الناس أو كونهم المسلمين، كما لا مجال لدعوى أن أخذه الخراج من الأراضي الخراجية أقل فسادا من أخذه من غيرها، فيحمل أخذه على كونه من الأراضي الخراجية.

و الوجه في عدم المجال أنه ليس في المقام الا محرم واحد، و هو تصرفه في الأرض أو خراجها سواء كانت الأرض للمسلمين أم ملكا لسائر الناس. و ليس في البين عنوانان محكومان بالحرمة، و أحرز صدور أحدهما عن مكلف، و شك في صدور الآخر، كما إذا لم يعلم أنه زنى فقط أو زنى و ظلم بإكراهه المرأة على الزنا، فان مقتضى أصالة الصحة عدم صدور الظلم بالإكراه، نعم لا يثبت بذلك رضا المرأة بالزنا، كما هو المقرر في محله، مع أن المهم في المقام هو الحمل على الصحة وضعا. و ذكرنا أنه- للشك في ولاية السلطان على المعاملة على الأرض أو خراجها- لا مجرى لأصالتها.

و اما الصورة الثانية أي الأخذ ممن تقبل الأرض أو خراجها من

السلطان، فان احتمل في حق الآخذ من السلطان الفحص و اطلاعه على حال الأرض و تقبلها أو أخذ خراجها من السلطان بعد إحراز حالها، فلا بأس بحمل فعله على الصحة بأخذ الأرض أو خراجها منه. و أما مع العلم بعدم التفات الآخذ الى ذلك أو اعتماده على قول بعض أهل التواريخ الذي لا يصح الاعتماد عليه، فلا يجوز للغير المعاملة مع الآخذ، لعدم

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 377

[الثاني ان يكون الفتح بإذن الإمام (ع)]

الثاني ان يكون الفتح بإذن الإمام (ع) (1)

______________________________

إحراز اعتبار أصالة الصحة في مثل هذه الموارد كما لا يخفى.

ثم إنه لا ثمرة للبحث في فتح ارض العراق عنوة أو كونها للمسلمين شرطا في الصلح، و ذلك لعدم ترتب اثر خاص على فتح الأرض بالعنوة، فان ما تقدم، من آثار كون الأرض للمسلمين و لو كان بالصلح. و دلالة الروايات على كون أرض العراق ملكهم واضحة. و في صحيحة الحلبي أنه «سئل أبو عبد اللّه (ع) عن ارض السواد ما منزلته؟ فقال: لجميع المسلمين لمن هو اليوم مسلم، و لمن يدخل في الإسلام بعد اليوم و لمن لم يخلق بعد» «1» و لذا ذكر المصنف (ره) أن مثلها يحتمل فتحها عنوة أو الدخول في ملكهم صلحا. و أما غير ارض العراق فلم تدل على حالها رواية معتبرة، غير ما ورد في فتح خيبر. و على ذلك فاللازم مراعاة ما تقدم تفصيله و اللّه العالم.

(1) المنسوب الى المشهور اعتبار إذن الامام (ع) في كون الأرض خراجية بفتحها عنوة، و بدون اذنه تكون الأرض من الأنفال. و يستدل على اعتباره بمرسلة العباس الوراق عن ابى عبد اللّه (ع)، قال: «إذا غزا قوم بغير اذن (ع)، فغنموا

كانت كلها للإمام، و إذا غزوا بأمر الإمام فغنموا كان للإمام الخمس» «2» و لكنها لضعف سندها غير قابلة للاعتماد عليها، مع أنها معارضة بما دل على أن الأرض المفتوحة عنوة ملك المسلمين، كمرسلة حماد بن عيسى عن ابى الحسن (ع)، و فيها: «و الأرضون التي أخذت عنوة بخيل أو ركاب فهو موقوفة متروكة في يد من يعمرها و يحييها و يقوم عليها على ما صالحهم الوالي على قدر طاقتهم.» «3»

و النسبة بين هذه و مرسلة الوراق العموم من وجه، لان هذه خاصة بالأراضي و مطلقة بالإضافة إلى إذن الامام (ع) و عدمه، كما أن مرسلة الوراق مختصة بصورة

______________________________

(1) وسائل الشيعة: الجزء (12) الباب: (21) من أبواب عقد البيع- الحديث (4)

(2) وسائل الشيعة الجزء (6) الباب: (1) من أبواب الأنفال- الحديث: (16)

(3) وسائل الشيعة الجزء (11) الباب: (41) من أبواب جهاد العدو- الحديث: (2)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 378

..........

______________________________

عدم إذن الامام (ع) و مطلقة من حيث كون الغنيمة أرضا أو غيرها. و مورد اجتماعهما هي الأرض المفتوحة بغير إذنه (ع)، و بعد سقوط الإطلاق من الجانبين يرجع الى إطلاق الآية المباركة الدالة على خروج الخمس من مطلق الغنيمة الشاملة للأرض أيضا، فيكون باقي الأرض للمسلمين، لان تقسيم غير الخمس للمقاتلين كسائر الغنيمة غير محتمل، و كونه للإمام (ع) خلاف الآية، فتكون النتيجة عدم اعتبار إذنه (ع) في كون الأرض خراجية.

هذا كله في الكبرى أي في اعتبار اذنه (ع) في كون الأرض خراجية. و اما الصغرى أي إذنه (ع) في الأراضي التي فتحت بعد النبي (ص)، فقد أشار إليه المصنف بقوله: (و الظاهر أن ارض العراق مفتوحة بالاذن) و يستفاد كونها

كذلك مما دل على أن أرض العراق ملك لجميع المسلمين، كما في صحيحة الحلبي المتقدمة آنفا، و قريب منها غيرها، حيث أنها لو كانت مفتوحة بغير اذنه (ع) لما كانت للمسلمين.

و لا يبعد جريان حكم ارض العراق على سائر الأراضي المفتوحة في الإسلام، كما يظهر ذلك من صحيحة محمد بن مسلم عن ابى جعفر (ع)، قال: «سألته عن سيرة الإمام في الأرض التي فتحت بعد رسول اللّه (ص)؟ فقال: إن أمير المؤمنين (ع) قد سار في أهل العراق سيرة فهم إمام لسائر الأرضين، و قال: إن ارض الجزية لا ترفع عنهم الجزية» «1» حيث أن دلالتها- على جريان حكم ارض العراق على سائر الأراضي المفتوحة بعد رسول اللّه (ص)- واضحة، و لكن لا دلالة لها على اعتبار اذن الامام (ع) في كون الأرض للمسلمين بفتحها عنوة، كما لا يمكن الاعتماد في ذلك على رواية جابر الجعفي أو على ما اشتهر من حضور أبى محمد الحسن (ع) في بعض الغزوات، لأن رواية جابر ضعيفة، و مجرد نقل القميين و ضبطها في كتبهم لا يكون كاشفا عن اعتبارها، كما أن حضور ابى محمد (ع) في بعض الغزوات لا يكشف عن إذن الامام

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجزء (11) الباب: (69) من أبواب جهاد العدو- الحديث (2)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 379

[الثالث ان يثبت كون الأرض المفتوحة عنوة بإذن الإمام (ع) محياة حال الفتح]

الثالث ان يثبت كون الأرض المفتوحة (1)

______________________________

و رضاه، فلعل حضوره كان لرعاية التقية، و عدم رضاه بذلك الحرب كان لأجل المحذور في المحاربة في ذلك الوقت، حيث انه ربما لا يكون فتح بلد في وقت معين صلاحا، لتوقفه على التضحية بأرواح المسلمين و أموالهم كثيرا، بخلاف تأخيره إلى وقت آخر.

و ما ذكره المصنف

(ره)- في كشف إذن الامام (ع) في تلك الغزوات بحمل غزوهم على الصحة- لا يمكن المساعدة عليه، فان الغزو بدون اذن الامام (ع) ليس بمحرم، خصوصا في ذلك الزمان الذي لم يكن فيه خيار للمقاتلين في مخالفة أميرهم.

و ايضا الحمل على الصحة انما يتم فيما إذا لم يكن للغزو بغير إذنه اثر ليحكم بفساده، و اثر الغزو بدون اذنه كون الغنيمة للإمام (ع).

(1) ذكر (ره) في هذا الأمر بأن إخراج الخمس من الغنيمة يجري في الأراضي المفتوحة عنوة و نسب ذلك الى المشهور، و أن ما يكون للمسلمين بعد خراج خمسها هي المحياة أى المعمورة حال الفتح. و أما الميتة منها فهي كالميتة من سائر الأراضي تكون من الأنفال، بل قيل بعدم الخلاف في اعتبار الحياة الفتح.

(أقول): أما الأول فقد ذكر في وجهه دلالة قوله سبحانه أَنَّمٰا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ ءٍ. «1» على اعتبار الخمس في الغنيمة الشاملة بإطلاقها للأراضي المفتوحة.

و لم يذكر في الآية قسمة باقيها على المقاتلين ليكون ذكرها قرينة على كون المراد بالغنائم هي الأموال المنقولة.

و فيه أن الأظهر عدم الخمس في الأراضي المفتوحة بل الأرض بتمامها للمسلمين، فإن الأرض المزبورة فرد من الغنيمة. و قد دل الدليل على أنها لجميع المسلمين أى بتمامها. و هذا الظهور باعتبار كونه ظهور الخاص و بيانا لحكم فرد من الغنيمة مقدم على إطلاق الآية.

______________________________

(1) سورة الأنفال (8)- الآية (41)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 380

نعم لو مات المحياة حال الفتح فالظاهر بقائها على ملك المسلمين (1)

______________________________

و (اما الثاني) أي اعتبار الحياة فيما يكون للمسلمين بحيث تكون الموات حال الفتح داخلة في الأنفال، فقد ذكر المصنف (ره) في وجهه عموم ما دل على أن

الموات من الأنفال، كما في صحيحة حفص عن ابى عبد اللّه (ع)، قال: «الأنفال ما لم يوجف عليه بخيل أو ركاب أو قوم صولحوا أو قوم أعطوا بأيديهم، و كل أرض خربة و بطون الأودية فهو لرسول اللّه (ص) و هو للإمام بعده يصنعه حيث يشاء» «1» و نحوها غيرها.

(لا يقال): يعارض ذلك العموم ما دل على أن المفتوحة عنوة للمسلمين، فإنه يعم الأرض المعمورة و الميتة معا، و أجاب (ره) عن ذلك بأن الإجماع المحكي- على دخول المفتوحة عنوة في ملك المسلمين- لا يعم الأراضي الميتة، فإن الداخل في ملكهم بعنوان الغنيمة، و هذا العنوان يختص بما كان ملكا للكافرين، و لا يعم الأراضي الميتة التي هي من الأنفال للإمام (ع) قبل الفتح و بعده، و كانت يد الكفار عليها يد عدوان.

و اما الروايات كصحيحة الحلبي الواردة في حال ارض السواد أى العراق، فظاهرها أيضا كون الداخل في ملكهم بعنوان الغنيمة التي لا تصدق على الأراضي التي لم تكن ملكا للكفار (أقول) لم يظهر مما ورد في كون المفتوحة عنوة ملك المسلمين أن الداخل في ملكهم ما كان لأشخاص الكفار، بل يعم الأراضي التي كانت في أيديهم من المعمورة و المخروبة، فلاحظ صحيحة محمد الحلبي المتقدمة الواردة في أرض السواد، بل مقتضى تقييد الأرض الخربة- في موثقة إسحاق بن عمار المتقدمة بما لم يوجف عليه بخيل و لا ركاب- عدم جريان حكم الأنفال على الخربة التي أوجف عليها بالخيل، حيث انها واردة في مقام تحديدها.

(1) قد يقال: أن ما ورد- من كون المفتوحة عنوة موقوفة متروكة في يد من يعمرها، و أنها ملك المسلمين بإطلاقه- يعم بقاء الأرض على الحياة أو لا، كما أن

موثقة

______________________________

(1) وسائل الشيعة: الجزء (6) باب: (1) من أبواب الأنفال- الحديث: (1)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 381

..........

______________________________

إسحاق بن عمار- المتقدمة الدالة على كون الخربة من الأنفال بإطلاقها- تعم ما إذا طرأ الخراب على المفتوحة عنوة، و بعد تساقط الإطلاق من الجانبين يرجع الى استصحاب بقاء الأرض على ملك المسلمين.

و ذكر السيد الخوئي طال بقاه أنه يحكم بعد طروء الخراب على المفتوحة، بأنها من الأنفال، حيث أن شمول- ما دل على كون المفتوحة ملكا للمسلمين لما بعد الخراب- بالإطلاق، و دلالة كون- كل خربة ملك الامام- بالعموم، و عند تعارضها يقدم العموم الوضعي، لعدم تمامية مقدمات الإطلاق معه.

و الحاصل: أنه لا تصل النوبة إلى الاستصحاب ليقال بأن مقتضاه بقاء الأرض على حالها في كونها ملكا للمسلمين.

و فيه أن لازم ما ذكر الالتزام بخروج الأرض عن ملك محييها بمجرد خرابها، فان شمول ما دل على أن (من أحيى أرضا فهي له) لما بعد الخراب بالإطلاق، فيقدم عليه العموم الدال على ان الخراب ملك للإمام (ع)، بل مقتضى هذا العموم دخول الأرض بالخراب في ملكه (ع)، حتى فيما إذا كان ملك الغير بالإرث أو الشراء أو نحو ذلك.

و لا أظن أن يلتزم طال بقاه بذلك.

و الأظهر ما ذكره المصنف (ره) من عدم خروج الأرض بالخراب عن ملك المسلمين لا للاستصحاب، ليقال أنه لا تصل النوبة إليه في المقام، بل لتقييد الخربة في موثقة إسحاق بن عمار الواردة في مقام بيان الأنفال، بالتي لم يوجف عليها بخيل أو ركاب، و بانجلاء أهلها، و لدلالة صحيحة سليمان بن خالد على عدم خروج الأرض الخراب عن ملك مالكها، قال: (سألت أبا عبد اللّه (ع) عن الرجل

يأتي الأرض الخربة فيستخرجها، و يجري أنهارها و يعمرها و يزرعها ما إذا عليه؟ قال: الصدقة قلت فان كان يعرف صاحبها فليؤد إليه حقه» «1» حيث أن مقتضى ثبوت اجرة المثل على معمر الأرض

______________________________

(1) وسائل الشيعة: الجزء (17) الباب (3) من أبواب احياء الموت الحديث (3)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 382

و مع الشك فيها فالأصل العدم (1)

______________________________

عدم خروجها عن ملكية مالكها، و لا يحتمل الفرق بين طرو الخراب على الأرض التي تكون ملكا لشخص أو كونها ملكا لعنوان المسلمين. نعم ربما يظهر- خروجها إلى ملك عامرها و إن كان ملكا لآخر من قبل، من صحيحة معاوية بن وهب، قال: «سمعت أبا عبد اللّه (ع) يقول: أيما رجل أتى خربة بائرة فاستخرجها و كرى أنهارها و عمرها فان عليه فيها الصدقة، فإن كانت أرضا لرجل قبله فغاب عنها و تركها فأخربها، ثم جاء بعد يطلبها، فإن الأرض اللّه و لمن عمرها» و لكن هذه مطلقة من جهة إعراض المالك الأول و عدمه، فيحمل على صورة الإعراض، لظهور صحيحة سليمان بن خالد في خصوص عدم الاعراض كما لا يخفى.

ثم إنه لا دلالة لصحيحة سليمان بن خالد على جواز استعمال الأرض و إحيائها و لو بلا رضا مالكها. و الوجه في عدم دلالتها عدم ورودها في بيان هذه الجهة، حيث أن السؤال فيها عن الحق الثابت على مستعملها.

و الحاصل أن مقتضى احترام مال المسلم عدم جواز التصرف في أرضه بدون رضاه. و ما ورد- من سقوط احترام الملك في مورد تعطيل المالك، الأرض ثلاث سنين أو عشر سنين- لضعفه لا يصلح للاعتماد عليه.

(1) ثم انه بناء على اعتبار الحياة حال الفتح تدخل الأرض

في ملك المسلمين على تقدير حياتها، و على تقدير مماتها حاله تدخل في ملك محييها، ثم الى غيره بالإرث أو غير ذلك، و إذا شك في حال الأرض زمان فتحها، فان كانت بيد من يدعى الملكية لها فيحكم بكونها ملكا له، و على تقدير عدم اليد أو اعتراف ذي اليد بأنها ليست له، أو كونها بيد السلطان الجائر المعلوم عدم ولايته عليها، يدور أمرها بين كونها ملك المسلمين أو ملكا لشخص آخر أو ملك الامام (ع) لانقضاء المالك الشخصي و ورثته فالأصل عدم كونها عامرة حال فتحها، كما أن الأصل عدم كونها فعلا لشخص آخر و نتيجة الأصلين كونها من الأنفال على ما تقدم.

و ما ذكر المصنف (ره)- من لزوم الجمع بين رعاية حكم أرض الخراج و

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 383

فينزل على ان كلها كانت عامرة (1)

______________________________

حكم المال المجهول مالكه أو القرعة فيها- لا يمكن المساعدة عليه نعم الأول احتياط مستحب.

(1) لا يحتمل ذلك عادة، بل إطلاق أرض السواد باعتبار غلبة الحياة على أراضيها و ما ذكره- من تأييد كون ارض العراق بتمامها عامرة بتحديد ارض الخراج بما في المنتهى و غيره- ضعيف بل لم يعلم وجه التأييد فتدبر. الى هنا انتهى ما أردنا إيراده في المكاسب المحرمة و يتلوه كتاب البيع ان شاء اللّه تعالى و الحمد للّه أولا و آخرا.

________________________________________

تبريزى، جواد بن على، إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، 4 جلد، مؤسسه اسماعيليان، قم - ايران، سوم، 1416 ه ق

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.